في ظل استمرار كتائب الظل  “عاين” تكشف اساليب افتعال الأزمات الاقتصادية 

في ظل استمرار كتائب الظل "عاين" تكشف اساليب افتعال الأزمات الاقتصادية

تقرير: عاين 24 سبتمبر 2019م

تداول المواطنون ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والسياسيون والنشطاء وكل المهتمين بالشأن العام في السودان الكثير من الهواجس بشان مقدرات الدولة العميقة وقوى الثورة المضادة على تعطيل مسار الثورة، كما تبادل الكثير منهم المعلومات عن الكثير من المؤشرات والمظاهر التي تدل على تورط الدولة العميقة وكتائب ظلها في افتعال الازمات السياسية والاقتصادية . شبكة “عاين” ومراسلوها دققوا البحث خلق بقايا النظام وقواه وكتائبه الخفية التي كانت تسيطر على الاقتصاد لاسيما قطاعات البترول والكهرباء والزراعة وغيرها، واستطاعوا الحصول على أدلة تؤكد تورط تلك الكتائب في افتعال الازمات الاقتصادية. 

 بصمات خفية 

معلوم ان إحدى أكبر تحديات الفترة الانتقالية هي التردي الاقتصادي وتركة الانهيار التي خلفها النظام السابق ، ومن بين هذه التركة وجود الشركات الحكومية وشبه الحكومية التي تمكنت من مفاصل المؤسسات الاقتصادية المؤثرة وذات الصلة بمعاش الناس اليومي هذا الى جانب سياسية الأزمات التي ظل يخلقها طوال سنين حكمه لتوجيه الرأي العام باتجاهات مختلفة وشد الانتباه عن مكامن فشل النظام. ومع رياح التغيير التي اجتاحت البلاد ظلت خلال الفترة الماضية تظهر من وقت لآخر بصمات هذه الكتائب والدولة العميقة في مقاومة التغيير حتى قبل ان يصبح واقعا بتشكيل الحكومة الانتقالية المنتظرة وما سيلي تشكيلها من عقبات ربما تقودها هذه المجموعات.  

الوقود والشركات الوهمية 

ظلت العاصمة والولايات تشهد أزمات كبيرة في الوقود سيما الجازولين، وفي أكثر من مرة يقول نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو ان هذه الازمة مفتعلة بالنظر الى المتوفر من الوقود في البلاد.ويقول مسؤول في قطاع البترول فضل حجب اسمه لـ(عاين)، انه بالفعل هناك اياد خفية تعبث في مسألة النفط بالبلاد. ويرجع ذلك الى المنظومة التي كانت تقود قطاع البترول مازالت متحكمة فيه عبر وزارة النفط والمؤسسات التي تتبع لها الى جانب الشركات الامنية وحتى اصحاب محطات الوقود الذين يتبع معظمهم الى النظام البائد.

ويشير المسؤول، الى ان مسئولية توزيع النفط موكلة الى مركز التحكم التابع للمؤسسة السودانية للنفط التابعة هي الأخرى لوزارة النفط، ويوزع مركز التحكم إلى ما لا يقل عن 30 شركة بعد انتهاء عملية التكرير بمصفاة الخرطوم، ويشير الى ان أكبر هذه الشركات هي شركة النيل للبترول التي تتبع إداريا لوزارة النفط الى جانب شركات ذات صلة بجهاز أمن النظام البائد كشركة قادرة وبشائر واويل ليبيا اضافة الى اصحاب محطات وقود  معروف ولائهم للنظام السابق.  

في ظل استمرار كتائب الظل "عاين" تكشف اساليب افتعال الأزمات الاقتصادية
يقول مسؤول في قطاع البترول فضل حجب اسمه لـ(عاين) ان مسئولية توزيع النفط موكلة الى مركز التحكم التابع للمؤسسة السودانية للنفط التابعة هي الأخرى لوزارة النفط، ويوزع مركز التحكم إلى ما لا يقل عن 30 شركة بعد انتهاء عملية التكرير بمصفاة الخرطوم، ويشير الى ان أكبر هذه الشركات هي شركة النيل للبترول التي تتبع إداريا لوزارة النفط الى جانب شركات ذات صلة بجهاز أمن النظام البائد كشركة قادرة وبشائر

