رحيل الترابي: منظومة النظام الخالف ونهاية الحركة الإسلامية
– شبكة عاين – ٢٥ نوفمبر ٢٠١٦ –
ما زال رحيل الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي والزعيم الإسلامي الدكتور حسن عبدالله الترابي يتداعى داخل حزبه وبين فرقاء الحركة الإسلامية. وكان رحيله المفاجئ قد أحدث ارتجاجاً في أوساط الإسلاميين خاصة في داخل حزبه، بوضع أسئلة حائرة بشأن مستقبل الحركة الإسلامية، التي أسسها بعد المفاصلة الشهيرة في العام ١٩٩٩ داخل المؤتمر الوطني الحاكم بقيادة الرئيس عمر البشير.
السؤال الذي يطرح نفسه حالياً: هل رحيل الترابي سينهي الحركة الإسلامية ويضرب جذورها، ويشتت حزب “الترابي” المؤتمر الشعبي، والبدء في تنفيذ منظومة “النظام الخالف” التي كان قد بشر بها الترابي قبل رحيله؟
توقعات بتلاشي الحركة الإسلامية
ربما عجل رحيل الترابي في اندثار الحركة الإسلامية، هكذا كانت وجهة نظر الدكتور شمس الدين ضو البيت مدير برنامج الفكر الديمقراطي ومحرر سلسلة “قراءة من أجل التغيير” في حديثه لــ”عاين”. ويقول ضو البيت ان رحيل الترابي سيُعجِّل باندثار الحركة الإسلامية وحركة الإخوان المسلمين في السودان والمنطقة بصورة عامة، لافتاً إلى أن رؤيته تستند على التاريخي فيما يتعلق بتاريخ الأفكار والمشاريع الكبرى. ويشير ضو البيت إلى أن تجربة الحركة الإسلامية في السودان جُرّبت خلال ربع قرن من الزمان بالمبادئ الأساسية والرؤى والأشواق لمشروع الإخوان المسلمين الذي ناهز عمره الــ(٩٠) عاماً منذ أن أسسها حسن البنا في مصر.
ويقر ضو البيت بحقيقة أن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في السودان كان قوياً في المنطقة العربية من حيث الكفاءة والمال والتنظيم الدقيق، غير أنه استدرك قائلاً “لكن التجربة فشلت بشكل كارثي باعتراف عدد من المفكرين أمثال عبد الوهاب الأفندي، الطيب زين العابدين، والمحبوب عبد السلام، وحتى الترابي ذات نفسه في لحظة من اللحظات“.
بينما حمِّل الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبدالله آدم خاطر الترابي وحزبه مسؤوليتهما في الأزمة الشاملة التي تعرضت لها البلاد. ويقول خاطر لـ “عاين” انّ الترابي كان جُزءًا من البلاد المأزومة، بالحالة الاستعمارية والتخلف السياسي وأزمة دولة ما بعد الاستعمار. ويضيف خاطر “بل أن أطروحته التي جاء بها أخفقت في إنتشال البلاد من أزماتها المُتشعبة“، لافتاً إلى أن البلاد ما زالت تحتاج إلى المزيد من الديمقراطية والحرية والسلام واحترام حقوق الإنسان، والتنظيم الإداري وتحسين الأوضاع المعيشية.
ويرى خاطر أن السودان إضافة إلى أنه بلد مأزوم بالحالة الاستعمارية، فإنه ما زال يعاني من التخلف السياسي والاقتصادي، والتدني في العلاقات الخارجية، وتضاءل القدرات الإنتاجية.
