سيناريوهات بقاء السودان أو التحلل
في الجزء الثاني من جذور الصراع يركز ابكر ادم اسماعيل علي مفهوم المركز و الهامش مستنداً على دراسات تاريخية بشأن تكون مجموعات لها امتيازات أستمرت مع أشكال السلطة المتعاقبة منذ الممالك الى الدولة الحديثة. ويقسم ابكر التهميش إلى أبعاد ودرجات يتفاوت فيها الناس حسب إقترانهم بالسلطات المركزية، موضحاً دعاوى من أسماهم بـ الخصوم الفكريين بالقول ” أن التهميش في الوسط وعلى مجري النيل نفسه معترف به ولكن على درجات متفاوتة”.
ويعرف أبكر مفهوم المركزية بأنها “عبارة عن مجموعة الامتيازات في حلبة الصراع التي تمكن البعض من حيازة السلطة والثروة اكثر من الاخرين”. بحيث تشكل هذه الامتيازات مانع هيكلي بالنسبة للاخرين ومن هنا جاء مصطلح “المركز و الهامش” مُعرفهم بأنهم مهمشين طبقياً ديناً جندريا اثنيناً وجغرافياً.
درجات التهميش
ويضيف أبكر بأن الفكرة مركبة وليست ثنائية كما يتصورها الناس أو يحاول تصويرها خصومنا الفكريين على اعتبار أنها تشير فقط إلى هامش لا يشمل الناس والفقراء في النيل والخرطوم. قائلاً : “نحن لم ننكر تهميشهم ولكن التهميش درجات له أبعاد وبذلك نظرتنا أعمق لطبيعة الصراع في السودان“.
ويمضي بالقول “أن هذه المسالة مُعقدة ودوماً ما يلجأ الناس في السياسية الى التبسيط والتسهيل على أنفسهم لفهم الموضوع ولكن الأمر معقد وله أبعاد أكثر”. ويذهب إلى أن البعد المهم هو أن نمط الدولة الحديثة يميل إلى أنظمة حكم أخرى مثل الفيدرالية وغيرها. لأن مركزية السلطة لها مشاكل أخرى ويستطرد إن السبب في عملية التمركز في الدولة الحديثة نتج عن الدولة الحديثة نفسها وهي نمط من أنماط تطور الحكم وعلاقات السلطة المرتبط بتطور المجتمع الرأسمالي البرجوازي. وله إشكال في الممارسة لم تكن موجودة في المجتمعات السابقة.
ذاكرة الممالك
يستدعي ابكر ذاكرة تاريخ الممالك المتعاقبة على حكم السودان كدول شكلت واقع السودان قائلاً عندما نتحدث عن الدويلات الكلاسيكية الفونج والفور السلطان لما يخوض حرب “يجمع الفرسان بتاعينو ويخوض الحرب وفي النهاية الشخص يرجع لأهله ولم تكن هناك قوات نظامية مفرغة”.
كما كان هناك دواوين كالخراج وغيرها ولكنها لم تكن منظمة بالبيروقراطية التي ظهرت مع الدولة الحديثة ” في ناس بمضو في الورق و يكتبو ليك حاجات تعبر عن السلطة بجانب اخوانهم المسلحين ديل مفرغين طول حياتهم“. ثم أصبحت أنظمة التعليم متروكة على شكل الكونفدراليات ولكن في الدولة الحديثة ظهرت مؤسسة التعليم التي تلقن الناس عوامل الصواب والخطاً . واختتم بالقول “إذا نظرت تجد التنظيم يفرض التراتبية بالشكل الهرمي الذي يجمع كائنات مختلفة بشكل غير متساوي“.
وراثة الاستعمار
ويمضي ابكر إلى أن أزمة الدولة السودانية تتمثل في المحافظة على الامتيازات التي ورثها من اسماهم السادة من المستعمر. موضحاً أنه مع تطور الحياة اكتشف الناس أهليتهم للحيازة على السلطة عبر الطرق المشروعة، لكنهم يصطدمون بموانع من الذين يظنون أنهم سادة فتنتج هنا الأزمة بشكل عنيف حينها يلتف المصابين في إطار واحد. ويخلص ابكر اسماعيل الى ان الواقع الحالي للدولة السودانية ماهو الا نتاج للازمات المتراكمة للحكومات المتعاقبة، وهو ما لم تجدي معه كل محاولات التغيير إلى أن تنهار الدولة على رأس الجميع.
ويقول لما ذهب الاستعمار ورث منه الوطنيين الدولة! ” الوطنيين عايزين يعيدو الامتيازات التي تكونت عبر التاريخ في الدولة السودانية “. ويضيف البديهي انه مع تطور الحياة الناس يكتشفو مصالحهم في حيازة السلطة. ولما يكتشفوا ان هنالك موانع حتى لو ما واعين بها ثم وجدو أنفسهم متجمعين في مكان ما، ” المصائب يجمعن المصابين” مما ادى إلى تكتل انعكس على شكل “التطور المأزوم” على حد تعبيره؛ و يزيد لـ(عاين) الأزمة موجودة في الدولة نفسها في الوضعية التاريخية “مش” لانه في نظام حكم أي زول بجي يحكم بفتكر انو هو الافضل الايدلوجي بفتكر أن منهجه هو الأفضل فلما يأتي الإسلاميين بفتكرو انهم الافضل”.
