صحة سكان ولاية الجزيرة في “السوق السوداء”
82 يناير 2012
في شارع المستشفى الرئيسي بمدينة ود مدني بولاية الجزيرة أواسط السودان المكتظ بالمرضى ومرافقيهم والمحاط بمباني الصيدليات تنهار قوى تهاني السيد 43 عاماً ارهقها البحث طوال النهار عن دواء كتبه لزوجها المريض.
طافت السيد، مقار جميع الصيدليات المجاورة للمستشفى وأخرى في سوق المدينة دون جدوى، قبل ان يدلها أشخاص للبحث عن صيدليات بعينها تبيع الدواء في السوق الموازية- السوداء وما يعرف شعبيا في المدينة بـ “الكوكو”. “حصلت على الدواء، لكنني لا اعلم انه صالح للاستخدام ام منتهي الصلاحية”. تقول تهاني لـ(عاين) وتضيف: “اشتريته مضطرة واعلم انه يخضع للرقابة الحكومة ومسجل لدى السلطات الصحية”.
وظهر هذا النوع من تجارة الدواء “الكوكو” في ولاية الجزيرة بعد تفاقم ازمة الدواء التي يعيشها السودان خلال السنوات الاخيرة المرتبطة بتدهور الاقتصاد وارتفاع سعر الدولار. ويحتاج السودان الى استيراد أدوية بقيمة (400) مليون دولار سنوياً. في مدينة ودمدني قد لا تتحصل على “حقنة” مسكنة بحسب يوسف عمر – مواطن- اذ يوجد سعرين للدواء السوق الأسود والآخر مدعوم من الحكومة ويتوفر في صيدليتين فقط ويصل سعر الحقنة المسكنة في السوق الاسود الى (600) جنيه بينما لا يتجاوز سعرها في الصيدليات المدعومة (110) جنيها اذا توفرت.
ويضيف يوسف لـ(عاين)، “انا ابحث منذ الصباح عن محلول وريدي ولم اجده.. نحن نسأل اين الحكومة التى تقول ان الدواء مدعوم بنسبة 60% في وقت نفعل المستحيل لننقذ مرضانا.. على الدولة ان تضطلع بدورها.. نحن لم نثر على النظام السابق لنكتوي بمثل هذه الممارسات المرفوضة للمواطن جملة وتفصيلا ” .
“ويحتاج السودان الى استيراد أدوية بقيمة (400) مليون دولار سنوياً. و في مدينة ودمدني قد لا تتحصل على “حقنة” مسكنة – اذ يوجد سعرين للدواء السوق الأسود والآخر مدعوم من الحكومة ويتوفر في صيدليتين فقط ويصل سعر الحقنة المسكنة في السوق الاسود الى (600) جنيه بينما لا يتجاوز سعرها في الصيدليات المدعومة (110) جنيها اذا توفرت“. |
ويعكس الطبيب الصيدلي بود مدني، يوسف الحوري، واقع ازمة الدواء في ولاية الجزيرة بعد ان بات انسياب الدواء للولاية يواجه صعوبة مع ندرة كبيرة ومعظم الكميات تكون متوفرة في العاصمة وحصة الجزيرة من الدواء قليلة جدا غير ان الأسعار مختلفة عن العاصمة ومتفاوته بسبب الترحيل المكلف وزيادة أسعار الكهرباء والربط الخاص بالشركات التى تلزمنا باخذ عشرة اصناف حتى اذا كانت الحاجة الى صنف واحد ماخلف قصور كبير مقارنة مع إمكانيات الصيدليات التى لا تملك القدرة المالية الكافية وتحتاج الى توفر السيولة وهذا اضر بالأسعار.
تجارة وجشع
ويقول الحوري في مقابلة مع (عاين)، “المواطنون يلجأون (للكسارة ) وهم اشخاص من خارج الحقل الصحي ويتوفر لديهم المال لشراء الدواء و يستثمرون فيه باعتباره سلعة لاتخسر، وتتم العملية ان يأتي شخص معه كوته من الدواء يعرض على الصيدلي الصنف بزيادة سعر وليس بالسعر الرسمي وذات الدواء يخرج من الشركات بصورة غير رسمية ويزيد سعره عن الدواء الرسمي، وفي الوقت الذي يتوفر فيه الدواء لدى التجار لاتجده متوفر عند الشركات.
ويشير الطبيب الصيدلي إلى ان هؤلاء الأفراد يستغلون حاجة الصيدليات ويتحمل المواطن نتيجة الطريقة التي يصل بها الدواء ويدفع أموال طائلة مقابل حصوله على العلاج مثلاً علاج السكر يباع في العاصمة ب(100) وهنا يباع ب(200) جنيه ضعف السعر.
