جذور الحرب: نهب الأراضي في جنوب كردفان

نهب الأراضي من قبل السلطات المركزية وعبر نافذين فيها، شكل أحد المداخل الأساسية لإنضمام أبناء جبال النوبة للكفاح المسلح، والان يطالبون بحق تقرير المصير، مما يزيد المخاوف بشأن انفصال جديد سببه الموارد. عبر هذا التقرير الاستقصائي (عاين) تبرز حجم مشكلة النهب الممنهج للأراضي في ولاية جنوب كردفان.

تقارير عاين الاستقصائية: ٢٠ اكتوبر ٢٠١٧

كنت أنتظر هطول الأمطار لحصد زرع يُكفينا غلاء الحياة. عندما اقترب موعد زواجي؛ أقرّ الطبيب عملية سحب (ماء سوداء) من العين اليٌسرى للوالد. كان الأمل يحدوني بموسم حصاد يٌغطي هذه الإحتياجات، ولكن في صبح مُلبدةً سماؤه بالغيوم، رأيتُ بعض الناس يشرعون في تخطيط  مزرعتنا بحجة تعثرنا في دفع رسوم تجديد الملكية، مع العلم أن هذه الأرض مملوكة لنا بالتوارث (نحن أصحاب حق)، وهي عبارة عن مشروع (١٥٠٠) فدان، جزءً منها نستغله للسكن، والآخر للزراعة، ولكن بين عشية وضحاها أصبحنا بلا مأوى. هكذا لخّص النور عثمان هبيلا لـ(عاين) قصته، وهي عيّنة من ممارسة رسمية رائجة تقضي باستملاك أراضٍ زراعية وسكنية في أكثر من ولاية سودانية، وتزرع بذور عدم الاستقرار لخدمة مصالح خاصة.

من أجل استعادة ملكية أرضه يقول النور “تابعنا الإجراءات الرسمية حتى حُفيت أقدامنا دون جدوى”. شكّل هذا الواقع المرير دافعاً أساسياً للالتحاق (النور هبيلا) بالكفاح المسلح لحماية أرضه من النهب. وتعتبر عائلة (النور) واحدة من أصل ٥٠٠ عائلة هُجرت من مشروع هبيلا الزراعي الواقع شرق مدينة الدلنج.

حجم المشاريع الزراعية في ولاية جنوب كردفان وجزء من غرب كردفان

حجم المشكلة
(عاين) تنظر في هذا التقرير الموسّع عن ولاية جنوب كردفان، في أسباب ظاهرة سلب الأراضي، وأثرها في استدامة الصراعات. بيد أن السودان – وبحسب تقرير للبنك الدولي عام ٢٠١٤ – بات في صدارة قائمة الدول التي تنزع الأراضي من الأفراد على نطاق واسع بحجة غياب وثائق تسجيل رسمية، إذ بلغت مساحة الأراضي المصادرة من الأفراد في الفترة من ٢٠٠٤ إلى٢٠١٣ حوالي ٤ مليون هكتار، سُلمت لمستثمرين أجانب ومحليين.

هذه ممارسة مقننة في السودان، وأساسها عدم الاعتراف بملكية أراض زراعية أو سكنية غير مسجلة، وتسجيل مساحات شاسعة منها بأسماء مستثمرين أجانب ورجال أعمال مقربين من النظام، ومسؤولين حكوميين وعسكريين، وذلك وفقاً لتقرير نشرته شبكة (الديمقراطية أولاً) المدنية الحقوقية. بيد أن السودان – وبفضل سياسة عدم الاعتراف بالملكية غير المسجلة رسمياً – تبوأ المرتبة الثانية في استقطاب الاستثمارات الأجنبية في المنطقة، بعد السعودية.

هذه السياسات تشمل مناطق كثيرة من ولاية جنوب كردفان المعروفة بخصوبة أراضيها وكثافة إنتاج الحبوب الغذائية والفاكهة، فضلاً عن الصمغ العربي – ينتج السودان أكثر من ٨٠ ٪ من هذا المحصول في العالم – تضم  ولاية جنوب كردفان مساحات صالحة للزراعة تُشكل ٣٥٪ من جملة الأراضي الخصبة في السودان، حسب تقدير (د. جمعة كُنده) المحاضر في جامعة  بحري.

