ولاية البشير السادسة : البحث عن إنفراج في الخارج وقبضة أمنية داخلية
١ يونيو ٢٠١٥
لم تخيب أو تخالف مفوضية الإنتخابات العامة التوقعات بإعلان فوز عمر البشر بتمديد رئاسته لفترة سادسة – سيؤدي اليمين الدستوري يوم الثلاثاء الثاني من يونيو – وحزبه الحاكم بأغلبية مقاعد البرلمان مع ترك مقاعد محدودة لبقية الأحزاب التي آثرت أن تؤيد المؤتمر الوطني وتدعمه في سياساته، وهي بالكآد أحزاب “ديكورية” ليس لها وجود حقيقي في الساحة السياسية صنعتها أجهزة النظام “الأمنية” ـ بالطبع ـ ورسمت سياستها لتصير على خطاه.
بذات السيناريو المرسوم عن التوقعات بفوز البشير مرشح المؤتمر الوطني ، بولاية سادسة تستمر لخمس سنوات أخريات بعد مسيرة إمتدت لـ 26عاماً إنفرد فيها بالحكم، لتخرج الإنقاذ في نسختها السادسة، ولكن ما لا يمكن توقعه هو مستقبل السودان خلال المرحلة القادمة، في ظل هذا النظام الذي يجمع بين النقيضين ” الحربه على الإرهاب ودعم وإيواء للإرهابيين ” .
نسخة حكم البشير الجديدة .. مجهولة المعالم
إذن هي نسخة جديدة أخرى للإنقاذ مجهولة المعالم بعد الإنتقال من مراحل مختلفة بداية من الفترة من 1989 حتى حل البشير المجلس العسكري تمهيداً لسيطرة الإسلاميين على مفاصل الدولة عام 1993، ثم أطاحته بعراب النظام الدكتور حسن الترابي في العشرية الأولى عام 1999م، تلتها المرحلة الإنتقالية بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل 2005م حتى العام 2011م ، ثم فترة فصل جنوب السودان ، ثم اطاحته بكل المتنفذين في الدولة والحزب في يوليو2013 ، وفضل العودة للمؤسسة العسكرية للبحث عن حماية تقيه شر المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بالقبض عليه ، وبعد نيله تلك الاصوات رغم مقاطعة غالبية الشعب السوداني للانتخابات التي اكدت فوز البشير دون منافس ، فانه يسعى ليؤكد للمجتمع الدولي أنه جاء برغبة شعبه بمن فيهم أهل دارفور ليعزز موقفه بأن الجنائية مسيسة وأداة في أيدي الدول الكبرى تستهدف بها زعماء القارة الإفريقية.
غير أن حسابات المعارضة تعتبر مسيرة النظام مليئة بالإنتهاكات والإخفاقات بتفريطه في وحدة السودان وتقسيم البلاد بفصل جنوب السودان، وأشعال فتيل الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق التي راح ضحيتها أكثر من (500 ) الف مواطن وتشريد مئات الآلف في معسكرات النزوح في الداخل والخارج، وإنتهاج سياسات إقتصادية أفقرت كاهل الشعب فأصبح “الغني يزداد غناً والفقير يزداد فقراً”، ومصادرة الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وأحكم قبضته الأمنية على الصحافة والأحزاب .
ويعتقد مراقبون ان نظام البشير إعتاد على إنتهاج سياسة المناورة والتكتيكات والالتفاف ، ويضربون مثلاَ بأطلاق البشير دعوة الحوار للقوى السياسية المدنية والمسلحة، في يناير 2014 ولكنه ما لبث ان تراجع عنها رغم الاهتمام إقليمياً بإصدار الإتحاد الإفريقي لقراره رقم 456، والدعم الذي وجده من مجلس الأمن الدولي ودول أمريكا والإتحاد الأوربي وتعاملت معه المعارضة بجدية، وتجمعت في كيان “نداء السودان” القوى السياسية المدنية والمسلحة ومباردة منظمات المجتمع المدني، كانت من أهم مطالبها التي وافق عليها المجتمع الإقليمي والدولي حل الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة قومية لفترة إنتقالية بمشاركة الجميع وقيام الإنتخابات يعرقل مساعي حل الأزمة السودانية.
