تهمة التعاون مع الدعم السريع تهدد حياة طفلة سودانية

عاين- 27 نوفمبر 2025

تحت نيران المعارك العسكرية في مناطق غرب الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، وضعت الطفلة سمية أحمد- اسم مستعار-  بعض المعدات البسيطة على مقهى متواضع لبيع الشاي والقهوة بغرض الحصول على احتياجاتها الغذائية هي وأسرتها، لكن تلك المغامرة رغم المخاطر التي كانت تحفها، قادتها إلى الاعتقال بواسطة الجيش بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وقيدت دعوى قضائية في مواجهتها بتهم تصل عقوبتها الإعدام.

وأثارت واقعة سمية التي لم يتجاوز عمرها 15 عاماً، قلق مجموعات حقوقية وناشطون، بوصفها واحدة من جملة انتهاكات ارتكبت بحق النساء خاصة الطفلات منهن من طرفي الحرب الحالية، وسط دعوات واسعة للتحرك لمناصرتها، وإنقاذ حياتها التي باتت مهددة إلى حد كبير، في ظل شكوك حول إمكانية حصولها على محاكمة عادلة في ظل تأثير المسلحين على أجهزة العدالة في السودان.

وبحسب معلومات حصلت عليه (عاين) فإن الطفلة الضحية كانت تعمل بائعة شاي في قرية كايا الواقعة غرب مدينة الأبيض خلال سيطرة قوات الدعم السريع، وعندما سيطر الجيش والمجموعات العسكرية المتحالفة معه على المنطقة، اعتقلها ونقلها إلى محتجز في مدينة الأبيض، قبل أن يدون بلاغات في مواجهتها.

وقال ناشطة نسوية من الأبيض بعدما طلبت حجب اسمها بسبب المخاطر الأمنية، لـ(عاين): إن “هذه الطفلة اُعْتُقِلَت بواسطة الخلية الأمنية وهي مجموعة تضم تشكيلات عسكرية مختلفة تتبع للجيش، ومعظمهم من العناصر الموالية للحركة الإسلامية”.

انتهاكات عديدة

وشددت أن الظروف الاقتصادية القاسية دفعت هذه الطفلة إلى اللجوء إلى السوق والعمل كبائعة شاي، وكانت مستمرة في نشاطها رغم استمرار المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع ومحاولة كل طرف السيطرة على المنطقة، فلم تكن ظروفها الصعبة تسمح لها بالتوقف عن العمل، فاعتقلتها الخلية الأمنية بتهمة التعاون مع الدعم السريع، فقط لأن عناصر هذه القوات كانوا يتناولون الشاي والقهوة بحكم وقوع المقهى في نطاق سيطرتهم.

واعتبرت الناشطة النسوية، أن ما يتم مع هذه الطفلة، بأنه جزء من انتهاكات عديدة ارتكبت ضد النساء والفتيات اللاتي لم يتمكن من النزوح من المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع بسبب ظروفهن القاسية، فتنتقم منهن المجموعات المقاتلة مع الجيش.

دون بلاغ تحت 4 مواد من القانون الجنائي السوداني ضد الطفلة، جميعها تصل عقوبتها الإعدام والسجن المؤبد، والعملية سادتها أخطاء إجرائية يستوجب التصحيح

 محامي الدفاع

من جانبه، كشف محامي الدفاع عن الطفلة عثمان صالح في مقابلة مع (عاين)، عن تقيد بلاغ تحت مواد قانونية خطيرة، وهي لمادة 50 من القانون الجنائي السودان المتصلة بتهمة تقويض النظام الدستوري، وعقوبتها تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، بجانب المادة 51 إثارة الحرب ضد الدولة، وعقوبتها أيضاً تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، والمادة 65 إنشاء وإدارة أو المساعدة على جماعات إرهابية، بالإضافة إلى المادة 186 الجرائم ضد الإنسانية، التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

خطأ إجرائي

يقول صالح: “نرى أن هناك خطأ قانونياً وإجرائياً جوهرياً في هذه القضية. فمن المفترض أن الطفل، وهو من لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، يُحاكم .. بموجب مواد قانون الطفل لسنة 2010، وليس بموجب القانون الجنائي الذي لا ينطبق على هذه الفئة العمرية”.