طبوغرافية المنطقة
تعتبر ولاية جنوب كردفان (جبال النوبة) من أكبر المناطق السودانية، تبلغ مساحتها ٧٩,٤٧٠ كلم مربع، حيث تضم سهولاً جبلية متفرقة، ومساحات ممتدة من تربة القوز الرميلة، وأودية مغطاة بالصخور، ويغلب على تربة الإقليم التربة السوداء والأشجار كبيرة الحجم، وتجاور هذه المنطقة الجزئين الشرقي والغربي من إقليم دارفور، وتعرف منطقة جنوب كردفان بطول موسم الأمطار، التي تبدأ من أواخر مايو وتزداد غزارة حتى نهاية أكتوبر، وتنمو في هذه الفترة نباتات السافانا الطبيعية التي تعكس جودة التربة  وقدرتها الإنتاجية الزراعية.

تبلغ مساحة المنطقة الزراعية حوالي (٣١,٠٥٣,٤٨٠) فدان، تم تقييمها حسب صلاحيتها إلى (١٠,٩٤٠,١٠٠) فدان عبارة عن تربة ذات صلاحية عالية للزراعة، و(٦.٧٥٤,٤٤٠) فدان تربة ذات صلاحية متوسطة للاستخدامات الزراعية والرعوية، وهناك (٧,٠٤٧,١٨٠) فدان تربة قليلة الصلاحية للنشاطات الزراعية، لكنها صالحة للزراعة التقليدية والرعي، بينما توجد (٢,٦٢٢,٧٦٠) فدان تربة فقيرة تصلح فقط للرعي، تبقت من المساحة الكلية (٣,٦٨٩,٠٠٠) فدان، وهي مساحة الأودية ومجاري المياه.

أهم محصول زراعي هو الذرة بكافة مسمياته، الدخن، السمسم، اللوبيا، البَفرة والعدس. كان القطن خلال سنوات مضت يعتبر أهم محصول نقدي ولكن وحالياً أصبح محصول السمسم في المركز الأول، وتمثل التربة الصالحة لزراعة القطن ٤٥٪ من جملة الأراضي في الإقليم، وتعتبر منطقة (هبيلا) الواقعة في الريف الجنوبي لمحلية (الدلنج) من أكبر المشاريع الزراعية في الاقليم، اضافة الى منطقة (الترتر) الواقعة في الجزء الشرقي  المتاخم لجنوب السودان، وتنتج المنطقتين الحبوب الغذائية والزيتية بنسب عالية.

خريطة ولاية جنوب كردفان


أسباب الحرب
السياسة الحكومية القاضية بتمليك الأراضي لا تنعكس فحسب على الأفراد والسكان الأصليين في المنطقة، بل أيضاً على الوضع الأمني المجمل بالولاية، بيد أن أبناء النوبة حملوا السلاح للمرة الأولى ضد الحكومة المركزية، في أعقاب مساءلة برلمانية تقدم بها النائب الأسبق الراحل (يوسف كوة مكي) حول قانون الأراضي في الثمانينات، في فترة حكم الرئيس الأسبق (المشير جعفر النميري)، وذلك وفقاً للمستشار السابق لحكومة جنوب كردفان (محمد مريود)، حينها أصدر وزير العدل (حسن الترابي) قراراً نص على تحويل الأراضي غير المسجلة إلى ملكية الدولة، ما شكل خرقاً لقوانين التسوية. وكانت لجان مكلفة أنجزت تسوية وتسجيل الأراضي في كل الشمال الجغرافي ومشَروع الجزيرة، ولكن الترابي قرر تعطيلها. قسّم قرار (الترابي) الأراضي لملكية الدولة في غرب السودان، وللمواطن في شماله، ما أسس – بحسب خبراء – لسياسة التمييز بين الولايات الشمالية وبقية البلاد في ظل حكم (الإنقاذ).

هذه كانت بداية (المؤامرة لنهب الأراضي) من المواطنين، وانطلقت الاحتجاجات في المجالس التشريعية، وفي أروقة برلمان كردفان بقيادة (يوسف كوة مكى) الذي شرّدته السلطات، ليقود بعدها طريق (النضال) لحفظ الموارد. كانت هذه الحادثة كفيلة بإطلاق أول شرارة لحمل أبناء النوبة السلاح والانضمام للحركة الشعبية بقيادة الدكتور (جون قرنق).

هذا الرأي يتوافق مع آراء خبراء آخرين. الدكتور (جمعة كنده) المحاضر في جامعة بحري، الذي أكد لـ(عاين) ان الصراع بين الدولة وأصحاب الأراضي غير المسجلة في جبال النوبة كان قد بدأ عقب خروج المُستعمر ونهاية سياساته الواضحة في التعامل مع مواطني المنطقة، وأضاف “بسبب صراع الأراضي إنضم النوبة للحركة الشعبية”.

