مقتل طالب الجامعة الأهلية يصاعد من المظاهرات
– شبكة عاين – ٢٩ أبريل ٢٠١٦ –
قبل أن يجف دم الطالب في جامعة كردفان ابوبكر الصديق الذي إغتالته مليشيا تابعة إلى طلاب نظام المؤتمر الوطني، أعاد تنظيم الحزب الحاكم الطلابي ذات العملية في جامعة أمدرمان الأهلية بإغتيال الطالب في كلية الآداب المستوى الثاني محمد الصادق ويو (20) عاماً، عضو رابطة طلاب جبال النوبة أمام بوابة الجامعة وقرب مقبرة حمد النيل بإطلاق النار عليه وأصابته في الجانب الأيسر من الصدر قريب من القلب وأردته قتيلاً في الحال، وتنحدر أسرة الطالب القتيل محمد الصادق من مدينة الدلنج في منطقة جبال النوبة.
وتشهد مناطق جبال النوبة حرباً أهلية منذ العام 2011، وقد أثار ذلك غضب الطلاب ومن ثم الشعب السوداني بعد ما تناقل خبر مقتل الطلاب عبر شبكات التواصل الإجتماعي “واتساب، الفيس بوك والتويتر”، والذي أدى إلى تحديد موقف موحد من قبل كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء. ودعت الأحزاب السياسية والحركات المسلحة قطاعات الشعب السوداني للخروج في تظاهرات في المدن والأرياف.
ويتوقع أن تخرج مظاهرات أخرى عقب صلاة الجمعة لمواصلة ما اسماه ناشطون في مواقع التواصل الإجتماعي (الفيس بوك) بالإنتفاضة الشعبية لإسقاط نظام الرئيس عمر البشير، وردد الناشطون على أن المظاهرات ستتواصل إلى حين إسقاط النظام.
وكان طلاب جامعة الخرطوم قد خرجوا في تظاهرات طوال الاسبوعين الماضيين إثر إعلان الحكومة السودانية عن عزمها بيع وتحويل مباني جامعة الخرطوم أعرق الجامعات في البلاد. وقد إنتظمت أغلب الجامعات في احتجاجات تضامناً مع أم الجامعات السودانية وأعتقلت السلطات عدد من طلاب الجامعة وخريجيها، وزادت وتيرة الاحتجاجات بعد أن اغتال طلاب الموتمر الوطني الطالب في جامعة كردفان ابوبكر الصديق الأسبوع الماضي. وأعلنت إدارة جامعة كردفان تعليق الدراسة، ويتوقع أن تصدر الحكومة قراراً مماثلاً بإغلاق عدد آخر من الجامعات خشية تصاعد هذا الحراك وما يمكن أن يقود إلى إشعال ثورة تطيح بها.
وتصاعدت موجة الاحتجاجات الطلابية بالخرطوم الخميس بخروج العشرات من طلاب جامعات الخرطوم، والقرآن الكريم، والنيلين في مظاهرات متفرقة، بعد يوم من وفاة طالب بجامعة أمدرمان الأهلية، اثر صدامات بين مؤيدين للحزب الحاكم وآخرين في المعارضة، وقابلت السلطات الأمنية احتجاجات الخميس بالقوة.
أصل الحكاية في إغتيال الطالب … والجامعة تعلن عن إغلاقها
كان مجرد ركن للنقاش لرابطة أبناء جبال النوبة في جامعة أمدرمان الأهلية نهار يوم الأربعاء أول أمس يرفض ما حدث للسكرتير الثقافى لرابطة طلاب جبال النوبة -بجامعة ام درمان الأهلية وتعرضه لإصابات بالغة وإساءات عنصرية. الجدير بالذكر إن الطالب “بدوى” المعتدى عليه “كفيف” وفقدانه للبصر لم ينقذه من هؤلاء المجرمين.
وتناول ركن النقاش أيضاً قضايا الراهن السياسي، وطالب المتحدثون ضرورة وقف الحرب والقصف الجوي من قبل طائرات الجيش السوداني على مناطق جنوب كردفان وفتح الممرات الانسانية لتقديم المساعدات إلى المتأثرين في مناطق النزاع. ومع بداية ركن النقاش بوقت قصير هجم العشرات من الطلاب ينتمون إلى حزب الموتمر الوطني الحاكم على ركن النقاش، وكان يرافقهم عناصر أمنية الذين قد تم حشدهم من مختلف الجامعات يحملون أسلحة نارية إلى جانب الاسلحة البيضاء من “عصي وسيخ”. قاوم طلاب الرابطة الهجوم بأن خرجوا من الجامعة تفادياً لمزيد من العنف، غير أن طلاب الحزب الحاكم واصلوا الهجوم على أعضاء الرابطة بإطلاق الذخيرة الحية التي أصابت الطالب محمد الصادق وقام رفاقه بحمله على الأكتاف ونقله إلى مستشفى أمدرمان لكنه فارق الحياة، ليضاف إلى العشرات من شهداء الحركة الطلابية السودانية.