ويضيف: “الشخص الذي يطَّلع على تهم مثل تقويض النظام الدستوري أو إثارة الحرب قد يتصور أن الطفلة قامت بعمل خطير وكبير، في حين أن الطفلة كانت تعمل ببساطة في مقهى، حيث كانت تقدم خدمات الشاي والقهوة والحليب للزبائن”. وأكد أن اتهامها بني على مجرد تردد عساكر الدعم السريع على المكان، وأن هذا التصرف يمثل خطأ إجرائياً يستوجب التصحيح.

يشير عثمان صالح، إلى أن تجاهل قانون الطفل لم يكن الخطأ الوحيد، كان يفترض أن يُفتح البلاغ في وحدة حماية الأسرة والطفل، كونها الجهة المدربة على التعامل مع الأطفال، أما استجوابها أمام الوحدة أو الخلية الأمنية، فهو خطأ إجرائي لا يُغتفر، لأن الخلية الأمنية لا تمتلك أي اختصاص بالتحريات أو فتح البلاغات أو التعامل مع الأطفال، حسب رأيه.

ويشدد محامي الدفاع على أنه “لا يوجد ما يُسمى بالخلية الأمنية كجهة مختصة بهذه الإجراءات”، مؤكداً أن سلطة القبض والتحري مخصصة لجسم الشرطة وتحت إشراف النيابة، بموجب قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991، وأن قيام أي جهات غير منصوص عليها في القانون بهذه الإجراءات يجعلها مُخالفة للقانون والأوضاع الطبيعية، ويزداد الأمر سوءاً عندما يتعلق بطفل.

فيما يخص وضع الطفلة الحالي، أكد صالح أن الطفلة محتجزة داخل سجن الوظيف مع النساء كبيرات السن في سجن النساء، وهو وضع يعرّضها لانتهاك صارخ لحقوقها.

انتهاك الطفولة

بدورها، تقدم حواء دهب، مدير البرامج في منظمة نورا لدعم النساء والفتيات، تحليلاً لآثار هذا الاحتجاز، مؤكدة أن عمل الأطفال هو من أخطر أشكال الاستغلال في ظروف الحرب، وأن الفتيات العاملات يتعرضن لانتهاك مضاعف؛ “هناك انتهاك بسبب صغر العمر، وهناك انتهاك؛ بسبب النوع لكونهن فتيات”.

وتشرح حواء دهب أن احتجاز طفلة داخل السجن مع بالغات يسبب لها “ضرراً نفسياً ومجتمعياً” بالغاً، ويعرضها للعنف والاستغلال، كون بيئة السجن لا تتناسب مع نموها العاطفي. وأكدت أن الطفلة في هذه البيئة “تُجبر على أنها تتكيف مع عالم الناس الكبار” وتفقد الإحساس بالطفولة، مما قد يسبب لها اضطراب ما بعد الصدمة لاحقاً.

كما أن السجن -بحسب دهب- بيئة غير طبيعية للتعلم الاجتماعي، مما يؤدي إلى ضعف مهارات التواصل الاجتماعي وتعلم أنماط سلوكية قاسية، بالإضافة إلى الوصم الاجتماعي الذي يلاحقها بعد خروجها؛ حيث ينظر إليها المجتمع كـ “سجينة، برغم أنها هي طفلة بريئة”، مما يعرضها للعزلة والتنمر.

وتشدد على دور الظروف الاقتصادية والفقر الشديد في دفع الأسر كلها للعمل الهامشي، حيث أظهرت دراسة أن 60% من العاملات في المقاهي هن فتيات صغيرات تقل أعمارهن عن 18 عاماً. وتضيف أن الأعراف الاجتماعية في المقابل، تتقبل عمل الفتيات في الخدمة، لكنها لا تسمح للأولاد به، مما يزيد العبء على الفتيات، خاصة مع تعرض الأولاد للخطر في أحيان كثيرة واستهدافهم.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *