انتشار السلاح: الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

تقرير: عاين 3 أبريل 2019م

مع انطلاق الثورة الشعبية في السودان؛ وبروز امكانية التغيير السياسي،  تتبادر الى الأذهان بعض التحديات التي لها تأثير مباشر على السلام الاجتماعي ومستقبل الاستقرار بالسودان.  كبرى هذه التحديات انتشار السلاح؛ الذي أصبح على ( قفا من يشيل) قوات نظامية – مليشيات حكومية- حركات مسلحة  ذات مطالب تُحارب الحكومة، عشائر وأفراد. وأكثر المناطق انتشاراً بالسلاح هي تلك التي تدور فيها الصراع المسلح بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة بكل من  دارفور، كردفان، النيل الازرق، شرق السودان وبعض مناطق الوسط.  حيث بلغ عدد المتقدمين لترخيص السلاح  500 مواطن عام 2018  فضلاً عن الحمل العشوائي مما يؤشر بعدم الإحساس بالأمن، و عدم جدية الحكومة في وضع حد لذلك. وفي الوقت الذي امتنع مُمثلي الحكومة السودانية والجيش الحديث لـ(عاين) عن انتشار السلاح وخطورته، اتهمها  المجتمع المدني بالإشراف المباشر على توزيع السلاح، رابطاً انتزاعه بتوفر الدعم اللوجستي والرقابة الكاملة من جهات محايدة، والاستفادة من التجارب الحقيقية للنزع – الدمج  وإعادة التأهيل.

اما قادة الحركات المسلحة الذين يندرجون ضمن المجموعات المسلحة اكدوا لـ(عاين) ان عملية نزع السلاح لا يمكن ان تتم الا بذهاب الحكومة الحالية. وإعادة هيكلة القوات المسلحة. وبإدراك الجميع  هذه الأزمة إلا أنه لا توجد خطة للتخلص من أنتشار السلاح الذي قد يُشكل أكبر مُهدد لمستقبل استقرار السودان.

مجموعات وتحديات

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

يبتدر القانوني والمدافع عن حقوق الانسان  محمد بدوي حديثه لـ(عاين) عن أسباب انتشار السلاح قائلاً: سبب انتشار السلاح مرتبطة بعاملين… الأول خارجي مشيراً للـ” الحرب الليبية التشادية”.  وأضاف “دخلت مجموعات مسلحة الى السودان واستوطنت في مناطق حدودية متفرقة“.  من ناحية اخرى “نجحت المليشيات في أن تنصب قنصل  دولة (أفريقيا الوسطى) الذي كان موجودا بدارفور رئيسا لبلده”.

ويستطرد قائلاً العامل الثاني داخلي وهو ما ساهم  الى حد كبير في انتشار السلاح. : “بدايات انتشار السلاح كانت مع تكوين المليشيات في العام(1984) فترة الرئيس الأسبق جعفر نميري“. و هذه الفترة امتدت  لفترة خلفه عبد الرحمن سوار الذهب  وتواصلت الى فترة حكم( الإسلاميين) الحالي.

كما قسم بدوي فترة الحكومة الحالية من حيث توزيع السلاح الى مجموعات؛  المجموعة الأولى هي المنظمات المرتبطة بالحزب الحاكم ( الدفاع الشعبي- المجاهدين- الأمن الشعبي).  المجموعة الثانية هي المليشيات القبلية وعدَدَها بـ ( 4  في الشرق، 5 في النيل الأزرق، 4 – 3  في النيل الأبيض). مضيفاً اليها درع الكبابيش في كردفان، مليشيات القبائل في دارفور، الدفاع الشعبي في كل السودان، و تسليح القبائل عامي (1987-1988) في كردفان ودارفور.

قضية موازية

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

عن الحواضن التي استوعبت المليشيات بشكل متكامل في عدة مناطق بالسودان  قال بدوي في عهد (الإسلاميين) “ظهرت مليشيات حرس الحدود التي تطورت للدعم السريع  حصل فيها دمج لبعض القوات الرسمية كـ الإحتياطي المركزي، البوليس فأصبحت أهم حواضن، على سبيل المثال علي كوشيب تم دمج ميليشياته في الإحتياطي المركزي وايضا الميدوب في شرق دارفور”.

