اراضي شرق السودان : نزاع داخلي وإحتلال خارجي

نزاع الأراضي في السودان: الشرق ... نزاع داخلي وإحتلال خارجي

– شبكة عاين – ١٨ مارس ٢٠١٦ –

الحديث عن نزاع الأراضي في شرق السودان متداخل بين المكونات السكانية والتدخلات الحكومية عن طريق الاستثمارات وبين التدخل الإقليمي باحتلال الأراضي من قبل مصر (حلايب وشلاتين) وإثيوبيا (الفشقة الصغرى والكبرى ومناطق في بني شنقول).

يضم شرق السودان ثلاث ولايات و هي: البحر الأحمر، كسلا والقضارف، وهي من الولايات التي تساهم في الدخل القومي، بأشكال مختلفة من الزراعة مثل القضارف وكسلا وما تدره الموانئ البحرية في بورتسودان وسواكن في ولاية البحر الأحمر، حتى لجأت الحكومة لاستئجار الموانئ لعدد من الدول منها إثيوبيا (رغم نزاع الأراضي معها في الفشقة) وتشاد، أو عبور بضائع لدول اخرى مثل جنوب السودان وتشاد. ومع ذلك فإن سكان شرق السودان هم الأفقر حيث ينتشر في تلك المناطق مرض السل (الدرن) وتحظى أقلية بسيطة من سكان الإقليم على السلطة والثروة وغالب هذه الأقلية من خارج الإقليم.

وقد تمرد مؤتمر البجا ،الذي يضم قبائل البجا في شرق السودان وهو أقدم تنظيم سياسي في الشرق والذي تأسس عام ١٩٥٨، على الحكومة المركزية في تسعينيات القرن الماضي بتحالف إقليمي مع تنظيم الأسود الحرة  الذي يضم ابناء قبيلة الرشايدة تحت مسمى (جبهة الشرق) وفق التحالف العريض في التجمع الوطني الديمقراطي (١٩٩٢-٢٠٠٥). ووقعت جبهة الشرق إتفاق سلام مع الحكومة السودانية في العاصمة الإرترية ، اسمرا ، في عام ٢٠٠٦ و نالت مناصب حكومية في ولايات الشرق و في حكومة المركز مثل حصول موسى محمد أحمد على  منصب مساعد الرئيس.

تقاسم الاراضي الزراعية في الفشقة بين السودان وإثيوبيا

ويجاور الإقليم ثلاثة دول وهي مصر، إرتريا وإثيوبيا. كما يقع فيه كل الساحل السوداني المطل على  البحر الاحمر والمقدر طوله بـ ٨٢٠  كلم . ومساحة إقليم الشرق تقدر بـ (18%) من اراضي السودان. ويضم الشرق نسبة عالية من جملة الأراضي الزراعية في السودان، ولكن عدم ترسيم الحدود بين السودان وإثيوبيا أدى لتدخل عصابة الشفتة داخل الأراضي السودانية للإستفادة منها في إنتاج الحبوب لبعض المجموعات السكانية الأثيوبية، الأمر الذي تسبب في صراع دامي بين سكان المناطق الحدودية دون تدخل من حكومات البلدين لوضع حل لهذه الازمة المتطاولة والتي شملت نهب وإتجار بالبشر، إضافة الى جرائم الإغتصاب، مما إستدعى إنسان الشرق لمطالبة الحكومة بوضع حد لهذه الجرائم.

وتقول المحامية والناشطة في الدفاع عن قضايا شرق السودان زينب مالك لـ (عاين) إن السودان يعاني من مشاكل فيما يخص الأراضي بصورة عامة، وهو ما شجع من زيادة الحروب في مناطق كثيرة كانت في الاصل ناجمة عن صراع بين الرعاة والمزراعين. واضافت أن شرق السودان يختلف عن بقية أجزاء البلاد، فالصراع الذي يدور حول الأراضي الزراعية في منطقتي الفشقة وحمدايت الاستراتيجية الحدودية والتي تربط السودان، إثيوبيا و إرتريا، وتبلغ مساحة الأرض الصالحة للزراعة في الفشقة حوالي (١،٢٥٠،٠٠٠) فدان والمستخدم منها بالفشقة الكبرى (٧٥٠،٠٠٠) فدان.

وأوضحت مالك لـ(عاين) أن نسبة الأراضي أعلاه مقسمةٌ تقسيم مشترك بين السودانيين و الاثيوبين داخل الأراضي السودانية. المزروع منها بواسطة السودانيين (٣٢٠،١٩٢) فداناً، إلى جانب (٣٠٩،٣٥٠) فدان تمت زراعتها بواسطة الإثيوبيين في الفشقة الكبرى وما تبقي منها يعتبر أرض بور، وتقول إن الوضع ينطبق على اراضي الفشقة الصغرى الصالحة للزراعة والتي تبلغ مساحتها (٥٠٠،٠٠٠) فدان، وتضيف أن ما تمت زراعته من قبل السودانيين لا يتجاوز (٦٣،٥٤٥) فدان وذهبت ما تقدر مساحته بـ (٤١٠،٨٢٨) فدان زرعها الاثيوبيون، وتبلغ مساحة الارض البور نحو (٢٥،٦٢٧) فدان.

