هشام علي.. عام من تلفيق الاتهامات
تقرير: عاين
مثل غيره من السودانيين في الداخل والخارج ظل هشام علي يعبر عن آرائه ومواقفه تجاه التدهور السياسي والاقتصادي الذي يحدث في السودان متضامنا مع الحركات الشبابية الاحتجاجية التي عمت البلاد خلال فترات متفاوتة أبرزها العصيان المدني في نوفمبر 2016 ضد الحكومة الحالية.
لكن الخرطوم لم تكتف بمطاردة معارضيها وقمعهم داخل السودان بل استخدمت أذرعها وعلاقاتها الامنية والسياسية في مطاردة هشام خارج حدود الوطن، بل واعادته مقيدا بالسلاسل الي البلاد لمواجهة السجن والقمع.
في شهر نوفمبر من العام الماضي، لم يتوقع هشام علي أن يواجه مصير الاعتقال من قوات الأمن السعودية، بالتنسيق مع الأمن السوداني، وما يزال الناشط هشام يواجه عدة بلاغات دونت ضده يصل بعضها إلى الاعدام وفقا للقوانين السودانية.
ويواجه هشام على سبيل المثال، تهم تقويض النظام الدستوري، وجرائم المعلوماتية،والدعوة إلى العصيان المدني من مقر عمله بالمملكة العربية السعودية.
وبعد حوالي ستة أشهر من الاعتقال في السعودية تم ترحيل هشام علي في شهر مايو من العام الحالي إلى السودان.
ويحذر مراقبون من استخدام الخرطوم للعديد من المصالح الاستخباراتية المتشابكة مع العديد من دول الجوار في ارتكاب انتهاكات ضد المعارضين السودانيين وتسليمهم للخرطوم في محاولة جديدة لتأكيد مقدرات النظام وتخويف الخصوم السياسيين وتعقبهم خارج البلاد.
تحالف الخرطوم والرياض
ولا تعد حادثة تسليم هشام علي للأمن السوداني الاولي من نوعها في اطار محاولة الخرطوم محاصرة المعارضة اقليميا فقد تم اعتقال وتسليم العديد من الناشطين والصحافيين لا سيما من قبل الأجهزة الامنية السعودية في ظل التعاون الأمني والعسكري الكبير القائم بين البلدين منذ بدء مشاركة السودان بقواته كوقود للحرب التي تقودها الرياض في اليمن.
وواجه ذات المصير من قبل عدد من الناشطين والصحفيين السودانيين بينهم، علاء الدفينة، والقاسم محمد سيد احمد في يوليو 2017، كما اعتقلت السلطات السعودية المدير الفني لصحيفة الراكوبة وليد الحسين الذي أطلق سراحه بعد تدخل منظمات حقوقية دولية والسماح بترحيله إلى دولة ثالثة من دون أن يواجه الترحيل إلى السودان. فضلاً عن محمد حسن عالم ” بوشي” الذي تم ترحيله من مصر للسودان رغماً عن تقيده لاجىء رسمي بها. وحذرت منظمات دولية من الخطورة التي يواجهها المعارضين والناشطين في بعض الدول التي لها اتفاقيات امنية مع حكومة السودان، لا سيما في ظل التعذيب الذي يتعرضون له في حالات تسليمهم. وطالبت المنظمات المملكة العربية السعودية بالالتزام بالمواثيق الدولية في هذا الجانب.
وفي السياق ذاته طالبت لجنة التضامن السودانية مع اسرتي المعتقلين هشام علي، وعاصم عمر حسن، بإطلاق سراحهم فورا. وندد صديق يوسف رئيس لجنة التضامن مع أسرتي المعتقلين، بالانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان المتكررة ضد الحريات في البلاد، واستمرار اعتقال عاصم وهشام الذي يعد أبرز حالات انتهاكات حقوق الإنسان في السودان.
