السودان تحت طائلة عقوبات أمريكية مجدداً

عاين- 4 يوليو 2025 

بين الحين والآخر يغادر رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مكتبه في مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة وكبار القادة العسكريين لمصافحة المواطنين في الأسواق  وكأن الجنرال الذي يخوض حربا ضد قوات الجنرال حميدتي حليفه السابق يبحث عن شعبية تجعله قويا لمواجهة العزلة الدولية ومن بينها العقوبات السارية من الخارجية الأميركية منذ نهاية يونيو 2025.

قد لا يكترث نظام البرهان المدعوم بتحالفات عسكرية من قوات عشائرية وحركات مسلحة في الوقت الراهن مع شلل حركة الصادرات والاستيراد بالعقوبات الصادرة  عن وزارة الخارجية الأميركية طالما أن الشركات “الرمادية” الوسيطة ستوفر للحكومة السودانية قطع الغيار أو إنهاء صفقات السلع الحيوية حتى لو كانت بأسعار باهظة في مسار اعتاد عليه نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لنحو ثلاثة عقود.

ظهور شركات الظل

وحسب مصدر اقتصادي  من وزارة المالية في تصريح مقتضب لـ(عاين) هناك خمسة رجال أعمال لديهم “تقارب نموذجي” مع أعضاء مجلس السيادة يقع على عاتقهم إجراء صفقات الوقود والسلع مع الشركات الصغيرة وأغلبها على علاقة متينة مع شركات مزودة لجميع أنواع السلع عبر الإمارات العربية المتحدة.

ويضيف المصدر الحكومي: “العقوبات تؤثر على الدول ذات الاقتصادات المستقرة التي لا تتعامل مع الشركات الرمادية لتزويدها بالسلع في حالة السودان يبدو أنه اعتاد على ذلك منذ نظام البشير بالتالي سيقع على المواطنين تحمل الفواتير العالية لهذه الشركات التي تلجأ إليها الحكومة السودانية للتحايل على العقوبات”.

الصين التي أنقذت السودان لسنوات، غير متحمسة للعمل مع نظام البرهان

مصدر حكومي

 ويقول المصدر الاقتصادي من وزارة المالية في بورتسودان: “لقد روض نظام البشير العقوبات الأميركية لأنه اعتمد على الصين لسنوات طويلة حاليا لا يبدو ذلك ممكنا لأن بكين لديها ديون على السودان وهي غير متحمسة للعمل في السودان في الوقت الراهن”.

وفي خطوة ربما تكون لإظهار الجدية حول مقاومة العقوبات دبلوماسيا، أعلن قائد الجيش السوداني في أيار/مايو 2025 تشكيل لجنة تحقيق من جهاز المخابرات وهيئة الاستخبارات العسكرية ووزارة الداخلية والدفاع لتقصي الحقائق حول استخدام الأسلحة المحرمة دوليا خلال الحرب في العام 2024 ضد قوات الدعم السريع.

ويقول المستشار المالي عمرو أحمد حسين لـ(عاين): إن “فقدان أي دولة للائتمان من دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية قد لا يكون الضرر مباشرة خاصة في وضع السودان المعزول كليا عن الأسواق الأميركية بالمقابل فإن الدول والشركات الدولية تشعر التوجس عندما تطلب خدمات أو قروض منها لأنك على لائحة عقوبات أميركية دون النظر إلى شكل العقوبات.

هل انهارت مكاسب الفترة الانتقالية؟

ويرى عمرو أحمد حسين أن الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك عندما تسلمت السلطة المدنية في أيلول/سبتمبر 2019 وضعت برنامجا طموحا لشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حسب تصنيف الولايات المتحدة ودفعت مبالغ طائلة وصلت إلى 335 مليون دولار لعائلات الضحايا.

السودان حاليا فقد مكانه وسط المؤسسات الدولية

مستشار مالي

ويوضح حسين، أن السودان سجل “تراجعا كبيرا”  في التواجد وسط المؤسسات الدولية واهتمامات الدول الكبرى منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021.

