ذاكرة الحرب تحاصر أطفال المعسكرات في دارفور

 

ذاكرة الحرب تحاصر أطفال المعسكرات في دارفور

ما تزال ذكريات الحرب تمثل حضوراً مقلقاً وهاجساً لجيل كامل من أطفال المعسكرات في دارفور في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أعوام في الاقليم المنكوب.

وتعيق تلك الذكريات المسيطرة على هؤلاء اليافعين قدرتهم علي التحصيل الأكاديمي في ظل بيئة تعليمية متدهورة تغيب فيها مقومات المدارس والبيئة الصحية والكوادر التعليمية والتربوية المؤهلة إضافة لقلة المعدات المدرسية والوسائل التعليمية. كما تنعكس حالة الفقر العام وانعدام فرص العمل للأمهات والآباء من النازحين مما  فرض على تلاميذ من المدارس الخروج والتسرب إلى أسواق العمل  المحلية.

ويشكو النازحون في معسكر زمزم بولاية شمال دارفور، من إهمال الحكومة للتعليم في المعسكر وتدهور الأوضاع التعليمية بشكل عام لا سيما في ظل طرد المنظمات الانسانية العاملة في الاقليم.

ويمثل تجدد القتال بين الحكومه والحركات المسلحة في أجزاء من ولاية شمال دارفور مؤخرا عاملا اخر من عدم استقرار الأسر ونزوح أعداد جديدة إلى معسكرات النازحين بالولاية الأمر الذي ينعكس سلبا على قدرات مدارس المعسكرات علي استقبالهم.

وتقول إحصائيات أن عدد الأطفال في المدارس بمعسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور حتى العام 2016 أكثر من 17.000 تلميذ وتلميذة في ظل إغلاق حوالي 48 مركزا للأطفال  بسبب توقف الدعم الذي كانت تقدمه اليونيسيف وسودان بلان.

ذكريات الحرب

ذاكرة الحرب تحاصر أطفال المعسكرات في دارفور
يـــرى بــــاحثون أن آثــــار الحـــرب النفســـیة علــــى الأطفـــال أصــــبحت مـــن الأولویات التي ینبغي أن تنال الاهتمام، خاصة وأن الدراسات العلميـة التـي تناولت هذا الجانب قليلة، رغـم أن النزاعات تركت آثار نفسية واجتماعية طويلة الأمد يصعب التغلب عليها لفتـرة طويلـة، وقـد تخـل هـذه الآثـار بكیـان الأفـراد و الجماعـات.

تقول عدة دراسات أجريت وسط أطفال المعسكرات في مناطق مختلفة في إقليم دارفور أن غالبيتهم يعانون من أمراض نفسية بسبب ذكريات الحرب السيئة الأمر الذي يعيقهم في  التحصيل الأكاديمي ويجعلهم عرضة لنوبات متفاوتة من التوتر والقلق والاضطرابات.

ويـــرى بــــاحثون أن آثــــار الحـــرب النفســـیة علــــى الأطفـــال أصــــبحت مـــن الأولویات التي ینبغي أن تنال الاهتمام، خاصة وأن الدراسات العلميـة التـي تناولت هذا الجانب قليلة، رغـم أن النزاعات تركت آثار نفسية واجتماعية طويلة الأمد يصعب التغلب عليها لفتـرة طويلـة، وقـد تخـل هـذه الآثـار بكیـان الأفـراد و الجماعـات.

وتقول دراسة أجريت بمعسكرات النازحين غرب دارفور ان تأثير الحرب على الأطفال تتعلق بظهور أعراض نفسية بعـد تعـرض الشـخص لأحداث صادمة تـؤدي إلى أعـراض تستمر معـه لعدة أشـهر واحیانا سـنوات، وتؤثر علـى توافقه وأدائه الوظیفي و علـى ممارسـة أنشطته الیومیه. وعـــادة مـــا تظهـــر الأعـــراض بوضـــوح خـــلال الثلاثـــة أشـــهر الأولـــى مـــن التعــرض للأحـداث الصـادمة، وفـي بعـض الحـالات النـادرة قـد تظهـر الأعـراض بعـد سـنوات. وقد تشتد حدة الأعراض وترافقها مع نوبات الهلع عنـد زيـادة الضغوط النفسية أو عـند التعـــرض لمـــا یـــذكر الشــخص الأحـــداث الصـــادمة.

