مستشفى “تلودي” يحتضر.. بيئة متردية وغياب للكادر الطبي
تلودي: 28 يناير2020م
كان من المقرر إجراء عملية ولادة زوجتي، فقدمنا في اليوم والوقت المحددين. ولكن فوجئنا بإلغاء العملية لغياب الطبيب بسبب خلاف مع إدارة المستشفى فامتنع بعده عن العمل وسافر. ولكن بعد إتصالات شخصية من جانبي تواصلت مع طبيب آخر أعرفه شخصياً من منطقة قيري البعيدة عن تالودي وقام بالسفر إلينا وإجراء العملية هذه هي إحدى أشكال معاناة مواطني مدينة تالوي بجنوب كردفان. ويضيف المواطن أحمد علي حسن لـ(عاين) قائلاً : ” المستشفى تعاني كثير من المشاكل التي نتضرر منها نحن المواطنين في المقام الأول”.
الداخل إلى مستشفى مدينة تلودي بولاية جنوب كردفان، ينتابه شعور بأنه في مركز صحي صغير، فالمستشفى تقليدي بالكامل، ولا ملامح إصلاح كما ولو أن التاريخ ما زال متوقفاً في (1924)؛ تاريخ تأسيس المستشفى، حال مشفى تلودي أشبه بالمستشفيات التي تقع في أماكن بعيدة وشهدت حروباً على مر السنوات كمستشفى وحدة تلودي بجنوب كردفان التي يقف هذا التحقيق على أوضاعها ويحاول تقديم صورة شاملة للوضع فيها.
اكتظاظ مرضى
أنُشئت مستشفى تلودي في العام 1924 بوحدة تلودي المركزية التي كانت تغطي احتياج المنطقة من حيث سعة المستشفى والخدمات الصحية المقدمة فيها، لكن ومع مرور السنوات و ازدياد التعداد السكاني في المنطقة مضافاً إليه العاملين في التعدين الأهلي في مناجم الذهب، والرحل الذين يعتمدون في حياتهم على الرعي والتنقل. فبالتالي ارتفعت نسبة الحوجة التي يجب أن تغطيها المستشفى. ويُظهر أخر تعداد أجري في السودان في العام 2010م أن عدد سكان تلودي بلغ 71,673 نسمة.
معدات متهالكة
حدد مسؤول المعامل في المستشفى مختار زكريا، مشاكل المستشفى في بنيته التحتية ومستوى تأهيل الكوادر الطبية، والمستوى الإداري وهو الذي يحرك ويحدد المستويات الأخرى. ويقول زكريا لـ(عاين)، ان المستشفى يعاني قسم الطوارئ فيه من نقص حاد في تجهيز العنبر والمواد الإسعافية، التي تساعد في تقديم الخدمات الصحية الإسعافية، مما يتسبب في عدم استقرار الخدمة وتزمر الكادر الطبي العامل في القسم. بالإضافة لمدة عمل صيدلية الطوارئ هو 8 ساعات فقط وهو ما يعادل وردية واحدة نسبة لنقص عدد الموظفين بالإضافة للطوارئ فإن إمداد الأدوية للمستشفى لا يغطى الحاجة الكلية. ويضيف مختار أما بالنسبة لعنبر الأطفال فإنه يقع في مساحة صغيرة لا تتجاوز مساحته ستة في أربعة أمتار وهو لا يغطي الحاجة التي تتوافد إلى المستشفى، خاصة في فصل الخريف حيث يشغل السرير الواحد ثلاثة أطفال وهو أمر خاطئ من الناحية الطبية وقد يؤدي إلى انتشار عدوى الأمراض.
شح المعدات
يضيف زكريا ” تمتلك المستشفى جهاز أشعة موجود فيها من العام 2016 لكن لم يتم تشغيله حتى اللآن، وذلك لغياب غرفة الأشعة المخصصة وفق المعايير الطبية، وكذلك غياب الكادر الفني المدرب لتشغيل جهاز الأشعة. كما تعاني النساء كثيراً من عدم وجود قسم النساء والتوليد كوحدة منفصلة، لذا تجرى عمليات الولادة في قسم العمليات العامة وبعدها تنقل الأمهات إلى العنبر العام. ويزيد “الوضع ليس أفضل حالاً في قسم الأسنان فهو قديم بالكامل وتقدم فيه خدمات الخلع فقط للمواطنين حيث لا يحتوى القسم على أجهزة ومعدات حديثة لإنجاز العمل”.
ويشير زكريا ايضا الى عدم وجود أي عمليات توسعة في المستشفى في جوانب تأهيلها على مستوى البنى التحتية بإصلاح الوحدات الموجودة أصلاً واستكمال النقص في بقية الوحدات وإنشاء أقسام جديدة تحتاجها المستشفى (تفتقر المستشفى إلى وجود وحدة العزل الصحي، بالإضافة لعدم وجود مشرحة في المستشفى إلى الآن) فإن مستوى الخدمة التي يقدمها المستشفى انخفضت تماماً، أصبحت لا تقدم الخدمات الصحية التي يحتاجها المواطنين في المنطقة. في ظل غياب الدور المؤسسي وعدم وجود إدارة بمهام واضحة، الأمر الذي ساهم في عدم استقرار الكوادر الطبية في المستشفى”.