واصبح من غير المعلوم ملامح المرحلة القادمة وكيف سيواجه الشعب السوداني خمسة أعوام أخرى، هل سيواصل البشير مسيرته بقبضة أمنية قوية أم تضطره الضغوط الداخلية والخارجية لاحداث انفراج واسع ، وماهو مستقبل القوى السياسية ممثلة في قوى نداء السودان هل ستعود الى الحوار مرة أخرى أم ستناهض نظام البشير وتقاومه خاصة بعد المقاطعة الشعبية للإنتخابات ..؟
تصعيد جماهيري سلمي وعمل عسكري وحملة دبلوماسية ضد النظام
وفي هذا الصدد يقول الناشط السياسي والقيادي في حركة ( التغيير الآن ) مهيد صديق لـ “عاين”، أن الفترة التي سبقت الانتخابات حدث فيها تصاعد سياسي في اصطفاف القوي السياسية والمدنية في نداء السودان، وهذا التصاعد غير من دينامكيات الحراك علي مستويات مختلف لإشكال المقاومة من إحتجاجات، وعمل سلمي داخل السودان وعمل عسكري متصاعد وعمل دبلوماسي خارجي و بالتحديد حول مشروع الحوار الامبيكي .
ويؤكد صديق على أن في كل هذه المحاور حققت للقوي التي انتجت نداء السودان، انتصارات كانت واضحة في المشهد السياسي توجت بمقاطعة الانتخابات عبر حراك جماهيري و اسع ، ويقول أنه ادي إلى عزل مشروع الانتخابات ويزيد ( تلك القوى سحبت الشرعية من النظام الذي كان يبحث عنها على كآفة المستويات محلياً، إقليمياً ودولياً وانتجت فترة قادمة سيكون النظام فيها معزول تماماً ) ، ويرى ان طبيعة الانظمة الدكتاتورية انها تفقد قدرتها علي المناورة عندما تصبح في حالة عزلة ، وعادة ما تلجاء الي مزيد من الاجراءات الاستثنائية وكذلك مزيد من العنف ، وتوقع أن يختفي الحوار من المشهد السياسي الداخلي ، ويشير إلى أن اتجاه النظام نحو المنظمومة العربية لن يجدي نفعا فملفات السودان هي عبر الاتحاد الافريقي وليس الجامعة العربية، ويقول ان تحول الملف الدولي الي الجامعة العربية من المستحيلات في الفترة القادمة لتعقيدات الوضع السوداني وعلاقته بالحرب الاهلية والالية الرفيعة المستوي ومجلس الامن والسلم الافريقي والامم المتحدة ومجلس الامن الدولي، كلها هيئات تتابع الوضع السوداني عن كثب وترسم ملامحه ، فمن غير الممكن انتقال الملف الي الجامعة العربية.
فرص التحالف الداخلي مع النظام بعد الانتخابات تتضاءل
ويراهن على ان تماسك قوي المقاومة عبر نداء السودان سيزيد من وتيرة الاحتجاجات السلمية ، ويضيف بأن قوي نداء السودان تعكف الان علي وضع الخطط و البرامج للمقاومة الشعبية السلمية للفترة القادمة ، هذا بالإضافة إلى أن النظام الان في مازق ـ كما يضيف مهيد صديق ـ ويشبه وضعه في سنوات الانقاذ الاولي ، مشيراً إلى أنه مؤخراً قام بتفعيل الاعتقالات والمحاكمات والعنف علي الاقل في السته شهور الماضية، وتوقع أن يخفض النظام من مناوراته في حين سيختفي الحوار من المشهد السياسي كما أن دائرة تحالفات النظام أصبحت ضيقة ، ويقول على سبيل المثال أن الترابي بعد الانتخابات إختفي تماماً من المشهد الحواري ، ولا توجد قوي يمكن ان يتحالف معها النظام في الفترة القادمة، مما يعزز من فرص المقاومة السلمية على إعتبار أن قوي المقاومة في حالة متقدمة و منتشية بنجاح مقاطعة الانتخابات.
من جانبه يقول الصحفي والمحلل السياسي سهل آدم لـ (عاين ) أن نموذج الديمقراطيات الشكلية المشوهة فى افريقيا، علمتنا ان الرئيس الحاكم فى اى دولة من المستحيل ان يخسر الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح اخر ، مؤخرا حدثت حالات مختلفة عن النمط السائد مثل خسارة رؤساء كل من ساحل العاج وكينيا ونيجيريا ، هذا مؤشر جيد لكنه صعب الاستنساخ فى الحالة السودانية.
ويشير إلى أن النموذج السودانى البقاء فى السلطة مرتبطة بالمصير الشخصى لاركان النظام ، ويضيف ان من فرط غباء النظام انه صدق ان الانتخابات تعطيه قوة معنوية افضل وشرعية للبقاء .
التخلص من الحرس القديم بضربة واحدة
ويرى سهل آدم أن النخبة المدنية فى الحزب الحاكم كانت تظن انه بمقدورها احتواء الرئيس عمر البشير، بعد مفاصلة رمضان تمهيدا لاقصائه نهائيا من المشهد باعتبار ان دوره الاساسى كان قيادة الانقلاب وليس الدولة ، لكنه يقول أن البشير العسكرى محدود القدرات الفكرية ليس بالغباء الذى يجعله يتخلص من هيمنة الزعيم الاول للاسلاميين حسن الترابى ليقع تحت امرة تلاميذه ، ويصف البشير بأنه ليس مفكرا لكنه ماكر وتكتيكى نسبة لحاجته لغطاء سياسى تحت مظلة المشروع الاسلامى للمؤسسة الحزبية آثر ان يؤخر لحظة الاطاحة بالمدنيين الاخرين او ما تبقى من العقائديين .
ويرى آدم أن البشير انتج الصراع الخفى داخل الحزب الحاكلم (طه – نافع) ، وبعدها قاد البشير انقلاباً ابيضاَ داخل المؤتمر الوطنى اطاح بموجبه وبضربة مزدوجة بكلا الجناحين واخرج القيادات المؤثرة وصاحبة النفوذ مثل على عثمان محمد طه ، عوض الجاز واسامة عبدالله من دائرة النفوذ في يوليو 2013، بحيث اصبح من الصعب ان يسمى منافسا له لرئاسة الحزب او الدولة ، وتابع ( لقد سيطر على القطاعات الحيوية كالجيش والامن والشرطة وقطاع المال والبنوك ) ، ويشير إلى أن البشير وبتلك الخطوة ألغى عمليا مؤسسات الحزب ومصادرة فعاليته، لصالح الولاء الشخصى ، لتصبح النتيجة هى : حزب يملك المال والسلطة تديره (شلة) ، عضويته قليل من العقائديين واكثرية نفعية وصولية.
البحث عن حلفاء في الخارج
وبعد ان اصبح رئيسا ـ كما يرى آدم ـ لايملك البشير شيئا يفكر فيه سوى باى سيناريو سيتسنى له التمديد لنفسه بعد 5 سنوات ، هو لا يملك اى حلول لقضايا الحرب أو الفقر ، ويقول أن تركيزه سينصب فى الفترة المقبلة على الانفتاح خارجيا وتقديم نفسه من جديد ، وقد بدأ ذلك من خلال التخلص من الحليف المكلف ايران واسترضاء السعودية من خلال المشاركة فى عاصفة الحزم على امل ان تلعب السعودية دور حيوى فى التطبيع مع الغرب.
ويؤكد مراقبون على أن البشير اصبحت لديه ثقة في أن المعارضة المسلحة لن تستطيع الإنتصار عليه فى ظل إفتقارها الى حليف من دول الجوار فانه لن يجد نفسه مضطرا لتقديم تنازلات جوهرية قد تنتقص من حجم صلاحياته ، ويضيف سهل آدم ( فى كل الاحوال البشير مستعد لخوض حرب استنزاف طويلة فى ظل عدم انشغاله باى اجندة تنموية ) ، لكن المتابع للأحداث بصفة عامة يلاحظ أن المعارضة لم ترفض السلام ومن أجل ذلك توحدت في جسم واحد عبر مراحل مختلفة، توحدت الحركات المسلحة تحت لواء الجبهة الثورية وشكلت قوى إعلان باريس ثم قوى نداء السودان في أديس أبابا، في جسم جمع بين المعارضة المدنية والمسلحة ومبادرة المجتمع المدني .
