تهديد حركات سلام جوبا بالحرب.. ضد من سيحملون السلاح هذه المرة؟
28 يونيو 2022
يستغرب “مجتبى أحمد” وهو أحد المنخرطين في ثورة السودان المناهضة للانقلاب العسكري، من بعض التصريحات المنسوبة لبعض قادة الحركات المسلحة المشاركة في الحكومة الانقلابية التي تهدد بنشوب الحرب حالة المساس بإتفاق جوبا لسلام السودان في أعقاب بدء حوار سياسي بين قادة الجيش وقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي.
كما يبدي مجتبى إندهاشه من موقف بعض أطراف اتفاق جوبا لسلام السودان الذين أيدوا انقلاب جنرالات الجيش على الحكومة الانتقالية التي يضيق الخناق عليها نتيجة للعزلة المحلية والإقليمية والدولية،
في الثالث من أكتوبر 2020 وقعت الحكومة الانتقالية التي تم الانقضاض عليها، مع بعض الحركات المسلحة إتفاق جوبا لسلام السودان من أجل إيقاف الحرب التي دامت لعقود في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
“إن قوام ثورة ديسمبر هو السلام، لقد بَحت حناجر الثوار وهي تهتف من أجل إسقاط نظام الثلاثين من يوليو وإقامة دولة العدالة المنشودة” يقول مجتبى أحمد ويضيف لـ(عاين)،: “عندما أُسقط نظام المخلوع البشير وضعوا نصب أعينهم أن الوصول للديمقراطية المستدامة لن يتحقق إلا بوقف الحرب”.
وأضاف خذلت بعض الحركات الشعب، عندما دعمت انقلاب الخامس والعشرين الذي نفذه القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان. الذين أيدوا الانقلاب يبررون: الرغبة في تنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان”.
نهاية مارس من العام الجاري قال مالك عقار وهو أحد أعضاء مجلس السيادة الإنقلابي ورئيس الحركة الشعبية شمال أن مواقفهم السياسية مرتبطة بتنفيذ اتفاق جوبا وسيعملون مع من يعمل على تنفيذه وسيقفون ضد من يعمل على تعطيله”.
فيما لم تتوقف حوادث القتل والنهب في المناطق التي ظلت تعاني من إنعدام الأمن وغياب الدولة، قبل وبعد التوقيع على إتفاق جوبا لسلام السودان.
تتكون الأطراف الموقعة على إتفاق جوبا لسلام السودان من الجبهة الثورية التي تضم كلاً من حركة/ جيش تحرير السودان “مناوي” وحركة العدل والمساواة وتجمع قوى تحرير السودان وحركة جيش تحرير السودان “المجلس الانتقالي” التي يتزعمه الهادي إدريس” بالإضافة إلى التحالف السوداني والحركة الشعبية التي يرأسها مالك عقار.
وعلى الرغم من تنفيذ إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بواسطة العسكريين لا يزال يحتفظ كل من مالك عقار والهادي إدريس بمقعديهما بمجلس السيادة الانقلابي، فيما ظل يشغل مني أركو مناوي منصب الحاكم لإقليم دارفور غربي البلاد.
وتهدف لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات في السودان إلى إسقاط الانقلاب، متمسكة بلاءاتها الثلاثة “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”، وتواصل الاستعداد لمليونية الثلاثين من يونيو القادم.
وقدمت قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” رؤيتها التي تهدف لإنهاء الإنقلاب العسكري وإعادة الحكم المدني للبلاد.
وتتضمن الرؤية تشكيل مجلس سيادة مدني محدود العدد يمثل رمز السيادة ويعبر عن التنوع والعدد على أن يكون بلا مهام تنفيذية أو تشريعية وتشكيل مجلس وزراء من كفاءات وطنية بعد أن تُحل مؤسسات الحكومة الانتقالية التي أنشئت عقب إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر وإعادة تشكيلها وفقاً لإتفاق نهائي توقعه القوى السياسية المختلفة.
وضع حرج
إزاء ذلك يبدو أن الحركات المسلحة التي أيدت الانقلاب العسكري باتت في وضع سياسي لا تُحسد عليه، فمن جهة فإن الإنقلاب يُجابه بمقاومة شعبية شرسة من قبل لجان المقاومة والقوى السياسية المناهضة للانقلاب ومن جهة أخرى فهناك عُزلة إقليمية ودولية، توقفت على أثرها المنح والهبات والمساعدات المالية التي وُعدت بها الحكومة الانتقالية في وقت سابق.
ويرى الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، أمين إسماعيل مجذوب، إن التهديدات من بعض أطراف إتفاق جوبا لسلام السودان بعودة الحرب الهدف منها قطع الطريق على أي إتفاق سياسي جديد بين المدنيين والعسكريين، بإعتبار أن هناك حديث يتعلق بتعديلات ربما تطال إتفاق جوبا لسلام السودان، حالة الوصول إلى إتفاق سياسي بين أطراف الأزمة السياسية، تنشأ بموجبه حكومة تكنوقراط، الأمر الذي سيقود إلى خروج قادة حركات الكفاح المسلح من الحكومة.