تلف الأدوية
تواجه المستشفى مشكلة كهرباء تؤدي في كثير من الاحيان الى تلف الادوية وضرر الاجهزة الطبية، ويقول الموظف الإداري في المستشفى سمؤل عبد الباقي لـ(عاين)، “هناك عدم استقرار التيار الكهربي في المستشفى مما يؤدي إلى تلف الأدوية وضرر في الأجهزة حيث لا يوجد فني كهرباء لمعالجة المشاكل التي تحدث بصورة مستمرة، وهنالك نقص الخدمات الأساسية التي على مستوى توفر الأدوية؛ حيث تعاني الصيدلية من نقص حاد، كما وأنها تعمل لمدة 8 ساعات فقط في اليوم بالإضافة لعدم وجود أنابيب الأوكسجين حيث توجد أنابيب فارغة، وكان من المفترض في العام 2010 أن تبرم وزارة الصحة عقد مع شركة الهواء السائل لتوفير متطلبات المستشفى، وهو الأمر الذي لم يتم.”
ويضيف عبد الباقي: ” تم إنشاء وحدة عمليات تتكون من غرفتين لإجراء العمليات في العام 2008 ضمن برنامج تنمية النظام الصحي اللامركزي، لكن الوحدة تحتاج إلى استكمال تجهيزها بالآلات الجراحية ومراجعة الإمداد الكهربائي. لكن المشكلة الأكبر تكمن في غياب الكادر البشري المؤهل للاستفادة من هذه الموارد بالشكل الذي يحقق الفائدة المرجوة. ويرجع سبب ذلك إلى خلو المستشفى من وجود إدارة فعلية في المستشفى، الأمر الذي يمكن إرجاعه وجود خلل كبير في العلاقة بين وزارة الصحة والتأمين الصحي وعدم استيفاء كل جهة الالتزامات المطلوبة منها، وفي ظل هذه الأوضاع تأتي حوجة أساسية لعمل قرارات تنظم وتحدد أدوار هذه الجهات.
معاناة الكادر الطبي
يشير عبد الباقي، إلى أن الأطباء والكادر الطبي بصورة كبيرة، من حيث عدم تهيئة ميز الأطباء ليكون صالحاً للراحة فهو بدون التهوية المطلوبة، وضمن العلاقة المرتبكة ما بين ثلاث أطراف هي التأمين الصحي، وزارة الصحة، والعاملين في المستشفى من كوادر طبية وممرضين، فقد دخل ممرضي المستشفى في إضراب مفتوح عن علاج الحالات التي تأتي إلى المستشفى عن طريق بطاقات التأمين الصحي وذلك إعتراضاً على سياسة إدارة التأمين وعدم تحديدها لحوافز مالية للممرضين، ومطالبة بضرورة إصلاح أوضاعهم داخل المستشفى وهذا الإضراب مستمر لمدة تزيد عن الشهر الآن، وهم يستقبلون الحالات الخارجة عن خدمة التأمين الصحي.
ردود حكومية
للوقوف على وضع المستشفى المتردي يقول مدير إدارة الطب العلاجي في وزارة الصحة بالولاية د. مُسَلم برير، أن مشاكل الأجهزة والمعدات والمعينات يمكن تجاوزها لكن جوهر الأزمة هو عدم توفر الكادر الطبي، فعلى مستوى الممرضين فإن مدارس التمريض في الولاية تم حلها منذ العام 2005، وتم إنشاء الأكاديمية والتي لم تخرج ممرضين حتى الآن لسد النقص ، ونتيجة ذلك هذا الفراغ الذي يشمل كل وحدة في المستشفى؛ لذلك كل الحلول التي تقدم هي حلول هشة لأن الممرضين هم قواعد الحل لكل المشاكل. ويضيف برير، افتقدت المستشفى لوجود مدير طبي لفترة طويلة، لكن قبل العام ونصف تم التعاقد مع مدير بطريقة فيها بعض التجاوزات للوائح وذلك اختيار ما بين أمرين؛ أما استمرار الخدمة أو توقفها. والآن هنالك طبيب آخر تم التعاقد معه ويستلم العمل لعلاج حالات التأمين.
اهمال رسمي
أشار ذات المسؤول الحكومي، إلى لإرسال تقرير منفصل إلى وزارة الصحة الإتحادية بعدد من المطالبات، وتم الإتفاق على إجراء إصلاحات أهمها اعتماد الأطباء العموميين، ورفع الكشف الموحد للحوادث إلى 15 ألف جنيه ونتوقع إنفاذ هذه الإجراءات حتى نهاية شهر يناير الجاري. ومن سنوات طويلة والوضع الصحي ومؤسسات تقديم الخدمة الصحية في السودان مثار تساؤلات، وكثير من الأصوات من داخل الحقل الطبي وخارجه تطالب بإصلاح هذا الوضع، وتغيير السياسات العامة فيه، بدئاً برفع نسبة إنفاق الدولة والتي لم يتجاوز الصرف عليها الـ 2% من الميزانية، وليس انتهاءاً بأوضاع الأطباء والكوادر الطبية في هذه المستشفيات. ويمثل سوء وتردي الخدمات الصحية في الأقاليم المختلفة في السودان أحد الأسباب الرئيسة؛ بالإضافة للحروب والبحث عن العمل، التي تساهم في نزوح الكثير من سكان هذه الأقاليم والمدن إلى العاصمة الخرطوم، والتي وضع المستشفيات فيها ليس أفضل حالاً بكثير.