وتوقع الكاتب الصحفي عبد الله الشيخ أن تلتئم الحركة الإسلامية من جديد، ويقول لـ”عاين” ان غياب الترابي قاد حزب المؤتمر الشعبي للعودة إلى حضن المؤتمر الوطني الحاكم. وبالعودة للدكتور شمس الدين ضو البيت، ليؤكد أن المشروع الإسلامي في السودان إنتهى وفقاً لرؤية علماء الاجتماع والعلوم السياسية الذين يعتقدون أن أي مشروع سياسي يتم تجريبه عبر عدد كافٍ من السنوات سيفشل ولا يمكن إحياؤه مرة أخرى. ويقول ضو البيت ان المشروع الإسلامي افتقر قدرة تجديد العقول، ويضيف أن هذا المشروع باستطاعته المواصلة بقوة الدفع الذاتي ولكن بصورة متناقصة على المدى القصير. ويقول ضو البيت أن “وهم المشروع الإسلامي قد إنتهى إلى غير رجعة لا سيما أن الترابي كانت لديه القدرة على الإقناع على المستوى الشخصي، لكن تلك الميزة ليست موجودة في خلفه“.
لا رهان على حزب المؤتمر الشعبي بعد غياب الترابي
لكن حسن مكي، المفكر الإسلامي، قال في تصريح صحفي منشور إن الشيخ الترابي ترك مدرسة لها امتدادها السياسي والفكري والتنظيمي، ويضيف “لذا تجدني أراهن على هذه المدرسة ولا أراهن على قيادات الشعبي، لمواجهة المُستقبل بعد رحيله“. وضح مكي أن الواقع يقول إنه ومهما طال الزمن فلا مجال للسودانيين إلا الحُريات والعدالة، ولا مُستقبل للنُظم الشمولية التي تنعدم في عهدها الحُرية. ويرى مكي أن المُستقبل للفكر الإسلامي إلى جانب ثقافة التجديد والحوار وحركة التواصل العالمي.
أما الهادي محمد الأمين، وهو صحفي مهتم بشؤون الجماعات الإسلامية، يرى في حديثه لـ”عاين”، إن المؤتمر الشعبي سيصبح كياناً ماضوياً كالاتحاد الاشتراكي، وأن الحركة الإسلامية سيصيبها التلاشي وينحصر دورها ويضعف تأثيرها، كالفكرة الجمهورية التي انتهت فاعليتها بعد إعدام زعيمها محمود محمد طه في يناير ١٩٨٥. ويضيف الأمين أن ما يتبقى من الفكر الجمهوري أصبح حديثاً للذكريات، واجتراراً للماضي فقط بلا مستقبل، ويشير إلى أن الترابي كان يُشكِّل العمود الفقري للحركة الإسلامية ومحورها، إلى جانب “الكاريزما” التي يتمتع بها والقدرة على التأثير والمرجعية الفكرية والروحية، وهذه صفات لا تتوفر حالياً في من يخلفه، أو من يأتي بعده. وختم الأمين بالقول: “الحركة الإسلامية السودانية تعيش حالياً في مأزق حقيقي“.
السنوسي: “أفكار الترابي باقية والمنظومة الخالفة قادمة” – لقاء من قناة الجزيرة مع الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في السودان إبراهيم السنوسي
النظام الخالف
أبرز ما كان ينتظره تلاميذ الشيخ الترابي في خواتيم أيامه، مشروعه الجديد المُسمى بـ”النظام الخالف”، ولا يعلم أحد التفاصيل الصغيرة للمشروع سوى الشيخ الترابي. وسبق أن روَّج أنصار المؤتمر الشعبي لورقة بشأن ذلك الطرح تقوم على تذويب التيارات الإسلامية، وذات الصبغة الإسلامية، في حزب واحد.
وحملت الورقة التي اقترحها الترابي مُراجعات وتقييماً كاملاً لتجربة الإسلاميين في حُكم السودان، فضلاً عن تجربة المؤتمرين الشعبي الذي يقوده هو والوطني الحاكم بقيادة الرئيس عمر البشير. لا سيمَّا أن الورقة حدَّدت أهدافها بخلق تحالف عريض في شكل حزب واسع في إطار شراكة سياسية جديدة تضم الإسلاميين بطوائفهم المُختلفة، بمن فيهم ذوو الخلفيات الإسلامية كالسلفيين والتيارات الصوفية والأحزاب الطائفية.