اما يختص بـ القاسم المشترك لانتشار السلاح  يقول:”العامل المشترك في انتشار السلاح هو الدولة السودانية! فهي التي تملك رصد متكامل بعدد وأنواع وقطع السلاح الموجودة في السودان. بالتالي نطاق السلاح الموجود في السودان يصعب جمعة أو الحديث عنه لأنه كقضية موازية لقضية الاستقرار السياسي. و حدوث هذا الاستقرار يمكن أن يساهم في تقليل عسكرة المجتمع، ويمكن أن يساعد في جمع السلاح بطرق علمية وبجهود طنية و دولية؛ وقال مستدركاً تاريخ السودان شهد عمليتي جمع سلاح لأهداف سياسية. في التسعينات كسلا؛ وفي العام 2017 بدارفور  كانت عملية فاشلة بشهادة  الحكومة. لم تنجح لأنها كانت لتكسير مجموعة موسى هلال. السبب الآخر هو الاستهداف الانتقائي الذي مكن مجموعات سودانية لإخراج أسلاحتها خارج المنطقة.  وان عملية جمع السلاح في الراهن مستحيلة لأنها مرتبطة بفكرة الدولة والمواطنة.

وهي نفسها  فكرة بدأت في الذوبان لأن المواطن لا يشعر بتأمين نفسه!  القبيلة هي المسيطر على الحماية. مستشهداً بقضية اغتيال احمد الخير. التي أصدرت بعده  القبيلة بياناً،  مما يوضح اهتزاز الثقة بين المواطن والدولة. قائلاً ان  غياب الأمن وتدهور الظروف الاقتصادية تعززان الفوضى؛ لذلك عملية نزع السلاح تحتاج  لتخطيط وتنسيق وشركاء دوليين. كما انها تحتاج إلى دمج وإعادة تأهيل تستوعب حملة السلاح في مشاريع كبيرة لمجتمعات تمت عسكرتها على مر تاريخ السودان.

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

تغيير شامل او..

حركة وجيش تحرير السودان (عبدالواحد نور). وصفت  عملية نزع السلاح التي قامت بها الحكومة السودانية في العام 2017 بإقليم دارفور بالمسرحية  قائلة ” الحكومة هي من سلح هذه المجموعات”. وقطع الناطق الرسمي باسم الحركة محمد عبد الرحمن الناير  باستحالة نزع السلاح في ظل الحكومة الحالية لأن “نظام البشير هو أكبر حزب مسلح في العالم بدءً من الأمن الشعبي وعشرات المليشيات الموجودة،  ذهاب النظام الحالي يشكل 80% من حل الازمة السودانية؛ اضافة الى ان هناك سلاح في أيدي المليشيات الموجودة أمن- دعم سريع دفاع شعبي “.

واتهم الناير نظام الحكم في السودان بالسعي  لإغراق البلاد في فوضى وذلك عبر تحويل الثورة السلمية الى دماء سائلة.   مطالباً الشعب السوداني بالعمل على اسقاطه لانه يمثل العقبة الأكبر أمام الاستقرار الشامل في السودان،  واعلن الناير عبر(عاين) أنهم لن يقبلوا بأي تغييير لا يقود إلى إعادة بناء دولة سودانية يتساوى فيها الناس على أساس المواطنة وإقامة نظام علماني قائلاً:  “بالنسبة لينا مرفوض.تكرار ماحدث بعد اكتوبر وابريل وسنواصل الكفاح الى أن نبني الدولة التي نحلم بها”.

 

إشاعة الفوضى

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

أما الناطق الرسمي للحركة الشعبية بقيادة( مالك عقار). مبارك اردول حمل عبر(عاين) الحكومة السودانية مسئولية انتشار السلاح في السودان.  قائلاً: ” الحركة الإسلامية هي أكبر فصيل مسلح وكتائبها التي أثبتها على عثمان في خطابه”. ومضى مُتهمها  (الإسلاميين) بتغيير البنية الهيكلية للقوات المسلحة والاستعاضة عنها بـميليشيات لحماية النظام الحاكم.