ووضح من خلال متابعات عديدة -بحسب المسؤول بقطاع النفط- الى ان الفساد في هذه القطاع مستشري من خلال عناصر النظام السابق، فمثلا هناك شركات لديها تصاديق بكميات كبيرة للبترول وهي متوقفة عن العمل لكن تستلم حصتها بشكل مستمر، ويشير هنا الى ان شركة روسية تعمل في مجال التعدين عن الذهب في ولاية نهر النيل ما تزال تستلم حصتها من الوقود المدعوم رغم كونها متوقفة عن العمل منذ فترة. ويضيف المصدر ان الشركة لديها تصديق “تانكرين” اسبوعيا تستلمها من مركز التحكم. 

التهريب 

وعلمت (عاين)  من مصادر أخري متفرقة بينها مواطنون في ولاية نهرالنيل ان مناديب عن الشركة يقومون ببيع هذه الكميات في مناطق تعدين الذهب بولاية نهر النيل بواقع 4.5 الى 5 الف جنيه للبرميل الواحد في حين ان تكلفة البرميل حتى يصل الى ولاية نهر النيل لا يتعدى الالف جنيه.ويقول المصدر ان “الفساد موجود ولا ارى تغييرا او حتى انتباه من الذين يمارسونه داخل هذا القطاع الحيوي.. فالوجوه التي تديره هي نفسها وتعمل بذات نهجها القديم”.

ويشير المصدر الى ان توزيع الوقود في الولايات يواجه أيضا مشاكل أخرى ترتبط بالتهريب وعدم قدرة السلطات على الحد منه. وزاد، “لا يعقل ان تكون تكلفة البرميل من المصفاة حتى وصوله للولايات ألف جنيه ويباع في حدود الخمسة آلاف هذه ارباح خيالية للفاسدين الذين يعملون على هذا الامر”. وينوه الى هذا القطاع بحاجة الى مراجعة شاملة من مسؤولية الكبار الى كمال التفريغ في خزانات السيارات لان عامل المسدس نفسه يمكن ان يخلق ازمة وتذمر بين المواطنين ان لم يكن مدربا ومخلصا في عمله ولم تعيينه الدولة العميقة.

في ظل استمرار كتائب الظل "عاين" تكشف اساليب افتعال الأزمات الاقتصادية

 إفشال الموسم الزراعي

“كان من أولويات أهداف الحكم البائد بعد سقوطه، إفشال الموسم الزراعي”، هذا ما قاله رئيس اللجنة الزراعية بحزب الامة القومي، محمد آدم جلابي، ودلل جلابي على حديثه لـ(عاين) بتلكؤ الدولة العميقة في توفير المدخلات الزراعية لنجاح الموسم الزراعي ، الأمر الذي من شأنه ان يغطي نسبة كبيرة من حاجة البلاد من الذرة بجانب زراعة المحصولات النقدية الأخرى.ورصدت لجنة جلابي خلال هذه المؤسم الذي يعده فاشلا، شراء مجموعات محسوبة على النظام في ولاية الجزيرة وولايات اخرى من المدخلات الزراعية القليلة التي تم توفيرها من تقاوي واسمدة وغير وتم تخزين بعضها وبعضها لا أثر لها في المناطق الزراعية.

تيارات

ويقول المتخصص في الاقتصاد السياسي، وعضو تجمع المهنيين السودانيين، د. حسن بشير، ان مجمل المؤسسات الاقتصادية حولها النظام السابق لصالحه دون استثناء فيما ما تعارف عليه سياسيا بالتمكين ، موضحا ان سيطرة هذا التمكين تأتي حسب الاهمية واستراتيجية المؤسسة. ولذا من من اولى مهام الفترة الانتقالية وضع اليد على هذه المؤسسات الاستراتيجية ذات الأثر المباشر على حياة الناس لتفكيك المنظومة السابقة وتجنب ما يمكن ان تقوم به من عراقيل لصالح ولائها القديم لاسيما العمل على استلام مفاتيح المؤسسات الاقتصادية الأساسية.