وتفاجأت أسرة القتيل محمد الصادق بنبأ مقتله، وقال والده نجم المنتخب السوداني السابق الصادق “ويو” لـ(عاين) إنه تلقى النبأ بعد أن فارق إبنه الحياة بطلق ناري من مجهول ـ واضاف “محمد لا علاقة له بالسياسة وكان لاعباً في منتخب الجامعة لكرة القدم … كما كان يكافح مع العائلة حيث كان يعمل في أعمال البناء ليوفر مصروفه الدراسي ويساهم مع الأسرة، ووالدته تكافح أيضاً معه لتوفير لقمة العيش“. لكنه عاد ليقول “محمد كان يرفض ما يتعرض له أهلنا في مناطق الحرب في جبال النوبة“، وأوضح أن إستهداف أبنه محمد قد تم بدقة من قاتل محترف وقناص اصطاده من بين الطلاب مما يؤكد أن العملية مقصودة، معلناً عن اتباع الخطوات الرسمية والقانونية إلى حين الوصول إلى القاتل.
من جهة أخرى أعلنت لجنة تسيير مجلس أمناء جامعة أمدرمان الأهلية في بيان لها عن إغلاق الجامعة إلى أجل غير مسمى، بعد أن عقدت إجتماعاً طارئاً ناقشت فيه الأحداث التي جرت في الجامعة وعبرت اللجنة عن أسفها للأحداث التي راح ضحيتها أحد الطلاب في المستوى الثاني في كلية الآداب وجرح عدد آخر من الطلاب. وأضاف البيان أن اللجنة قررت إغلاق الجامعة إلى أجل غير مسمى حتى تتمكن إدارة الجامعة من استكمال مطلوبات البيئة الجامعية وتوفير المناخ الأكاديمي المعافى الذي يضمن استقرار الجامعة مستقبلاً.
ويؤكد خريج الجامعة محمد مختار لـ(عاين) ان إغتيال الطالب محمد الصادق لن يمر دون أن يتم معاقبة القاتل، ويشير إلى أن لجنة خريجي الجامعة دعت منسوبيها للعودة إلى الجامعة لتنظيم الصفوف وإبداء موقف رافض لهذه الأفعال الإرهابية، داعيا الجهات العدلية للقبض على القتلة وهي تعرفهم لتقديمهم إلى المحاكمة.
قادة سياسيون يشاركون في التشييع … مقتل طالب مقتل أمة
وأمام مشرحة أمدرمان تجمع العشرات من طلاب الجامعة الأهلية وتوافدت قيادات القوى السياسية المعارضة في مقدمتهم نائبة رئيس حزب الأمة القومي سارة نقد الله، رئيس حزب الموتمر السوداني عمر الدقير، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف. وتقدموا قيادات القوى السياسية موكب التشييع حيث تزايدت الجماهير الغاضبة لتصل لأكثر من الفي شخص حيث حمل الجثمان لمنزل الشهيد سيرًا على الأقدام حيث علت الهتافات الداعية لاسقاط النظام وهتاف “مقتل طالب مقتل أمة “، فيما ضربت قوات الأمن والشرطة طوقاً أمنياً، وكانت الشرطة قد قامت بإعتقال عشرات الطلاب بينهم جرحى من داخل الجامعة.
وخاطبت قيادات القوى السياسية المعارضة جمهور المشيعيين ووصفوا مقتل الطالب بالعمل الارهابي، وطالبت القيادات المعارضة الشعب السوداني مواصلة التصعيد الجماهيري لتحرير الشعب السوداني من النظام، ودعا المتحدثون إلى تحويل الحزن إلى عصيان مدني لإسقاط النظام.