وحذرت تقارير دولية من تعرض هشام علي للتعذيب والمعاملة السيئة على يد الأجهزة الامنية السودانية، وكشفت عن رفض الامن السوداني السماح لهشام علي مقابلة أسرته ومحاميه، داعية إلى ضرورة تقديمه إلى محاكمة عادلة أو اطلاق سراحه فورا.
تدهور حالة الأسرة
وفي مقابلة حصرية مع شبكة (عاين) أبدت أسرة هشام علي قلقها الشديد على أوضاعه الصحية والمعنوية مع استمرار اعتقاله لأكثر من عام. وتصف مها محمد علي عمة هشام ، بانه انسان عادي محب لأهله السودانيين، مشيرة إلى أنه كان يقوم باعمال خيرية للمتضررين من السيول والامطار، وأعمال وأنشطة خيرية أخرى مثل مبادرة شارع الحوادث. وتروي مها لـ (عاين) انه في يوم 19 ديسمبر العام الماضي، اتصل بهم شخص ليلا وأبلغهم أن هشام قبض عليه في السعودية، بعد أن داهم البيت الذي يقيم فيه قرابة 12 شخص مسلحا. وبعد مرور فترة تـأكد أن البلاغ ضده دون في السودان، وأرسل بواسطة سفارة المملكة العربية السعودية، وتم اعتقاله بواسطة الأمن السعودي. وتمضي قائلة لـ(عاين) أن الاسرة لم تستطع التواصل معه إلا بعد مرور شهرين من الاعتقال في المملكة العربية السعودية. وتضيف مها ان الاسرة لم تتمكن من معرفة أحواله في المعتقل إلا بعد ستة أشهر من رحلته من الرياض الي الخرطوم وبالتحديد في شهر مايو الماضي من هذا العام. وتشير مها إلى أن مكتب استعلامات جهاز الامن والمخابرات الوطني سمح لهم بزيارة هشام في مكان اعتقاله،موضحة “فشل الأمن فى أن يجد دليلا ضده في اللاب توب وموبايله المحمول”.
وتبين مها أن السلطات دونت 5 بلاغات ضد هشام وصادر جهاز الأمن جهاز الحاسوب والموبايل الخاصين به . وتقول “استدعوا مدير الاتصالات لهذه المهمة، وبعد كل هذا التفتيش لم يجدوا شيء ضد هشام، بعد ذلك دون ضده بلاغا آخر يتعلق بتزوير مستندات شخصية، أو انتحال اسم آخر، وهذا آخر ما توصلت إليه السلطات، أنه زور اسم، اذ يحمل اسمين في مستندين مختلفين، وخلال جلسة المحاكمة تصر النيابة أن هشام زور مستندات”. وتندد مها بمحاكمة أبن أخيها هشام قائلة “ابهذا اعتقل ورحل من المملكة العربية السعودية، بكل ذلك العدد الكبير من الجنود المسلحين، هذا دليل تخبط، وليس هناك شيء ضد هشام علي محمد علي”.
وتوجه مها رسالة امتنان باسم أسرتها عبر (عاين) للعدد الكبير من المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن هشام علي محمد علي، مشيرة الى أن أوضاع الاسرة ساءت بشدة عقب اعتقاله، حيث تولى هشام كامل مسؤولية الاسرة عقب والدهم وقام بالدور الرئيسي في تربية إخوته. ” هشام كان متكاتفا مع والده في رعاية الاسرة بعد أن أصيب بالشلل الأمر الذي سبب اذى كبير للاسرة، وهشام له مواقف انسانية عظيمة ليس فقط مع أسرته بل المجتمع حوله ومواقفه تشهد بها معظم أحياء أم درمان”. مردفة ” نحن نطالب باطلاق سراح هشام أولا لانه برئ وكذلك اعتبارا لحالة والده المريض.
