ماذا وراء تمدد معارك الجيش والدعم السريع إلى غرب كردفان؟

عاين-12 فبراير 2024

دخلت ولاية غرب كردفان دائرة الاهتمام في المواجهات المباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، وتحاول الأخيرة السيطرة الكاملة على الولاية المفتوحة مع دولة جنوب السودان وأكبر ولايات البلاد المنتجة للنفط.

تسعى قوات الجيش إلى تعزيز وجودها في المنطقة من خلال المحافظة على الفرقة العسكرية الرئيسية في مدينة “بابنوسة”، وأنه في حال خسارتها المنطقة العسكرية يتقلص إلى حد بعيد تواجدها في غرب السودان، خاصةً بعد سيطرة “الدعم السريع” على (4) ولايات في إقليم دارفور غربي البلاد.

ومنذ أسابيع تشهد مدينة “بابنوسة” الواقعة في الجهة الجنوبية لإقليم كردفان لأول مرة مواجهات عنيفة بين الطرفين أدت إلى مقتل عشرات المدنيين مخلفةً أوضاعاً إنسانية كارثية، خصوصاً أن المنطقة ظلت مستقرة لفترة طولية خلال الفترة التي أعقبت اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف شهر أبريل الماضي، ورغم أهمية المنطقة الإستراتيجية.

ولا يزال التوتر يسود المنطقة، وتشير متابعات (عاين) إلى عمليات حشود متواصلة من قبل جانبي الصراع استعداداً لمواجهات.

في الأثناء لم تفلح جهود زعماء أهليين في إقناع الطرفين منع نقل القتال إلى بابنوسة، محذرين من مغبة حدوث فراغ أمني يسهل اختراق الحدود وتدمير المنشآت النفطية حال إبعاد الجيش، لكن الجهود الأهلية نجحت في وقت سابق الأسبوع قبل الماضي إلى الوصول إلى هدنة إنسانية مؤقتة مكنتهم من إفراغ المدينة من سكانها بالكامل.

مخاوف تحول المعارك إلى قتال أهلي

إلى ذلك، تزايدت مخاوف الإدارات المحلية من تحول القتال بين الطرفين إلى صراع داخلي بين المكونات الاجتماعية لقبيلة المسيرية “أكبر قبائل المنطقة” خاصة بعد انقسام المقاتلين بين الطرفين، محذرين من تدمير المنشآت العامة بمدينتهم.

(جبل مون).. نيران السطح عينها على ثروات باطن الجبل
تمدد المعارك العسكرية إلى ولاية غرب كردفان ينذر بإنقسام أهلي

انتقال الصراع إلى ولاية غرب كردفان يشكل تحولا؛ نظراً لخصوصية الولاية التي تعد إحدى أهم الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، إذ تضم آلاف المقاتلين المنحدرين من مجموعة المسيرية الأهلية، وهم يمثلون عنصراً مهماً في تشكيلات قوات الدعم السريع.

إزاء ذلك يشير مسؤول بارز في الإدارة الأهلية في غرب كردفان إلى أن وصول الصراع إلى مناطق المسيرية أحدث نوعاً من الانقسام وسط مجموعة المسيرية ما بين الاستمرار في مساندة قوات الدعم السريع، ودعم قوات الجيش، مما يزيد احتمالات تحول القتال إلى صراع أهلي بدأت تظهر ملامحه بعد المواجهات الأخير في “بابنوسة”

وقال المسؤول الأهلي الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ(عاين): إن “قيادات أهلية مارست ضغوطاً كبيرة على أبنائهم في القوات المسلحة بضرورة الانسحاب والالتحاق بالقتال مع أهاليهم في الدعم السريع، وبناء على ذلك التحق مقاتلون من الجيش بصفوف الدعم السريع قبل اندلاع القتال في بابنوسة”.

وبمقابل ذلك، يقول القيادي الأهلي الذي فضل حجب اسمه: “مارست قيادات أهلية من المكون الأهلي نفسه ضغوطات أثرت في مقاتلين آخرين وأقنعتهم بالبقاء والقتال بجانب قوات الجيش، وهذا من شأنه أن يكون مؤشرا خطيرا في مجريات القتال ومستقبل العلاقة الاجتماعية داخل القبيلة الواحدة”.

ويتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السيطرة على إقليم كردفان، حيث يحتفظ الجيش بمدينتي الفولة والنهود وبابنوسة في غرب كردفان، والأبيض في شمال كردفان إلى جانب مدن كادوقلي والدلنح في جنوب كردفان.

فيما يسيطر الدعم السريع على الجزء الجنوبي والغربي من غرب كردفان مثل المجلد غبيش وأبو زبد، إلى جانب هبيلا والدبيبات بولاية جنوب كردفان، علاوة على أجزاء واسعة من ولاية شمال كردفان.

سيطرة على الحدود والنفط

وفي الأشهر الماضية فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على ولايتي جنوب وشرق دارفور التي تربطهما حدود مشتركة مع دولة جنوب السودان، قبل أن تمددت في مناطق مهمة في ولاية غرب كردفان الحدودية.

“في حال تمكن الدعم السريع من السيطرة منطقة “بابنوسة” العسكرية تكون قد تمكنت بصورة شبه كاملة من الحدود التي تربط أقاليم غرب السودان مع دولة جنوب السودان وهي مناطق حقول النفط في السودان”. يقول الخبير العسكري، علي محمد إيدام لـ(عاين).

من تقرير سابق نشرته عاين- 14 ديسمبر 2023

وتقع معظم الحدود بين السودان وجنوب السودان والبالغة نحو ألفي كيلو متر بين ولايات جنوب دارفور، شرق دارفور وغرب كردفان، وشهدت توترات أمنية خلال السنوات الماضية قبيل اندلاع الحرب في السودان، كما تبادل الطرفان اتهامات بتمويل جماعات مسلحة لإثارة الاضطرابات في الدولتين.

ويشير الخبير العسكري إيدام، إلى أن طرفي القتال كل منهما يريد السيطرة على هذه المنطقة لتقوية موقفه للمرحلة قادمة، إضافة إلى تعويض ما فقدوه من مكاسب في جبهات القتال في المناطق المختلفة.

بالمقابل، يرى المحلل السياسي حسن محمود، أن الدعم السريع يحاول توسيع خيارات الإمداد والموقف التفاوضي، وإنه بسيطرته على بابنوسة يضمن السيطرة شبه الكاملة على غرب السودان، ويوفر جهوده للمواجهات في ولايات شمال كردفان والنيل الأبيض.

ويضيف حسن، أن “وُجود الدعم السريع في غرب كردفان يحقق له مكاسب الضغط والتحكم الاقتصادي والتضييق على حكومة بورسودان من خلال السيطرة الكاملة على مناطق إنتاج النفط على غرار الحرب في دولة ليبيا”.

جنوب السودان في مرمى النيران

وعزا محمود، إصرار قوات الدعم السريع على دخول منطقة “بابنوسة” يضمن لها السيطرة الكاملة على ولاية غرب كردفان التي تتمتع بحدود استراتيجية مع دولة جنوب السودان، مما يقوي علاقته مع دولة جنوب السودان، والتعامل المباشرة مع الدعم السريع بشأن مرور النفط الذي يمثل مورداً رئيسياً لحكومة “جوبا”، وذلك من شأنه أن يكون أرضية صلبة لأي عملية تفاوض في المستقبل.

وحول تداعيات القتال في غرب كردفان على دولة جنوب السودان الحدودية يقول الخبير العسكري اللواء إيدام، إن جود المليشيات الدعم السريع في كردفان يرفع من سقف مخاوف دولة جنوب السودان من تغذية الصراعات الأهلية على الحدود، خاصة في منطقة أبيي المتنازع عليها بين الدولتين، ورفع توقعات توسع الصراعات بين المجموعات السكانية إلى صراع كبير يلقي بظلاله على الأوضاع الأمنية الهشة لحكومة “جوبا”. بجانب إمكانية تدفق الأسلحة والذخائر إلى المجموعات القبلية المتصارعة في منطقة “أبيي” الحدودية المتنازع عليها بين البلدين.