بورتسودان: طاحونة حياة … وغياب للحلول
تقرير: شبكة عاين 17 فبراير 2018
بورتسودان ثاني اكبر المدن السودانية، بها الميناء الرئيسي للسودان، تعتبر من أكثف المناطق استيعاباً للموظفين والعمال من مختلف بقاع السودان. لكن مع بروز الأزمة الإقتصادية في البلاد، تعرضت المدينة لهزة عنيفة في حركة السوق. وضرب الغلاء حياة المواطنين، الامر الذي ادى الى عمليات مناهضة واسعة ضد غلاء الأسعار المضطرد الذي يشهده السوق دون اسباب مقنعة حسب رأي عدد من سكان المدينة.
أزمة غير مبررة
يرجّع أستاذ الإقتصاد بجامعة البحر، محمد الجيلاني، تدهور الوضع الاقتصادي في ولاية البحر الاحمر لأسباب غير منفصلة عن التراجع الإقتصادي الشامل في السودان، قائلاً لـ(عاين): “التدهور الإقتصادي ده شي عام، ومافي سبب يجعل من بورتسودان مدينة مستقرة في ظل التدهور العام الحاصل، والمعالجة تتطلب حلول جذرية فوقية من أعلى المؤسسات الاقتصادية، البنك المركزي ووزارة المالية الإتحادية المناط بهما وضع السياسات”. موضحاً إن المدينة شهدت إضمحلال في العمالة، حيث فقد غالبية الموظفين لأعمالهم بسبب نقل نقاط الجمارك الى سوبا، وهي المحطة التي كانت تستوعب العديد من العمال.
وهو ذات الأمر الذي أكده المواطن عبد الرحيم محمد، الذي قال لـ(عاين): “فوق لغلاء المعيشة، هسي الناس بتعاني من الوظيفة شديد، والسبب هو أن 90% من الحاويات كانت بتتخلص في بورتسودان، هسي الوضع إختلف، 70% من الحاويات بتمشي سوبا، وده قلّص التوظيف”. وعن الغلاء وشح البضائع قال: “السوق مليء بالسلع الإستهلاكية، لكن الناس ما بتقدر تشتري. الموضوع بقى صعب، نحن ما أظن نشرب لبن تاني بالصورة دي، اسعار الحاجات كلها إرتفعت”.
لكن أصحاب البيع القطاعي يرجّعون إرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية لإرتفاع أسعار الجملة، ترتفع الأسعار بنسب لا يمكن تغطيتها في بيع القطاعي الاّ برفع السعر اضعاف لكي يحقق التاجر هامش رباحه، وتارة يبحث فقط عن رأس المال.
تاجر القطاعي بسوق بورتسودان، الطاهر محمود يقول لـ(عاين): “السوق بقي حر، والمواطن عليهو يشتري الحاجة الدايرها، نحن بنمشي مع تاجر الجملة، لو رفع السعر نحن بنرفع، وده طبعاً بقع على رأس المواطن”. وإستطرد واصفاً إرتفاع الأسعار بسرعة عالية قائلاً: ” البضائع كلها زادت في السوق من الكبريتة للطابوق، مثلاً شوال السكر زاد من 560 جنيه الى 720 جنيه، اليوم التاني وصل 850 جنيه، وبعديهو طوالي وصل المليون”. وقال ممتعضاً، الحاصل ده فوضى في السوق، ما ممكن الأسعار تزيد للدرجة دي”.
وضع مأساوي
تعتبر مدينة بورتسودان من أوائل المدن التي تأثرت برفع الدولار الجمركي، حيث تعطلت حركة الصادر بميناء بورتسودان لإنعدام الحاويات الفارغة التي اعتصم اصحابها بسبب زيادة الوقود. وبالمقابل إثّر ارتفاع الدولار الجمركي مباشرة على الأسعار داخل المدينة.
طالبت المواطنة تيسير عبد الرحمن التي تعمل كموظفة ببورتسودان، طالبت بمعالجات جوهرية للتدهور الإقتصادي الذي أثر على حياة الناس، خاصة وان الراتب الشهري اصبح لا يوازي مجريات الأسعار اليومية. وقالت لـ(عاين): “هسي الزيادات وصلت 100% او اكتر، السكر من 14 إلى 25 جنيه، ظرف اللبن من 40 إلى 380 جنيه، الصلصة من 4 إلى 28 جنيه بدون تدرج”، موضحة إن الراتب الشهري لا يكفي لتغطية هذه الزيادات: “أنا بستلم 1800 جنيه بعد الخصومات، عندي طفلين في مدارس خاصة – بعد تدهور المدارس الحكومية – انا بعاني في توفير مصاريف المدرسة ومصاريف الدروس الشهرية“.
