تأشيرة النجاة.. مرضى السودان يكافحون لدخول مصر

عاين- 25 يناير 2025

أمام القنصلية المصرية في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، افترشت حليمة الأرض لزوجها المريض بالفشل الكلي، وهي تنتظر لأكثر من شهر منحها تأشيرة لدخول مصر لتلقي الرعاية الطبية، ومع طويل انتظارها ما زال أملها في صدور التأشيرة معلقاً على المجهول.

ومع تزايد مدة الانتظار تتدهور الحالة الصحية لزوج حليمة الذي هو بحاجة إلى جلسات مستمرة من الغسيل الدموي، بينما تصعب عليها الحياة في مدينة بورتسودان؛ بسبب غلاء السكن والمعيشية، فلم يكن أمامها خيار غير الإقامة في إحدى محطات المواصلات “الميناء البري” حسب ما روته لـ(عاين).

وتعكس حالة حليمة واقع قاس يواجهه آلاف المرضى السودانيين، وهم يصطفون أمام القنصلية المصرية في بورتسودان، بغرض الحصول على تأشيرة لدخول مصر لتلقي العلاج، بعدما شهد القطاع الصحي في السودان شبه انهيار كامل؛ بسبب الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع والمستمرة لأكثر من 21 شهراً.

ومنذ اندلاع الحرب في البلاد أوقفت دولة مصر منح السودانيين تأشيرة دخول أراضيها، واضطر ملايين الفارين من جحيم الحرب السفر إليها عن طريق التهريب في رحلات قاسية وطرق وعرة لا يستطيع المرضى تحملها.

وقبل أشهر قليلة، قررت مصر منح المرضى السودانيين تأشيرة دخول إلى أراضيها بغرض العلاج لبعض الأمراض من خلال قنصليتها في مدينة بورتسودان شرقي السودان، ووفق إجراءات طويلة ومعقدة ربما تتجاوز الشهر.

وبحسب شاهد من (عاين) فإن منح التأشيرة يتطلب على المريض الدفع بتقارير وفحوصات طبية حديثة وشهادة إدارة القمسيون الطبي تؤكد حاجته إلى العلاج خارج السودان، وينبغي توثيق جميع الأوراق في وزارة الخارجية السودانية، في إجراءات معقدة تستغرق وقتاً طويلاً وتكاليف مالية على المرضى ومرافقيهم، الذين يعانون في الأصل أوضاع مالية سيئة.

انتظار مفتوح

ولم يكن أمام المرضى السودانيين من خيار غير طلب العلاج في دولة مصر، بعد دمار ما يزيد عن 75 بالمئة من المستشفيات والمرافق العلاجية، بما في ذلك المتخصصة في أمراض السرطان والكلى والقلب وغيرها.

وتروي السيدة حليمة لـ(عاين) أنها وصلت إلى بورتسودان من ولاية شمال كردفان بحثاً تأشيرة لدخول مصر من أجل علاج زوجها المصاب بالفشل الكلوي، والذي كان مقرراً له عملية زراعة كلى في مستشفى أحمد قاسم في مدينة الخرطوم بحري، لكن اندلعت الحرب وأعاقت العملية؛ مما أدى إلى تدهور وضعه الصحي.

وتقول “بدأنا في جلسات الغسيل الدموي في مدينة الأبيض، ولكن نسبة لضغط المرضى على المركز الوحيد هناك، لم يحصل على العدد اللازم من جلسات الغسيل، فمُنِح جلسة واحدة في الأسبوع بدلاً عن 3 جلسات، فتأثرت صحته إلى حد كبير”.

وتبدأ معاناة المرضى السودانيين منذ مرحلة تسجيل أسمائهم لدى القنصلية المصرية وهو إجراء يستغرق وقتاً طويلا ربما أسبوعين أو ثلاثة وفق نماذج تحدث معها مراسل (عاين)، قبل أن يدخلوا في رحلة الانتظار الطويلة لمقابلة اللجنة الطبية في القنصلية، والتي تحدد منح المريض إذن الدخول إلى مصر أم لا، والذي يعرف بالموافقة الأمنية، وهي جولة من الانتظار المفتوح بلا سقف زمني.

هذا الانتظار المفتوح يلقي بظلاله السالبة على صحة المرضى التي تتدهور يوماً بعد الآخر، كما أنها تنهك المرضى ومرافقيهم الذين جاءوا من مختلف أنحاء السودان اقتصادياً، نسبة لغلاء المعيشة وإيجار العقارات السكنية في بورتسودان، الشيء الذي جعل حليمة وزوجها المريض يقيمان في العراء على جانب أحد محطات المواصلات في المدينة.

