“سباق تسليح الأهالي”.. من يصنع الموت بجنوب كردفان؟
5 يناير 2022
يؤرق الانتشار الكثيف للسلاح بين المجموعات الأهلية لسكان ولاية جنوب كردفان لاسيما المنطقة الشرقية، وتزيد مخاوف السكان المحليين لجهة السباق المحموم بين الكثير من المكونات على المزيد من التسلح والاستقواء بالاسلحة الثقيلة التي شهدت مواجهات أهلية عديدة في الفترة الماضية استخدامها بكثافة.
وتشهد المنطقة الشرقية بولاية جنوب كردفان نزاعات اهلية مستمرة لاسيما التي وقعت في نوفمبر الماضي بين مكوني (دار علي وكنانة) ما ادى الى مقتل ستة اشخاص على الاقل وجرح (14) آخرين ، ونزوح حوالى (15000) شخص وفقا للأمم المتحدة.
تسليح مستمر
يشكل انتشار السلاح العشوائي في يد المكونات الاهلية بالمنطقة تساؤلاً كبيراً للسيدة فاطمة احمد البدري علي، المعلمة بمنطقة كالوقي، وتقول لـ(عاين)، “لانعلم من أين أتى السلاح، هل هو تجاري ام سلاح حكومي.. يبدو انهم يحصلون عليه من الحكومة بشكل او بأخر وكيف يحدث ذلك في وجود حكومة لديها جيش وقوات”.
“انتشار السلاح شجع المواطنين على الصراعات ويوجد الكثير من العاطلين عن العمل يقودون الصراعات حول الأرض والحقوق والأصول والثروة، لكن كل هذه الاشياء محفوظة ومعروفة وتبقى معضلة السلاح المنتشر والعطالة تغذيان أجواء الحروب بين قبائل جنوب كردفان”. يقول العمدة قادم يوسف قادم، بمنطقة ابو جبيهة لـ(عاين).
ويضيف: “على الرغم من عمودية المنطقة تحوى (40) شيخا اهليا وهي نموذج للتعايش والشكل القومي وفيها معظم اثنيات السودان العربية وغير العربية تتكاتف في كل العمل الجماعي وحل المشاكل و نعترف ببعضنا البعض وبذلنا مجهودات للعيش بسلام وترسيخ ثقافة ان يحصل المواطنين على حقوقه بطريقة سلمية وقانونية ولكن الاعتزاز بالسلاح يخلف ورائه دمار وخراب وقتل”. ويؤكد عمدة الحوازمة (الأسِرة) بمنطقة ابو جبيهة، حامد جمعة سليمان، حالة التجييش وسباق التسليح بين القبائل المتصارعة، وبعض المكونات تمتلك أسلحة ثقيلة .
ويقول سليمان لـ(عاين)، مشترطا حل النزاعات في المنطقة، “إذا لم تحل مشكلة السلاح الذي بحوزة القبائل لن تتوقف النزاعات الاهلية، سيما وان السلاح منتشر ويستخدم بشكل عشوائي بواسطة المكونات وجمع السلاح هو الخطوة الاولى في الحل ولا يزال دور الحكومة ضعيف رغم اننا وضحنا كل الملابسات للجهات الرسمية، وفي بعض الأحيان يلجأ المتضررين للإجراءات القانونية ولكن (90%) من المجرمين لا يتم القبض عليهم و يفلتون من العدالة ويصعب القبض عليهم بسبب وعورة المنطقة”.
ويعتقد جمعة، أن هناك تجار حرب ومستفيدين من تأجيج الصراع بين المكونات المختلفة المتعايشة منذ القدم، والمواطنين لا يرغبون في الحرب بجانب انعدام هيبة الدولة نتيجة ذلك يقتل المواطنين ويشردوا من مواطنهم الاصلية فيما تستمر المشاكل والتعبئة.
وقال “مايؤرق المنطقة الشرقية في جنوب كردفان هي النهب والسرقات.. نحتاج الى الدعم الحكومي والمجتمع في كل أنحاء السودان للمساهمة في حل المشاكل “، ولم يتمكن (90%) من سكان مناطق الصراع من الزراعة هذا العام وفقدوا ممتلكاتهم والوضع الاقتصادي والاجتماعي معقد ما لم توجد حلول جذرية” .