وشدَّدت الورقة على أهمية الاستفادة من تجربة الإسلاميين، فيما يتصل بقضايا الحُريات والتنوع عبر التركيز على الإيجابيات وتطويرها، وتلافي السلبيات بما يتناسب والتطور الطبيعي للحياة. وفي هذا الصدد يقول القيادي البارز بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق المحامي لـ”عاين”، إن النظام الخالف هو امتداد لرؤى فكرية ظلت تعتمدها الحركة الإسلامية في تاريخها الطويل. وعدَّها عبد الرازق رؤية تنبؤية استباقية لوحدة السودانيين، وتعمل على لملمة التمزق إلى أحزاب محدودة تمثل عقداً اجتماعياً جديداً، أو حزب جديد يتمحور حوله السودانيين لوحدة الوطن.
فيما يرى القيادي الإسلامي المحبوب عبد السلام في النظام الخالف توسعة لإشراك الآخرين لإصلاح العطب الذي صاحب مسيرة الحكومة في السودان. واستدرك قائلاً ل(عاين) انها مجهودات ولكنها لن تفضي لحل مشكلة السودان موضحاً هناك تحول بالغ في ما يتعلق بالإسلاميين أنفسهم وهناك أجيال جديدة وطريقة مختلفة تماما عن التي كانت سائدة أيام الجبهة الإسلامية القومية أو جبهة الميثاق. ويتابع عبد السلام “توجد أجيال جديدة تفكر بطريقة جديدة وتستعمل وسائل جديدة. الآن هناك دعوة لمراجعات جذرية وحتى للفكر الإسلامي من أجيال واسعة جدا، وإذا جاءت حريات كافية سنكتشف حجم التحول الذي حدث في هذه الأجيال“.
ومقترح المنظومة الخالفة تواجه تحديات كثيرة لأن الحركة الإسلامية لم يعد لها وجود مثل ما كان في السابق، وهناك من يرى أنها على وشك أن تتلاشى. ويقول عبد السلام “هي لم تتلاشَ لأنها قوة اجتماعية يعني لا تتلاشى ولا تخلق من العدم مثل المادة. بمعنى أنه حتى لا يمكن اقصاؤها أو عزلها“. وأضاف عبدالسلام أن على قادة الحركة تصحيح العديد من المفاهيم السلبية التي صاحبت فترة الحكم مخلفة ورائها احباطات عديدة.
واستند المؤتمر الشعبي في رؤيته الجديدة على التطور التدريجي للحركة الإسلامية التي بدأت بتأسيس الجبهة الإسلامية للدستور في ١٩٥٤، ثم جبهة الميثاق في ١٩٦٥، والجبهة الإسلامية القومية في عام ١٩٨٥. وحملت الورقة نقداً ذاتياً للتجربة الإسلامية ومُراجعات شاملة، فضلاً عن تطوير مفاهيم الحركة الإسلامية نفسها والمُنعطفات التي مرت بها. وسبق أن أولى الترابي بالغ اهتمامه، وأشرف شخصياً على تنفيذ المشروع، باعتبار أن أكثر ما يشغله في الفترة الأخيرة تتمثل في توحيد الإسلاميين برؤية جديدة، لتلافي سلبيات حُكم النظام الحالي الذي يصفه المعارضون بأنه نظام اوصل الدولة السودانية إلى حالة الفشل والانهيار.
ما بعد الرحيل: كشف المستور عبر حوارات أحمد منصور
بعد رحيل الترابي بثت قناة الجزيرة سلسلة حوارات عبر برنامج “شاهد على العصر” قدمه الإعلامي أحمد منصور، أثارت قلق الكثيرين في الحزبين “المؤتمرين” الشعبي والوطني وكانت قيادات في الحزبين قبيل بث الحوارات قد طالبت من القناة والحكومة القطرية بعدم بث تلك الحلقات، لكن تلك المطالب باءت بالفشل.