وتقول الدراسة إن  ما یحدث في إقلیم دارفور مــن تــدمیر للریــف بمــا فيــه مــن ثــروات ومبــان ووســائل إنتــاج وخدمات و مصــادر ميــاه، حيــث تحــول أكثــر مــن ملیــوني مــواطن إلــى لاجئــین مــن دیــارهم، وتوقفــت العملیــة الإنتاجیــة، وجفــت مصــادر دخــل المواطن علــى ضعفها، و تحــول اقتصاد المنطقة من اقتصاد اكتفائي إلى اقتصاد المعونات، وتحول الناس إلى حیاة المعسكرات البائسة بما فیها من العجز واليأس، و من حياة الذل والمسكنة والمخاطر والأمراض والاعتماد بدرجة كبيرة على المنظمات الأجنبية، وانعدام الرؤية، له انعكاسات خطيرة على الصحة النفسية للإنسان في الإقليم”.

الصدمة

وتمضي الدراسة للقول بأن “الأطفــال هــم مــن أول الضــحایا فــي النزاعـات المسـلحة فـي دارفـور، فالأطفـال هـم أكثـر الفئـات عجـز وهشاشة لمواجهة ومقاومة لما يتعرضون له من خطر ورعب. إذ إنهم يتعرضون لظروف لم یسبق أن اسـتعدوا وتهیــأوا لهــا، ولـيس لدیهم الخلفيـة الدینیة والثقافیـة للراشــدین التـي تعطــي الأحـداث الصـادمة معنـى قـد یقلـل مـن حجـم ونوعیـة التـأثر بهـا.

وتقول الدراسة التي جاءت بعنوان  “اضطراب ما بعد الصدمة وسط الأطفال والمراهقين بمعسكر ات النازحین بولاية غرب دارفور” أن الأحداث الصادمة قـد تسـبب مشـاكل نفسـیة للبـالغین، ولكنهـا قـد تسبب تغييرات دماغية عند الأطفال تؤدي إلى خلل في وظیفة قرن آمون ” المنطقة  المسؤولة عـن تخــزین الـذكريات واسـتعادتها “. ومثــل هـذه الأحـداث هــي مـن النــوع

الــذي ذكـــر البـــاحثون بأنــه يــؤدي إلــى ســـوء التوافـــق والـــى صــدمات شـــديدة، والـــى اضطرابات نفسية تهز كيان الشخص وتكامله، مما یزید من الحاجة إلى تشخيصها بالأساليب العلمية توطئة للحد من انتشارها أو اجتثاثها بصورة كاملة.

وتوضح ذات الدراسة أن الآثار النفسية للحروب تظهر بصورة واضحة في شـكل اختلال نفسـي و عقلـي للأطفــال، وذكريات مريرة، وتكـون الشخصـية الثأریــة الانتقامية، إضــافة لانعـــدام الثقـــة فـــي كـــل شــيء حتــى فـــي أقــرب الأقــربین. كمــا أوضـــحت الدراســـة أن بعـــض الأطفـــال فـــي المعســـكرات یستجیبون للمثیـــرات التـــي  تــذكرهم بمـا حــدث فــي میـدان الحــرب باســتجابات الخـوف والقلــق والتوتر.إذ صــار الواحـد مـنهم إذا قامـت أمـه بإيقاد النار للطبخ يصـرخ و يبكـي و يحـاول الهـرب، وقـد یتجنب الأوضاع التي تذكرهم بالحدث الصادم. كما أن كثیراً مـن الأطفـال صـاروا یخافون من الحصان والجمل لأنهما الوسیلة التي كان یمتطیها المهاجمون في أثناء هجــومهم علــى القــرى.

وتضيف أن ” ظـروف المعسكرات – وفـي ضـوء مفـاهيم النمـو السـوية – تمثـل ظروفـا مثالية لنمو غيـر المتكامـل وغيـر المتوازن لهؤلاء الأطفـال. أطفـال المعسكرات – في ضوء بیئة المعسكرات – أطفال محرومون من الحاجات الضرورية.

