المفاوضات: بين تطلعات سكان مناطق الحرب وتعنت الحكومة

– شبكة عاين – ٢٧ سبتمبر ٢٠١٦ –

ليس معروفاً موعد إنعقاد الجولة الجديدة للمحادثات بين الحكومة السودانية وبعض القوى المكونة لنداء السودان خاصة التي تحمل السلام، ومع ذلك يترقب الشارع السوداني إنعقاد جولة جديدة قد تفضي إلى إتفاق حول وقف العدائيات وتوصيل المساعدات الإنسانية في المنطقتين ودارفور. الجولة الماضية في الثامن عشر من أغسطس الماضي كانت قد فشلت، وعلى الرغم من توقيع بعض من قوى نداء السودان على خارطة الطريق التي قدمتها الوساطة الإفريقية، إلا أن التفاوض حول وقف العدائيات في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان / جبال النوبة ومسار دارفور لم يحرز تقدم، وهذا ما دفع رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى، رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو مبيكي، من إعلان رفع المحادثات إلى أجل غير مسمى. وكان المبعوث الامريكي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث قد اعلن رغبة بلاده في تحقيق السلام بالسودان.

وفي أعقاب فشل الجولة السابقة بدأت أطراف التفاوض في تبادل الإتهامات مثل تصريحات مساعد رئيس المؤتمر الوطني الذي إتهم فيه الحركة الشعبية بالسعي لإقامة دولة في المنطقتين، ومطالبة مبارك الفاضل الحركات الدارفورية عدم إضاعة الوقت. وأصاب سكان مناطق النزاع إحباط كبير وزاد فقدان الثقة في الحكومة من أن تحقيق سلام يرضي تطلعاتهم وطموحاتهم.

إذن ما هي توقعات المواطنين في مناطق النزاع من الجولة القادمة؟ وما هي مآخذهم على وساطة الآلية الإفريقية الرفيعة برئاسة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثابو مبيكي؟ وقبل اعلان الجولة المرتقبة والتي من المفترض ان تناقش وقف العدائيات وفتح ممرات آمنة لإغاثة المدنيين.

مواطنو المنطقتين يعتقدون أن الحكومة غير جادة

ووصف خالد محمد احمد المقيم في كاودة في جبال النوبة الحكومة السودانية بعدم الجدية في مواقفها السياسية فيما يختص بإيقاف الحرب، كاشفاً عن عدم التفاؤل وسط سكان مناطق سيطرة الحركة الشعبية. واستدرك احمد قائلاً “على الرغم من أن خارطة الطريق فتحت بأرقة امل لدى المواطنين، الا أن ذلك التطلع لم يتحقق بسبب تعنت الحكومة في مواقفها“، موضحاً لـ(عاين) ان البسطاء من الناس لم يكن فشل المفاوضات بالمفاجأة بالنسبة لهم لانهم فقدوا الثقة في الوسيط الإفريقي ثابو مبيكي، ولديهم يقين ان هذه الحكومة لا تعيش الا في ظل الحروب. واضاف “كان الوسيط مبيكي قد وعد بزيارة مناطق الحرب منذ العام 2014، ولكنه لم يحضر، وفي ذات الوقت ظل يذهب إلى الخرطوم قبل عقد أي جولة للمباحثات“.

ومضى في ذات الاتجاه ادم كرشوم نورالدين نائب رئيس الحركة الشعبية في جنوب كردفان في نقده للوسيط مبيكي والذي وصفه بالمهادن والمنحاز إلى جانب الطرف الحكومي، ويغض الطرف عن الانتهاكات التي ظل يرتكبها النظام ضد الابرياء. ويقول نورالدين “نحن في الحركة الشعبية دعونا مبيكي لزيارة منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق، وكنا في أهبة الإستعداد لإستقباله. الا إنه ضرب بآمال الجماهير التي إصطفت لإستقباله في النيل الازرق عرض الحائط، ولم يحضر ليرى بأم عينه كثافة المدنيين داخل مناطقنا“. وتحدر الاشارة الى أن المبعوث الامريكي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث قام بجولة اقتصرت على مدينة الدمازين للوقوف على أوضاع النازحين.

وحدة الحركات

والمواطنون في دارفور لا تختلف رؤيتهم عن السكان في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، حيث يقول صلاح ادريس من شمال دارفور ان الحكومة لا تملك ارادة وقف نزيف الحرب، ولا رغبة في تحقيق السلام، وفشل التفاوض شيء طبيعي. واضاف ادريس لـ(عاين) ان سياسة الحزب الحاكم صارت معروفة للسودانيين، حتي الاجيال الناشئة تعلم عدم جديته في تحقيق السلام. ويرى ادريس ان الحل الحقيقي يكمن عندما تكون هنالك إرادة سياسية من جميع الأطراف وبصفة خاصة من الحكومة، وناشد الحركات المسلحة للوحدة فيما بينها وان تتكامل الجهود مع منظمات المجتمع المدني والتي قال انها أيضاً تعاني الإنقسامات حيث بعض منها يوالي السلطة والبعض الاخر ذات توجهات عشائرية.

