السودان: سقوط نظام “البشير” يمهد الطريق لعودة الناقل الوطني البحري

20 سبتمبر 2020

قبل أن يُسدل العام 2017، الستار على يومه الأخير بساعات، كان عدة عمال يهمّون بإنزال آخر ماتبقى من ذكرى الخطوط البحرية السودانية (سودان لاين)، وهي تلك اللوحة التي تحمل إسم الشركة وتحتل مكاناً مميزاً في أعلى مبنى الشركة ببورتسودان، ووضع لوحة أخرى بديلة بإسم (شركة سنجنيب للخطوط البحرية المحدودة).

يعود السبب الرئيس لتدهور اوضاع الشركة للقرار الذي اصدره الرئيس المخلوع عمر البشير بالرقم 56 لعام 1996م، والذي تم استغلاله لفصل أكثر من 850 مستخدماً في البر والبحر، حيث استثنى القرار الخطوط البحرية من قانون الخدمة العامة وقانون محاسبة العاملين وأعطى الشركة الإستقلال الإداري والمالي الكامل عن أجهزة الدولة الأمر الذي اطلق يد إدارتها لإتخاذ قرارات الفصل بالصالح العام تارة والفصل بإلغاء الوظيفة تارة أخرى والفصل بتوفيق أوضاع الشركة والفصل بمجلس محاسبة وهمي، وكلها مسميات عديدة طبقت الفصل على العاملين.

تسببت تلك الإجراءات في تدهور أوضاع الخطوط البحرية السودانية، والتي لم تتوانى إدارتها عن بيع اسطولها البحري بالكامل، ثم جاءت المرحلة الأخيرة للتخلص من ماتبقى منها بواسطة اللجنة الفنية للتخلص من مرافق القطاع العام ولجنة أخرى مختصة بتصفية الشركة أكملت مهامها في العام 2016.

وبعد أشهر من سقوط نظام المخلوع عمر البشير، قرر تجمع العاملين السابقين بالشركة إطلاق مبادرة لإستعاد الخطوط البحرية السودانية، واستطاعوا خلال أقل من عام تحقيق العديد من الخطوات في سبيل إستعادة الشركة، حتى تمكنت اليوم من الوصول لتحقيق مبتغاها بعودة الناقل الوطني البحري.

عبدالعظيم حسب الرسول، وهو أحد قادة المبادرة، قال إن عملهم انطلق في نوفمبر من العام الماضي، عبر تجمع العاملين في الخطوط البحرية، وتم تشكيل لجنة بهذا الخصوص مهمتها استعادة الناقل الوطني البحري.

وأوضح حسب الرسول لـ(عاين)، أن النظام المُباد دمّر الشركة بشكل ممنهج عبر بيع السفن الخاصة بها، ومن ثم تصفيتها ومنح أصولها لشركة أسسها حديثاً بإسم (سنجنيب).

وأضاف: “الشركة الجديدة تتبع لجهاز الأمن والمخابرات ومنذ تأسيسها، وحتى الأن لم تقدم شئ للدولة”، ولفت إلى أن المبادرة بدأت نشاطها من خلال لقاء مجموعة من الوزراء، قال انهم جميعاً أكدوا دعمهم لها.

وأشار حسب الرسول، إلى أن النائب العام تاج السر الحبر، كان قد شكل لجنة للتحقيق في بيع أصول شركة الخطوط البحرية السودانية وهيئة الموانئ البحرية، لكنهم طلبوا منه فصل مسار التحقيق في المرفقين، ضمن عمل اللجنة الواحدة وقد استجاب لدعوتهم.

وتابع: “كذلك طلبنا إضافة عضو من المبادرة للجنة التحقيق، وبعد 6 أشهر، أقرت اللجنة عدة توصيات أبرزها حل شركة (سنجنيب)، وإعادة الخطوط البحرية السودانية وسحب أصولها من شركة (سنجنيب)”.

كذلك أكد مقابلتهم عضو مجلس السيادة الإنتقالي نائب رئيس لجنة إزالة التمكين محمد الفكي، وإطلاعه على توصيات لجنة التحقيق التي شكلها النائب العام، حيثر وعدهم بتنفيذها عبر لجنة إزالة التمكين.

النقابي السابق بالشركة عبدالعظيم محمد عبدالرحمن، أكد أن جهودهم الحالية في إطار المبادرة تهدف لإعادة الخطوط البحرية السودانية لسيرتها الأولى، لاسيما بعد سقوط نظام المخلوع البشير.

وأضاف لـ (عاين): “لدينا العديد من الكوادر المؤهلة التي تشغل مناصب رفيعة في عدد من دول العالم، خاصة اوروبا والخليج وهم أكثر حرصاً على عودة الشركة، وقد شكلنا مجموعات للقيام بمخلتف المهام المطلوبة في هذا الصدد، وأسفرت تلك الجهود عن تحويل ملف الخطوط البحرية لبورتسودان بواسطة لجنة التحقيق التي شكلها النائب العام”.

وكشف عبدالرحمن عن القبض على المدير الأسبق للشركة شرف الدين علي مختار، والذي قال إن فترة إدارته كانت الأكثر تشريداً للعاملين وتصرفاً في أصول الشركة، إضافة لمتهمين آخرين في ذات القضية.

وتابع: “الآن ملف الخطوط البحرية أمام منضدة لجنة إزالة التمكين، وسوف نشهد خلال الفترة القادمة العديد من الخطوات في سبيل محاسبة المتورطين في تدمير الشركة”.

جاءت فكرة إنشاء الخطوط البحرية السودانية في العام 1959، وبدأت عملها كمناصفة بين السودان ويوغسلافيا برأس مال قدره 400 الف جنيه سوداني، نصيب السودان منها 200 الف جنيه.

وفي العام 1967 تمكنت إدارة الشركة من شراء نصيب الجانب اليوغسلافي والذي يبلغ 600 الف جنيه، وأصبحت بذلك سودانية بنسبة 100%، وخلال أقل من 10 سنوات على إنشائها تمت سودنة جميع الوظائف التي كان يشغلها اليوغسلاف.

بدأت الشركة عملها التجاري في العام 1962 بسفينتين ثم تنامى اسطولها ليصل إلى 20 سفينة كأكبر أسطول تجاري بالمنطقة بإستثناء الأسطول التجاري المصري، وشهدت الشركة نمواً تجارياً وتوسعاً في نشاطها التشغيلي، حيث بدأت بخط ملاحي واحد وهو البحر الأحمر المملكة المتحدة وشمال غرب اوروبا لأن هذه المنطقة كانت تمثل 40% من تجارة السودان الخارجية، ثم امتدت الخطوط الملاحية إلى شرق وغرب اوروبا وغرب افريقيا والخليج العربي وآسيا نتيجة لفعالية نشاط الشركة.