وتقول أيضا ” أن 30% من الأطفال الذين يتعرضون للصدمات العنيفة ومشاهد الحرب والقتل  يتم شفاؤهم بصور تامة، بينما یسـتمر 40% فـي المعاناة من بعض الأعراض البسيطة، ويعاني 20% من أعراض متوسطة، ويبقـى 10% على ما هم عليه أو یتدهورون أكثر”

وأثبتت دراسة أخري مشابهة أجرتها الباحثة آمــال إبــراهيم (2011) وسط الأطفال في معسكرات النازحين بجنوب دارفور أن الأطفال بالمعسكرات یعانون من الضغوط النفسية لدرجـة مرتفعة، الأمر الذي يعيق من قدراتهم علي التحصيل الأكاديمي.

وتقول تقارير إن ظاهرة اللعب العنيف لدى الأطفال في دارفور أصبحت ظاهرة مخيفة بالنسبة للأسر نسبة لكثرة عدد الإصابات بين الأطفال أنفسهم الذين أصبحوا يميلون للألعاب العنيفة التي تستخدم فيها العصي والحجارة.

بينما يقول المعلم بمعسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور في حديث لـ (عاين) ان ذاكرة الحرب ما تزال تلازم التلاميذ داخل فصول الدراسة في المعسكر، مشيرا لتأثيرات ذلك السلبية على قدراتهم الاستيعابية على التعلم.

ذاكرة الحرب تحاصر أطفال المعسكرات في دارفور

 

أوضاع متدهورة

ويشكو النازحون في معسكر زمزم من تدهور الأوضاع التعليمية والصحية والبيئية في المعسكر، و يقول رئيس العمد بمعسكر زمزم الصادق حامد حسن أن كافة الخدمات في المعسكر متدهورة لا سيما التعليم، مشيرا إلى تفاقم مشاكل الإجلاس و نقص المعلمين،.

ويضيف حسن أن الدولة غائبة عن دعم التعليم في المعسكرات ولا تسمح للمنظمات بالعمل الخدمي، مشيرا إلى أن معظم أموال تسيير المدارس يتم جمعها عن طريق الجهد الشعبي الأمر الذي يشكل عبئا اضافيا على الأسر.

أما المعلمة علوية سليمان احمد تقول ان الحكومة في الفترات السابقة كانت تدعم التعليم، وتساعد بالتمويل والإغاثة للتلاميذ، لكن الأوضاع تغيرت بعد الحرب، مشيرة إلى تفاقم الأوضاع السيئة في التعليم جراء النزوح وعدم استقرار الأسر.

وتمضي مؤكدة في حديثها لـ(عاين) ان مستوى التعليم في معسكر النزوح سئ، مشيرة إلى انتشار سوء التغذية بين التلاميذ. مضيفة ” كنا نعتمد على برنامج الغذاء العالمي، وفي الفترة الاخيرة قلل برنامج الغذاء الحصص الغذائية للنازحين، وقسمهم الى 3 أصناف، بعضهم خرج من الدعم”.  وتفيد المعلمة علوية سليمان بأن أعدادا كبيرة من التلاميذ تركوا المدارس وذهبوا إلى سوق العمل بسبب عدم قدرة أسرهم على تغطية نفقات الدراسة.

” الأسر لا تستطيع توفير المال كي تسجل الأطفال في المدارس، والمنظمات لا تساعد، كما كانت تقوم به سابقا، والنتيجة أن أطفال كثيرون تركوا المدارس بسبب الرسوم، والآن لا سبيل سوى أن تعود المنظمات لمساعدتنا، وان تعمل من أجلهم، كي يكمل هؤلاء الأطفال مسيرتهم التعليمية”.

من جانبه يضيف المعلم المتطوع الصادق اسماعيل عباس، أن التعليم في السابق كان له نكهة جميلة، والطلاب لديهم رغبة وتشويق للتعليم، والبيئة المدرسية مناسبة والوسائل التعليمية كانت متوفرة، والحكومة تقوم بواجبها البسيط تجاه التعليم.

ويبين المعلم الصادق عباس لـ(عاين) الان الاستراتيجية الحكومية تغيرت بسبب النزوح إذ تخلت الحكومة عن التزاماتها بصورة كاملة، مشيرا الى تأثيرات النزوح السيئة على استيعاب التلاميذ في سن الدراسة.