ولفت مجذوب في حديث لـ (عاين)، إلى أن بعض أطراف سلام جوبا لاتريد أن تفقد المكاسب التي تحصلوا عليها بموجب الاتفاق رغم المآخذ الكثيرة عليه من قبل بعض السياسيين السودانيين وجموع الشعب السوداني.
وعلى الرغم من الإنتقادات التي يتم توجيهها من قبل فاعلين سياسيين على إتفاق جوبا لسلام السودان بمساراته التي زادت الأوضاع في السودان تعقيداً، إلا أن الجميع يتفق مع وجود ضرورة لإيقاف الحرب التي راح ضحيتها نحو 300 ألف نسمة وتشريد نحو مليوني ونصف المليون وفقاً لتقديرات منظمات أممية.
ويتألف إتفاق جوبا لسلام السودان من خمسة مسارات، مسار دارفور ومسار المنطقتين “النيل الأزرق وجنوب كردفان” ومسار الشرق ومسار الوسط ومسار الشمال.
وشمل الاتفاق ثمانية بروتوكولات تتضمن إعادة تنظيم وتشكيل القوات الأمنية والجيش” الترتيبات الأمنية” فبموجب الإتفاق سيتم دمج أفراد الحركات المسلحة ضمن القوات الحكومية وتطبيق العدالة الانتقالية في كل السودان، التعويضات وجبر الضرر، تنمية قطاع البدو والرحل والرعاة، إعادة توزيع الثروات والحقوق الاقتصادية، حل قضية النازحين واللاجئين، إعادة توزيع الأراضي بما في ذلك حل مشكلة “الحواكير”.
ويأتي بروتوكول تقاسم السلطة على رأس هذه البروتوكولات حيث جرى الاتفاق على أن يكون للأطراف المتمردة وقتها تمثيلاً سياسياً ضمن مجلس السيادة الانتقالي.
فرص تنفيذ الاتفاق:
“إن تنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان يحتاج لأموال باهظة”: يقول الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، أمين إسماعيل مجذوب” مشيراً إلى أن هناك إلتزام من قبل الحكومة السودانية بدفع مبلغ 750 مليون دولار سنوياَ لمدة عشر سنوات لأهداف التنمية. وينوه إلى أنه مبلغ كبير بالنسبة للحكومة السودانية في ظل الوضع الاقتصادي الحالي الذي ينذر بالانهيار.
بسبب إنقلاب العسكريين خسرت البلاد 94% من الدعم والمساعدات المالية التي كانت مرصودة للإصلاح الاقتصادي. وبحسب تغريدة لنائب المحافظ السابق، فاروق كمبريسي، على موقع التواصل الإجتماعي (تويتر)، فإن صافي الإلتزام الذي تعهدت به الجهات الدولية يصل إلى 4.643 مليار دولار. موضحاً أنه تم تنفيذ 268 مليون دولار منها فقط، فيما تم تجميد 4.375 مليار دولار، بسبب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي.
بروتوكول تنفيذ الترتيبات الأمنية يحتاج لأربعة مليار دولار من أجل التجهيزات اللوجستية من معسكرات ومرتبات وغيرها. أمين مجذوب
وأوضح مجذوب، أن بروتوكول تنفيذ الترتيبات الأمنية يحتاج لأربعة مليار دولار من أجل التجهيزات اللوجستية من معسكرات ومرتبات وغيرها. لافتاً إلى عدم توفر هذه المبالغ.
وتابع: كما أن تنفيذ البنود الأخرى لإتفاق جوبا لسلام السودان، يحتاج إلى تفعيل بروتوكول النازحين وتعويضات العدالة الانتقالية وعودة النازحين واللاجئين إلى قراهم، مشيراً إلى أنه وفي غياب الموارد المالية سيظل الوفاء بتنفيذ إتفاق جوبا مجرد أماني، لافتاَ إلى أنه كان من المنتظر أن يكون هناك دعم من قبل الدول الشقيقة والصديقة إلا أن ذلك لم يتحقق.
وزاد بقوله: “مر العام ونصف العام منذ التوقيع على الإتفاق الذي لم ينفذ أي من بروتوكولاته عدا بروتوكول اقتسام السلطة والوزرارت والمناصب في مجلس السيادة.
وأوضح مجذوب، أن تهديد بعض أطراف سلام جوبا بالعودة للحرب ليس له علاقة بتنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان الذي يحتاج تنفيذه لتوفر المال، مشيراً إلى أن الأصوات التي تهدد بالحرب تحاول المحافظة على مناصبها ومقاعدها التي تحصلت عليها بموجب الاتفاق. ولفت مجذوب إلى أن تنفيذ الاتفاق لن يأتي بالتهديد، مشيراً إلى أن أطراف سلام جوبا تعدُ جزءً من الحكومة سواء في وزارة المالية أو مجلس السيادة.