أما المواطن عبد الرحيم محمد الموظف بالقطاع الخاص يصفه وضعه قائلاً: “أنا شغال نظام ورديات، دخلي بسيط ما كافي، نحن نعتمد على الجرورة، نحن هسي في ورطة لأننا تحت رحمة المُخدم الذي غالباً ما يستخدم الفصل التعسفي، الدخل بتاعنا أقل بكتير من المصروفات وبندخل في ديون متراكمة. عندنا 5 أطفال في سن الدراسة شاي لبن ساي وسندويشات الموضوع بدق فوق الـ100 جنيه، يعني محتاجين 3 ألف جنيه شهرياً بس مقابل السندوتشات وشاي الصباح“.
مستقبل غير مبشر
ويقارن مواطنوا مدينة بورتسودان الحياة في السابق والأن، متحسرين على الأزمنة الماضية، ولكنهم ينظرون إلى المستقبل بضبابية. تقول تيسير: “زمان المسائل ما كانت بالصعوبة دي، كان في مراكز بيع مخفض هسي إختفت، في الغالب زمان الجمعيات التعاونية كانت بتساعد في السلع الاستهلاكية، هسي الاحتياجات متوفرة لكن مافي طريقة نشتريها”.
أما التاجر الطاهر محمد فيقول: “نحن بنجيب البضائع من الدكاكين، مافي خيار قدامنا غير تخليص الفواتير الشهرية، مستقبلنا بيوضّح قدر شنو البلد ماشة للأسوأ، فهو مستقبل غير مبشر”. موضحاً أن السبب في زيادة الأسعار مشترك بين التجار الكبار والحكومة، فهم شركاء في الحال الوصل ليهو البلد، ودى نتيجة طبيعة لأطماعهم عشان يغنوا”. ولكن عبد الرحيم محمد إكتفي بالقول: ” الحياة في شرق السودان سهلة كانت، هسي في صعوبة كبيرة؛ ما قادرين نوفر شي كلو دين وجرورة، الان الروشتة بتجهجهنا، الورطة انو الأدوية غالية ما فيها جرورة”.
دعوات للتغيير
مع صعوبة الحياة اليومية بسبب الغلاء المضطرد، تتباين أفكار المواطنين للبحث عن حياة كريمة لتغطية مصروف الدراسة وتوفير الشاي واللبن، كل هذه الأسباب أدت إلى المطالبة بإسقاط النظام الحاكم، بإعتباره السبب المباشر في المصاعب التي تقع على رأس المواطن البسيط. عبر (شبكة عاين) أرسل عدد من سكان بورتسودان رسائل متعددة الوجهات، حيث قال محمود احمد: “رسالتي في ظل الوضع الراهن ده للحكومة، هي الازمة الحقيقة، بقول ليهم بكل إحترام، البلد فيها إقتصاديين ممكن يديروها بشكل كويس، دايرين بديل محترم يلحق ما تبقى من هذه البلاد”.
أما المواطن الطاهر محمد قائلاً: “مافي طريقة لتفادي إرتفاع الإسعار، والحاجات الاساسية لازم نشتريها عشان نحافظ على السلعة، وده كله بقع على رأس المواطن، الحل هو مغادرة هذه الحكومة بأي شكل، لأنها هي السبب في الحاصل ده”.
من جهتها دعت تيسير الى تصعيد الثورة ضد الحكومة قائلة: “الوضع الحالي هو خليط من إخفاقات الحكومة والتجار، ونحن ضحيتهم الاتنين، الرسالة للحكومة نوع من العبث وضياع الوقت. الحل في الثورة لتغييرها”.
الأستاذ محمد الجيلاني يرى إن الحلول الُمثلى في المعالجات الإقتصادية الجذرية، تأتي على رأسها ترشيد الصرف الحكومي، وأضاف قائلاً: “الدولة بتصرف كل الأموال على الوزراء والبرلمانات التي تستوعب جيوش جرارة من غير عائد للدولة” وأضاف قائلاً: “كذلك لابد من إرجاع التعاونيات بشكل اقوى، فهي القادرة على تغطية حاجات الناس، ولكن هذا لا يتم الا بدعم الحكومة، اذا لم يتحقق ذلك سيضطر الناس لمواجهة الحكومة لانو الجوع كافر”.
تعتبر الازمة الاقتصادية الحالية هى الاقوى تأثيراً على المواطن، مع غياب الحلول الجذرية، وإستمرار الحكومة في زيادة الترسانة الأمنية لقمع اي عمل مناهض للغلاء. قد تؤدي هذه الأمور الى مواجهات عنيفة بين الحكومة والمواطن.