حفل تنصيب البشير شوارع خالية ومقاطعة دولية وغياب الحلفاء

 

حفل تنصيب البشير شوارع خالية ومقاطعة دولية وغياب الحلفاء

٣ يونيو ٢٠١٥

وسط استياء بالغ من قبل بعض القوى السياسية والمواطنين السودانيين، أدَّى الرئيس السوداني المشير عمر البشير، أمس (الثلاثاء)، القسم أمام المجلس الوطني، رئيساً للبلاد لفترة رئاسية جديدة تمتد خمس سنوات، وتعهد البشير بصيانة كرامة شعب السودان وتوفير الرفاه للشعب. وجاء أداء القسم أمام البرلمان، في كامل عضويته بحضور عدد من رؤساء الدول العربية ابرزهم المصري عبد الفتاح السيسي والأفريقية من بينهم الزمبابوي روبرت موقابي والتشادي ادريس ديبي ورئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين ، فيما شارك نائب رئيس جنوب السودان جيمس واني ايقا انابة عن الرئيس سلفا كير ميارديت ، وارسلت دولاً اخرى ممثلين عنها الى جانب رؤساء البرلمانات ، وسط غياب دولي واضح من المجتمع الدولي فيما عدا الصين الحليف الاكبر للنظام التي ارسلت وزير البيئة ، الى جانب غياب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والامير القطري الشيخ تميم بن خليفة .  

استقبال فاتر من السودانيين لولاية البشير السادسة

واستقبل الشارع السوداني احتفال تنصيب الرئيس عمر البشير بفتور واضح ولا مبالاة، باعتبار أن الخمس سنوات المقبلة لن تكون بأفضل من الـ(26) عاماً الماضية التي قضاها البشير رئيساً للجمهورية ، ويقول بكري يوسف المتحدث الرسمي باسم تحالف قوى الإجماع الوطني لــ(عاين) ، إن التنصيب يأتي كتتويج للعملية التزويرية الكبرى التي سُميت كذباً ونفاقاً بالانتخابات التي قاطعت إجراءتها كل القوى السياسية الوطنية المسؤولة تجاه قضايا شعبها، ما أدَّى إلى انعكاس هذا الموقف الموحد للقوى السياسية والمجتمعية على معظم الدول والمنظمات الدولية والمراكز المهتمة في هذا الشأن.

ويشير عبد الله آدم (سائق) تاكسي في حديثه لــ(عاين)، إلى أن التنصيب لا يعنيهم في شئ خاصة أن البلاد تعاني أزمات سياسية وأمنية بالغة التعقيد، موضحاً أن البشير ابتدر دورته الرئاسية الجديدة بقمع الحريات، ومصادرة عدد من الصُحف وتعليق صدور (4) منها في الأيام الماضية، ما يعني أن الخمس سنوات المقبلة، ستكون قاسية، لا سيمَّا وأن الحروب ما زالت مشتعلة في دارفور، النيل الأزرق وجنوب كردفان .

غياب ايران وارتريا حلفاء النظام مقاطعة الترابي

ومع غياب التمثيل الإيراني والإريتري الواضح ، حيث لم تشكل طهران واسمرا غياباً من قبل في احتفالات مماثلة باعتبار ان الدولتين تعتبران من حلفاء الخرطوم، فضلاً عن احتجاب عرَّاب الحركة الإسلامية الدكتور حسن عبد الله الترابي، ارتفع سقف التوقعات بحضور تمثيل دولي عالٍ المستوى، خاصة بعد اعلان حضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قبل ايام، لكن المُفاجأة كانت في وصول صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز، مستشار خادم الحرمين الشريفين رئيساً لوفد بلاده الذي شارك في مراسم التنصيب.

وكان حضوراً أيضاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على رأس وفد رفيع للمشاركة، وحضر إلى الخرطوم أيضاً عدد من رؤساء الدول والوفود الأجنبية من بينهم رئيس الوزراء الإثيوبي ورؤساء زمبابوي ، جيبوتي ، تشاد، الصومال، ونائب الرئيس الأوغندي، ونائب رئيس جمهورية جزر القمر نورديني بورهاني. ونائب رئيس بورندي ، ومثلت روسيا، بنائب وزير الخارجية مخائيل بقدانوف. وشارك أيضاً في فعالية التنصيب رئيس جمهورية زمبابوي، روبرت موغابي، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، وحضر أيضاً الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي،  ونائب رئيس حكومة دولة جنوب السودان جيمس واني إيقا

محللون يصفون خطاب البشير بالوعود الكاذبة

وخلت شوارع العاصمة الخرطوم تماماً من المواطنين، بعد ان تضاربت الانباء عن منح الحكومة عطلة رسمية بمناسبة التنصيب وفق اعلان وزير الاعلام الدكتور احمد بلال ، لكن مجلس الوزراء عاد وأكد بعدم وجود عطلة وان على العاملين مزاولة اعمالهم بشكل عادي ، مما ادى الى أرباك الحالة العامة، وكانت سانحة للمواطنين للاحتماء بمنازلهم بدلاً من النزول إلى لهيب الشمس الحارقة.