ويحدد بشير في مقابلة مع (عاين)، تيارين، يعتقد ان النظام السابق سيعمل بهما خلال الفترة المقبل، ويرى ان هناك تيارا يقر بالفشل ويعمل على مراجعات داخل التنظيم والابتعاد عن وضع أي عراقيل او استخدام اي قدرات اكتسبها في الفترة الماضية لتعطيل مسير الحكومة الانتقالية المقبلة ويعمل هذا التيار عبر العودة مجددا في الانتخابات.أما التيار الثاني تربطه مصلحة مباشرة بوجوده داخل هذه المؤسسات ويقوم بتنفيذ مخططات عبر كتائب ظله حتى يظهر قوى المعارضة التي تدير الفترة الانتقالية في صورة ضعيفة وانها لا تقوى على ادارة البلاد على الاقل في الشق الاقتصادي. ويضيف ان هذا التيار سيعمل على خلق أزمات بالنظر الى وجوده داخل هذه المؤسسات ذات الأثر المباشر على حياة الناس.

ووفقا لـ بشير، فان كان هذا السيناريو الاخير تخطط له الدولة العميقة في مرحلة لاحقة فانه يتطلب مواجهته عبر آليات متعددة منها قدرة الحكومة المقبلة على توفير النقد الأجنبي لمد البلاد من سلعتين استراتيجيتين هما القمح والوقود ومن ثم العمل على ضبط خطوط سيرها حتى تصل للمستهلك دون ان تعبث بها يد كتائب الظل الامنية وبقايا الدولة العميقة. “وفي ذلك بعض من السياسات السابقة التي يجب معالجتها قبل حدوث الأزمات، فمثلا قضية الخبز معلوم ان الحكومة تدعم هذه السلطة وتوفرها للمخابز مدعومة، وبالتالي ربما يكتفي صاحب المخبز بفائدة قليلة ويبيع حصته من الدقيق الى أصحابها مثل مصانع و مخابز الحلويات دون ان يكلف نفسه عناء مصاريف اضافية في العمالة وغيرها”.

المواجهة 

ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي، ان أهم عامل من شأنه معالجة كل الأزمات هو العمل بتنسيق بين شقي الحكومة المدني والعسكري، ومعلوم ان هناك تحديات كبيرة يحتاج فيها الطرفان بعضهما، لكن وفي حال اي تنافر ربما يستعين المجلس العسكري بالدولة العميقة التي يسانده أنصارها منذ استلامه السلطة ويرون فيه حليفا، لكن ومع ذلك وان مشى هذا السيناريو السيئ فهناك رقابة هي الأقوى متمثلة في الشارع السوداني وجماهيره التي ثارت على نظام عمره ثلاثين عاما عاش فسادا و اقتلعته بكل جبروته.

ويضيف “خلال الثلاثين عاما الماضية، توفرت بيئة خصبة للفساد المالي مارستها السلطة في اعلى هرمها فنشأت مئات الشركات والمؤسسات ذات الطبيعة الحكومية والامنية ومثلت مؤسسات التمكين وتوغلت هذه الشركات حتى في شركات المياه والكهرباء والتعليم والصحة  والري والزراعة”، فكل هذه الشركات -بحسب بشير- تحتاج الى مراجعات عاجلة عبر منظومة جهاز قضائي يتم اصلاحه نفسه في البدء ومن ثم يبدأ مهمته العسيرة في حصر هذه الأموال واعادتها الى خزينة الدولة.

ويرى بشير، ان هناك صعوبة ربما في هذه العملية لجهة ان وزارة الداخلية المنوط بها القيام بهذه العملية ربما تتبع للعسكر لكن لابأس في شراكة يتفهم من خلالها الطرفان انهما يعملان لصالح الشعب السوداني ويتوجب تقديم كل من افسد في مال الشعب يجب ان يعيده بعد محاكمته محاكمة عادلة. والى جانب وزارتي الداخلية والعدل فإن جهاز الأمن السابق لديه ما يكفي من معلومات للشركات التي أنشأها وفي ماذا كانت تعمل وكيف يتم استرداد المعلومات اولا ومن ثم استرداد الأموال.