لماذا جنوب كردفان؟
بحسب كنده، تكتسي جنوب كردفان أهمية زائدة لأن ٤٥٪ من مساحتها أراضٍ صالحة للزراعة، أي ١٥٪ من جملة الأراضي الزراعية في السودان قبل انفصال الجنوب. هذه المساحة اتسعت إلى نسبة ٣٥٪ عقب الانفصال؛ وهو ما يعكس الأهمية الإقتصادية لولاية جنوب كردفان بالنسبة للسودان.

وبالإمكان تتبع آثار سياسة التمليك الحكومية في الولاية من مساحة الأراضي التابعة لمؤسسة الزراعة الآلية، والتي قفزت من ٤ مليون فدان عام ١٩٨٢، إلى ٩ مليون فدان، أي ما يُقارب ما بين  ٦٠-٧٠٪ من أراضي الزراعة التقليدية التي يمتلكها المواطن، ذلك وفقاً للخبير في الجغرافيا السياسية د. عطاء البطحاني . ويذهب في ذات الإتجاه المستشار (مريود) موضحاً توسع الرعاة داخل الأراضي يعتبر أكبر مدخل لنهب الأراضي ، واستشهد بالقول”مواطن يمتلك ٤ ألف رأس من الماشية تحتاج  لكافة المتطلبات من مأكل ومشرب، الأمر الذي جعل دم البهيمة أغلى من دم الإنسان”، موضحاً أنه استمع إلى العديد من شكوى في العام  ٢٠٠٠ من قِبل نُظار وعُمد، كلها كانت ضد إغتصاب الأراضي الذي كاد أن يصبح صراع قبلي.

من جهته يرى المهندس (صديق يوسف) أن نهب الأراضي الزراعية في جبال النوبة بدأ منذ أن تمت تصفية مؤسسة جبال النوبة الزراعية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية عمر البشير في آخر زيارة له في يوليو ٢٠١٧ إلى عاصمة كادوقلي عاصمة جنوب كردفان وجه  بإعادة مؤسسة جبال النوبة الزراعية في اعتراف منه بأهميتها رغم الأعطاب التي طالتها.

ويصف (صديق) تصفية مؤسسة جبال النوبة بأنها أكبر عملية نهب ممنهج، طالت حتى الاثاثات بالمؤسسة، ويضيف “فضلاً عن النهب، كانت هناك عمليات تمويل لصغار الجلابة على حساب إنسان المنطقة، وذلك بتمليك أراضي زراعية يُمارس فيها النشاط الزراعي إما باستئجار الأراضي الزراعية أو بامتلاكها، وتلقائياً يتحول المواطن لعامل زراعي”، ويستشهد بالعام ١٩٩١ عندما كان الدكتور (بابكر علي التوم) وزيراً للزراعة، قائلاً “في عهد الوزير(بابكر التوم) تم تقسيم المشاريع في جبال النوبة على حسب القدرة المالية للأفراد، وذلك بمعدل ألف فدان لكل فرد، وكان مواطنو المنطقة لا يملكون المال للدخول في التنافس”، ويضيف “كانت هذه القرارات لها أثر بالغ في إتساع التمرد، لأن المواطن البسيط جُرد من أرضه فلم يجد خيار سوى الإلتحاق بالتمرد”.

ويرى (يوسف) أن قضية الأرض ايضاً تنطبق على مناطق (صمغ الهشاب) في المنطقة الشرقية لجبال النوبة، حيث أصبح ملاّك الأراضي من خارج الولاية، بينما العمّال هم أصحاب الأرض الأصليين، ولكن وزير الزراعة في ولاية جنوب كردفان (علي دقاش) يعتقد في حديثه لـ(عاين) ان هنالك نسبة عالية من سكان المنطقة – حددهم بالفئة المستطيعة – يمتلكون نسبة من الأراضي الزراعية في الولاية، ويقول “هل من الأفضل أن يُمارس النشاط الزراعي على الأرض أم تظل أرضاً بور لفترات طويلة؟”، ويشير إلى أن دخول الشركات وبعض المستثمرين ساعد في تقليل البطالة، حيث استوعبت هذه المشاريع نسبة عالية من العمالة في الولاية، ويقول إن نسبة الأراضي المستخدمة الآن وصلت إلى٧٠٪ من جملة الأراضي الزراعية، وهي التي رفعت من معدل الإيرادات ومستوى الدخل لأنها مملوكة للسكان المحليين.