وأضاف: “لقد أنهت العقوبات الأميركية وآثار الحرب عملا دؤوبا بذلته حكومة عبد الله حمدوك مع البنك الدولي والولايات المتحدة الأميركية ذات طابع اقتصادي ومالي وإعادة تموضع السودان ضمن الدول التي تحظى بالثقة الإئتمانية”.

وأردف حسين: “عندما يستورد السودان ويصدر إلى الولايات المتحدة الأميركية السلع والمنتجات قد يتأثر مباشرة بالعقوبات الحالية لكن لا توجد تجارة تبادلية بين البلدين بالتالي الأمر هنا يعتمد على سمعتك المالية وسط المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية لأنهم لن يسمحوا لك بنقاشات الديون أو الاقتراض بناء على نفاد فرص الائتمان لدى أكبر دولة في العالم”.

ويشير المستشار المالي عمرو أحمد حسين إلى أن السودان تدحرج في التموضع الاقتصادي والمالي مع العالم الخارجي من زيارة شهيرة لرئيس البنك الدولي في عهد الحكومة الانتقالية مطلع العام 2021 إلى فقدان برنامج الهيبك لإعفاء الديون وختم ذلك بفقدان القدرة الائتمانية من الولايات المتحدة بما في ذلك العالم بسبب  شُبهة “السمعة السيئة”.

عزلة مالية تضاعف الأعباء

وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية العقوبات المفروضة على الحكومة السودانية قيد التنفيذ اعتبارا من نهاية يونيو 2025 وتنص على منع الوصول إلى فرص الائتمان في الولايات المتحدة وحظر تصدير السلع إلى السودان.

العقوبات الأخيرة أنهت فترة محدودة تمكن السودان فيها من التموضع دوليا

دبلوماسي سوداني

 عندما استفسرت (عاين) دبلوماسيا بوزارة الخارجية السودانية،  أقر بوجود تأثير على السودان بسبب العقوبات الأميركية بعد فترة محدودة من تكيف البلاد مع عملية الاستيراد والتصدير تمكنت من تشكيل جهات دولية لديها الثقة في الحكومة السودانية.

ويؤكد الدبلوماسي مشترطا حجب اسمه أن: “السودان يعتمد على وسطاء رماديين أو شركات الظل وهذا غير متاح خلال الحرب وأي وسيط دولي قد يخشى من هذه العقوبات بالتالي فإن تأثيرها لن يكون محدودا”.

ويقول الدبلوماسي إن خروج السودان من دائرة العقوبات الدولية خلال السنوات القليلة الماضية مكنه من تحقيق استقرار نسبي في حركة الزراعة وتصدير المحاصيل والمعادن.

وتابع الدبلوماسي السوداني: “لقد تفاقمت الأمور خلال الحرب وهذه العقوبات تعقد الأمور والوضع يمكن وصفه بالصعب”.

الأمر يتعلق بسمعة السودان

وترفض القوات المسلحة العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية بشأن استخدام أسلحة كيماوية محرمة دوليا في الحرب خلال العام 2024 وتقول إنها تعمل وفق القواعد المتبعة والقانون الإنساني الدولي في الحرب ضد قوات الدعم السريع.

لن يكون بإمكان السودان إدارة ديونه الخارجية بسبب العقوبات الأميركية

اقتصادي

ويعتقد الخبير الاقتصادي رضوان كندة في مقابلة مع (عاين) أن العقوبات الأميركية التي أقرتها وزارة الخارجية تؤثر على القطاع المالي والاستثماري وتعيق قدرة الحكومة السودانية على إدارة الديون الخارجية وتمويل المشاريع التنموية.

ويرى كندة، أن السودان حرم لعقود طويلة من التكنولوجيا الأميركية وهذه العقوبات تعني عزل البلاد عنها إلى جانب المعدات الصناعية والاستكشافات النفطية المتطورة.

