تدمير مشروع الجزيرة المبتدأ والخبر – الجزء الثاني

 

تدمير مشروع الجزيرة المبتدأ والخبر (الجزء الثاني)٨ دسمبر ٢٠١٤

ود الحفيان ، ود العطشان وود الغرقان ، جميعها أسماء لقرى الجزيرة التي حلت محل الأسماء القديمة مثل ( ود الرويان ، ود بدرى وود النور )، والتي انتهت قصتها مع بداية قصة تطبيق قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 والتي هي من أكثر القصص التي كستها التراجيديا ثوباً والخداع فكرًا ، فقد  طبق النظام الحاكم كما يقول المرقبون دماراً تدريجياً باجازة هذا القانون وتطبيقه ، ولم يفت كثير امر حتى تم تقديم تعديلات جديدة هي امام منضدة البرلمان ، ليفاجأ الناس بها وبما كان يعنيه القانون خاصة على المزارعين الذين اكتشفوا أخيرًا أنهم باركوا دمار أراضيهم .

قانون 2005 المدمر لمشروع الجزيرة

وبالرجوع الى المبادئ التي ارتكز عليها قانون 2005 نجد انها مثلت معاول لهدم مشروع الجزيرة  ، المبدأ الأول كان فك الارتباط التاريخي بين مشروع الجزيرة ومحصول القطن وفك الحلقة المهمة في علاقات الإنتاج داخل المشروع بين المزارعين وإدارة المشروع بزراعة القطن والإشراف عليه وتمويله ، ما يعد إشارة لإنهاء محصول القطن ودخول محاصيل تصلح للمشاريع المطرية ورفع يد الدولة عن التمويل والإشراف .

والمبدأ الثانى إنهاء ايجار للأراضي على طريقة الملك الحر ونزعها من المزارعين ، والمبدأ الثالث إعطاء المزارع الحق في التصرف في حواشته بالبيع أو الرهن أو التنازل، وهذا يعد إذناً للمزارع بترك الحواشة أو بيعها كما يحدث فعلاً الآن ، أما الرهن فقد كان بمثابة حفرة لا ينفد منها المزارع بعجزه عن السداد وخسران أرضه، وهو ما يحدث بالفعل، لأن واضعوا القانون لم ينسوا وضع كل مايعجز المزارع عن السداد ، والمبدأ الرابع هو إنشاء روابط مستخدمي المياه التي ألغت دور وزارة الري وخربت الترع لعدم خبرتها وأنشأت وسيطاً آخر، إضافة إلى أن الروابط أنشئت في الدول التي تعاني شح المياه، وقد دخلت مؤخرًا للمشروع شركات الخدمات المتكاملة  التي دمرت الترع تماماً بديلا للهندسة الزراعية . والمبدأ الخامس كان بتقليص دور مجلس الإدارة والذي أصبح مؤخراً يقوم بالأعباء التنفيذية الخاصة بمدير المشروع ما يعني تناقض القراءة للقانون وتفسيره كل حسب مزاجه .

كانوا يعتقدون ان المشروع من عجائب الدنيا

المزارع محمد حسن مصطفى يذكر لـ (عاين ) أن حواشاته كانت تنتج القطن والقمح والذرة، وكان كل سكان قريته من الفقراء والأقارب تمولهم حواشاته ، وان أبناءه يتعلمون في أحسن المدارس وبيته من أغنى البيوت في القرية وكانت تمر على الزراعي بعض المشاكل في التمويل والري لكن يتم تلافيها بفضل موظفي الإدارة المنتشرين في الغيط، ويقول ” كنا نعتقد أن مشروع الجزيرة من عجائب الدنيا السبع ” .

ويقول مصطفى ان قيادات المزارعين في احد الايام قررت الذهاب إلى الخرطوم لمبايعة الرئيس عمر البشير ، وحذرت ان من يرفض الذهاب سيكتب من المرجفين وسيحرم من ميزات الزراعة المريحة، ويضيف ” ولم نكن نعلم عن قانون 2005 شيئاً ومن سمع عنه من المزارعين المستنيرين كان يظنه واحدة من أدوات إصلاح الإدارة التي تحدث كثيرًا في المشروع ” ، ويقول ” في تلك الليلة التي سبقت ذهابنا للخرطوم حلمت حلماً غريباً فقد رأيت شخصاً لم يكن واضحاً لي يأخذ مني الغصن الأخضر الذي أهداه لي جدي ويعطيني بدله غصناً يابساً ” ، ويشير الى ان تفسيره للحلم ان جده غاضب عنه بسبب قلة الانتاج في الحواشة .

