قوانين الإنتقال في السودان.. حماية أم استهداف للناشطين؟
في التاسع من يوليو من العام الجاري، أعلنت وزارة العدل السودانية عدد من التعديلات في القوانين قد تم إجراؤها وفقاً للمادة الـ8 من الوثيقة الدستورية والتي تمنح مجلسى السيادة والوزراء الحق في وضع التشريعات إلى حين قيام المجلس التشريعي وقد شملت تلك التعديلات إلى جانب قانون مكافحة جرائم المعلوماتية المعنية بحماية حقوق المستخدم والحفاظ على الخصوصية ومنع انتشار الشائعات،قانون إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2020م المعنية بتطوير وبناء أسس علمية على منظومة الحقوق والحريات ، وأيضاً بعض التعديلات على القانون الجنائي.
وحذر تقرير أصدره المرصد الأورومتوسطي ومقره جنيف-معني بالدفاع عن حقوق الإنسان- من استخدام قانون مكافحة جرائم المعلوماتية لشرعنة واستهداف الصحفيين والمواصلة في تكميم الأفواه، وأعرب المرصد في بيانه الصادر في الثامن من ديسمبر عن قلقه جراء التعديلات لفرض عقوبات أكثر تشدداً في الأحكام الجزئية للعديد من الممارسات الالكترونية. وأفاد التقرير بتعرض 4 صحفيين سودانين للتهديد على خلفية نشرهم على مدوناتهم الشخصية أراء مناوئة لحكومة الفترة الانتقالية.
كما عبر عدد من المتابعين السياسيين عن سخطهم من حكومة الفترة الانتقالية، تجاه الناشطين السياسيين بعد نجاح ثورة ديسمبر باسقاط النظام السابق، عقب تعديل قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2020 تحديداُ و الداعي إلى تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، اضافة الى تخصيص شرطة ونيابة ومحكمة لهذا النوع من الجرائم، والتي تتصل مباشرة بالشبكة العنكبوتية، و في أكتوبر الماضي اعتقلت القوات الامنية احمد الضي بشارة، من منزله، بعد نشره فيديوهات ينتقد فيها قيادات في قوات الدعم السريع، والذى يعتبر مؤشر خطير في التراجع عن الحريات في الفترة الانتقالية.
ويواجه الناشط المدني، احمد الضي بشارة تهما تصل عقوبتها السجن المؤبد وفقا للمواد 50، 51، 56، 58، 60، 62، 64، التي تتعلق بتقويض النظام الدستوري في البلاد، وإفشاء المعلومات العسكرية، والتحريض على الهروب من الخدمة العسكرية، وإيواء الهاربين والتحريض على التمرد، مع إثارة الشعور بالتذمر وسط القوات النظامية، وايضا استمعت المحكمة إلى إفادات المتحري في القضية ملازم أول شرطة نجم الدين الحسن، في الوقت الذى أقر فيه المتهم بشارة ببث مقاطع فيديو، وتسجيل صوتي على صفحته بوسائط التواصل الاجتماعي .
وتقول المحامية رنا عبدالغفار ممثلة الاتهام في القضية ” أن إجراءات تنفيذ القبض على الضي كانت خاطئة منذ الوهلة الأولى لجهة انه تم بواسطة قوة مكونة من الاستخبارات العسكرية والدعم السريع على الرغم من أن الجهة المختصة هى الشرطة، وعبر الضغط الاعلامى تم تحويله إلى قسم الخرطوم شمال – كما توضح أن النيابة المختصة بالجرائم الموجهة ضد الدولة والذى يحاكم تحت موادها أحمد الضي لم تكن على علم بعملية القبض عليه.
وتذهب رنا إلى أن اختصاص النيابة تتمثل في:” تمثيل الدولة والمجتمع في الادعاء العام، الاشراف على اجراءات ما قبل المحاكمة، والإشراف على سير الدعوى الجنائية والتحري، تولى إجراءات التحقيق، وأخيراً الإشراف القانوني على إجراءات الاجهزة العدلية للتأكد من صحة الإجراءات المتعلقة بسير الدعوى وذلك لأجل حماية المصلحة العامة والتصرف بموضوعية والمراعاة لمواقف أطراف الدعوى”.
ومن جهة أخرى يقول المحامى أحمد السنوسي والذى يمثل الدفاع في قضية معمر موسى المتهم تحت المادة 14 من قانون لجنة إزالة التمكين في الثاني من يونيو المنصرم والتي تصل عقوبتها السجن لمدة10 أعوام.” أن هذه المادة معيبة في حق اللجنة لاستخدامها لتصفية الخصومات السياسية مع المعارضين لأعمالها، بالاضافة إلى اتهامه بولائه للنظام البائد. وفي تعليقة عن سير الاجراءات القانونية خلال الفترة الانتقالية يتهم السنوسي الجهات العدلية بالتباطؤ في قضية موكله، فعقب التصديق بالضمان في البلاغ الأول في مواجهته تفاجئوا بفتح بلاغان في نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة” وبحسب البيان الذى أصدره هيئة الدفاع عن موسي في يوليو الماضي يواجه المتهم تهم تحت المادة 63 من القانون الجنائي المتعلقة بالدعوة لمعارضة السلطة العامة بالعنف أو القوة الجنائية والمادة 65 من القانون الجنائي المتعلقة بمنظمات الإجرام و الإرهاب. وكذلك بولاية سنار يواجه (20) شاباً أحكاما تحت المادة 14 من قانون لجنة إزالة التمكين بعد اقتحامهم لمقر اللجنة كما جاء في البلاغ الموجه ضدهم، والتي تم الفصل فيها بالأحكام الاجازية وتتراوح بين السجن والغرامة في حق المتهمين.
