العودة الطوعية القسرية في دارفور
يرى مراقبون وسكان المعسكرات أن الشروط الاساسية لبدء عمليات العودة الطوعية لم تتوفر في إقليم دارفور، إذ ان اتفاقيات السلام العديدة لم توفر السلم والاستقرار في الاقليم الذي يشهد موجات عنف متتالية تتفاوت بين القتال بين الحكومة والحركات المسلحة في جبل مرة، والنزاعات القبلية في مناطق مختلفة من الاقليم بالاضافة لاستمرار الجريمة من نهب وعمليات اختطاف واغتصاب ممنهج وغيره من الجرائم التي يشهدها الاقليم بصورة شبه يومية.
ظل أمل العودة للمناطق الاصلية في إقليم دارفور المنكوب بالنزاع منذ أكثر من عشرة سنوات أملا يراود أكثر من مليون نازح يقيمون في معسكرات النزوح التي تفتقد لمقومات الحياة الاساسية من مأكل ومياه نظيفة وغيرها من الخدمات الاساسية.
وتنتشر في الاقليم عشرات المعسكرات التي أصبحت تمثل العنوان الأبرز لازمة دارفور التي تحاول الحكومة التخلص من تبعاتها من ضغوط وملاحقات دولية على رأس النظام وقياداته.
ويعتمد سكان المعسكرات بشكل كامل على المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات الغوث الإنساني التي أصابها الإرهاق من تطاول الازمة دون حل لعشرات السنوات إضافة لتقليص الدعم الدولي الممنوح للعمليات الانسانية على مستوى العالم لاسيما من قبل ادارة ترامب.
وليس للحكومة السودانية اي دور او التزام تجاه قاطني المعسكرات بما في ذلك الأمن الذي تحاول توفيره بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الإقليم (اليوناميد) والتي بدأت بالفعل في مغادرة الاقليم بصورة تدريجية حسب خطة موضوعة بينها وحكومة السودان.
عودة طوعية أم قسرية
وصاغ الوسطاء الدوليون والإقليميون وأطراف النزاع مصطلح العودة الطوعية في اتفاقيات السلام المتعددة التي وقعت لوضع حد للنزاع في الإقليم منذ اتفاق أبوجا في العام 2006 وحتى توقيع اتفاق الدوحة في العام 2011، بحيث يمثل جزءا من مشروع العدالة والمصالحة وإعادة الاستقرار للاقليم.
ويرى مراقبون أن الشروط الاساسية لبدء عمليات العودة الطوعية لم تتوفر في إقليم دارفور، إذ ان اتفاقيات السلام العديدة لم توفر السلم والاستقرار في الاقليم الذي يشهد موجات عنف متتالية تتفاوت بين القتال بين الحكومة والحركات المسلحة في جبل مرة، والنزاعات القبلية في مناطق مختلفة من الاقليم بالاضافة لاستمرار الجريمة من نهب وعمليات اختطاف واغتصاب ممنهج وغيره من الجرائم التي يشهدها الاقليم بصورة شبه يومية.
ورغم الأوضاع المتدهورة والسلام المنتقص، تصر مفوضية العودة الطوعية التابعة لرئاسة الجمهورية السودانية مدعومة من خلال الوسيط القطري، على المضي قدما في برامج العودة الذي بدأ منذ العام 2007. ويعتبر بعض النازحين ان تجربة العودة الطوعية فاشلة بكل المقاييس، بل وأصبحت سببا لتضييع أموال المانحين وفتحت الباب للفساد واستغلال رغبة النازحين في الاستقرار.
“احتلال للأراضي“
يقول مسؤول العودة الطوعية بشرق دارفور، محمد ابراهيم ادم دبوك رئيس اللجنة العليا للنازحين، ان العديد من النازحين يرغبون في العودة الى مناطقهم الاصلية، لان حرفتهم الرئيسية الزراعة. قال دبوك لـ(عاين) ان هناك مجموعات جديدة احتلت أراضيهم الزراعية، وطالب الحكومة الولائية والمركزية أن تعيد لهم أملاكهم، وتوفير الأمن، في حالة حدوث أمر طارئ تتدخل بسرعة، مؤكداً أن العامل الأمني يشكل أكبر مهددات العودة الطوعية، مناشدا الدولة بجمع السلاح المنتشر وسط الأهالي.
قرى بلا خدمات
في ذات السياق، يوضح رئيس لجنة الحرائق بمعسكر النيم في ولاية شرق دارفور، فيصل محمد بريمة، ان الحكومة وعدت النازحين بالعودة الى مناطقهم الاصلية، وقبل النازحون مقترح الحكومة. قال بريمة لـ(عاين) “لما رجعنا ، قام الجنجويد بضربنا، ونهبوا كل حاجة” موضحا أن غياب دور الشرطة في توفير الحماية للمواطن، فضلاً عن غياب التعليم، الأمر الذي خلف أوضاع بائسة في مناطق العودة الطوعية. وقال مقارناً “حياة القوز أفضل من البقاء في معسكرات العودة“. واستدرك فيصل قائلاً: “النازحين يريدون العودة الى قراهم، في عريض شرق، وعريض غرب، وانقابو وشق الرخيص، الا ان الايدي باتت مكتوفة“.
فساد والجنجويد
رغم رغبة النازحين في العودة الى قراهم إلا أن فوضى مليشيات الجنجويد اصبح يشكل سدا منيعا أمام عودتهم. ويقول يونس جمعة صافي ان الجنجويد أجبرتهم على ترك مناطقهم بقوة السلاح. رغم الأموال التي دفعها النازحين للحكومة بغية العودة الى قراهم “الجميع هنا، دفعوا قروش للحكومة فقط عشان العودة الى مناطقهم“، معيباً على حكومة الولاية عدم توفير وسائل نقل من المعسكرات إلى القرى. وأكد الصافي أن عملية جمع السلاح لم تكن شاملة “روجت الحكومة في حملة جمع السلاح، بعض الاسلحة جمعت، الا ان الغالبية من السلاح لم يجمع بعد، ما زال في أيدي المليشيات“.
غياب للمفوضية
ويتفق متحدثي عاين في أن الجميع يرغبون في العودة إلى قراهم التي هجروها، لأن الحرف التي يمتهنون هي الزراعة، لكن الشيء الأسوأ أن الأراضي يحتلها آخرون. من متطلبات العودة الى مناطقهم أن الدولة توفر الأمن والخدمات الأساسية. وبعض المناطق التي عاد إليها بعض النازحين ليست بها ابار مياه صالحة للشرب، وأيضا من عادوا إليها واجهوا اشكاليات امنية على الأرض، معزين ذلك لغياب مفوضية العودة الطوعية التي لم تقم بزيارة المعسكر أو تتفقد قرى العودة الطوعية.
تقول النازحة مقبولة حسين مصطفي لـ(عاين) من معسكر النيم، ان مفوضية العودة الطوعية لم تقم ولا بزيارة للقرى لكي يتسنى لها الوقوف على النواقص. موضحة أن “هنالك 38 قرية ليس بها خدمات اساسية، لا آمن بها”، ووضحت مقبولة ان حتى العودة الى بعض المناطق اعتبرتها عودة موسمية للزراعة فقط، ثم ناشدت الحكومة أن تجد حلول لاشكالية الاراضي، والنزاعات المتكررة. “الحكومة فشلت في حسم الأمر، في مايو الماضي عاد البعض إلى مناطق شيخ حسان، والعريض وام لعوتة، تعرضوا للضرب ليلا، والشرطة فشلت في مخاطبة قضيتهم العادلة“.