اعتقال تعسفي
في ذات السياق يوضح عمر الأخ الشقيق لهشام علي، أن أخاه المعتقل تعسفيا كرسه حياته وحبه للسودان، وقضى فترة طويلة في الاغتراب، باعتباره الأخ الأكبر للاسرة والمُعيل لها، وساهم في العديد من الأعمال الإنسانية، ويقول عمر لـ(عاين) ان هشام اعتقل من المملكة العربية السعودية بأوامر من جهاز الأمن السوداني، وصدرت عدة مناشدات دولية واقليمية بإطلاق سراحه من السجن وترحيله الي دولة اخري، ومن ضمن هذه المنظمات، منظمة العفو الدولية والمركز الأفريقي لحقوق الإنسان، بعد اقتراب موعد تسليمه إلى الحكومة السودانية.ويضيف عمر “سلمته القوات السعودية للسلطات السودانية في شهر مايو الماضي من هذا العام، وانتهكت حقوقه القانونية، كما رفضت السلطات أن تسمح له بزيارة أسرته ومحاميه”. ويتفق مع عمته مها أن والده أصيب بالشلل النصفي، بعد انتشار اخبار تعذيب هشام علي، العديد من المنظمات طالبت بإطلاق سراحه، وهذه الاحداث تعتبر عذاب للاسرة.
بلاغات ملفقة
بعد مدة قام جهاز الامن والمخابرات الوطني بتسليم هشام علي الى نيابة امن الدولة، ودونت بلاغات ضده تصل عقوبتها الإعدام، ويعتبرها أخاه عمر انها ” بلاغات ملفقة فقط، وبلا أدلة، لضمان استمرار اعتقاله التعسفي، حتى لا يخرج بالضمان، وتماطل السلطات في حبسه لأطول مدة تريدها، ويجب أن تكون هناك محاكمة عادلة”. واتهم عمر بعض الصحف الورقية والإلكترونية بِاللامهنية مشيرا إلى أنها شنت حملة شرسة ضد هشام دون أن تثبت الأنباء التي تناولتها. ووصف عمر تلك الصحف بأنها مجرد أبواق للنظام، لتشويه سمعة هشام، قبل أن يتهم النيابة بالتماطل في اتخاذ قرار لإطلاق سراحه رغم فشل جهاز الأمن في إثبات التهم ضده.
أما عضو هيئة الدفاع عن هشام المحامي وجدي صالح فيشير إلى ان موكله وجهت له التهم المتعلقة بجرائم المعلوماتية تحت المواد 15، و17 من قانون جرائم المعلوماتية، والمواد 50 و 53 من القانون الجنائي لسنة 1991، مبينا أنهم في هيئة الدفاع يريدون تمليك المعلومات بهذا الاتهام الذي بقي بموجبه المتهم عاما قيد الاعتقال، منذ 18/11/2017 بالمملكة العربية السعودية، حتى تم ترحيله، بتاريخ 29/ 5/ 2018، ويقول لـ(عاين) عند ترحيل هشام لم تكن في مواجهته أي تهمة جنائية تبرر اعتقاله الطويل في المملكة العربية السعودية أو حتى قرار تسليمه الى جهاز الأمن السوداني، كما ظلت أسرته تتابع مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني، إلى أن تم إحالته إلى نيابة أمن الدولة بتاريخ 12/ يوليو/ 2018.
حبس رغم عدم كفاية الأدلة
ويتأسف وجدي صالح أن مثل هذه الجرائم تجعل المتهم قيد الحبس، ولا يجوز فيها الإفراج عن المتهم بالضمان، ويعتبرها وجدي دفع الله إن هذه عقبة مقصوده لابقائه قيد الحبس لأطول فترة ممكنة.
ويتابع صالح “ظل المدافعون عن هشام يتابعون الاجراءات بغرض معرفة الحيثيات، التي تم بموجبها الاتهام، والتي بنيت بالأساس على أنه محرر صفحة علي الفيس بوك تسمي (ود قلبا)، وشخصية ود قلبا، هي هشام علي محمد علي” ويمضي صالح بالقول “إلا أن هشام نفي علاقته بهذه الصفحة، وبالتالي واجب علي الشاكي في هذا البلاغ ، وهو جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أن يقدم لنيابة أمن الدولة البيانات التي تثبت هذا الاتهام، بوجود علاقة بهشام علي محمد علي بصفحة تسمي ود قلبا على الفيس بوك”.