لكن هذا يصطدم بالازمة الهيكلية الموجودة في الدولة السودانية. وهي التي أدت إلى الماَلات الطبيعية التي نراها حاليا. “كلما تحاول تعيد إنتاج نفسها تنتج مضادات! وكل ما نتنج مضاد تضطر لاستخدام المزيد من امكانية الدولة في ممارسة العنف” .ويستطرد ابكر بالقول لـ(عاين) الدولة السودان من التأسيس قائمة على مشروعية العنف بغض النظر عن آلية الوصول إلى الحكم “بغض النظر الناس البٍحكمو ديل جو بدبابة ولا جو بي انتخابات ولا غيره” لأنه المحافظة على تراتبية “سادة عبيد” دي مافي ليها طريقة؛ بالتالي تحاول بذل جهد كبير من العنف لخلق نوع من الاستقرار و محاولة إنتاج نفسها.ولكن في الواقع تنتج مضادين ليها ويزداد العنف. حتى وصلنا مرحلة الحرب الاهلية. ويقول “هذا في نظري آخر مرحلة من مراحل التفسخ للوضْعية التاريخية اللي ما ينفع فيها تغيير حكومة ولا غيره ماينفع الا تزال كلها و إذا لم تزال تقع في رأس الناس في النهاية”
العلاج او التحلل
ما حدث من خلال الثورات العالمية الكبرى في الثورة الفرنسية والأمريكية ” ده انا بسميها سيناريو الثورة ويضيف أما الاحتمال الثاني هو التغيير الجذري المتدرج مثل ما حصل في بريطانيا؛ وهو المساومة التاريخية بإحداث تغيير متدرج لتغيير عقلية التناقض داخل المجتمع في بريطانيا – مجلس اللوردات- ومجلس العموم.مما ادى الى تشكيل مساومة تاريخية تم عبرها توزيع السلطات واصبح الملك مجرد رمز. ويستطرد بالقول التاريخ أثبت أنه في حالة عدم حدوث ذلك سيكون الأقرب هو الاحتمال الثالث “وهو أن الوضعية لن تستمر فأما التغيير بالوسائل اعلاه او الانهيار هذه في حالات امتلاك المضادات للقوة الكافية أو الحاجة تقع في رأس الناس”.
في حالة السودان يرى ابكر أنه كانت له فرص لإحداث هذا التغيير. ولكن لأسباب داخلية و خارجية وحسابات خاطئة لم يحدث، مؤكداً أن الفئات التي تتعرض للاستبعاد لم تمتلك القدرة على التغيير، لأنها لم تمتلك الوعي الكافي لإحداث ذلك رغم غالبيتها الساحقة، والفئات الأخرى بدأت تِعتل بضعف هؤلاء مستمرئةً عوامل عدم الوعي والجهل وغيرها، ولم تعي هذه المسألة لتَقدم على التغيير الحقيقي!. حتى وصل الأمر عمليا إلى التحلل والتفكك وهي مرحلة لا يجدي معها استخدام ” الديكور”. وزاد”التحلل بدأ منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن تحلل السودان بدأ بانفصال الجنوب وإعادة إنتاج نفس المشكلة في الأماكن المنفصلة نفسها لأنها تحمل في نفسها جينات التفكك مثلما حدث في الجنوب ثم اعادة انتاج المشكلة من جديد حتى قبل ان يصبح الجنوب دولة. بالتالي لابد من النظر الى المسائل الجذرية. ” انا كطبيب بعرف انو اهم شي في العلاج التشخيص” ما عدا ذلك فهو وقاية وهذه مشكلة السودان العلاجات ليست لها علاقة بالمشكلة الاساسية. وهو ما سيُعقد المشكلة بدلاً عن حلها.
ثلاثة احتمالات
في ختام حديثه لشبكة (عاين) حول جذور المشكلة السودانية وضع ابكر ادم اسماعيل مقترحات لحلول الازمة السودانية. مطالباً بالرجوع إلى التجارب المُلهمة من تاريخ الشعوب المتقدمة، التي أحدثت ثورات عمادها الوعي، والذي شكل بدوره انتقال سلس لادوات الحكم وخلق شراكة متوازنة. قاطعاً في حال عدم استلهام التجارب سيتفكك السودان في نهاية المطاف. لان اسباب المشكلة الاساسية قائمة وما يحدث ماهو الا عبارة عن تسكين للألم. ويقول ابكر “الشخص الذي يريد أن يقدم دراسة منهجية مسنودة بنظرية وبحث لابد ان يرجع الى عمليات المقارنة في تاريخ البشرية”. ويزيد قائلا “الوضعية التاريخية لن تتغير نتيجة أمزجة الناس أو سيناريو محدد، بل هي مرتبطة بالإمكانات التي توفرت ضمن السياق التاريخي لتطور الصراع نفسه”. ويمضي في القول “لكن إذا وجدت الوضعية التاريخية المأزومة لابد من إفراز مضادات وبناء قوى في شكل تحالف عريض يتشكل من تحالف أدني بين فئات مختلفة في المجتمع”.