معركة دلدكو

في العاشر من ديسمبر، خاض الجيش السوداني معركة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في منطقة (دلدكو) 16كم خارج (كادوقلي). المعركة التي استمرت لثلاثة أيام هي الثالثة من نوعها في نواحي عاصمة جنوب كردفان منذ أكتوبر الماضي، وقد استطاعت (عاين) الحصول على مواد مصورة من مراسليها في أرض المعركة. إضافة إلى مقابلات مع جنود في الحركة الشعبية – شمال، وآخرين من الجيش السوداني وقعوا في أسر الحركة.

المعركة

شن الجيش السوداني هجوماً لاستعادة (دلدكو) بعد أسابيع من استخدام الحركة الشعبية -شمال للمنطقة كقاعدة لقصف (كادوقلي)،عاصمة (جنوب كردفان). في الوقت الذي استعصت على الحركة السيطرة على أي مدينة رئيسية بالولاية – بما في ذلك (تلودي) ثاني أكبر مدنها – تخوض الحركة الشعبية – شمال قتالاً في ثلاثة جبهات للسيطرة على العاصمة منذ عام، وفي مطلع أكتوبر باشرت الحركة بقصف العاصمة (كادوقلي) من (دلدكو). شكل القصف الهجوم الأكبر من نوعه نحو معقل الحكومة منذ اندلاع الحرب في يونيو 2011 

في العاشر من ديسمبر، وبعد استمرار القصف لشهرين على (كادوقلي)، تحركت كتيبتان من الجيش السوداني صوب أماكن تمركز الحركة الشعبية – شمال في (دلدكو)، ووفقاً للقيادي في قوات الحركة الشعبية – شمال الفريق (داوود عيسى) تضمنت القوة 2,226 جندي. تشكلوا في كتيبتين ترافقهم 9 دبابات ووحدات مدفعية. 

اشتعل القتال حوالي الحادية عشر صباحاً. على مشارف (دلدكو). عندما ربضت قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال بأربعة دبابات في انتظار هجوم الجيش السوداني. الملازم أول في وحدة المدرعات (حسين الإحيمر) قال أن قواته هاجمت أولاً. لكن حجم القوات الحكومية فاجئهم : “كانوا يفوقوننا عتاداً” يقول (الإحيمر) : “تراجعنا وأعدنا ترتيب صفوفنا، وعندما بدأنا في شن هجوم مضاد كانوا قد دخلوا (دلدكو)”.

لاحقاً. كونت الحركة الشعبية – شمال قوةً قوامها 1500 جندي لدعم دباباتهم الأربعة في الجبهة وصد هجوم الجيش السوداني، وبعد ما يقارب الثلاث ساعات من القتال المتواصل. أجبرت الحركة قوات الجيش على الانسحاب. فيما استسلمت بضع دبابات : “لقد ضغطنا عليهم. حتى أن بعض جنودهم بدأوا في القفز من دباباتهم للهرب، وقتلنا بعضاً ممن تبقوا داخل الدبابات” يقول (الإحيمر).

جرح (الإحيمر) خلال اليوم الثاني من المعركة. في 12 ديسمبر بادر الجيش السوداني بالهجوم مجدداً بينما كان جنود الحركة الشعبية – شمال منشغلين بإصلاح الدبابات التي خلفها الجيش في اليوم السابق، يعلق (الإحيمر) على ذلك بالقول بأن قواته كانت تعد تهيئة الدبابات الجديدة التي غنموا بها لشن هجوم ثان، وعندما ركض لإرشاد واحدة من دباباتهم أثناء بدء الهجوم أصيب بطلقة في ساقه : ” على الرغم من اصابتي، فقد زحفت ونبهت دبابتنا لدبابات الجيش التي كانت آتية من الجانب الآخر”.

ومع نهاية اليوم سقطت أعداد كبيرة من القتلى في المنطقة. وفقاً للقيادي في قوات الحركة الشعبية الفريق (داوود عيسى) فإن 89 جندياً من الجيش النظامي لقوا حتفهم في المعركة. بينما سقط 3 قتلى فقط في صفوف الحركة، وجرح 17، ولكن لم يتوفر لدينا أي مصدر مستقل للتحقق من صحة هذه الأرقام. في حين استطاع مراسلونا احصاء 30 قتيلاً خلال الأيام التي تلت انتهاء المعركة. “لقد صارت الأرض حمراء تماماً” يقول (الإحيمر) : “لقد كان من المستحيل معرفة كم شخصاً مات خلال القتال”.

الأسلحة

خلال المعركة استطاعت الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال من الاستيلاء على 5 دبابات وتدمير واحدة، وتمكنت أيضاً من الحصول على ناقلتي جند من نوع لاند كروزر، وقذيفة هاون عيار 120ملم. إضافة إلى بعض الأسلحة المتنوعة. العديد من جنود الحركة في (دلدكو) شوهدوا وهم يعدون آلافاً من خزن الذخيرة التي حصلوا عليها بعد المعركة.

خلال انسحابه أيضاً ترك الجيش السوداني خلفه قطعتي سلاح لم تتمكن قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال من تحديد ماهيتها. “التقرير الإحصائي للأسلحة الصغيرة في السودان” عرّف هذا النوع من الأسلحة بوصفه اصداراً صيني الصنع من “السهم الأحمر-8” وهو قاذفة موجهة مضادة للدبابات. يمكن استخدامها لمهاجمة المركبات المدرعة، وهي قادرة على إيقاف الدبابات من مواصلة مسارها.

“هذه هي المرة الأولى التي يوثق فيها التقرير الإحصائي للأسلحة الصغيرة قاذقةً موجهة مضادة للدبابات في السودان” يقول التقرير. الحركة الشعبية -شمال لم تقم على أي حال بإصلاح وحدة التوجيه المنفصلة والتي لا يمكن بدونها إطلاق القاذفة المضادة للدبابات، بحيث أصبحت عديمة الجدوى، ووفقاً للتقرير الإحصائي فإن هذه القاذفات الموجهة تعد واحدة من أحدث التقنيات العسكرية التي استخدمت في ميادين القتال بولاية جنوب كردفان حتى حينه.

الأسرى

أسرت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال أيضاً 3 من جنود الجيش السوداني خلال المعركة، والذين أتيح لـ(عاين) أخذ إفاداتهم. وفقاً للفريق (داوود عيسى) فإن اثنين من الأسرى يقل عمرهما عن الثامنة عشر. في حين يتجاوز عمر الثالث السبعين. الجنود الأسرى أعضاء في قوات الدفاع الشعبي، وهي وحدات طوعية من الجيش السوداني تتشكل من مجندين من مختلف مناطق السودان، ورغم تلقيهم لتدريبات عسكرية إلا أنهم عادة ما يكونون أقل خبرة من جنود الجيش المحترفين. فرق الدفاع الشعبي عادة ما تقاتل جنباً إلى جنب مع القوات النظامية ضد المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

على الرغم من ظهور أسرى الجيش السوداني في حالة جيدة. إلا أن (عاين) عجزت عن التأكد مما إذا كان بمقدور الأسرى التحدث بحرية، أم أنهم أدلوا بتصريحاتهم بإيعاز من آسريهم، ونتيجة لهذه الشكوك لم نقم بنشر إفاداتهم هنا. المسئولون بالحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال يدعون بأن الأسرى سوف يتم إعادتهم إلى الجيش السوداني دون أن يحددوا التوقيت أو الكيفية التي سيتم بها ذلك. (عاين) بدورها لم تتلقى أي إشارات تفيد بأن الأسرى قد تم إطلاق سراحهم. 

نشر في٢٨ مارس ٢٠١٣