لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص: مشارح السودان ساحة لإخفاء الجرائم

12 أكتوبر 2022

يدور جدل كثيف حول عملية دفن ما يقارب أربعة الآف جثة مجهولة الهوية موزعة في مشارح العاصمة السودانية. ومركز هذا الجدل الشبهة التي تحوم حول وجود جثامين المختفين قسريا او قتلى ابان عملية فض اعتصام القيادة العامة، لكن هناك ما يتم تجاهله من جميع الاطراف فيما يتعلق بالموضوع الجنائي أو الشبهات الجنائية حول وجود الجثامين مجهولة الهوية بهذه المشارح ما يحولها إلى أداة إخفاء للجريمة.

في خضم الجدل المثار حول تكدس الجثامين بمشارح العاصمة والنقاش حول دفنها، تغيب الكثير من الجوانب الفنية والإجراءات القانونية التي يجب أن تراعى. كيف يدخل جثمان مجهول الهوية إلى المشرحة وماهي الاجراءات التي يجب أن تتم وفقا للقانون؟

قانونياً تنص المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني على: ” – إذا وردت معلومات أو بلاغ بالعثور على جثة إنسان أو بانتحار شخص أو موته في حادث ما، فعلى الضابط المسؤول ولو لم تقم لديه شبهة بارتكاب جريمة أن يحرر تقريراً بالمعلومات أو البلاغ ثم يقدمه إلى وكالة النيابة وأن ينتقل فوراً إلى مكان الجثة ويتحرى في سبب الموت وفق إجراءات التحري في الجرائم المتعلقة بالموت”

“- على الضابط المسؤول عند اكتمال التحري أن يقدم تقريره إلى وكيل النيابة”

“- على وكيل النيابة متى ما مكنته حيثيات التحري من ذلك، أن يتخذ قراراً بتوجيه تهمة، أو قراراً مسبباً بأن الوفاة لا تترتب عليها تهمة، وعليه في هذه الحالة أن يرفع قراره مشفوعاً بتقرير التحري إلى رئيس النيابة العامة بالولاية”.

 يشرح المحامي، معز حضرة باختصار الإجراء القانوني الذي يتم بشأن الجثث مجهولة، ويقول في مقابلة مع (عاين)، “تبدأ الإجراءات بفتح بلاغ في قسم الشرطة تحت المادة (51) من قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بالجريمة في ظروف غامضة، ومن ثم توضع الجثة في المشرحة لإجراءات الطب العدلي والتشريح وأخذ الحمض النووي وثم توضع لفترة معينة ويتم دفنها بعد أخذ كل البيانات وتقرير الطب الشرعي التي تساعد في التعرف على الجثمان حال ظهور أسرة المتوفى”.

تؤكد على هذا الإجراء لجنة التحقيق حول اختفاء الاشخاص (المفقودين)، ويزيد عضوها نصر الدين يوسف: ” لابد من تسليم جثمان مجهول الهوية بقاعدة بيانات وتسليم الشخص والاورنيك الجنائي من قبل الشرطة، ومن ثم تصوير الملابس ويتبع في تشريح الجثث مجهولة الهوية الإجراءات  القانونية”.

هل تُتبع هذه الإجراءات؟

“يتم إدخال الجثث مجهولة الهوية الى المشرحة بواسطة الشرطة، حتى الأطفال حديثي الولادة وبعد الإجراءات المعروفة يتم وضع ديباجة على الجثمان رغم أن بعضها اختفت ديباجته نتيجة التحلل ولكن بيانات الجثث موجودة في دفتر المشرحة”. يقول شاهد على عمليات تشريح جثامين مجهولة الهوية بمشرحة التمييز في الخرطوم.

ويضيف لـ(عاين)، ” لم تكن هناك جهة غير الشرطة تقوم بتسليم الجثامين للمشرحة، ولكن التلاعب كان يحدث في التقارير التي توضح أسباب الوفاة”.

إلى جانب التشكيك الذي يتحدث عنه الشاهد على عمليات التشريح في مستشفى التمييز، ينحو عضو لجنة التحقيق حول اختفاء الاشخاص (المفقودين)، نصرالدين يوسف إلى تأكيد: ” بدون شك منذ عهد النظام البائد كانت المشارح في السودان ساحة لإخفاء الجرائم التي يرتكبها نظام الإسلاميين سيما أنها تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، ولم تكن تحت ولاية الهيئة الاستشارية للطب العدلي التي أصبحت غير مؤهلة وغير موثوق بها”.

 ويقول يوسف لـ(عاين)، “بعد 3 يونيو 2019م حدث قتل جماعي واخفاء للجثامين نتج عن ذلك أن ذوي المفقودين قاموا بالضغط على النائب العام الأسبق واضطر لتكوين لجنة المفقودين وتركز مهمة اللجنة على البحث عن المفقودين وقاربت اللجنة للوصول الى نتائج واضحة، وتمت اعادة تشكيل اللجنة وادخال اجسام اخرى من جهات مختلفة منها مبادرة مفقود والمباحث الجنائية وتوسعت لتضم ذوي المصلحة الحقيقية”.

وأضاف يوسف، أنهم في لجنة التحقيق تاكدوا ان المشارح والطب العدلي ارتكبوا جرائم ومارسوا التضليل كما حدث في قضيتي الشهيد قصي حمدتو والشهيد محمد اسماعيل ودعكر على سبيل المثال، وبعد التحقيقات تم توجيه تهم في مواجهة 3 من الطب العدلي، ولكن اللجنة بعد انقلاب25 اكتوبر تعمل في ظروف صعبة اذ اصبحت النيابة العامة والسلطة القضائية منحازة للإنقلاب وغير راغبة في تحقيق العدالة ورغم ذلك نحن لجنة لديها شرعية.

إقرار

يقر الطب العدلي في السودان بوجود  تجاوزات من قبل اطباء في الطب الشرعي كشفت عنها لجنة التحقيق فى اختفاء الاشخاص، ويؤكد استشاري طب الاسنان الشرعي، د.خالد محمد خالد لـ(عاين)، ان اي طبيب مدان تتخذ ضده الإجراءات القانونية اللازمة حتى نتخلص من المعوقات وتبدأ الحلول العاجلة لقضية الجثث مجهولة الهوية.

ويضيف خالد، “تعاملنا في دفن الجثث مجهولة الهوية من مشرحة ود مدني وسط السودان ببروتوكول الصليب الاحمر، وهو كاف من الناحية الفنية، لكن هنالك جانب التحقيقات الجنائية سيما ان الاسر تتحدث عن عدم ثقتها في الطب العدلي السوداني وتزوير التقارير الذي يحدث في المنتصف يؤثر على هذه النتائج ، وإذا كنا نتحدث عن طب عدلي نزيه يجب ان نحدد الأطباء الذين يعملون بشفافية وندعمهم بفرق دولية”.