وأردف: “تنعكس العقوبات الأميركية على سعر الصرف للعملة السودانية وعلى قطاع الوقود والكهرباء وتؤثر على التعليم الجامعي والعام لأنها ترفع من مدخلات التعليم”.

ويرى الخبير الاقتصادي، رضوان كندة أن الحرب لم تقتصر على تدمير البنية التحتية بل حرمت ملايين السودانيين من التكونلوحيا الأميركية بسبب هذه العقوبات وهذا يعني أن هناك أجيالا اخرى تستعد لدفع الثمن مثلما دفعت أجيال التكلفة الباهظة إبان عهد الرئيس المعزل عمر البشير.

العقوبات الأميركية تؤثر إذا كانت هناك صادرات منتعشة من السودان

 كاميرون هدسون

يوضح الباحث الأميركي في المجلس الأطلنطي والباحث في الشؤون السودانية كاميرون هيدسون تأثير العقوبات، ويشير في مقابلة مع (عاين) إلى أن تأثيرها على  تمويل الصادرات السودانية، ولا يوجد حاليًا أي تمويل للصادرات السودانية. وأردف هيدسون قائلا: “لا توجد صادرات سودانية خلال الحرب بشكل كبير لذلك العقوبات لن تؤثر على السودان على المدى القصير أو المتوسط”.

التأثير على تصنيف السودان

ويرى هيدسون، أن الولايات المتحدة فرضت العقوبات على أمور لا تحدث حاليًا  لذا، فالأمر يتعلق بالتصنيف، والتأثير على السمعة، وبصراحة، السودان ليس وجهة استثمارية في الوقت الحالي نظرًا للحرب.  ويقول الباحث في مجلس الأطلنطي كاميرون هدسون إن العقوبات ذات تأثير على سمعة السودان من حيث الائتمان المالي عالميا.

لن يشعر السودانيون بالعقوبات

وحول تأثير العقوبات الأميركية على منع استخدام الأسلحة بالتالي وقف الحرب في السودان أم ستمتد آثارها على الوضع الاقتصادي يجيب كاميرون هدسون بالقول: “أعتقد أنه بما أن السودانيين لن يشعروا بهذه العقوبات ولأن الجيش لن يرى تأثير هذه العقوبات بأي طريقة ذات معنى أو قابلة للقياس، فأنا أجد صعوبة في رؤية كيف سيتمكنون من تحقيق الغرض المتمثل في التأثير على عملية صنع القرار”.

ويفند هدسون حول استخدام القوات السودانية الأسلحة الكيمائية قائلا إنها تعود إلى العام 2024 حسب المعلومات الاستخباراتية بشكل محدود وإذا كان الهدف من العقوبات الأميركية إيقافها فقد توقفت على الأرض بالفعل قبل فرضها.

ويرى هدسون، أن المعلومات غير متوفرة، متى جرى استخدام الأسلحة المحرمة دوليا في السودان؟ ونحن ندرك هذه الادعاءات والمعلومات الاستخباراتية، ولكن لم يتم الكشف عن أي منها، مضيفا أنه لا يمكن قياس مدى خطورة استخدام الأسلحة ومدى احتمالية استخدامها مرة أخرى.

وعما إذا كان تعيين الجيش السوداني رئيس مدني للحكومة بالتزامن مع صدور العقوبات الأميركية يقول الباحث كاميرون هدسون: إن “الجيش السوداني لم يفعل ذلك لإرضاء الولايات المتحدة والأخيرة لا تعترف برئيس الوزراء السوداني”.

ويضيف هيدسون: “لقد عين العسكريون رئيس الوزراء في إطار ضيق حتى يجد الناس من يلقون عليه اللوم عندما تبدأ المواقف والآراء العامة في التحول ضد الجيش السوداني ويسألون عن الكهرباء والمياه والحياة العامة”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *