سودانيات يحكين مأساة حرق قريتهن
سودانيات يحكين مأساة حرق قريتهن
٢١ أغسطس ٢٠١٣
قرية (الفيض أم عبدالله) بجنوب كردفان، قرية آمنة لا يعرف ساكنيها سوى العيش مع بعض وقبول الآخر إلا بعضالخلافات الزارعية التى تحدث فى أي منطقة زراعية في السودان. صباح ١٣ أبريل ٢٠١١ إكتست القرية باللونالأخضر. هذا اللون ليس لون الأشجار و النباتات التى تمتاز بها المنطقة. إنه لون الزي العسكري (الكاكي الأخضر).إنه لون من نوع خاص، لون الموت. لون أخضر تنطلق منه النيران وبعدها ينتهي كل شي ويخلف وراءه اللون الأحمرورائحة الشوي والسجم والرماد. ويشار إلى المنطقة بأن هنا كانت منطقة.
في رحلة طويلة و شاقة وصل فريق (عاين) إلى قرية (الفيض أم عبدالله) لتوثيق هذا الحدث، بعدها إلتقى مراسل(عاين) عدد من الضحايا في مناطق أخرى نزحوا إليها بعد الحريق. إختار لنا مراسل (عاين) إثنين من الضحايا، هن(عائشة عبد الله محمد) و (مريم إبراهيم حامد). كان الحوار معهن طويلا ً، كما أن بعض اللقطات مؤلمة و قاسية و لاتُحتَمل. لذا إخترنا لكم أجزاء من الحوار المصور و نسرد لكم ما تبقى.
تقول (عائشة عبد الله محمد) عمري ٥٠ سنة أعمل في الزراعة، كنت في تلك الأيام أجهز لعرس إبنتي وكأنما تريد أنتقول “نريد أن نشتل الأفراح لكن جاءت الأقدر مدت إيدا“. عندما سمعنا أول طلقة عرفنا أن هذه نار غير عادية. بعدهارأيت كل شي أخضر (رمزية اللون الأخضر عند الأهالي ترمز للزي العسكري، الكاكي). دخلت المليشيات قرية(الفيض أم عبدالله) وحاصرتها وبدأت في إطلاق النار وحرق المنازل و سرقة المحاصيل الزراعية والمواشي ولم ينجوحتى الدجاج. تقول (عائشة) عندما إنطلق الرصاص، إقترح علي أبنائي أن نذهب لمنزل خالتهم، فذهبوا. قبل اللحاقبهم، قررت أن أطمئن على الجيران. فإقترح الجيران أن نحتمي فى غرفتهم، فدخلنا إلى الغرفة. لكنها لم تحمينا منوابل الرصاص. كان الرصاص يأتينا عبر النوافذ و الأبواب، فبدأ بعض من معي بالخروج من الغرفة، نجا من نجاوقتل من قتل. تقول إستنشقت شيئاً حاراً حارقاً مثل (الشطة) يجعلك تأخذ نفساً طويلا ًعميقاً، هذا هو (الرشاش) الذيينطلق من تجاه الوادي. (لربما أنها شطة محترقة فى أحد البيوت المحروقة. و لربما روائح البارود الحارقة. لكن هلنتوقع أن هذا الشيء الحار الحارق مثل الشطة هو نوع من السموم أو سلاح غازي!؟ فكثيراً ما يقال أن حكومةالخرطوم تستخدم هذا النوع من السلاح فى حروبها).
تقول (عائشة) عندما إحترقت الراكوبة (المظلة) التى أمام الغرفة التي نحتمي بها وإشتد الحريق. أحسست أن هناكشيئاً يغطي وجهي، خيل لي أنه (الخمار)، وضعت يدي لأزيل الخمار، وجدت أنه ليس الخمار، بل وجهي قد إحترق،وبدأت أجسادنا تشتوي، فقررت أن أخرج من الغرفة. إخترت الموت عن طريق طلقة نارية سريعة أهون من أن أموتحرقاً. تقول (عائشة) عندما خرجت من الغرفة سمعت صوت أحدهم يقول هذه (عائشة). فأطلق علي (الكانجي) أحدأفراد الهجوم النار، لكنه لم يصيبني. هو الذى أطلق النار أول مرة نحو عيني. ثم أتى إلي (حسن) أخ (الكانجي) وضربني بالعكاز ثلاث مرات و بعدها قال إتركوها هذه (عود).