وتشير مالك إلى أن المساحة المزروعة بواسطة السودانيين في الفشقة الكبرى والصغرى تبلغ (٣٨،٧٣٧) فدان، ومن ناحية الاثيوبيين (٧٢٠،١٧٨)، وتقول (هذه الأحصائية توضح الأعتداء الجائر على الأراضي الزراعية وصمت الحكومة السودانية المريب رغم أن إثيوبيا لم تعلن رسمياً ملكيتها لأراضي الفشقة ولم تصرح بأن المنطقة فيها نزاع بل وتعترف بملكية السودان لهذه الأراضي)، الخرطوم ظلت تعترف رسمياً بوجود مشكلة على حدودها مع إثيوبيا لكنها لم تخطو خطوات جادة لحل هذه الأزمة المتطاولة، وكثيراً ما فشلت اللجان المشتركة بين البلدين في ترسيم الحدود او الإتفاق على كيفية حل الأزمة بينهما في ظل توغل إثيوبي مستمر على الأراضي السودانية الخصبة ولكن  معزوله .

من جهته يقول الباحث في الأراضي بشرق السودان المهندس محمد يعقوب لـ(عاين) إن السودان يتفوق على إثيوبيا بمساحة اراضيه الشاسعة مع قلة عدد سكانه خاصة في تلك المناطق الحدودية بين البلدين إلى جانب أن إثيوبيا تواجه عدة مشاكل زراعية باعتبار أنها تقع على هضبة وسلسلة جبال لذلك فإن إنتاجها الزراعي قليل وتبعد الحدود الاثيوبية عن ولاية القضارف حوالي (١٥٠ ) كلم وتشكو من حالة تردي في الخدمات والبنية التحتية، موضحاً أن الإعتداءات على الأراضي السودانية اصبحت في تزايد حتى طالت منطقة (باسوندا) احدى مناطق الفشقة الصغرى والتي تبعد ٢٠ كلم عن الشريط الحدودي، يحدها من الشرق نهر عطبرة وتبلغ مساحتها (٢٥١ ) الف كلم.

ويشير يعقوب إلى أن منطقة الفشقة رغم خصوبة أراضيها وكثافة انتاجها للحبوب الزيتية، القطن قصير التيلة والصمغ فضلاً عن الفاكهة والخضروات لكنها تعتبر من المناطق التي أصبحت شبه معزولة عن بقية أراضي شرق السودان بعد انشاء سد (نهر عطبرة) وظهور بحيرة السد واهمال الدولة لبناء معبر أو جسر لسكان المنطقة مما جعلها صيداً سهلاً لعصابات الشفته الاثيوبية فهي محاطة بالأنهار.

وبالعودة إلى زينب مالك في هذه الجزئية، فأنها تحمل الحكومة السودانية مسؤولية تغلغل الاثيوبيين إلى  اراضي الفشقة مما شكل عبئاً على المواطن السوداني الذي اصبح يفقد اراضية بشكل مستمر، وتضيف أن هناك ضحايا كثر من المزراعين والرعاة السودانيين والأطفال الذين قتلتهم مليشيات الشفته الاثيوبية وتستولي على اكثر الاراضي الزراعية خصوبة في السودان والتي تمتد على طول الخط الحدودي بين السودان وإثيوبيا على مساحة ١٢٠ كلم، وتشير إلى أن نظارة عموم (دار بكر) فقدت اكثر من (٦٠ ) فرداً في العامين الماضيين و تم اختطاف (٤٠) آخرين.

برلماني : الأمر تجاوز إغتصاب الإراضي

وكان عضو البرلمان عن دوائر القضارف اسماعيل احمد موسي قد قال إن إثيوبيا احتلت نحو ٧٩٤  الف كلم من الاراضي السودانية وأضاف أن هناك (٣٢) حالة من الإستيلاء والتعدي على الأراضي الزراعية، مناشداً الحكومة السودانية بالتدخل لإعادة الاراضي المحتلة في محلية الفشقة، ويقول لـ(عاين) إن الأمر في مناطق الحدود قد تجاوز نهب الأراضي ووصل إلى حد إغتصاب النساء، ويشير إلى أن هنالك ما يقارب الـ (٤٠ ) بلاغ اغتصاب في المناطق الحدودية. ويضيف (نحن في البرلمان سنعمل من أجل الاسراع لإعادة المناطق التي تم نهبها وإقامة مؤتمر الحدود مع الجارة إثيوبيا لكي نوقف معاناة الناس)، موضحاً أن الأراضي التي تم الإستيلاء عليها من قبل الاثيوبيين هي الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية مما يعني ان استعادتها ستمكن المواطن من ممارسة الزراعة للاكتفاء الذاتي خاصة وإن هنالك حالة من الفقر.