الثورية تحمل البشير مسؤلية اغتيال الطلاب
من جانبها أدانت الجبهة الثورية برئاسة مالك عقار ما وصفته بإسلوب التصفيات الجسدية من قبل الأمن لإخماد المقاومة الطلابية السلمية. وشدد على إنها لا علاقة لها بالعنف الطلابي، وقالت في بيان لها أمس ان محاولات الأجهزة الأمنية مفضوحة والنظام يعرف أين يلاقي الجبهة الثورية وقواتها التي الحقت به أكثر هزيمة تاريخية. وحذر البيان قادة النظام الحاكم والأجهزة الأمنية من إستهداف الطالبات والطلاب المدنيين، وقالت “نُحمل رأس النظام وزمرته في المؤتمر الوطني المسؤولية الكاملة عن كل الدماء التي تسيل في الوطن من أقصاه إلى أقصاه وساعة الرحيل قد أزفت والقصاص قادم لا محال“. ودعت الجبهة الثورية التنظيمات وحلفاءها في القوى السياسية لرص الصفوف وتقدمها في هبة شعبية تطيح بالنظام الحاكم الذي وصفته “بالاستبدادي“. وفي اطار تخريب العمل الثوري، وعزل الشارع العام من الحراك الطلابي، قام مجهول بتسديد طعنة لصحفي اثناء تغطيته لمظاهرات جامعة الخرطوم، التي انطلقت ظهر امس الخميس 28ابريل من مجمع الوسط بالخرطوم الى منتصف السوق العربي مطالبة بإسقاط النظام، فتم طعن الصحفي بصحيفة الوفاق محمد الأقرع بآلة حادة لدرجة انه لم يشعر بها الا بتنبيه احد المتظاهرين له.
السوداني يعلنها : التغيير او الموت
وطالب رئيس حزب المؤتمر السوداني الاسبق ابراهيم الشيخ قوى المعارضة العمل في جبهة موحدة تذوب فيها كافة جبهات المعارضة “نداء السودان، قوى الاجماع الوطني، الجبهة الوطنية العريضة”، وغيرها من مكونات العمل المعارض. ويقول الشيخ لـ(عاين) لا يوجد تنازل عن المطالبة بأسقاط النظام “لذلك لابد من تكثيف العمل“، موضحاً أن قادة سياسيين في حالة إجتماع مستمر منذ إغتيال الطالب محمد الصادق. وناشد الشيخ عضوية حزب المؤتمر السوداني ودعاة التغيير الخروج إلى الشارع دون تفويت لحظة على هذا النظام من السقوط، مضيفاً بقوله “أنا سأقود المظاهرات بنفسي ولن انتظر احد وعلى النظام أن يصوب رصاصته تجاهي أما التغير أو الموت“. ويرى القيادي في حزب المؤتمر السوداني بكري يوسف في حديثه لـ(عاين) أن العنف الذي مارسته السلطة ضد الطلاب العزل بانه ممنهج بعد أن استشعر النظام قرب نهايته، ويقول “الديكتاتوريون يقرأون من كتاب واحد لأن القتل والاستهداف لا يوقف الثورة“, مؤكداً أن الهدف الاساسي للنظام هو تعميق الشرخ الاجتماعي ولا خيار سوى حشد الجماهير وتحويل الثورة التي اشعلها الطلاب اليوم الى عمل تراكمي يومي حتى إسقاط النظام. ويضيف يوسف “على قادة القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني تقدم الصفوف وتقوم بعمل اقتحامي ملهم وتوظيف هذه اللحظة التاريخية وتتصدي لقيادة جماهير شعبنا للخلاص من هذه العصبة“، ويعتقد أن الطريق الوحيد لإيقاف نزيف الدم والاستهداف العنصري هو الخلاص من النظام الحالي.
تقول القيادية في حزب التحالف الوطني السوداني زهراء حيدر إن ما يحدث في الشارع السوداني يمثل لحظة فاصلة في مسيرة المقاومة والنضال ضد النظام الشمولي، وتضيف “ليس فقط لتواصل سفك الدماء وإراقتها في كل بقاع الوطن.. بل لأن شعبنا بدأ فصلاً جديداً من إشكال المقاومة وطرق تجعل قيادات القوى السياسية كتف بكتف مع الجماهير“. وترى حيدر خلال حديثها لـ(عاين) أن هذه المتغيرات لم يعهدها النظام ولن تجدي معاها اساليبه القديمة وليس لديه قدرة على مواجهة طويلة مع الشعب في إنتفاضته.