غير أن الدكتور (جمعة كنده) قسّم نسب ملكية الأراضي الزراعية إلى ١١٪ مملوكة للسكان المحليين، ٦٪ مملوكة للجمعيات التعاونية، ٧٢٪ مملوكة للتجار مباشرةٌ، ٦٪ للمسئولين الحكوميين، و ٥٪  للمؤسسات، موضحاً أن بعد فترة من الزمن تحولت النسب لصالح التجار، لفشل السكان المحليين في إيجار الوابورات، إلى جانب عدم القدرة على سداد القروض والسلفيات من البنوك، مما دفع عدداً منهم لبيع أراضيهم الزراعية للتجار، ويقول (كنده) “بلغ الأمر ذروته في العام ١٩٩٨، حيث كان هنالك ٢٠٠ مشروع زراعي مؤجر، قسمت كالآتي : ٤ مشاريع مؤجرة للتجار المحليين، ٤ للمؤسسة التعاونية و١٩٢ للتجار خارج الولاية” موضحاً أن هذا يتعارض مع قانون الزراعة الآلية في السودان.

دين واقتتال
تعرضت منطقة جبال النوبة الى العديد من عمليات الإحلال والإبدال للسكان، حيث ظهرت حالات عديدة لإغتصاب الأراضي المخصصة للسكن والزراعة، أما عن طريق النزع عبر السلطات أو إحالة الأراضي السكنية إلى زراعية لأفراد من خارج المنطقة، أدى ذلك إلى ازدياد التشريد القسري لمواطني المنطقة.

حيث شهدت الفترة من العام ٢٠١١ إلى  يومنا هذا عدد من حالات نزع الأراضي في مساحات شاسعة، راح ضحيتها مواطني المنطقة، أبرزها كانت حالة المحامي (عبد الله ودعجيب) الذي قتل في أرضه بسبب نزاع بينه وبين وافدين إلى المنطقة، كان قد تم تمليكهم الأرض  بإيعاز من السلطات المحلية. وتعود قصة (ود عجيب) إلى أنه يمتلك مشروعاً زراعياً في منطقة (الجعفرية) وهي منطقة زراعية حدودية بين ولايتي جنوب وشمال كردفان يطلق عليها إسم مشاريع (أم دوم).

وتقول عائلته إن الصراع نشب حول ملكية المشروع بين (ود عجيب) وأحد سكان الجعفرية بالقرب من (العباسية تقلي)، مما استدعى اللجوء إلى القضاء للفصل حول الصراع. وتضيف العائلة بأن المحكمة قضت بملكية المشروع للقتيل (ودعجيب). ويشير (عبد الله حسين) وهو أحد أقارب المجني عليه لـ(عاين) “ولكن بعد أن فصلت المحكمة في الدعوى قرر القتيل زيارة المشروع وإقامة (كرامة) بصحبة ثلاثة من أفراد الشرطة، لكن  كانت المفاجأة أن خصومه كانوا يتربصون به، حيث قاموا بهجوم استخدمت فيه أسلحة نارية وبيضاء أصيب فيها (ود عجيب) بضربة (فأس) في رأسه، كما تم إطلاق رصاص على أحد أفراد الشرطة من الذين كانوا برفقة المجني عليه، تم نقل المصابين إلى مستشفى ام روابة، غير أن (ودعجيب) فارق الحياة هناك متأثراً بجراحه.


التغول على الأراضي الزراعية
في محلية (الترتر) شكى المواطنين من التغول على الأراضي الزراعية بمختلف الوسائل، إما ببيعها بثمن زهيد لمصلحة نافذين في الدولة، أو التنازل عنها بإسم الدين إلى شيوخ الطرق الصوفية. وهذا ما حصل في مشاريع (جانديل) التي تصل مساحتها إلى ٥ ألف فدان، وباتت اليوم مملوكة بالكامل لشيوخ الطرق الصوفية من منطقتي (الشكينيبة) و(شبشبة) في عمق ولاية النيل الأبيض، وذلك وفقاً للمواطن (حميد) من (الترتر).

في ذات الاتجاه مضي المواطن (نصر أدم النيل) من محلية العباسية تقلي قائلاً إن إشكالية الأراضي تكمن بالمقام الأول في التخطيط، حيث يتم توزيعها لمجموعة من خارج المنطقة، ويضيف لـ(عاين) “نصيب أهالي المنطقة لا يتجاوز الـ١٠٪ وحتى هذه النسبة يمتلكها نافذون سياسياً وعسكرياً من أبناء المنطقة بعقلية التمكين التي انتهجتها الإنقاذ بشكل مباشر في بداية سنوات حكمها، الذي يمثل امتداد للحكومات السابقة، فيما يختص بعملية نهب الاراضي في منطقة تقلي”.