ورصدت (عاين) أيضاً حالة التذمر والغضب جراء إغلاق الشوارع الرئيسية في العاصمة مع الاجراءات الامنية المشددة التي لم تشهدها الخرطوم من قبل ، واعتبر كثيرون ان الاجراءات الامنية والبذخ البائن في هذه الاحتفالات مضيعة للوقت والزمن، وقالوا صراحة: (تنصيب البشير لا يعنينا في شئ) ، وتشير الأستاذة الجامعية لبابة الفضل على صفحتها الرئيسية في (فيس بوك)، إن الخطابات، والوعود، تحتاج إلى إرادة سياسية قوية ” تغامر وتخوض النار لتصل لللأهداف، المتمثلة في  السلام، وقف الحرب، ومطلوب موقف شجاع، وربط القول بالعمل “. ويرى المتحدث الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء الدين في حديثه لــ(عاين) أن خطاب البشير لا يحمل اي شئ جديد، وانه ما زال يردد ذات الوعود القديمة التي ظل يسمعها الشعب السوداني منذ (26) عام، والتي وصفها بالعود الكاذبه ، ويضيف ( هذه الوعود قدَّمها البشير في خطاب تمكين التنصيب تحت عناوين العهد الجديد والصفحة الجديدة )، موضحاً أن المؤتمر الوطني ورئيسه وبعد (26) عاماَ لم يعد لديهما ما يمكن أن يقدموه به للشعب السوداني، ويقول ( ﻻ لحل أزمات البلاد والحزب الحاكم لم ولن يتنازل عن إمتيازاته في السلطة والثروة لأنه ببساطة لم يعد له شرفاً يمكن أن يتنازل عنه ) .

خيبة أمل … واطلاق اعلانات في الهواء

وقد اعلن البشير في خطابه أن الحوار الوطني الشامل بشقيه السياسي والمجتمعي والذي دعا له العام الماضي قد إكتملت ترتيباته وحددت آلياته وستنطلق في الأيام القليلة القادمة فعالياته. ووجه رسالة إلى أحزاب المعارضة التي ما زالت تقف مترددة أو رافضة للحوار، والحركات المتمردة التي اختارت طريق العنف بديلاً للحوار، قائلاً ( حُضن الوطن مازال مفتوحاً لإستقبالهم وإن أبوابنا مشرعة ولن توصد في وجه القوى السياسية الوطنية التي ترفض العنف وترتضي الحوار منهجاً ووسيلة ) ، واشار الى ان الحوار الوطني سيكون شاملاً وجامعاً لكل القوى الوطنية ولكل القضايا والموضوعات، وجدد اعلان العفو عن حملة السلاح الراغبين بصدق في العودة والمشاركة في الحوار، مضيفاً: “نرحب بهم جميعاً حول مائدة الحوار للخروج بوثيقة يرتضيها كل أهل السودان تلم شمله وتوحد صفه وتبني مجده وطناً قوياً شامخاً بين سائر الأوطان”. لكن رئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني، فاروق أبو عيسى، قال في حديث منشور تعليقاً على خطاب البشير: “ليس هنالك مستحيل، العودة إلى الحوار الوطني الجاد والمنتج ممكنة، لكن مفتاحها بيد النظام وليس بيدنا “.

وعن الحوار يقول محمد ضياء الدين لــ(عاين)، إن البشير كرر في خطابه ذات دعوة خطاب الوثبة ويجدد اعلانه بالعفو عن حملة السلاح للمشاركة في الحوار، ويضيف (عن أي حوار يتحدث البشير؟  وهل هناك جديد في دعوة الحوار التي أطلقها البشير اليوم؟ ) ، ويشير الى ان البشير حاول أن يقدم نفسه بشكل جديد لكنه فشل في ذلك أن خطابه لم يقدم جديداً، ويتابع ( إذا كان البشير حريصاً على عهد جديد وصفحة جديدة كما ردَّد ذلك في خطابه كثيراً كان عليه القيام بالإعلان عن جملة إجراءات عبر قرارات واضحة تبدأ بإعلان إطلاق سراح المعتقلين السياسين والمحكومين لأسباب سياسية ) .

فيما يقول مراقب فضل حجب اسمه لـ (عاين) ان الاعلانات التي اطلقها البشير لا يعتد بها ، ويضيف ( انها اعلانات ظل يطلقها الرئيس في الهواء في كل خطاب ومناسبة ولا ينفذ منها اي شئ ) ، وتوقع ان تشهد الفترة المقبلة مزيد من الاحتقان السياسي والقمع من قبل النظام الحاكم ، ويتابع ( لا اتوقع ان نظام المؤتمر الوطني جاد في اجراء اي حوار مع المعارضة سواء المسلحة او السلمية ، بل سيكون هناك احتقان سياسي واستقطاب حاد ) .

ويزيد القيادي في قوى الاجماع الوطني محمد ضياء الدين في قوله ( كان على البشير أن يبادر بالإعلان بإطلاق الأسري وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وأن يعلن عن وقف إطلاق النار من جانب واحد والإعلان عن فتح ممرات آمنة لإغاثة المتضررين من الحرب ) ، وردد بأنه كان على رئيس النظام ان يعلن قبوله بأن يفضي الحوار لقيام سلطة وطنية إنتقالية يحكمها وضع إنتقالي كامل بمشاركة الجميع ، وأن ﻻ أحد فوق القانون ، ويتابع ( لدعاة الحوار والتسوية، قطع البشير بخطابة كل لحظات إنتظاركم وترقبكم لجديد في خطاب العهد الجديد، وحسناً فعل نقول للجميع ) ، ويضيف (قوموا لإنتفاضتكم يرحمكم الله).

فشل متكرر للنظام الحاكم  

الطالب، أحمد مهدي عبد المطلب، خريج كلية الهندسة من جامعة السودان، أبدى خيبة أمله في المشهد السياسي بالبلاد، وقال لــ(عاين) إن البشير أخفق طيلة سنوات حكمه الماضي والان بعد التمديد له لن يقدم شئياً جديداً للبلاد، داعياً إلى تكاتف المعارضة والقوى الحية من الشعب السوداني لانتشال البلاد من وهدتها، ويقول ( على السودانيين عدم التعويل على وعود حكومة الإسلاميين المتكررة ) . ومرة أخرى يؤكد القيادي في المعارضة بكري يوسف، لــ(عاين) أن ما شاهده النظام بشأن موقف مركز (كارتر) بعدم مشاركته في المُراقبة الى جانب مواقف محترمة للاتحاد الأروبي، ودول الترويكا، ويقول ( كان ذلك نتيجة للحراك الشعبي الجماهيري الذي مثلت المعارضة فيه رأس الرمح، بالإضافة إلى الأسباب المعلومة للجميع بأن النظام لم يستطع أن ينجز في (26) عاماً )، ويضيف ( لا يُرجى منه أن ينجز في خمس سنوات إلا إذا كان هذا الإنجاز في تصور البشير ونظامه هو المزيد من الحصار الدولي والعزل الداخلي )، موضحاً أن تحالف المعارضة أعلن رفضه المُسبق لإعادة تنصيب البشير لولاية أخرى ، ويقول ( كان البشير التحلي بقدر من المسؤولية فيكفيه أنه فصل البلاد وأشعل الحروب في ما تبقى من وطن للدرجة التي جعلت أكثر من سبع ولايات تحكم بقانون الطوارئ ) .

دكتور حيدر ابراهيم : حفل نصب على الشعب وليس تنصيباً

ويصف رئيس مركز الدرسات السودانية الدكتور حيدر ابراهيم علي، تنصيب البشير بأنه نصب على الشعب السوداني، وليس تنصيباً، ويشير الى ان أن الانتخابات وبكل عمليات التزوير التي تمت لم تصل إلى نسبة الــ(16%) المعلنة مع حجم الأموال الكبيرة التي صرفت في العملية ، ويقول أن ما يحدث هو نصب على إرادة الشعب السوداني، واصفاً احتفال التنصيب بالا قيمة له، واعتبره مجرد تزوير وصرف للأموال في عملية فارغة.

ويؤكد المتحدث الرسمي باسم قوى الإجماع الوطني، بكري يوسف لــ(عاين)، أن ما دفع النظام لهذا التزوير هو المقاطعة الواسعة من معظم المكونات السودانية، والعزلة الدولية التي ظهرت في الاحتفال الذي وصفه بالبائس بعدد محدود من الرؤساء الذين حضروا التنصيب، مبيناً أن النظام لا يمتلك بدائل أو حلول جديدة ، ويضيف ( هذه الأشياء مجتمعة لا تحتاج إلى كرنفالات فرح يصرف فيها النظام المليارات في ظل إفلاس خزينة الدولة، وحتى لو كانت غير ذلك فكان الأجدى للنظام صرف هذه الأموال على مرضى المُستشفيات )، ويرى ان ثمة متلازمة تتمثل في السلوك التعويضي الناتج عن الانتخابات المعزولة التي هزم فيها النظام داخلياً وعرته تماماً ما أدَّى إلى إظهار حجمه الحقيقي وعكس حالة الانقسامات والصراعات التي أدَّت لتعدد المراكز داخل النظام.