الحريات في الفترة الانتقالية
يعتقد المحامي الحقوقي عبدالرحمن القاسم، ان حكومة الإنتقالية، قد كفلت حرية التعبير، للجميع دون رقيب، إلا أنه يعود ويضيف لـ(عاين) ان بعض الناس في السودان، لا يراعون القوانين، وحريات الآخرين، باعتبار كل شئ له حرية محددة، حتى لا تنتهك حريات الغير، ويشير إلى أن هذه فترتة الشرعية الثورية، أي للسلطة الحق ان توقف اي شخص يعيق مسيرة الانتقال السلس للديمقراطية، ويرى أن 90% من الذي ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تقف خلفه مجموعات تعمل ضد نجاح الثورة، لذا لزم الامر، أن تقوم الجهات المعنية بإصدار تشريعات تحفظ خصوصيات الناس، ثم تجرم الأفعال والأقوال وبالأخص تلك التي تدعو الى التفرقة و الدعوة إلى العنصرية.
كما يستبعد أن تكون هناك اعتقالات اعتباطية، ويرى أن معظم الذين تم القبض عليهم، سجلت في مواجهتهم إجراءات قانونية، وكذلك لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، يضيف الآن توجد دولة القانون، مقارنة بما سبق من انتهاكات وتكميم للأفواه، وينفي أن حكومة الفترة الانتقالية تعمل على عرقلة عمل مواقع التواصل الاجتماعى بوضع قوانين تهدد نشاطهم على تلك المنصات. ويتساءل ماذا كانت الحكومة تتخوف منهم، وهي المولود الشرعي للثورة التي تخلصت من نظام ديكتاتوري حكم لمدة الـ 30 سنة.
سن قوانين للقمع
أما عضو لجان المقاومة بمدينة الجنينة ولاية غرب دارفور، حمدان محمد احمد، يتهم حكومة الفترة الانتقالية بالضبابية وغياب الرؤية الواضحة للحكم، بالاضافة إلى فشلها في ادارة الأزمة الاقتصادية، وتوفير السلع الأساسية للمواطن ، أضف إليها التراجع في الحريات عبر مصادرة الحقوق التي كفلتها المعاهدات والمواثيق الدولية، عن طريق سن قوانين تقمع الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، التي أسهمت في إسقاط الديكتاتورية السابقة، وبذات القدر يمكنها كشف زيف حكومة الفترة الانتقالية، ويؤكد أن وجود معتقلين في هذه الفترة رغم الأدوار الايجابية التي قاموا بها، أثناء الثورة يعتبر ترجع عما أراد الثور أن يروا مستقبل دولتهم ، ويضيف أن هذه المواقع بها مساحة للتعبير الديمقراطي للآراء، لا يمكن للدولة السيطرة عليها. كما تعتبر مساحة يتحرك فيها الفاعلين السياسيين، ولها القدرة على تشكيل الرأي العام .
أما عن مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي، يقول الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي ابراهيم عبدالرحيم أنها سوف تواجه مستقبل غامض، لانها تتعرض للمراقبة من اجهزة الدولة المختصة، وبعضها يواجه تشويش متعمد حتى لا تصل المعلومات للمتابعين والمهتمين، ويشير إلى أن هناك خطة تقوم بها الدولة للتحكم ومراقبة هذه المواقع، ويعتبرها عملية تقييد ممنهجة للحريات التي يطالب بها الثوار، ومنع وصول المعلومة، ويعلق بالقول الغريب في الامر، هذه الحكومة أسقطت النظام السابق بهذه الوسائل، وبعد وصلها إلى السلطة، أدركت أن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل خطرا على وجودها، الآن تبحث عن طرق أخرى لاسكاتها أو التخلص منها.
محاربة خطاب الكراهية
يتفق الناشط علي عبدالكريم مع الحقوقي عبدالرحمن قاسم، أن مواقع التواصل الاجتماعي تحتاج إلى عملية تنظيم ممنهجة بحيث لا تتعدى على الحريات العامة، وفي ذات الوقت يتهم بعض الناشطين بالعمل على نشر خطاب الكراهية في ظل فترة ذات حساسية من تاريخ البلاد، قائلاً لـ(عاين) ” بعض الناشطين في هذه المنابر، يتحدثون من دون ضوابط ولا رقيب، والذى يثير بعض الفوضى الإعلامية، مما يتطلب وضع قانون رادع، لضبط هذه المنابر التي لعبت دورا ايجابيا في انجاح الثورة، ولا أحد يشك في قدراتها الفاعلة في إيصال المعلومة للجماهير والمتهمين بالشأن السياسي الاجتماعي في البلاد.
ويرى ان قانون جرائم المعلوماتية سوف يساهم في إيقاف ما وصفه بالفوضى الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحارب خطاب الكراهية والعنصرية الذي تزايد بعد الثورة، والذى يعد مؤشر خطير علي مستقبل التعايش السلمي المجتمعي في السودان. إلا أن طارق عبد الرازق، المستشار القانوني لدى المرصد الأورومتوسطي يرى “أن تعديل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية جاء فيما يبدو دون أن يراعي المعايير المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية، فهو يمثل نكسة إضافية لحرية الرأي والتعبير في السودان على حد تعبيره”.