التعايش في خطر
واثر تسلح المكونات الاهلية في المنطقة الشرقية بجنوب كردفان على التعايش السلمي وأصبح صعب جدا في منطقة أبو جبيهة على عكس السابق، وباتت غير امنة ولا يوجد استقرار- بحسب جمعة، الذي يشير الى ان الصراع انتقل من محلية قدير الى منطقة أبو جبيهة رغم العمل على الإصلاح بين المكونين الذين بدأ بينهما الصراع (كنانة والحوازمة دار علي ) وامتد ليشمل مكونات أخرى بسبب غياب الدولة والامن وعدم التزام الأطراف بالصلح يتسبب في احداث قتل ونهب وسلب .
فيما يؤكد عمدة الصليحاب في أبو جبيهة ،فضل الله ابراهيم الزبير ، أنه رغم زيادة القوات النظامية وزيادة الوحدات الأمنية لحماية المزارعين ولكن التفلتات مستمرة سيما انهم يتوقعون مجيء الرحل في هذا الموسم لذلك لابد من زيادة الحماية، وعلى الحكومة ان تقوم بنزع الأسلحة الثقيلة من المواطنين لتقليل الاقتتال الأهلي.
ويقول عمدة الصليحاب في مقابلة مع (عاين) ان الصراع تطور واصبح بالاسلحة الثقيلة أبلغنا السلطات وطلبنا الفصل بين الطرفين بسبب الموت الكثيف، ومن ثم اجرينا وساطة بين الأطراف ونجحت ولكن تصاعد القتال مرة اخرى وتطور وتداعت القبائل واصبح القتال ممتد ، ولم تفلح ثلاثة عشر مبادرة في اصلاح الوضع وعدم الاستجابة بسبب تشكيك الأطراف، واستعصت الحلول.
دور حكومي ضعيف
ويطالب الزبير الحكومة الانتقالية ببذل مزيداً من الجهود لحل الخلاف بدلاً من دورها الضعيف والهزيل وازالة الغبن وجبر الضرر ، ويخشى أن يتعقد الوضع أكثر من ذي قبل بسبب غياب الأمان الذي يحول دون ممارسة المواطنين لحياتهم الطبيعية . تنحدر الأوضاع نحو الاسوأ بسبب تفشي القبلية وفقاً للعمدة قادم وتراجع الانتاج الزراعي بنسبة (25)% وانحصر الرعي والثروة الحيوانية وهي ثروة قومية أثر ذلك في معاش الناس والاقتصاد القومي، وفقدنا الكهرباء في المنطقة وتوقف إنتاج الذهب، وتعطلت مشاريع التعليم والصحة والبنية التحتية.
ويشكك عمدة الكواهلة بمحية قدير ،الشيخ السيد، عمدة في نوايا الحكومة المركزية تجاه قضية الاقتتال الأهلي بجنوب كردفان رغم استمراره. فيما يرفض العمدة الشيخ السيد القتل والاحتراب ويعتبره لايخدم مصالح سكان المنطقة المتساويين في الحقوق، ويطالب بمحاسبة المجرمين وترحيلهم جبرا للضرر حسب الأعراف الاهلية التى يستمد منها لقانون بعض نصوصه باعتبار ان الاعراف سارية في المنطقة أكثر من القانون وتقوم على التسامح و التصالح والتنازل والأطراف المتضررة تكون جزء من الحل ولكن الوالى قام بتعطيل العرف السائد .
اتهامات ورد عسكري
ويتهم السكان المحليين في منطقتي ابوجبيهة وكالوقي القوات المسلحة بالمساهمة في الصراعات الدائرة بالمنطقة، لجهة عدم تدخلها في الفصل بين المتقاتلين.
ويعزي المواطن بالمنطقة، حسن محمد علي، عدم تدخل القوات المسلحة لسوء العلاقة بينها ووالي جنوب كردفان السابق د. حامد البشير الذي استعان بالمليشيات منذ قدومه الى الولاية. لكن المعلم في المدارس الثانوية في المنطقة، فضل الله محمد، قال لـ(عاين)، ” الجيش يريد أن يوسع دائرة الاقتتال بعدم تدخله لشد الأطراف لمقاومة الانتقال الديمقراطي بالكامل في البلاد بإشعال الأطراف”.
لكن قائدا عسكريا بمدينة ابوجبيهة أفاد (عاين) بإقتضاب حول سؤال اسباب عدم تدخل القوات المسلحة لفض الصراع القبلي، “مهمتنا محصورة في العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي ولم تأتينا توجيهات بمثل هذه التدخلات”.