ويضيف عباس أن الحكومة تعمل على التمييز بين المعلمين في مدارس المعسكرات وخارجها ولا  تهتم بالمعلمين في المعسكرات رغم أنهم يعملون في ظروف أسوا ولا توفر لهم حوافز ولا مرتبات.

فاقد تربوي وتقزم

وتقول تقارير أممية ان حوالي نصف الأطفال في اقليم دارفور خارج المدارس، وأن (40%) منهم يعانون من سوء التغذية المزمن ، بجانب وفاة (300) امرأة في كل (100) ألف حالة ولادة ، وأن (6) نساء ينجبن في مراكز صحية بين كل (100) حالة.

وقالت التقارير أن مليون و200 الف من أطفال دارفور يفتقرون للخدمات الأساسية ، وأن (65%) منهم تحت سن الرشد غالبيتهم يعيشون في معسكرات النزوح . وأشار إلى أن (40%) من الأطفال في محليات دارفور المختلفة مصابون بسوء التغذية.

ويقول تقرير آخر أن 88% من حالات الوفاة بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات يموتون بسبب ضعف خدمات المياه ، والصرف الصحي ، وإصحاح البيئة. وأكد التقرير  أن سوء التغذية بالإقليم يمثل مشكلة مزمنة ذات أثر طويل، يتضح في التقزّم الذي يصيب نحو أكثر من ثلث أطفال دارفور.

وفي السياق ذاته، كشف تقرير أصدرته وزارة التربية والتعليم بجنوب دارفور قبل عدة سنوات عن ارتفاع نسبة الفاقد التربوي بالولاية التي بلغت 77%. وأشار التقرير إلى أن عدد الأطفال ما بين (4-5) سنوات خارج التعليم قبل المدرسى بلغ (241,308) تلميذا، وما بين (6–13) سنة خارج التعليم في مرحلة الأساس بلغ (617,854) تلميذا.موضحا أن هناك نقصا مريعا في الكتاب المدرسي، وأن الفصول في كثير من المناطق عبارة عن راكوبة أو تحت الأشجار، وتفتقر لمواد الإجلاس.  وذكر التقرير أن العجز في المعلمين في مرحلة الأساس بلغ (3981) معلما بالولاية.

وتشير تقارير أخرى إلى استمرار ظاهرة اغتصاب الأطفال في الاقليم، الأمر الذي أدي لتفاقم خوف الأسر في المعسكرات من إرسال أطفالهم إلى المدارس بسبب الهجمات التي يتعرضون لها من قبل المليشيات والتي تتضمن عمليات اغتصاب.

العودة القسريةذاكرة الحرب تحاصر أطفال المعسكرات في دارفور

وفي سياق ليس ببعيد اتهم نازحون من عدد من المعسكرات في دارفور الحكومة بتعمد ابعاد المنظمات عن مساعدة النازحين لا سيما في مجالات الغذاء والتعليم والصحة، معتبرين أن ذلك خطة حكومية متعمدة لإجبار النازحين على العودة الطوعية.

ويقول نازحون ان عددا من المنظمات العالمية مثل اليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي وغيرهم اضطروا لوقف أو تخفيض المساعدات تحت ضغط الحكومة، داعين إلى ضرورة مراجعة تلك القرارات وعودة الدعم للمستحقين من النازحين علي كافة المستويات بدءا بالغذاء ثم التعليم والصحة.

ويعتمد سكان المعسكرات بشكل كامل على المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات الغوث الإنساني التي أصابها الإرهاق من تطاول الازمة دون حل لعشرات السنوات إضافة لتقليص الدعم الدولي الممنوح للعمليات الانسانية على مستوى العالم لاسيما من قبل ادارة ترامب.

ورغم الأوضاع المتدهورة والسلام المنتقص، تصر مفوضية العودة الطوعية التابعة لرئاسة الجمهورية السودانية مدعومة من خلال الوسيط القطري، على المضي قدما في برامج العودة الذي بدأ منذ العام 2007. ويعتبر بعض النازحين ان تجربة العودة الطوعية فاشلة بكل المقاييس، بل وأصبحت سببا لتضييع أموال المانحين وفتحت الباب للفساد واستغلال رغبة النازحين في الاستقرار.

https://www.facebook.com/3ayin/videos/313354505921682/