وفي ذات الإطار ابدى المواطن لحم الطير من معسكر كلمة في ولاية جنوب دارفور استياءه من كثرة إطلاق التسميات على المحادثات ويقول متسائلاً “اين اتفاقيات ابوجا الدوحة والحركات الملحقة بهذه الاتفاقيات، لم نشاهد سلاما على الارض إطلاقاً، وما زال التدهور الامني سيد الموقف، ليس هنالك امال حقيقية، الجميع كانوا يدركون أن الذهاب الي التفاوض مضيعة للوقت“. ويضيف لحم الطير “نريد السلام والعودة الى مناطقنا الاصلية، لكن الحكومة السودانية لا ترغب في السلام، لان السلام يعني مناقشة ملكية الارض، وهذا يعني طرد المستوطنين الجدد“.

تدهور الاوضاع الانسانية

يقدم خالد محمد احمد وصفاً دقيقيا لأوضاع المواطنين في جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق، ويقول ان اقليمي جنوب كردفان / جبال النوبة والنيل الازرق يعاني فيهما المواطن من نقص في المواد الغذائية والدواء خاصة الاطفال والنساء وكبار السن، واصحاب العاهات والإحتياجات الخاصة. أوضح احمد أن هنالك ما يفوق مليوني مواطن في المنطقتين في أمس الحوجة للمساعدات الإنسانية بعد فشل موسم خريف العام الماضي، وإستمرار القصف الجوي الذي كان يستهدف المزراع بشكل دقيق ادى الى فقدان الحبوب الغذايئة وتدهور اوضاع الناس في المنطقتين.

وكانت الأمم المتحدة قد وصفت الوضع الإنسانية في المنطقتين بالتدهور. وقالت ان الأوضاع الإنسانية في حوجة لتدخل عاجل، لإنقاذ حياة الالاف من المدنيين. ورغم تدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقتين فان الموطن ظل متمسكاً بضرورة فتح ممرات خارجية عبر الحدود، وهو الموقف الذي تتبناه الحركة الشعبية في المفاوضات والتي قالت انها قدمت تنازلات كبيرة. وقال رئيس وفد الحركة الشعبية في المفاوضات ياسر عرمان في بيان له قبل اسبوع حيث رحبت الحركة الشعبية بمقترحات قدمها مفوض العون الإنساني السابق حول تمرير الإغاثة من “أصوصا” الإثيوبية، ولكن الحكومة قللت من هذا المقترح وطالبت الحركة بالجدية في المفاوضات بالإتفاق بوقف الأعمال العدائية ووقف الحرب في المنطقتين.

ويتفق السكان في عدم ثقتهم في الحكومة، فيما يتصل بإدخال المساعدات الإنسانية. ويقول الصادق خوجلي من سكان النيل النيل الازرق لـ(عاين) أن من يرسل لك الموت يومياً عبر القصف الجوي يمكنه أن يدس لك السم في الدسم وقت ما شاء. ويضيف خوجلي “لذلك نحن نطالب بضرورة فتح مسارين، للإغاثة داخلية وخارجية“. ويتفق معه في ذات الموقف خالد محمد احمد من كاودا، الذي يقول “نحن كمدنيين لن نثق في الحكومة السودانية لادخال الإغاثة، والاحتياجات الإنسانية لانها تضمر نوايا سيئة“.

وقف اطلاق النار غير كافي

وفيما يختص بوقف إطلاق النار لمدة أربعة اشهر قال القيادي في الحركة الشعبية ادم كرشوم ان عملية وقف اطلاق النار لمدة اربعة اشهر غير كافية لادخال الاغاثة، موضحاً ان المطلوب ليس توصيل المساعدات الإنسانية وحسب؛ وانما الجدية في معالجة الأثار الناجمة عن الحرب. ويعلق على هذه الجزئية، استاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم الدكتور محمد يوسف احمد المصطفى بقوله أن وقف إطلاق النار “لمدة اربعة سنوات” هي أيضاً غير كافية لاستئصال ما احدثته الحرب من مآسي انسانية، مطالباً الوساطة الافريقية بالضغط على النظام للسماح بإدخال الإغاثة دون شروط وبكافة الطرق والوسائل المتاحة. ويضيف المصطفى “هذا الموقف لا يحتمل التسويف والمناورات والاسفاف في الحديث“، واصفاً موقف الحركة الشعبية بالجاد لأنها قبلت بممرات خارجية مع وجود رقابة ولكن الحكومة تنصلت وهذا دليل على نواياها العدائية.

ويعتقد المراقبون أن اسباب فشل الجولة الحادية العشر في مفاوضات اديس ابابا، بين الحكومة السودانية وقوى نداء السودان، عدم جدية النظام الذي اصبح يتربع على سدة الحكم بسبب استمرار الحروب وقمع الحريات وتغيب دور القوى السياسية. و لم يندهش الاديب و الشاعر السوداني فضيلي جماع من إنهيار اديس ابابا، ويقول لـ(عاين) أن النظام كان يراهن على أن الحركة الشعبية وحلفاؤها (نداء السودان) من المحتمل أن يتغيبوا عن المحادثات، حتى يرسل رسالة للمجتمع الدولي (أمريكا والاتحاد الأوروبي) بأنه يسعى للسلام وغيره هم أنصار الحرب.