عدد من المدن والأحياء تشهد تظاهرات ليلية
وتزايدت التظاهرات في اليومين الماضيين حيث شارك فيها الالاف من الطلاب والمواطنين في أحياء الخرطوم ليلاً، وفي صباح يوم الخميس شهدت جامعات القرأن الكريم في أم درمان، الجزيرة في مدني، والبحر الأحمر تظاهرات ومصادمات مع الشرطة، وتردد في وسائط التواصل الإجتماعي أن القوات البحرية التابعة للجيش السوداني قامت بعمل حماية للطلاب عندما إستنجدوا بها في مدينة بورتسودان.
إلى ذلك شهدت أحياء العاصمة وشواراع الخرطوم بعد ظهر الخميس تظاهرات واسعة فرقتها الشرطة بالغاز المسيل للدموع وسط هتافات باسقاط النظام. وجرى إعتقال العشرات من الطلاب مع إصابات في إوساطهم، ودخل الصيادلة في إضراب يوم أمس حيث أغلقت العديد من الصيدليات، ويعتبر هذا الأضراب بداية لإضربات يتوقع أن تحدث في الفترة القادمة كما لوح عدد من النقابيين.
وجددت الخارجية البريطانية في بيان لها الخميس تحذيرها لرعاياها في السودان وتحديداً في العاصمة الخرطوم من موجة احتجاجات في مدينة أم درمان على خلفية مقتل طالب بحامعة امدرمان الأهلية يوم الاربعاء الماضي.
قلق الخبير المستقل عن حالة حقوق الانسان في السودان
أبدى خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان أريستيد نونوسي عن قلقه حول أوضاع حقوق الانسان بالبلاد. وقال نونوسي إن الإعتقالات ما زالت مستمرة وتوجد مزاعم لسوء المعاملة وحظر السفر المفروض على المدافعين عن حقوق الانسان والناشطين السياسيين من قبل السلطات الأمنية، بما في ذلك جهاز الأمن والمخابرات، وأعرب عن قلقه بشأن قانون الأمن الوطني الذي يتيح سلطات الحجز والإعتقال لجهاز الأمن الوطني وحصانة إجرائية لأفعال تقع تحت طائلة المسئولية الجنائية.
ورحب نونوسي بقرار السلطات باعادة جوازات سفر ناشطي المجتمع المدني والذين منعوا من حضور الجلسة السابقة للتنوير الخاص بالتقرير الدوري الشامل في جنيف. وشدد على أهمية الدور الذي يلعبه المدافعون عن حقوق الأنسان، وأكد على ضرورة سماح الحكومة لهم بالقيام بأنشطتهم في بيئة منفتحة وآمنة.
وأبدى قلقه بشأن حالات محددة لإعتقال تحفظي وحجز اربعة قساوسة في الخرطوم منذ منتصف ديسمبر 2015 إضافة إلى طلاب جامعة الخرطوم منذ 13 أبريل 2016. وأضاف نونوسي “وقد ناقشت هذه المخاوف مع السلطات المعنية وعلمت أن القضية الأولى قد جرى تحويلها للسلطات القضائية التي حاكمت القساوسة الأربعة بتهم جنائية“، ويتابع “كما علمت أن قضية الطلاب سوف تحال قريباً إلى السلطات القضائية المختصة للاجراء“، وطالب السلطات السودانية ضمان توفير الحق لهؤلاء الافراد في المحاكمة العادلة بما يتوافق مع الممارسة السليمة.
الخبير المستقل يؤكد وجود رقابة مستمرة على الصحف وأن القيود المتزايدة على الصحفيين بشأن التعبير عن آرائهم، وفي سياق الحوار السياسي الجاري، يقول إنه من الضرورة بمكان إزالة القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الروابط من أجل خلق بيئة مواتية لحوار وطني حر وشامل. ويقول “في هذا السياق فإن ايقاف جهاز الأمن لصحيفة التيار منذ منتصف ديسمبر 2015 أمر يثير القلق“، ويشير إلى أنه طرح على السلطات قضية أسر ضحايا مظاهرات سبتمبر 2013. وقال “ومع ترحيبي بقيام الحكومة بعملية التعويض الجارية للضحايا وأسرهم فإنني أحث السلطات على النظر في القيام بخطوات أخرى للمتابعة، بما في ذلك التحريات المحايدة ومعاقبة المسؤولين عن هذه الإحداث“، ويتابع “منح الحصانة لمنتهكي حقوق الانسان ترسل رسالة خاطئة للضحايا ومرتكبي الانتهاكات وإلى عامة الناس مما يعيق سيادة حكم القانون“.