بداية تطبيق القانون الدخول الى السجن

قانون 2005 يحدد للمزارع احضار التقاوي بطريقته الخاصة الى جانب الشراء من الشركات الخاصة ومتابعة العمليات الزراعية معها في رش المبيدات حيث كان في الفترة الماضية يتم عبر وحدة وقاية النباتات ، ويقول ان طائرات الرش التي يعتاد عليها المزارع اختفت مما دفع المزارعين بان يقوموا بتاجير عامل رش .

ويوضح مصطفى ان محصول القطن فشل في ذلك الموسم بسبب ادخال شركات خاصة لم تكن جاهزة للعمل في المشروع ، ويقول ان ذلك كان الطريق الى الاستدانة لتغطية المصاريف والاحتياجات اليومية لمنزله ، ويشير الى ان ذلك الفشل كان السبب في ازمة .

ودخل المزارعون في زراعة القمح ، وكانت المشاكل حول العمليات الزراعية تتوالى ، من الري الذي كان انسيابياً غير ان التدخل بتعميق مجرى الترعة وابعاد الطمي قد دفع المرازعين الى استئجار طلمبات المياه بمبالغ ضخمة ، ولذلك واجه محصول القمح مشكلة العطش .

ويقول مصطفى ان فشله في زراعة محصولي القطن والقمح كان السبب في دخوله السجن لعدم سداده الديون الى قام ببيع حواشته واصبح يعمل حمالا في السوق ، ويضيف ” واخيراً تيقنت ان الشخص الذي اعطاني اليابس خلال الحلم ودمر ارضي وزراعتي هو اتحاد المزارعين “

ليل المشروع وفشل اتحاد المزارعين

أما المزارع الطيب إبراهيم من مكتب طيبة شرق وتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل يقول لـ (عاين ) ان للمزارعين لم يكن لديهم رأي في قانون 2005 ، وقيادة اتحاد المزارعين هي التي بصمت على القانون ، والمزارعون لا يعرفون أي شئ عن بنود القانون ، ويضيف ان الحكومة طبقت القانون على عجل ورفعت يدها عن المشروع دون أي ترتيب، ويقول ان القانون صمم بليل وكان رأس الرمح في تدمير المشروع ، ويشير الى ان القانون فصل إدارة الري داخل المشروع وأوكلت بها روابط مستخدمي المياه المكونة من المزارعين وهم ليس لديهم أي خبرة في الري ، ويقول ” حتى تحصيل رسوم الري عجزوا عنها إضافة لذلك فقد دمرت التركيبة المحصولية المشروع تماماً لأنها أعطت الحرية للمزارع لزراعة ما يريد من المحاصيل ” .

واصبح المزارع يزرع طول السنة شتى المحاصيل الشئ الذي سبب العطش ودمر الدورة الزراعية وافتقد عائد القطن الذي كان يعوضه عن كل الخسارات ، أما الخضروات التي مكانها ليس مشروع الجزيرة فقد سببت الخسارات للمزارعين، لأن أغلبهم يزرع البصل مما يتسبب في كساد السوق وبالتالي الخسارة .