ويقول وجدي أنهم انتظروا إجراءات تقديم بينة تربط هشام وصفحة ود قلبا، بحسب الاتهام الموجه له، مضيفا “نحن في هيئة الدفاع نعمل بموجب المسؤولية القانونية المقيدة بقانون المحاماة،و بموجب ميثاق أخلاقيات المهنة، ومصلحة الدفاع عن هشام علي هي الأولى” . ويواصل صالح في سرد حيثيات القضية مبينا أنهم خاطبوا الهيئة القومية للاتصالات، التي ردت في خطابها بعد مماطلة، مؤكدة ان لا وجود لصفحة تسمي ود قلبا، وإن هشام ليس محرر هذه الصفحة.
وأوضح صالح في حديثه لـ (عاين) انه بناءا على هذه الحيثيات ليس هناك اتهام يبني علي صفحة ليست موجودة بالأساس، وبالتالي القضية انهارت أمام الشاكي، داعيا الى شطب البلاغ في مواجهة موكله هشام “ومع عدم وجود أي بينة في مواجهة هشام، يجب علي النيابة شطب الدعوى الجنائية، كما عليها أن توازن بين مصالح المتهم والاتهام الموجه له”.
ويضيف أن الشاكي يريد تطويل عمر القضية وبالتالي الاستمرار في إبقاء هشام في الحبس، لذلك خرج بطلب أعطاه مهلة حتى يأتي بإفادة من شركة الفيس بوك، لكشف العلاقة ما بين المتهم والاتهام الموجه إليهم.
ويشرح صالح ان جهاز الامن وجه اتهاما اخر بالتزوير في مستندات رسمية ضد هشام، حيث وجه له اتهام آخر تحت المادة 123، باعتباره كان يحمل في السابق جنسية باسم هيثم علي محمد علي، وجواز باسم هشام علي محمد علي. ويبين أن الشاكي بني الاتهام بناءا على ذلك ووجه بالتالي الاتهام هشام بتزوير مستندات استعملها في السفر إلى المملكة العربية السعودية. ويقطع المحامي بعدم وجود بينة ضد موكله في هذا الجانب لجهة أن حامل المستند لم يستفيد او يتكسب ماديا من حوزته لتلك المستندات، كما لم يتضرر منها أي شخص آخر.
اتهام بالإرهاب
بينما توضح عضو هيئة الدفاع المحامية رنا عبدالغفار عبدالرحيم ان جهاز الامن السوداني ذهب بعيدا في تلفيق التهم ضد هشام علي محمد حيث أبلغ السلطات السعودية إن هشام له علاقات مع المنظمات الارهابية الدولية، مثل طالبان ومنظمات أخرى اسلامية، وتشدد “هكذا خاطب الأمن السوداني سلطات الأمن السعودية، بخصوص هشام”. وتضيف رنا ل(عاين) “بعد التحقيقات التي قامت بها السلطات السعودية، تأكد لها أن هشام مجرد سوداني عادي يعمل في الرياض، لكن بحسب اتفاقية الرياض عام 1983 والتي تعرف باتفاقية تبادل المجرمين بين السعودية والسودان، باتت السلطات السعودية ملزمة بتسليم هشام للسودان “. وتشير رنا الي نقطة مهمة في هذا الجانب، ان السلطات السودانية لم تطالب بترحيل هشام إلا بعد أن قضى قرابة الستة أشهر في المعتقلات السعودية.
وتخلص رنا الي ان هشام برئ قانونيا و معتقلا دون أسباب لدي النيابة، مبينة أن كافة الاجراءات التي اتخذت ضده غير عادلة وغير قانونية، كما تطالب بإطلاق سراحه فورا.