وحملت الحلقات الكثير من الأسرار أبرزها حديثه عن محاولة إغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995م، وكشف عن أسماء المتورطين، أبرزهم نائب الرئيس السابق علي عثمان والدكتور نافع علي نافع وصلاح قوش وآخرين. وقال الترابي ان “الترتيبات التي قام بها نائب الأمين العام للجبهة علي عثمان طه ونافع علي نافع أخفيت عنه وعن الرئيس السوداني عمر حسن البشير. وأن اجتماعا خاصا عقد للنظر في المسألة، حضره الرئيس ومدير الأمن وآخرون، وأن طه اقترح أن يتم التخلص من مصرييْن عادا إلى السودان بعد مشاركتهما في محاولة إغتيال مبارك”.
وفي رده على هذه الاتهامات، قال مساعد الرئيس السوداني الأسبق نافع علي نافع إنه لم يسمع به إلا من خلال حديث الترابي في قناة الجزيرة. وشدد نافع في حوار أجرته معه وكالة أنباء (الأناضول) على أن “كل الاتهامات غير صحيحة، لأنه ليس لدى (الترابي) معلومات“. بينما أصدر مدير مكتب علي عثمان طه، إبراهيم الخواض بيان شكك فيه بالقدرات الصحية والعقلية للشيخ الترابي، مشيراً إلى أن شهادته جاءت تحت تأثير الضربة التي تلقاها من بطل الكاراتيه هاشم بدر الدين في كندا؛ في اشارة الى الحادثة المعروفة شعبيا باسم “دقة كندا”.
ويرى الخبير القانوني علي محمود حسنين أنّ حديث الترابي يمكن أن تؤسس عليه بينة خاصة وأنّ الجديد هو ذكر اسماء المتورطين. وقد سبق وأن صرح في قناة العربية في العام 2008م رغم امتناعه عن ذكر الأسماء. ويضيف حسنين البينات كثيرة وأيّ ملف يمكن فتحه يورط علي عثمان، حتى رأس النظام عمر البشير نفسه يطاله الإتهام لكونه علم بمحاولة الإغتيال الفاشلة. فيما أكد نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة صحة ما أدلى به الترابي، ويضيف في حديثه لـ(عاين) “هذه حقائق وسبق أن أبلغني بها حين كنا معتقلين بسجن بورتسودان قبل سنوات“.
غير أن تصريحات الترابي لم تثير اهتمام الجانب المصري. ويرى رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان في حديثه لـ(عاين) أنه ليس هنالك جديد في تلك التصريحات، والكل يعلم أنّ محاولة الاغتيال الفاشلة دبرها النظام السوداني. وردد رسلان “جميعهم قتلة، إرهابيون والعالم كله يعلم ويشهد بذلك فهم جماعة آوت كل العناصر المتطرفة والإرهابية“.
بيد أنّ رئيس تحرير صحيفة (حريات) الحاج ورّاق الذي كان يتحدث لـ(عاين) يرى أنّ ما جاء على لسان الترابي يعتبر إقرارًا رسميًا بذكره أسماء المتورطين، وتمويل العملية بمبلغ “مليون دولار”. ويقول ورّاق أن كل هذه المعلومات جديدة تذاع لأول مرة، ويضيف “في السابق كان الترابي يلمّح دون ذكر أسماء بغير هذه المرة كما جاء في قناة الجزيرة“. لكن على المستوى القانوني يرى حسنين بأن القانون يسمح بتسليم المتورطين حال تم تحريك إجراءات قانونية، وإعلان المطلوبين عبر الإنتربول، لكنه يستبعد أن تتخذ مصر أي موقف من هذا القبيل.