وتواصل حليمة روايتها “ظللت أتوجه بشكل يومي إلى مباني القنصلية المصرية، ونجلس أمامها في انتظار فتح باب التسجيل من الصباح إلى المغرب لمدة أسبوعين، وبعدها تمكنت من التسجيل، وانتظرت خمسة أيام إضافية لمقابلة اللجنة الطبية في القنصلية، والتي تسلمت مني الأوراق والتقارير الطبية المؤيدة، ووعدتني بالاتصال على صدور الموافقة الأمنية لدخول دولة مصر”.

 وما تزال تنتظر المجهول، وتفاجأت بعد ذلك بوجود مرضى سلموا أوراقهم إلى اللجنة الطبية في القنصلية المصرية منذ شهر سبتمبر الماضي، ولم يمنحوا الموافقة الأمنية حتى الآن، وهو شيء زاد قلقها على زوجها الذي تتراجع حالته الصحية مع تطاول مدة الانتظار.

وتضيف “ليس لنا معارف في مدينة بورتسودان يمكننا الإقامة معهم، فقررنا البقاء في منطقة السوق الشعبي والميناء البري بالمدينة، نستأجر أسرة للنوم فيها ليلا في العراء نسبة للتكلفة العالية لإيجار الشقق، فنحن نسعى إلى ادخار المبالغ المالية المحدود التي بحوزتنا لمقابلة تكاليف الإقامة والعلاج في دولة مصر حال سمح لنا بالدخول”.

إجراءات معقدة

ويواجه المرضى معاناة كبيرة في الوصول من الأقاليم السودانية الغربية إلى بورتسودان، وهي رحلات مليئة بمخاطرة أمنية عالية، وتكاليف مالية باهظة، ومع ذلك يصطدمون بعقبة الإجراءات الصعبة للحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر وهي كانت الوجهة الأولى للسودانيين لتلقي العلاج حتى قبل اندلاع الحرب وما صاحبها من تدمير للمرافق الصحية في البلاد.

 ويوثق مراسل (عاين) لمآسي يعيشها المرضى ومرافقوهم أمام القنصلية المصرية في بورتسودان، في ظل غياب الآلية تحدد نظام العمل ومواعيد المقابلات، فتبدأ رحلة العناء من مرحلة التسجيل وهي الأصعب، حيث يظل المرضى ومرافقوهم ينتظرون في الصفوف لأيام وأسابيع، دون أن يعرفوا مصيرهم.

يفترش المرضى، والذين من بينهم نساء وأشخاص كبار السن وذوي الإعاقة، الأرض ويجلسون وينامون عليها بغرض إراحة أجسادهم التي أنهكها المرض ورهق الانتظار، كما يجلس البعض على الحجارة حيث توجد مظلة صغيرة أمام القنصلية فيها مقعدان خشبيان فقط، في واقع أقل ما يوصف بالمأساوي.

اوقات انتظار طويلة للمرضى السودانيين طلبا لتأشيرة دخول مصر

 تحدد اللجنة الطبية ما إن كان المريض يمنح موافقة أمنية على الفور أو استسلام الأوراق والتقارير الطبية المؤيدة لحاجته إلى العلاج في الخارج، ووعده بالاتصال عليه هاتفياً حال تمت الموافقة لاحقاً على طلبه، لكن الأمر المقلق هو عدم وجود سقف زمني على صدور الموافقة الأمنية، ويظل المرضى في حالة انتظار يصارعون آلامهم.

ويشتكي المرضى كذلك من قيود تفرضها السلطات المصرية على منح الموافقة الأمنية للأشخاص المرافقين، والتي يشترط فيهم إلا تكون من فئة النساء الأمهات المرضعات حيث يتم رفض كافة الطلبات التي بها أم يرافقها طفل، وهو ما يضع الأمهات أمام خيار صعب إما ترك أطفالهن أو التخلف عن السفر والبحث عن مرافق آخر.

 ومع صعوبة الإجراءات في القنصلية المصرية برز سماسرة يعملون من خلال وكالات سفر يصدرون تأشيرة دخول إلى المرضى السودانيين إلى مصر خلال فترة زمنية لا تتجاوز خمسة أيام بمقابل مالي يصل 3 آلاف دولار أمريكي، في أكبر عملية استغلال لظروف المرضى المحتاجين للعلاج بالخارج، وفق ما نقله مراسل (عاين).