تحذير من تقديرات خاطئة لدراسة دولية تقلص حصة السودان من مياه النيل
منتدى الإعلام السوداني
كمبالا – 1 يوليو 2025 (سودانايل)
حذّر خبراء باحثين في المياه من خلل في تقديرات لدراسة دولية لاستهلاك السودان من مياه النيل قد يقلص نصيب السودان من المياه مستقبلا. وكشف الباحثان السودانيان المختصان في المياه بروفيسور ياسر عباس وبروفيسور سيف الدين حمد، وهما وزيران سابقان للري والموارد المائية، عن فجوات خطيرة في تقديرات استهلاك السودان من مياه النيل. مشيرَين إلى أن الاعتماد على بيانات غير دقيقة وافتراضات غير محققة في بعض الدراسات الدولية يهدد العدالة في توزيع الموارد المائية بين دول حوض النيل.
جاء ذلك في ورقة تعليق علمية (COMMENT PAPER) نُشرت مؤخراً في مجلة (International Journal of Hydrology) الدولية، أعدها بروفيسور ياسر عباس من (معهد دلفت للتعليم المائي) بهولندا، وبروفيسور سيف الدين حمد من (مركز دراسات أمن المياه) في السودان هنا.
وانتقد الباحثان دراسة صادرة عام 2023عن (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) (MIT) بالولايات المتحدة الأمريكية هنا، قدّرت استهلاك السودان من المياه بما يتراوح بين ( 13.8 و19.1 مليار) متر مكعب سنويًا، معتبرَين أن هذا التفاوت الواسع، الذي يتجاوز 30%، يعكس ضعفاً في المنهجية وعدم دقة في النتائج. وأوضحا أن الدراسة اعتمدت على بيانات محطة دنقلا دون التحقق منها بمقارنتها بمحطة سد مروي، ما أدى إلى فرق يتراوح بين (5 و6 مليارات) متر مكعب، لا يمكن تفسيره فقط بالتبخر أو التغذية الجوفية. كما أشارا إلى أن الدراسة تجاهلت كميات المياه التي تعود إلى النهر من مشاريع الري الكبرى، مثل الجزيرة والرهد، واحتُسبت كما لو أن كامل المياه تُضخ من النيل دون مراعاة العائد منها.
وقدّم الباحثان إثنين من السيناريوهات لتفسير الفرق بين متوسط تدفق النيل عند أسوان (84 مليار م³)، والتدفق عند دنقلا (80.5 مليار م³)، حيث يفترض السيناريو الأول أن فاقد السودان بسبب النقل يبلغ (3.5 مليار م³) فقط، ما اعتبر غير واقعياً. فيما يفترض السيناريو الثاني أن الفاقد يصل إلى (12 مليار م³)، ما يرفع التقدير الطبيعي إلى ( 92.5 مليار م³) سنويًا، وهو ما يثير تساؤلات حول عدالة اتفاقية 1959، ويوحي بأن كلاً من السودان ومصر قد تلقّيا حصصاً أقل من التدفق الفعلي.
وشدّد الباحثان على ضرورة اعتماد تقنيات أكثر دقة، والجمع بين بيانات الأقمار الصناعية والتحققات الميدانية لضمان موثوقية النتائج. وأكّدا أن استخدام صور الأقمار الصناعية مفيد، لكن لا بد من اعتماد منهجيات دقيقة على مستوى الأحواض الفرعية، مع استخدام بيانات موثوقة من الخزانات ومحطات التشغيل الفعلي، مطالبَين بمزيد من الدراسات لسد الفجوات المعرفية وضمان إدارة عادلة ومستدامة.
حصلت بحيرة ناصر في مصر على 90 بالمائة من حصة السودان بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023
خبير في مجال السدود
وأوضح خبراء أن الحرب الجارية الآن أضعفت فعلياً حصة السودان من مياه النيل. فوفقاً لموقع DW أكد د. محمد حافظ، الخبير في مجال السدود، أن (بحيرة ناصر) حصلت على 90 بالمائة من حصة السودان منذ أبريل 2023 بداية اندلاع الحرب في السودان، مما أضاف حوالي ( 25 مليار متر مكعب)، مشيراً إلى أن المنسوب الحقيقي للبحيرة كان سيقل بمقدار (7,5 مترا) لو كان السودان يعيش في استقرار سياسي. وأوضح (أنه إذا استمرت الحرب في السودان حتى نهاية سبتمبر 2025، فقد تستحوذ بحيرة ناصر على حوالي (60 مليار متر مكعب) إضافية من الفيضانات، مما يعوض ما تم تخزينه في سد النهضة الإثيوبي”. وأضاف أنه في حالة استمرار الحرب في السودان لعدة سنوات، وحصول مصر على الحصة السودانية، “قد تتمكن مصر من تعويض حوالي 80 بالمائة من العجز المائي المتوقع بعد اكتمال بناء سد النهضة الإثيوبي، مما سيؤثر إيجابيًا على توقعات مصر بشأن تأثير السد”.
تعود أصول حصة السودان من مياه النيل إلى اتفاقية 1959 الثنائية بين السودان ومصر، والتي خصصت (18.5 مليار متر مكعب) سنويًا للسودان، من جملة ( 84 مليار م³ ) عند أسوان، بينما مُنحت مصر( 55.5 مليار م³ ). وقد جاءت اتفاقية 1959 امتدادًا لاتفاقيات استعمارية سابقة، ولم تشمل باقي دول حوض النيل، ما جعلها محل جدل دائم في الأوساط الإقليمية والدولية. أبرزها المشكلة القائمة بين إثيوبيا دولة المنبع، ومصر والسودان كدول المصب، عقب إعلان أثيوبيا في العام 2011 نيتها إنشاء (سد النهضة) بسعة تخزين (74 مليار متر مكعب) كأحد أكبر السدود بإفريقيا، دون استشارة مصر والسودان، الأمر الذي اعتبرته مصر تعدياً على حقوقها المائية المكتسبة من الاتفاقية وتهديداً لأمنها القومي.
ويجب الإشارة إلى أن الدراسة التي أصدرها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) لا علاقة لها بأزمة مياه النيل، بل نفذت ضمن مشروعات بحثية أكاديمية مستقلة علمية، تهدف إلى دعم فهم إدارة الموارد المائية في الأحواض الدولية، وخاصة في المناطق ذات النزاع أو الضغط المائي.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد صحيفة (سودانايل) في إطار تأثير الحرب على قدرة الدولة على إدارة ومتابعة أكثر الملفات حساسية واستراتيجية، أبرزها ملف مياه النيل وما يتعلق به من دراسات ومعلومات وبيانات، مثل ورقة التعليق تلك والدراسة موضوع التعليق، والتي تكشف عن تقديرات خاطئة قد تشكل خطراً على حصة السودان من مياه النيل مستقبلاً حال البناء عليها.