ووصف جماع تلبية الحركة الشعبية لدعوة المفاوضات بـأنها “كتلت الدش في يد النظام“، ويرى أن الحكومة لم تكن جادة للوصول إلى السلام منذ البداية. وقطع جماع بان النظام الحاكم لا يستطيع تحمل مخرجات خارطة الطريق لأنها ستفتح باب الحريات منذ اليوم الأول، ويضيف “وهذا الباب يجلب الأعاصير والرياح، التي ستفتح الأبواب على كل عيوب النظام، ونقاط ضعفه التي لا تحصى“. ومضى جماع قائلاً ان إطلاق الحريات وضمان سيادة القانون يشكلان الخطوة الحاسمة في تفكيك هذا النظام وربما يعجل بقيام الإنتفاضة الشعبية التي يحول دون قيامها في الوقت الراهن ضعف المعارضة في الداخل، وإفراط النظام في القوة والبطش ضد اي تظاهرة سلمية في العاصمة بالذات.

ولكن استاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم دكتور محمد يوسف احمد المصطفى يعتقد أن إنهيار محادثات اديس كان حتمياً لاسباب عددها في أن الطرفين لم يضمرا غير نية إرضاء “المجتمع الدولي” ذو السطوة عليهما. ويرى المصطفى أن قضية إيقاف الحرب ومعالجة جذور المسالة السودانية لم تكن حاضرة بجدية في المحادثات اضافة الى ان طرح بعض الموقف ذات الصلة الشكلية بهموم الشعوب السودانية، لم يكن الا على سبيل ابراء الذمة امام المجتمع الدولي، ويعتبر أن ذلك ذر للرماد في الأعين، لإثارة غبار كثيف امام السودانيين. ويقول المصطفى ان غياب نيات المعالجة الجادة والمبدئية للمشكلة قاد الى تغييب الارادة السياسية ولذلك كان الحصاد خائباً وبعضاُ من الاحباط.

ويختلف كرشوم مع تلك الرؤية ويعتقد أن موقف الحركة الشعبية فيه جدية، خاصة عملية ايقاف الحرب. ويقول كرشوم “جديتنا كانت حاضرة حيث قدمنا التنازلات في بند المساعدات الانسانية، وعملية وقف الأعمال العدائية، لفتح ممرات امنة لإغاثة الناس ولكن تعنتت الحكومة وذلك كان عاملاً اساسياً في عملية افشال التفاوض بشكل حاسم“، متهماً الرئيس السوداني عمر البشير بالعمل على استدامة الحرب، اكثر من إحداث السلام للإستمرار في السلطة.

مليشيات الدعم السريع على خط التفاوض

وعقب إنهيار جولة اديس ابابا الحادية عشر، اطلقت الحكومة السودانية جملة من التهديدات لكافة الحركة المسلحة بسحقها. حيث توعد فيها قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الشهير ب”حميدتي” بإدخال الحركات المسلحة عنوة الى السلام. وقال دقلو في تصريحات “الحركات المابتجي للسلام شهر ١٢ بنجبيها“. وكان الامين العام للحركة الشعبية، ياسر عرمان، قد سخر من وفد الحكومة عندما طلب التفاوض مع قوات الدعم السريع بدلاً عن الحكومة، لانها تعتبر الجسم الرئيسي الذي يحكم السودان وقال عرمان “من يحاربنا هو حميدتي وعلينا ان نتفاوض معه المرة القادمة“.

ولم تمضي ايام على وعيد دقلو حتى عاد الرئيس عمر البشير إلى ذات التهديدات. حينما هدد خلال مخاطبته في إحتفالات عيد الجيش قائلا: “السلام الجايي والحوار الجايي بالبندقية ونقول نحن خلاص فاوضنا ما فيه الكفاية عملنا اتفاقية في نيفاشا وأبوجا والآن نعاين ليهم، جوا للسلام أهلا وسهلا، ما جوا للسلام والله ما عندنا ليهم كلام غير البندقية، كان دخلوا جحر نمرقهم منه وكان طلعوا جبل ننزلهم وكان دخلوا غابة نلحقهم“.

ووصفت الحركة الشعبية حديث البشير بغير الموفق في هذا التوقيت، وقالت على لسان نائب رئيسها في جنوب كردفان، ادم كرشوم، إن حديث البشير لم يأتي بجديد في كل عام يرفع ذات الشعارات بقوله إنه سيحسم التمرد وسيصلي في كاودة وهذا الكلام ردده منذ بدء الحرب قبل خمس سنوات، ويضيف (هذا رئيس للحرب وليس للسلام)، مؤكداً ان الحركة ستتعامل مع هذه التصريحات بجدية وان الجيش الشعبي في غاية الإستعداد ولن تنطلي عليه دعاوى البشير بوقف اطلاق النار ثم إرسال قواته وطيرانه لمواصلة القصف الجوي، ويقول (تصريحات البشير دليل آخر على عدم إستعداده لإيقاف الحرب ويحاول أن يشتري الوقت بتضارب تصريحاته).