واستطرد (نصر) قائلاً “ايضاً التخطيط لا يراعي أهمية المحافظة على الغابات، التي أزيلت بشكل كامل في مناطق تقع في الحزام المتاخم لشمال كردفان”، مما أدى إلى تضرر الأهالي القاطنين بتلك المنطقة، وهي منطقة (جبل الداير) و(أم دوم) حيث تم تشريد ما يربو عن المئة عائلة، بسبب القطع الجائر والسيطرة على أراضيهم دون أدنى حق بواسطة مليشيات قبلية تتبع للسلطات، وهي بالطبع ذات أصول عربية رعوية تم تمليكها السلاح للاعتداء المنظم على الأراضي، آخرها كان الهجوم  على منطقة (السَنادرة) الآهلة بالسكان، والتي تعود مشكلتها لصِراع في الأراضي،  فتم ملاحقة السكان إلى داخل منازلهم، وحتى الآن لم يكشف التحقيق عن هوية الجناة. وأضاف متحدث (نصر) “تم تقسيم الأراضي المتاخمة لمنطقة العباسية تقلي في شكل (حواكير) لمجموعات أخرى، وإقامة عملية إحلال وإبدال في بعض المناطق التي هجرها أهلها بسبب الحرب في منطقة (السَنادرة) و(الموريب) وغيرها، في عملية استفزازية قادت بعض الناس للانضمام للعمل المسلح.

وعطفاً على ذلك، لعب التخطيط الحكومي دوراً أساسياً في إثارة النزاعات المحلية والقبلية. ويشير الخبير جمعة كُنده في ذلك إلى دراسة حديثة أجراها في منطقة (كَيقات) الواقعة بين محليتي الدلنج وكادوقلي، جاء فيها أن الحكومة خططت ٦٥ مشروعاً يُغطي مساحة ٦٠ ألف فدان شمال (قرية الِزليطة)، ويقول إن مجموعة قبائل البقارة حصلت على ٤٦٪ منها، وذهبت ٩٪ منها إلى النوبة، و٢٪ لقبيلة التكارير، و٢٣٪ لأهل البرداب، فيما حصل أهل (كَيقا) على ٢٠٪ من الأراضي الزراعية. لعب هذا التوزيع دوراً كبير في توسيع دائرة الصراع القبلي القائمة على الموارد، إذ وصل عددها في العام ٢٠٠٥ إلى ٧٠ نزاعاً دموياً بين الأهالي. وعاد النزاع في عامي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ بمعدل ثلاثة نزاعات في كل عام.

ويجمع الباحثون على أن المنطقة قادرة – في حال استقرارها أمنياً – على إنتاج ما يزيد على حصة البلاد بأكملها من الحبوب والفاكهة وغيرهما من الإنتاج الزراعي، ولكن إستغلال وسلب حقوق المواطنين في أراضيهم شجّع على إشتعال الحرب في المنطقة.

حلول جذرية
ويجمع أهل الأرض والضحايا، والمظاليم، إضافة إلى الخبراء والباحثين، على أن إعادة تقسيم الأراضي بإلغاء القوانين المٌشرعة حديثاً، سيُشكل أعلى المداخل لإعلاء شأن حقوق الإنسان في المنطقة، وهو الطريق الوحيد لوقف نزيف الدماء.

وفقاً للمستشار (مريود) فإن الأرض هي المحور الأساسي للصراع في السودان، سيما في مناطق النزاعات، مطالباً بإلغاء كافة العُقود الحالية، على أن تقام لجنة تسوية وتسجيل لتلك الأراضي وتمليكها لأهلها. وأضاف”لابد من لجان لتسجيل الأراضي حسب أعراف الناس، خاصة بعد اعتراف الرئيس عمر البشير بأهمية مؤسسة جبال النوبة الزراعية“.

ويتابع (مريود) ”الأراضي الصالحة للزراعة يجب أن توزّع بعد التسجيل ، ويجب وإقامة مجمّعات زراعية للأسر، والرعاة والماشية التي تقطع مسافات صغيرة، لكي لا تتضرر الأرض الزراعية، وهذه الأنواع يمكن أن تستجلب بواسطة خبراء. كما يجب إعادة هيكلة الإدارات الأهلية، وإبعادها عن العمل السياسي. ويجب مدها بصلاحيات إدارية لإقامة العدالة بين الناس“.