ويرى أمين التنظيم والإدارة بحركة العدل والمساواة المهندس أبوبكر حامد نور
ان تحقيق السلام يتطلب إستحقاقات يجب توفرها والإلتزام بها ، ويشير في حديثه لـ ( عاين ) إلى أن أول تلك الإستحقاقات تتمثل في عملية بناء الثقة بعيداً عن الجهوية والقبلية من أجل السودان، وقف الحرب، توصيل الإغاثة للمتضررين وتبادل الأسرى ، إطلاق الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وغيرها من الإستحقاقات التي تهيئ المناخ للحوار، ويؤكد على أن الدولة من واجبها أن تلعب دوراً اكبر لتعزيز الثقة، ويضيف ( لكن ممارساتها تؤكد عدم رغبتها في الإستجابة لتلك الإستحقاقات وبالتالي الوصول لسلام وحوار شامل )، ونوه إلى أن ذلك أيضاً يتطلب ضامنين محليين يتمثلون في من سماهم بالشرفاء من أبناء الوطن والشخصيات العامة المعروفة، إضافة إلى الضامنين الإقلميين والدوليين.
ويرفض مسؤول التنظيم والإدارة بالحركة المسلحة بشدة أي محاولات لفرض حلول جزئية ، قائلاً أن الحلول الجزئية مجربة وفاشلة، فلايمكن حل أزمة دارفور بمعزل عن جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ولايمكن حل أي قضية وتكون الحرب مشتعلة في شرق السودان فالحكومة تبحث عن حلول جزئية لتطيل أمدها ولاتحل مشكلة السودان، لكن :نحن في قوى نداء السودان حريصون على التوصل لحل شامل عبر حوار لايستثني ولايقصى أحداً أو طرفاً من الأطراف.
الاقتصاد السوداني تحت مظلة الاقتصاد الخفي
أما عن الوضع الإقتصادي خلال الخمسة أعوام القادمة فمن رأي الخبير الإقتصادي عصام عبد الوهاب بوب أنه من خلال الواقع لا توجد شفافية علي الاطلاق في الاقتصاد السوداني، ويقول ( أننا لا نعرف شيئا صحيحا عن مدخلاته ومخرجاته ) ، مما يعني من الصعب وضع أرقام صحيحة لما هو متعلق بميزان المدفوعات وبالتالي تقدير تفاصيل حساب رأس المال وهو أساسي إستنتاجات ، ويعزي ذلك إلى أن أكثر من 80% من الاقتصاد السوداني يدار تحت مظلة الاقتصاد الخفي أو التحت أرضي Underground Economy””
ويقول الخبير الإقتصادي أن الملامح الأساسية هو أن الاقتصاد السوداني يعتمد علي النشاط الزراعي وما يجعله يسير حتي الآن هو النشاط التقليدي البعيد عن نهب الضرائب سواء كان زراعة أو تعدين أو حتي تجارة بالبشر ، ويرى ان أهم المؤشرات التي يمكن النظر إليها هو الأمن الغذائي وهذا الذي يجعل البلد في حالة أمن نسبي. ولكنه في حالة تدهور ، ويقول ان السودان قد ينهار في السنوات القادمة اذا ما ظلت الاوضاع على ما هي عليه .
وتقول الناشطة الحقوقية د.نهال بن إدريس أن المجتمع المدني غير قادر على العمل في ظل هذا النظام، وعبرت عن أملها في يساهم الجميع في إقتلاع هذا النظام اليوم قبل الغد وألا يمنح فرصة أخرى، ليستمر لخمسة سنوات أخرى في الحكم على أنفاس الشعب السوداني وتضيف : ماتم من قتل وتشريد، وتطالب بتطبيق العدالة وتقديم كل منسوبي النظام لمحاكمات من الرئيس وكل أعوانه.
وتؤكد على أن من واجب منظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة أن تضع ضمن خطتها عمليات الرصد والتوثيق للإنتهاكات التي تحدث هنا وهناك، هذا بجانب الإستمرار في تقديم العون والخدمات للمتضررين، ومن يقوموا بالعمل في المجال الإجتماعي البحثي أن يواصلوا في عملهم ، رغم انها تؤكد ان المناخ غير مواتٍ الا في حالة وحدة قوى التغيير للتخلص من النظام عبر انتفاضة شعبية .