من جهتها إستنكرت رئيسة الجبهة الشعبية المتحدة لشرق السودان زينب كباشي موقف الحكومة السودانية تجاه المواطن في شرق السودان وقضايا الاراضي فيها، وتقول أن تقاعس الحكومة في أداء دورها لأسباب سياسية يرجع لصفقات تم عقدها  مع إثيوبيا، وترى أن ضعف الخرطوم وعدم اكتراثها بحماية الاراضي والسيادة الوطنية من التغول الاثيوبي سببه أن النظام يعمل على حماية مصالح نافذين فيه، وتضيف (الأراضي التي احتلتها إثيوبيا هي داخل الحدود السودانية وتعتبر اخصبها والتي تغولت عليها المليشيات التابعة لحكومة اديس ابابا وقد تجاوزت مليون فدان).

وتقول كباشي لـ(عاين) إن البداية كانت نابعة عن غفلة الحكومة وتجاهلها للتنمية في مناطق شرق السودان وقد أدى ذلك إلى قيام المزارعين بإيجار أراضيهم الزراعية إلى الأثيوبيين مقابل مبالغ مالية ضخمة في الوقت الذي لا يتمتع فيه هؤلاء المزارعين بالدراية القانونية والإدارية التي تعمل علي حماية ممتلكاتهم وتضيف (كانت النتيجة فقدان السودانيين لاراضيهم وفقاً لتلك الحوجة المالية وفرطوا في حقهم والحكومة السودانية ايضاً تتحمل المسؤولية)، وتشير إلى أن الاوضاع تفاقمت بعد تدخل مليشيات الشفته الأثيوبية واحتلالها للاراضي والقيام بزراعتها، وترى أن اديس ابابا قامت بتشييد البنيات التحتية في المنطقة كمظهر من مظاهر سيادتها على المنطقة بعد دفن الموتى السودانيين الذين حصدتهم قوات المليشيات الاثيوبية وطرد المزارعين اصحاب الارض. تسألت كباشي قائلة : (هل هناك من أمل في أن يتم الترسيم النهائي للحدود بين البلدين وإغلاق صفحة النزاع حول الاراضي الزراعية في هذا العام ٢٠١٦ ؟). وقد وجه الاتحاد الافريقي بترسيم الحدود بين الدول الافريقية قبل نهاية هذا العام.

وهناك إتفاقية الحدود بين أثيوبيا و السودان منذ عام ١٩٠٢ و التي عرفت بالمعاهدة الأنجلو – أثيوبية و قد قام الميجور قوين بموجبها بوضع العلامات على الحدود، ومرة ثانية إعترفت إثيوبيا بهذه الحدود في العام ١٩٧٢ على أيام حكم الإمبراطور الاثيوبي هيلا سيلاسي والرئيس السوداني جعفر نميري، ثم تم تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين، والتي باشرت أعمالها لكنها توقفت العام ٢٠٠٤ نسبة لعدم سداد المبلغ اللازم دفعه من الجانبين لمواصلة العمل و هو حوالي ١٤ مليون دولار، ومع التطورات الاخيرة بين البلدين والمصالح المشتركة بينهما لا سيما ما يخص بناء سد النهضة وموقف الخرطوم المؤيد لاديس ابابا، يرى مراقبون أن قضية الأراضي الحدودية لن تحل قريباً.

وفي المقابل فإن مصر تحتل منطقتي حلايب وشلاتين منذ  العام ١٩٥٨ في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وهاتين المنطقتين متنازع عليهما بين الخرطوم والقاهرة منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، وفي يوليو ١٩٩٤  أرسلت الحكومة السودانية مذكرة إلى كل من الأمم المتحدة، الإتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية تشتكي بشن القوات المسلحة المصرية (٣٠) غارة على الحدود السودانية في منطقة حلايب. وكانت الخرطوم قد ارسلت ذات المذكرة في العام ١٩٩٣، ولكن في العام  ١٩٩٥ ، رفض الرئيس المصري الاسبق محمد حسني مبارك مشاركة وفد حكومته في مفاوضات مشتركة تبناها الإتحاد الأفريقي لحل ازمة حلايب، بعد محاولة اغتيال مبارك خلال القمة الأفريقية في اديس ابابا و اتهام  القاهرة الخرطوم بتدبير محاولة الاغتيال.  ومنها اصدر مبارك تعليمات لقواته بطرد القوات السودانية والسيطرة على المنطقة، وما زالت حلايب تحت سيطرة الحكومة المصرية رغم المطالب المتكررة من الحكومة السودانية بأن الأرض سودانية.