تقول (عائشة) نجوت من الموت، ومن يومها ظللت أرحل من مكان لآخر. و فضلت أن أعيش فى أرض أجدادي(جبال النوبة) برغم أن أفراد أسرتي يعيشون فى الخرطوم و سنار. تقول (عائشة) بإبتسامة تخفي من وراءها شيئاً، لاأعرف هؤلاء المعتدين، و لمن أشتكي؟ و أين أجدهم حتى اشتكيهم؟ أنا لست لدي عداوة مع أحد!! الله هو وحده الذىيعرف!! إلا أنها تأكد معرفتها لـ(الكانجي) و (حسن) أخ (الكانجي) و (ود الرضي) و (السيد) فتقول هؤلاء همعيال (دار فايض) الفريق الذى يقع بعد حلة (البرقو) بقرية (الفيض أم عبدالله).
(مريم إبراهيم حامد) شابة متزوجة فى عمر الـ١٨ سنة، يبدو فى بريق عينيها الخوف، تردد دائماً فى كلامها كلمة(الحرية)، تظهر علامات الحروق عليها بشكل واضح. تذكرك مقطع “قول للبنية الخايفة من نار الحروب تحرق بويتاتالفريق قول ليها ما تتخوفي“. تقول (مريم) عندما هاجمنا (الجنجويد) في الثامنة صباحاً كانوا يسبونا بألفاظفظيعة وعنصرية كانوا يقولون “نوبه أولاد حرام الليلة ننهيكم كلكم“. دخلنا نحن ٢٧ شخص في غرفة واحدة،والرصاص ينهال علينا من الباب والشبابيك. بعدها صبوا البنزين وأشعلوا النار. وبدأنا نخرج عندما إشتد علينا الحريق.بعضنا إستطاع أن يهرب، وبعضنا مات حرقاً أو بالرصاص، وبعضنا جرح وحرق.
تقول (مريم) عند الساعة ١٢ ظهراً أتى إلينا عساكر الحكومة بعد أن إنتهى كل شيء. نقل الجرحى والمحروقينللمستشفى. كنا مرضى وجرحى ولم نتعافى. أتت الشرطة وأخرجتنا من المستشفى إلى السجن. وبدأ التحقيق معنا وأخذأقولنا. كانوا يسألونا “هل تعرفون من الذى فعل بكم ذلك؟ ولماذا؟ وماهى هى الأسباب؟” نحن قلنا هؤلاء هم(الجنجويد). ثم أرادوا أن يحبسونا لكنا رفضنا ذلك، والأهالي أيضاً إحتجوا على حبسنا. ثم تم إطلاق سراح النساء. إلاأن أغلب الرجال تم حبسهم ما لايقل عن ٢٠ يوماً. هذا مؤسف نحن المتضررون كيف يتم التحقيق معنا و حبسنا، ألاتوجد لدينا حكومة تحمينا!؟ تواصل (مريم) لن أستطيع أن أسامح من فعل بنا هذا، حتى لو كان هذا أخاً لي، لكنيسأحترم القانون، وشكوتي ستكون ضد (عمر البشير) و الوالي (أحمد هارون)، ووجود (عمر البشير) فى الحكم لايجعلنا نشعر بالسلام بقلب واحد، لأن ما نشعر به قاسي و مؤلم، لماذا لا يدعونا نحكم أنفسنا و نعيش أحرار، وكل منايأخذ حريتة.
بعد الزيارة الميدانية التى قام بها مراسل (عاين) لقرية (الفيض أم عبدالله) بجنوب كردفان و بعد التقصي والتحقيقاتالتي أجراها مع المواطنين، ثبت أن في يوم الأربعاء الموافق ١٣ من أبريل ٢٠١١ الساعة الثامنة صباحاً هجمتمجموعة من المليشيات على القرية و أسفر الهجوم عن حرق ٢٤٦ منزل و قتل ٢٤ و جرح ٥٠ شخصاً ونزوح ١٠٥١من السكان.