كيف يخطط جنرالات السودان لتجاوز مأزق الانقلاب والعزلة؟
14 أبريل 2022
استولى العسكريون على السلطة في السودان في 25 أكتوبر الماضي في وقت كانت الحكومة المدنية تحاول ترميم الاقتصاد المنهك بفعل الديون الخارجية البالغة (59) مليار دولار واقتربت الخرطوم قبل الانقلاب العسكري من شطب (23) مليار دولار خلال العامين القادمين.
ومصير هذه الإعفاءات في “كف عفريت” نتيجة احتجاج الصناديق العالمية والمؤسسات المانحة والدول الغربية على الانقلاب العسكري وأيقاف أوجه التعاون مع السودان.
وسارع العسكريون لتسمية أعضاء مجلس السيادة في نوفمبر الماضي في مسعى لكسر قوى المقاومة التي كانت تتوقع تراجع قادة الجيش إذ سرعان ما قام قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 11 نوفمبر بتعيين أعضاء مدنيين في مجلس السيادة الانتقالي قبل أيام قليلة من إبرام إتفاق هش مع عبد الله حمدوك عاد بموجبه الأخير رئيسا للوزراء في 21 نوفمبر لكن حمدوك تنحى عن منصبه في الثاني من يناير هذا العام بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمنية ضد المتظاهرين السلميين قرب القصر الرئاسي إلى جانب تدخلات عسكرية في صلاحيات مجلس الوزراء.
مناورات العسكريين
ويوضح المحلل السياسي، محمد حيدر أن المكون العسكري لا يملك دفوعات قوية لتسليم السلطة للمدنيين فأقصى ما يمكن أن يذهبوا إليه اعادة الشراكة مع القوى المدنية وقادة الحراك السلمي.
ويرى حيدر في حديث لـ(عاين)، أن المكون العسكري لديه علاقات خارجية مع دول الاقليم خاصة مصر والإمارات اللتان تقدمان حماية له من المجتمع الدولي كما أن هاتين الدولتين بذلت تعهدات بدعمه بواسطة الرياض وأبوظبي حال الوصول إلى أتفاق سياسي مع أحزاب تقليدية لتشكيل سلطة صورية في الخرطوم يهيمن عليها العسكريين.
محلل سياسي: العسكريون لن يفرطوا في ملف العلاقات مع اسرائيل وأمن البحر الأحمر والتجاذب الأمريكي الروسي
وتابع : “هناك ملفات لن يفرط فيها العسكريين خاصة الجيش وهي العلاقات مع تل أبيب وساحل البحر الأحمر والتجاذب الأمريكي الروسي لاقامة قاعدة عسكرية وموضوع إرسال الجنود السودانيين إلى اليمن”.
أما بالنسبة للشارع فإن الإجراءات التي نفذها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان مرفوضة ولذلك تستمر الاحتجاجات الشعبية المناهضة للعسكريين في شوارع العاصمة السودانية والمدن منذ ستة أشهر- بحسب حيدر.
إضعاف الشارع
هذه الاحتجاجات التي يراهن العسكريين على تراجعها إما اخمادها أمنيا أو نتيجة انقسامات داخلية بين المدنيين هي التي تبقي قادة الجيش يتجنبون مبادرة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي بمناورات مع بعض الدول الافريقية بحسب حديث مصدر دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية لـ(عاين).
وقال هذا المصدر الدبلوماسي إن العسكريين ارسلوا مبعوثيين حكوميين الشهور الماضية لبعض الدول الافريقية لإقناعها بالمشاركة بقوة في دعم مبادرة الاتحاد الأفريقي الموازية لـ”مبادرة فولكر” واضعاف الأخيرة تحت مبررات حل قضايا القارة الافريقية بالداخل.
السودانيون أعادوا في السادس من أبريل الأسبوع الماضي الزخم للاحتجاجات الشعبية الرافضة للحكم العسكري وخرج عشرات الآلاف في العاصمة وأكثر من (16) مدينة سودانية منددين بالانقلاب العسكري.
وتقول قوى الحرية والتغيير أن السلطات أخلت سجن سوبا من المعتقلين وجرى ترحيلهم إلى سجون الولايات وهذا الإجراء تزامن مع حملة اعتقالات طالت أعضاء المقاومة الشعبية.
ونقل عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير شهاب الطيب لـ(عاين)، إن الغرض من اخلاء سجن سوبا حسب المعلومات التي وردت إليهم شن حملة اعتقالات وسط أعضاء لجان المقاومة والمتظاهرين.
وأوضح الطيب، أن العسكريين لديهم نوايا بالاستمرار في السلطة ولو كلفهم ذلك الإبقاء على المعتقلين لسنوات في السجون وهي خطط شبيهة في بعض دول الجوار والربيع العربي.
هناك عوامل أخرى أشد خطورة في نظر المراقبين هي التي أبقت على الانقلاب العسكري مستمرا لشهور مثل تعدد الجيوش والتربص بين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الطامح لتولي السلطة وبين بعض قادة الجيش.
دفع سباق الطموحات للسلطة في السودان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى تعيين مسؤول على الجرف البحري لايقاف صفقة سرية بين الجنرال حميدتي وموسكو.