قال اردول: “حتى في الريف السوداني السلاح  تم توزيعه بإشراف المؤتمر الوطني”. موضحاً ان عملية اعادة هيكلة القوات المسلحة ستبدأ بعد إسقاط نظام الحكم السوداني.  مطالباً: بـ” التفريق بين الوطنيين والمدافعين عن المؤتمر الوطني كحزب، لإعادة هيكلة للقطاع الأمني لمصلحة السودان وليس الحركة الاسلامية”.

وناشد اردول بإعادة الدمج ونزع السلاح لانه أمر في غاية الاهمية لتأمين الدولة الواحدة،  بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى في نزع السلاح كـ غرب أفريقيا تجمع الايكوس  الذي قام  بتجارب ناجحة.   معلناً عن وقف كامل لإطلاق النار حال سقوط الحكومة،  معللاً ذلك بانتفاء شروط حمل السلاح . “في حالة ذهاب النظام الناس بترتاح من رفع السلاح -النظام الذي يُنشر العنف لن يكون موجود “.  

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

 

توازن الدولة والمجتمع

ترى حركة وجيش تحرير السودان قيادة (مناوي) حسب  المتحدث باسم الحركة محمد حسن اوباما لـ(عاين) انتشار السلاح لا أحد ينكره في السودان؛  وهو بإشراف مباشر من الحكومة السودانية. ويرى أوباما في سلاح حركات المقاومة (الحركات المسلحة) انه يمثل إحدى وسائل إضعاف الحكومة لأنها (أي) الحركات المسلحة حملة السلاح لمظالم تعرضت لها مناطق محددة في السودان.

وحول  سلاح المليشيات يقول أوباما أن نزع السلاح لا يتم بالطريقة التي تتعامل بها الحكومة. قاطعاً بان نزع السلاح لن يتم إلا بذهاب النظام وإعادة هيكلة القوات المسلحة بطريقة تستوعب السودانيين. وفي ذات الإطار كشفت القيادية في حركة العدل والمساواة  حكمه محمد إبراهيم لـ(عاين) عن مليشيات مسلحة مدربة على أيدي إيرانية واخرى هي مليشيات الظل موجودة في المركز ومدربة تدريب عالي ومتقدم تمتلك كمية كبيرة من السلاح وهي  مليشيات خارج السيطرة تعلم تفاصيلها الحكومة السودانية.

وقالت حكمه ان السلاح الآن على شقين: ” الأول مليشيات المؤتمر الوطني  التي تحمي الحكومة وسلاح آخر خارج سيطرة الحكومة عند مجموعات تصعب السيطرة عليها لأنها قامت بارتكاب جرائم كبيرة لذلك  ما بتقبل بنزع سلاحها”.

مليشيات خارج السيطرة

انتشار السلاح الخطر الذي يهدد مستقبل السودان

من جانبه قال القيادي بالحركة الشعبية قيادة (عبد العزيز الحلو). يونس الإحيمر لـ(عاين)  أن القوات الموازية التي أنشأتها الحكومة هي امتداد لتسليح القبائل، منذ فترة الرئيس الأسبق  الصادق المهدي بإشراف (فضل الله برمة ناصر).

مؤكداً إن النزاعات المسلحة تقف ورائها الحكومة في دارفور ويشرف عليها بشكل مباشر حزب المؤتمر الوطني الذي نزع السلاح من القوات المسلحة وسلمه للقبائل؛ بغرض اشاعة الفوضى بين الناس وعشان الناس تقتل بعضها في كل أطراف السودان من الشمال الغربي لجبال النوبة والشرق”. قاطعاً بعدم تكرار تجربتي مايو  وابريل؛ وأن نزع السلاح مرتبط بزوال النظام في ظل بقاء هذا النظام تصعب عملية نزع السلاح.

هذا وقد اجمع متحدثو (عاين) على أنه لا يمكن أن ينفصل نزع السلاح في السودان عن عملية سياسية متكاملة تعيد الثقة والتوازن بين الدولة ومكونات المجتمع خاصة ضحايا انتشار السلاح والمتأثرين بالحُروب على وجه التحديد.