بيع الأدوية في أكشاك الفواكه
“يضطر المواطنين للتعامل مع السوق الأسود الذي فرض عليهم جميعاً اذ ان الادوية لاتتوفر حتى عند الوكلاء، وحجم الأزمة كبير ولاتتوفر ابسط الادوية مثل المحاليل الوريدية” يقول الصيدلي يوسف الحوري، ويتابع، “الواقع ان المحاليل وادوية اخرى تباع في المحلات الصغيرة ومحال العصائر ويختلف السعر بين النهار والليل يكون السعر نهاراً (300) جنيه ويصل في الليل الى (500) جنيه غير ان المرضى يشترون الدواء اينما كان متاحاً لتغطية الحاجة مع انها لا تتوفر في الصيدليات مايعني ان الدواء يتسرب بطريقة غير رسمية ولا تصل للمواطن بالطريقة السليمة وقد يضطر الشخص الى شراء المحاليل من بائعات الشاي او من محل فواكه ويكون متوفر في الأماكن حول المشفى ويغيب في الصيدليات الحكومية او الخاصة”.
واضاف “شيء مدهش ان تشتري الدواء من بائعات الشاي “، ويقول الحوري نحتاج الى مراقبة عامة وعقوبات صارمة للمخالفين وكيف يخرج الدواء إلى ايدي هؤلاء ما يحدث غير اخلاقي يجب ان يحدد أين هي بؤرة الفساد لان هناك استغلال لحاجة المرضى ويقوم بتوفير الدواء تجار لا علاقة لهم بمهنة الصيدلة وهم يعلمون ان الأرباح التي يجنوها من بيع الدواء لا يجدونها في السلع أخرى.
مخالفات قانونية
بدأ مدير فرع شركة “اميفارما ” للأدوية بالجزيرة، مستغرباً من دخول دواء غير مراقب وغير مسجل لدى وزارة الصحة او المجلس الطبي وقانونياً لا يجوز توفره بهذه الطريقة ولا احد يعلم الطريقة التى وصل بها الدواء وظروف الشحن اذا تعرض لدرجة حرارة عالية او انتهت صلاحيته هذه مصيبة. ويقول المدير الفرعي للشركة، الصادق حسن سنهوري لـ(عاين) يأتي الدواء بطرق غير شرعية وينتشر في كل السودان يمكن ان يكون هناك تهريب دواء من الدول المجاورة وهذه ظاهرة سيئة كانت غير موجودة.
“يضطر المواطنين للتعامل مع السوق الأسود الذي فرض عليهم جميعاً اذ ان الادوية لاتتوفر حتى عند الوكلاء، وحجم الأزمة كبير ولاتتوفر ابسط الادوية مثل المحاليل الوريدية“ الصيدلي يوسف الحوري |
وينوه إلى ان مستوى الخطر كبير بالمشاكل التى تظهر من تهريب الدواء بان يتعاطى الأشخاص دواء مهرب وغير مسجل هذا واقع كارثي. ويقول الصادق، ان شركات الدواء المحلية في السودان تغطي حوالي (60) % من احتياجات الدواء في البلاد، لكن المشكلة في الـ(40%) التى تستورد من الخارج عبر الشركات وهذه فئة مهمة جداً بالنسبة للمواطن اذ انها توفر الأدوية المنقذة للحياة كأدوية الضغط والسكر والأزمة.
مشكلة قومية
وزير الصحة المكلف بولاية الجزيرة، د. محمد المصطفي شيخ ادريس لـ(عاين) مشكلة الدواء قومية في كل السودان لا تنحصر في ولاية الجزيرة فحسب ولكن وزارة الصحة الإتحادية تتحدث عن وصول لاتفاقات وضخ (600) مليون دولار هذا يمكن ان يساهم في حل مشكلة الدواء بولاية الجزيرة التي قال انها ولاية عبور عبور وتستمد منها ولايات سنار كسلا، القضارف، والنيل الأزرق العلاج ومن ناحية اخرى نحن الولاية الأكثر عدداً من حيث المرافق الصحية اعلى من ولاية الخرطوم لدينا حوالي (980) مؤسسة علاجية و(98) مستشفى و(400) مركز صحي مايدلل اننا نستهلك دواء بكميات كبيرة اذ لا يتناسب وارد الدواء مع حجم الصرف.
ولا يرى شيخ ادريس، ان مشكلة الدواء في ولاية الجزيرة يمكن ان تحل دون حل المشكلة القومية. ويقول ان قيام سوق سوداء للدواء مثل اي سلعة فيها شح وندرة تنشأ أسواق موازية كما يشهد الوقود والدقيق وغيره من السلع والحل في توفر الدواء سيختفي تلقائياً السوق الاسود .