وبالنسبة للترتيبات الأمنية، أكد مجذوب على أنه تم تشكيل اللجان العليا واللجان العسكرية مشيراً إلى أنه يجري الآن تجميع قوة حماية المدنيين التي ستتكون من 12 ألف فرد مقسمة مناصفة بين الحكومة والقوات النظامية والحركات الموقعة على إتفاقية السلام مشيراَ لوجود تعقيدات لوجستية ومالية. كما أوضح أن عملية التجنيد التي تمت بواسطة بعض الحركات المسلحة في أعقاب التوقيع على إتفاق جوبا لسلام السودان، تحتاج إلى مراجعة وضبط.
جزء من الانقلاب
يقلل المتحدث باسم لجان المقاومة بالخارج حسام علي من تهديدات قادة بعض الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا بالعودة للحرب ويصفها بـ “فرفرة مذبوح” . ويقول لـ(عاين)، “عسكريا لا تستطيع جيوش الحركات البقاء في مدينة تستعدي سكناها لانها ستواجه مشاكل في الإمداد اللوجستي وتفاصيل أخرى”.
ويضيف علي، “نحن واثقون بأن نهاية الصراع هذه هو تكوين جيش وطني موحد منحاز بالكامل لشعبه”.
“الذين يهددون بعودة الحرب هم جزءً من الإنقلاب، وضد من سيحملون السلاح؟ ضد السلطة الانقلابية التي هم طرفاً فيها أم ضد الشعب السوداني؟. محمد الناير
من جهته يصف الناطق الرسمي بإسم حركة جيش تحرير السودان محمد عبد الرحمن الناير التهديد من بعض الأطراف بعودة الحرب بـ”الغريبة”، ويقول أن “الذين يهددون بعودة الحرب هم جزءً من حكومة الإنقلاب القائمة”. ويتساءل: ضد من سيحملون السلاح؟ ضد السلطة الانقلابية التي هم طرفاً فيها أم ضد الشعب السوداني؟.
ويعتبر الناير أن السودان يمر بمرحلة تاريخية مفصلية بالغة الخطورة ومفتوحة على كل الإحتمالات، من بينها التفكك والتشرذم والحرب الأهلية الشاملة في ظل الذين يؤججون نيرانها ويدعون لها عبر وسائط التواصل الإجتماعي وغيرها.
ويرى الناير في حديث مع (عاين) أن البلاد لا تحتمل العودة لمربع الحرب مرة أخرى، مشيراً إلى أن إندلاع الحرب سيكون وبالاً على الجميع. ودعا الناير إلى الصبر على سلاح المقاومة السلمية الذي أثبت نجاعته وللمحافظة على وحدة وسلامة ما تبقي من السودان.
ولفت إلى أن الحرب إذا نشبت فليس بمقدور أحد تحديد نهايتها، مشيراً إلى أن الوضع في السودان يشهد سيولة أمنية في ظل غياب كامل لمؤسسات الدولة، الأمر الذي لا يحتمل المغامرة بالحرب أو التلويح بها.
وأضاف: “يجب أن نكون قوى سياسية مسؤولة، تعمل على بث الطمأنينة في نفوس الشعب” كما دعا القوى السياسية لإعطاء الشعب الأمل بإمكانية الخلاص وإسقاط الانقلاب عبر التغيير الجذري الشامل وإسكات صوت الرصاص للابد.
حبر على ورق
من جانبه يرى الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال، إن إتفاق جوبا لسلام السودان، ولد ميتاً، مشيراً إلى بطلانه لجهة عدم استصحابه أصحاب المصلحة الحقيقيين ممثلين في النازحين واللاجئين وضحايا الحرب. وأشار إلى أن إتفاق جوبا لسلام السودان قام على تحقيق مصالح بعض الأفراد وليس لتلبية تطلعات وطموحات ملايين الضحايا المدنيين الموجودين في معسكرات النزوح واللجوء.
وأوضح رجال، أن الاتفاق لم يعمل على إيقاف نزيف الدم كما لم يوقف الإغتصاب والتشريد والنهب بإقليم دارفور. وأشار إلى أن تقسيم إتفاق جوبا لسلام السودان لمسارات، خلق مشكلات جديدة في السودان، كما يحدث في شرق البلاد.
وأوضح أنه عقب التوقيع على إتفاق جوبا لسلام السودان إستمر الوضع الانساني الحرج بصورة أسوأ مما سبق في دارفور وعدة مناطق أخرى، مشيراً إلى أن الاتفاق يعد حبراً على ورق.
ولفت إلى أن عدد القتلى بعد إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر في إقليم دارفور يتراوح بين 350 إلى 400 قتيل، وبلغ عدد الجرحى أكثر من 250، فيما تتراوح أعداد النازحين بين 100 إلى 150 ألف نازح مع إستمرار حرق القرى وتصاعد إنتهاكات حقوق الإنسان بالإقليم.
وأكد رجال على أنهم يأملون في إسقاط الانقلاب للوصول إلى حكومة مدنية من مستقلين مشهود لهم بمحاربة النظام البائد و يتمتعون بالثقة من جانب الشعب السوداني والضحايا والنازحين واللاجئين.