(جبل مون).. نيران السطح عينها على ثروات باطن الجبل
28 مارس 2022
تشهد منطقة جبل مون الواقعة في ولاية غرب دارفور، أحداث عنف متواصلة، وتعد المنطقة التي تبعد حوالي 50 كيلومتراً شمالاً من مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور من المناطق الغنية بالموارد.
وبحسب إفادات أهل المنطقة والقرى المجاورة فإن المسلحين ينتمون لإحدى المكونات العربية ومسنودين بعدد 14 مركبة تابعة لإحدى الجهات العسكرية، الأمر الذي باشرت فيه الجهات الأمنية عمليات تحقيق وتقصي الحقائق وستعلن عنه عند إكمال التحقيق حتى تنال تلك الجهات عقابها وفق القانون .
ضحايا واحصائيات
وتقول لجنة أطباء ولاية غرب دارفور، فإن الهجمات الأخيرة خلفت حصيلة جديدة من القتلى والجرحى، وحتى السبت قبل الماضي، إرتفع عدد الضحايا إلى (148) قتيلاً و (123) جريحاً. وقال عضو لجنة أطباء ولاية غرب دارفور، سليمان آدم إسحق:” إن الأحداث الأخيرة بدأت في 5 مارس وتوقفت ليوم واحد ثم تواصلت في 7 مارس، مشيراً إلى أنه خلال يومين من الاقتتال تم حرق العديد من القرى وخلفت الأحداث 16 قتيلاً و16 جريحاً. مشيراً إلى أن القتال تجدد الخميس الماضي وخلف الاقتتال 19 قتيلاً و5 جرحى.
وأكد عضو اللجنة في حديث لـ(عاين) أن مجموع القتلى في أحداث محلية جبل مون منذ بداية شهر مارس 35 قتيلاً و21 جريح. مشيراً إلى حرق خمسة من القرى، مشيراً إلى أن الوضع لا يزال غير مستقر وسط توقعات بتجدد الاشتباكات.وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” نزح أكثر من 12،500 شخص إلى المناطق المجاورة وجبال جبل مون وتشاد.
وفي الثامن من مارس الجاري قالت المنسقية إن الحكومة السودانية عجزت عن وقف القتل الجماعي والفردي والإغتصاب والتشريد والحرق والاعتقالات والتعذيب، في اقليم دارفور المنكوب، كما أشارت إلى أن الحكومة السودانية تتواطأ مع المليشيات المسلحة وتدعمها بالمال والعتاد وتوفر لها الحصانة من المساءلة القانونية.
تهجير
ويرى القانوني المهتم بإقليم دارفور عبد الباسط الحاج إن الدولة ساهمت في حرب دارفور بمليشيات قبلية عرفت بالجنجويد، الأمر الذي جعل من دارفور منطقة منكوبة خُصصت لها بعثات أممية لمراقبة الأوضاع. ولفت الحاج في مقابلة مع (عاين)، إلى أن نظام الإنقاذ البائد ظل يستخدم أسلوب ضرب المواطنين المدنيين و تخويفهم و تهجيرهم من قراهم، كما يستخدم سلاح الاغتصاب على النساء بشكل متكرر. كما أن إنتشار السلاح الموزع من قبل الدولة يساعد في عدم توقف الجرائم.
وتابع : من جهة أخري فإنه وبعد تقنين أوضاع مليشيات “الجنجويد” التي أصبحت الآن تحت مسمى “قوات الدعم السريع” انخرط عدد كبير من المجرمين السابقين في الإنضمام لهذه المليشيات كغطاء جديد تُرتكب بواسطته المزيد من الجرائم.
ونوه إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن الأوضاع في دارفور بعد سقوط نظام البشير لم تتحسن بل ظلت كما هي مع تزايد حجم الانتهاكات وتزايد إعداد المشردين داخلياً، كما تفيد المعلومات بأن قوات الدعم السريع متورطة في كل الهجمات وحالات القتل التي حدثت في دارفور في الثلاث سنوات الأخيرة و بشكل مباشر.
وشدد الحاج، على أن الوضع في دارفور كارثي و ينذر بخطر قادم في حال بقاء قوات الدعم السريع بهذا الوضع المختل. مشيراً إلى أن التركيبة الداخلية لقوات الدعم السريع بالإضافة لعدم مؤسسيتها وعدم هيكلتها يجعلان من الصعوبة السيطرة عليها.
وبالنسبة للوضع القانوني لدارفور، يقول الحاج: “إنها منطقة مقلقة للأمم المتحدة بعد ثبوت وقوع جرائم خطيرة مثل الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية منذ العام 2002 ما استدعى التدخل الدولي لإنقاذ المدنيين، وإبتعاث فرقة أممية لحماية المدنيين ومراقبة الأوضاع خاصة بعد احالة ملف دارفور من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية لتصدر بدورها أوامر إيقاف في مواجهة الرئيس السابق عمر البشير وعبدالرحيم حسين و احمد هارون وعلي كوشيب قائد الجنجويد آنذاك”.
فيما اعتبر الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال، إن أسباب اندلاع الاقتتال وتأجيج الصراع في جبل مون مرده وجود موارد ومعادن ترغب حكومة الانقلاب الاستفادة منها بإستخدام المليشيات التي صنعها النظام البائد.
ولفت رجال في حديث لـ(عاين) إلى أن السلطات تعمل على تهجير السكان الأصليين وإبادة من تبقى منهم، كما يتم الاستيلاء على الأراضي من أجل التنقيب عن الذهب. وأوضح أن الحكومة الانقلابية تريد إظهار الصراع الأخير كصراع قبلي لكنه صراع حول الموارد، لافتاً إلى أن الحشود التي تهاجم العُزل تأتي من مناطق متفرقة بعلم ودعم حكومة الانقلاب.
ووصف رجال أداء الأجهزة الأمنية بالسيء لجهة عدم تحركها لوقف هذه الانتهاكات، خاصة في أعقاب إنقلاب “البرهان” الذي يمثل اللجنة الأمنية للنظام البائد. وأشار إلى أن أوضاع الضحايا “سيئة” على المستويين الإنساني والصحي وسط شُح في لوازم الضرورية مثل الأكل والشرب مع إستمرار النهب والقتل والاغتصاب والتشريد.
من جهته قال الناطق الرسمي لحركة/ جيش تحرير السودان محمد عبد الرحمن الناير:”إن إقليم دارفور ظل يعاني من عدم إستقرار الوضع الأمني”. ولفت إلى أنه وبعد ثورة ديسمبر المجيدة كان الأمل أن تتحسن الأوضاع ولكن للأسف ازدادت الاوضاع سوءًا وصار القتل والسلب والنهب والتشريد أمراً مألوفاً بالإقليم المنكوب.
وأشار في حديث لـ(عاين) إلى أن حكومة قوى الحرية والتغيير، والشريك العسكري كانوا يقرأون من نفس كتاب النظام البائد فيما يتعلق بتحقيق السلام والأمن والإستقرار. وأوضح أن العسكريين الذي شاركوا قوى الحرية والتغيير في الحكومة السابقة يعتبرون جنرالات للمخلوع البشير، وضمن أدواته التي نفذت جرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي في إقليم دارفور.
تورط حكومة الانقلاب
وبحسب مصادر متطابقة لـ(عاين) فإن نافذين بحكومة الانقلاب التي يقودها القائد العام للجيش السوداني، وعدد من الشركات الأجنبية متورطين في النزاع الذي نشب مؤخراً في المنطقة الغنية بالذهب وبعض المعادن الأخرى.
وبالإشارة للأحداث الأخيرة التي يشهدها جبل مون، يرى الناير، إن المطلوب الآن قيام المجتمع الدولي بواجباته الإنسانية والاخلاقية في حماية المدنيين العزل. وأشار إلى أنهم في الحركة سبق وحذروا من خطورة طرد بعثة اليوناميد رغم ضعفها، لجهة أن خروجها احدث فراغاً أمنياً خطيراً ، ويشجع المليشيات الحكومية على استمرار مسلسل جرائمها الدامي. وكانت البعثة المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة “يوناميد” أنهت تفويضها في إقليم دارفور في ديسمبر 2020.
وأكد الناير، على أن الحكومة الانقلابية متورطة في هذه الأحداث بشكل مباشر وهي جزء من المشكلة ولن تكون جزءًا من الحل. ولفت إلى أن ما يسمون بشركاء السلام ليس لهم القدرة على توفير الأمن في الإقليم، مشيراً إلى أنهم تحصلوا على مناصب وفق اتفاق جوبا لسلام السودان، لكنهم اصطدموا بواقع ربما لم يفكروا فيه، وأصبحوا يراقبون المواطنين وهم يُقتلون في الوقت الذي ليس لديهم ما يفعلونه، مع عدم امتلاك الشجاعة الكافية لتقديم استقالاتهم من مناصبهم التي لم توقف موت من ادعوا انهم حملوا السلاح لأجلهم أو الاعتراف بتقصيرهم وتحمل مسئولياتهم.
وفي الثالث من أكتوبر 2020، وقعت الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة والتنظيمات المسلحة اتفاق سلام، لإنهاء حرب دارفور إلا أن تحديات كبيرة، واجهت الاتفاق بعد فشل الأطراف الموقعة عليه في عملية التنفيذ، وفق المصفوفة الزمنية المحددة.
ورفض الناير تسمية الصراع الذي نشب في الإقليم مؤخراً بأنه صراع قبلي، مشيراً إلى أن التوصيف بهذا الشكل ليس صحيحاً، موضحاً أن المكونات الاجتماعية ظلت متعايشة في دارفور لمئات السنوات دون حروب ونزاعات حتى جاء نظام البشير الذي عمل على تقسيم المجتمعات وضربها بعضها البعض بهدف السيطرة عليها وتسهيل حكمها بالعمل على صناعة المليشيات من المكونات المختلفة حتى يُقال أن هناك صراعاً قبلياً في دارفور.
وشدد على أن المسؤول الأول والأخير فيما يجري من أحداث في الإقليم هو الحكومة الإنقلابية في الخرطوم ومليشياتها. ولفت إلى أن المواطنون البسطاء هم ضحايا ووقود للحرب التي تصنعها أجهزة الاستخبارات وتخطط لها وتنفذها عبر أدواتها في الإقليم بهدف تفريغ المنطقة من سكانها والسيطرة على الموارد والأرض وفق مخطط التغيير الديمغرافي الذي اختطه النظام البائد، ويسير عليه جنرالاته الحاليين.
ويتفق الناير، حول أن الأحداث التي شهدها جبل مون مصنوعة، بهدف الاستيلاء على الأرض والاستحواذ على الموارد. من جهته يقول المحلل السياسي، عبد الله آدم خاطر لـ(عاين): “إن سكان إقليم دارفور ظلوا يؤمنون بكل العمليات التي أفضت لنجاح ثورة ديسمبر المجيدة، مثلهم ومثل بقية الشعب السوداني”.
“كما كان لدى إنسان دارفور توقعات تتمثل في الأمن والاستقرار وعودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وقراهم، فضلاً عن تأمين الأساليب الدستورية والقانونية التي تسمح بالتفاعل مع الأحداث والمساهمة في بناء السودان ما بعد الثورة وما بعد الانتقال من الشمولية للديمقراطية” يقول خاطر، ويضيف: “لقد قطع إنقلاب 25 أكتوبر هذا الأمل، الأمر الذي يجعل إنسان الاقليم يعود للتفكير بأن الدولة لم تعد قادرة على حماية المواطنين من جديد”.
ولفت خاطر إلى أن الأحداث الأخيرة أسفرت عن دلائل جعلت من الدولة طرفاً في النزاعات والفظائع المرتكبة ضد سكان الإقليم مؤخراً. وأوضح أن الأحداث الأخيرة ذات هدف إقتصادي يتعلق بإعادة إنتاج الثورة لصالح مجموعات بعينها من أجل تصديرها إقليمياً أو دولياً لصالح تحالفات سبق وشجبتها مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة. وأوضح خاطر أن الأحداث الأخيرة تشير لاتهام قوات “الدعم السريع” والحركات المسلحة التي تتعاون معها مع إستمرار الحكومة في غض الطرف عن المتهمين.