ويعتقد كثير من المزارعين ان الرابطة التي تم تشكيلها لديها السلطة ، ويقول ابراهيم ان الحقيقة على العكس من ذلك لأن تكوينها غير هرمي إذ تم تجميع المكاتب في قسم واحد يديره مدير واحد ليس له مكتب، ويضيف ان مال الضرائب لا ينعكس على الخدمات ولا يوجد تعامل محاسبي وفق أورنيك ( 15 ) ما أدى إلى الفوضى، ويشير الى ان لائحة الرابطة غير مطبقة وبعدها ظهرت شركات الخدمات المتكاملة التي ليس لديها خبرة في حفر الترع ، ويقول ان الآليات الزراعية كانت تسجل غياباً بل ان بعض منها اصبح يستخدم في التنقيب عن الذهب وان طائرات الرش توقفت عملها ، ويضيف ” قانون 2005 ظالم لأنه دمر أراضينا وجعل غالب المزارعين يهاجرون الى العاصمة وترك الروابط تسيطر على اوضاعنا وقد اجتمعت الروابط في طيبة شرق بـ13 مزارعاً فقط رغم أن العدد 300 ” ، ورأى ان اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل غير شرعي ولا يمثل المزارعين ،ويقول ” لقد طعنا في الاتحاد أمام المحكمة الدستورية لكن مسجل تنظيمات العمل لم يوقفه ” .

تقويض إداري وتشريد جماعي  

أزهرى حسن بكالوريوس وماجستير في الزراعة  تقلد عدداً من المناصب   من بينها مدير الإعلام بالمشروع ،  يعمل في محل بسوق مدني وهو ذلك الموظف النشط الحاسم وقوي الشخصية في مكتب المدير العام للمشروع وهو نموذج لواحدة من آلاف القصص المؤلمة التي خلفها قانون 2005 بتشريده للكفاءات النادرة وإبدالها بأصحاب الوساطات .

ويقول حسن لـ (عاين ) إن مشروع الجزيرة يقوم نظام إدارته على النسق الانجليزي فهو متفرد وهو يشغل مساحة 2 مليون فدان من سنار إلى الخرطوم ، ويضيف ان المعلومة تصل إلى كل المزارعين في المشروع  البالغ عددهم ( 130 ) ألف خلال أقل من نصف ساعة وهذا النظام هو الوحيد المناسب،  ويشير الى ان النظام هرمي الشكل وبرنامج كل السنة معروف وان النظام الإداري محكم ومنضبط وان مشروع الجزيرة لا يناسبه إلا هذا النظام لإتساع مساحته .

ويرى حسن ان الهدف من قانون 2005 هو تدمير المشروع وذلك بالقضاء على النظام الإداري أولاً لأنه روح المشروع ومن ثم تطبيق نظرية الإدارة الصفرية التي جاء بها صلاح المرضي ، ويقول ان نظرية المرضي تقوم على عدم وجود موظف بالمشروع، ولما تم سحب المفتشين من الغيط ومهندسي الري وغيرهم انتهى أمر المشروع ، ويضيف ” أنا بحكم منصبي في إدارة المشروع كنت اعلم تماماً الحال الذي سينتهى إليه المشروع بسبب قانون 2005 ولذلك قمنا بكتابة مذكرات الى رئيس الجمهورية باعتبارنا مهندسين زراعيين ” ، مؤكداً ان صلاح المرضي بشخصيته القوية وقدرته الفائقة على إقناع  القيادة قال: إن كل معارض لما يحدث للمشروع هو عدو له وهو يعتقد أن المشروع وصل حده ولا يمكن أن يغير أو يطور .

ويثير حسن قصة في غاية الاهمية بقوله ان ادارة المشروع بعد ان الغت الوظائف في العام 2009 حاول الموظفون القيام بعميلة تسليم وتسلم وان العهدة التي كانت بطرفه ممتلكات الادارة ، ويقول ” لم عملية التسليم والتسلم بل انهم قالوا لنا اتركوها واذهبوا وهذا كان مقصوداً للقضاء على المشروع حتى لا تقوم له قائمة ” ، ويضيف ” عندما تم إلغاء وظائفنا لم نعط تعويضاً وتمت معاملتنا في المعاش  معاملة الذين بلغوا  التقاعد بالستين عاماً ” ، ويشير الى ان المشروع فقد القدرة على الاتصال باكثر من (118 ) تفتيشاً وافتقد المشروع الري الانسيابي والفشل في تحصيل الرسوم وان المزراعين اصبحوا بلا حماية حيث كانت الادارة في السابق هي التي تقوم بذلك ، ويقول ان العام الماضي تعذر نمو محصول القمح ويعد هذا الحدث هو الاول من نوعه في تاريخ مشروع الجزيرة وذلك بسبب عدم المعرفة الى جانب القصد والتعمد .