طموحات الجنرالين
ويواجه الجنرالان اللذان يسيطران على مجلس السيادة ومؤسسات الحكم في السودان كل على طريقته جملة من التحديات أبرزها التوترات الأهلية في شرق السودان إلى جانب عودة متدرجة للإسلاميين مع طموحات العودة بالسلطة وانفراط لعقد العملة الوطنية وصعود الدولار الأمريكي مقابل الجنيه وشح الطاقة الكهربائية وعزلة دولية جمدت المساعدات الاقتصادية.
ويقر المحلل الاستراتيجي أحمد شاكر في حديث لـ(عاين، بوجود صعوبات تواجه التخلص من الانقلاب العسكري بسبب حالة الانقسام بين المدنيين إلى جانب تعدد مراكز العسكريين داخل “كابينة الانقلاب”.
لكن شاكر يتوقع سقوط الانقلاب لعوامل داخلية و يشير إلى ضرورة توحد المدنيين من الحد الادنى بين قوى المقاومة الشعبية والأحزاب السياسية.
وبينما تتزايد الضغوط الشعبية عليه يبحث قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن أرضية صلبة يستند عليها لتشكيل حكومة مدنية تنظم الانتخابات خلال عام على الاقل لذلك سارع إلى مقابلة زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني في القاهرة نهاية الشهر الماضي.
ويرجح شاكر، أن البرهان يبحث عن حكومة مدنية تلقى قبولا دوليا وفي نفس الوقت تنظم الانتخابات العام القادم. ويضيف : “البرهان يعتقد أنه من الأفضل اللجوء إلى الانتخابات العام القادم وخلال الفترة المتبقية سيلجأ إلى القبضة الأمنية وزعزعة حركة الاحتجاجات بالانتهاكات التي لم يتوقف عنها منذ شهور متحديا تهديدات اميركية بالعقوبات لأن حلفائه الإقليميين بثوا له التطمينات بالإفلات من العقوبات التي تلوح بها الولايات المتحدة”.
في الاثناء، وفي ظل استمرار الحكم العسكري تحاول بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان انقاذ الوضع بالعودة الى المسار الدستوري لكن المبادرة الأممية التي كانت تنص على إخراج العسكريين من السلطة بمقترح تكوين مجلس دفاع يضم عسكريين ومدنيين فيما واجهت المبادرة الأممية بتدخل الاتحاد الأفريقي عبر مبعوثه محمد الحسن ولد لبات الذي يشارك فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان في مشاوراته السياسية التي توقع محللون ظهور نتائجها خلال شهر مايو القادم.
هروب إلى الانتخابات
ولا تحظى المبادرة الأممية بقبول العسكريين بحسب عضو في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير تحدث لـ(عاين)، مشترطا حجب اسمه.
الحرية والتغيير: العسكريين على بعد خطوات من تمزيق تفويض بعثة الأمم المتحدة في السودان لأن المبادرة منحازة للحكم المدني”.
وقال إن “العسكريين على بعد خطوات من تمزيق تفويض بعثة الأمم المتحدة في السودان لأن المبادرة منحازة للحكم المدني”.
بينما يقول المحلل السياسي محمد حيدر، أن الشق العسكري بات على قناعة بصعوبة تسليم السلطة الى المدنيين دون الاجابة على اسئلة العدالة التي يصر عليها المحتجون.
وأضاف: “المكون العسكري يحاول تصميم حكومة مدنية تعمل تحت ادارتهم حتى قيام الانتخابات”.
والشهر الماضي نوقش بين العسكريين تقليص دور بعثة الأمم المتحدة في السودان إلى جانب كيفية مكافحة حركة الاحتجاجات الشعبية باللجوء إلى الاعتقالات وملاحقة نشطاء المقاومة الشعبية.
وذكر دبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية لـ(عاين)، أن العسكريين يراهنون على سحق الاحتجاجات بتلفيق تهم للنشطاء البارزين وسجن أعضاء المقاومة فترات طويلة الى حين تهدئة التظاهرات”.
وأشار إلى أن بعض الدول الاقليم مثل مصر والإمارات قدمت تعهدات بالحماية الدبلوماسية والاقتصادية “اذا ما عبر العسكريون هذا المأزق”.
في الجانب الآخر يلقي مسؤولون سابقون في الحكومة المدنية باللوم على القوى السياسية ولجان المقاومة بتجنب الوحدة وهو ما أدى حسب اعتقادهم باستمرار الانقلاب العسكري.
وينوه سكرتير رئيس الوزراء السابق البراق النذير في حديث لـ(عاين)، إلى أن الأسباب التي أدت تطاول فترة الانقلاب ضعف قوى المقاومة والأحزاب السياسية.
ويشير البراق، إلى أن الأحزاب وقوى المقاومة بحاجة إلى تنسيق حتى وأن لم يتمكنوا من الوصول إلى مرحلة التحالف.
ويقول البراق إن : “هناك ضعف بائن وسط القوى السياسية وتحالفاتها هشة جدا وهي من الأسباب التي سمحت باستمرار الانقلاب العسكري منذ 25 أكتوبر الماضي”.