بناء كنائس جديدة في السودان.. مهمة معقدة
10 فبراير 2022
لم يتلق سكرتير الكنيسة القبطية في السودان، هاني فايز بطرس، رداً على الطلب الذي دفع به في يناير 2020 للسلطات المختصة لتشييد مبنى كنيسة جديدة، ويقول إن آخر كنيسة تم التصديق ببنائها كان في ثمانينيات القرن الماضي.
ويأسف بطرس لإستمرار التضييق على المسيحيين في السودان بعد التحول السياسي الذي حدث في البلاد بعد الاطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل من العام 2019. ويضيف في مقابلة مع (عاين): “لم يحدث شيء على الرغم من التغيير الذي وقفنا له كلنا شعبا واحدا”.
أراد مسيحيو السودان بعد ثورة ديسمبر 2018 تغيير واقعهم وطالبوا بمنحهم تراخيص لبناء كنائس وإعادة الأراضي التي استولت عليها سلطة البشير، فخلال حقبة حكم البشير التي امتدت ثلاثين عاماً، لم تُبنَ كنيسة واحدة في السودان.
وتشتكي طوائف مسيحية من تعقيدات تواجه بناء الكنائس في العاصمة الخرطوم خاصة وبقية مدن السودان بعد نجاح الثورة لافتين الى عدم وجود تغييرات كبيرة في التصديق والسماح ببناء كنائس جديدة.
ويقدر عدد معتنقي الديانة المسيحية في السودان بحوالى مليوني نسمة يشكلون 4.5 في المئة من سكان السودان البالغ أكثر من 43 مليون. وبدأ التضييق على مسيحي السودان في عهد الرئيس السابق، جعفر النميري، عام 1983 وذلك في أعقاب تطبيق قانون الشريعة الإسلامية في البلاد، إلا أن السياسات التمييزية ضد المسيحيين قد تضاعفت بعد انفصال جنوب السودان عام 2011.
يعود بطرس لسرد قصة مصلى كان قد صُدق لبنائه خلال فترة حكم الرئيس البشير لكنه لم يكتمل وحينما حاولت الكنيسة إتمام بنائه بعد الثورة “أوقفت السلطات الانتقالية التصديق ولم تسمح لنا ببناء المصلى وهذا حدث في شهر أكتوبر 2020”.
ويقول وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق الدين مفرح، إنه عمل على وضع نظم ولوائح لمنح مسيحي السودان تراخيص لبناء كنائس، مضيفا:”عبر الحقب السالفة لم يكن هناك قوانين مفصلة لحقوق المسيحيين وتنظيم أداء شعائرهم والقيام بواجباتهم تجاه معتنقي الديانة في البلاد”.
ويؤكد مفرح في مقابلة مع (عاين)، على ان السودان بعد الثورة شهد تقدم كبير في مجال الحريات الدينية مما أسهم في ازالة اسم الولايات المتحدة لاسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب بعد 27 عاما من ادراجه فضلا عن مغادرة قائمة الدول ذات القلق في الحريات الدينية.
ويظهر تقرير الحريات الدينية الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية وتقارير حقوقية اخرى أن الحرية الدينية في السودان تحسنت بشكل قليل نوعاً ما من خلال وقف هدم الكنائس، إضافة إلى إلغاء حكم الردة ولكن لا يزال الإسلام المحافظ هو المهيمن على طابع المجتمع، ولا يزال المسيحيون يواجهون صعوبات في الحصول على تراخيص لبناء الكنائس، لأن الحكومة السودانية بحسب التقرير لا تريد إثارة حفيظة المسلمين، على الأقل في الوقت الحالي.
وفي العام 2019 شطبت الحكومة الأميركية اسم السودان من قائمة الدول التي تنتهك الحريات الدينية وفي نهاية العام الماضي أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقرير الحريات الدينية، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، حذف اسم السودان من قائمة المراقبة الخاصة، قائلاً إنه “أحرز تقدماً ملموساً في ملف الحريات الدينية”.
و كانت الحكومة السودانية قد أعلنت في شهر يوليو 2020 مجموعة من التعديلات القانونية تشمل السماح لغير المسلمين باحتساء الخمور، بيد أن أن رجال دين مسيحيين يرون أنه تغيير غير جذري، إذ أن الكتاب المقدس لا يسمح بشرب الخمر.
إجراءات وتعقيدات
وتحدد وزارة الشؤون الدينية، بالتوازي مع مؤسسات الدولة الأخرى المسؤولة عن منح التراخيص للأراضي والتخطيط، ما إذا كانت ستمنح إذنًا أو تصريح بناء دور عبادة جديدة، مع مراعاة مخاوف تقسيم المناطق، مثل المسافة بين المؤسسات الدينية والكثافة السكانية (تخصيص الأراضي للمجموعات الدينية يحدد بشكل رسمي).
وفي أغسطس 2020 قدمت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مشروع لائحة إدارة شئون الكنائس بالوزارة، نص على سلسلة من الإجراءات، يجب اتباعها للحصول على تصديق بقطعة أرض لبناء كنيسة.
ويشترط مشروع اللائحة، الحصول على موافقة من لجنة الحي، وإدارة شئون الكنائس المحلية لبناء كنيسة، بالإضافة إلى التخطيط العمراني بالمحلية، ثم توصية وزير الشئون الدينية يليه التصديق النهائي من وزير التخطيط العمراني.
وعبر عدد من قيادات الكنسية عن استغرابهم، واستيائهم إزاء مشروع لائحة إدارة شئون الكنائس التي سلمتها الوزارة لعدد من الطوائف لإبداء وجهات نظرها والموافقة عليه.
واعتبر الناشط الحقوقي ديماس جيمس مرجان، هذا الإجراء جزء من المتاريس التي كانت تضعها السلطات في العهد النظام البائد أمام حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية خاصة في الجانب المتعلق بالحق في الحصول على قطعة أرض لإقامة كنيسة.
وأضاف جميس لـ(عاين)، أن هذا النص بشكله الحالي، ما هو إلا تقنين لممارسات النظام البائد في وضع العراقيل، للحيلولة دون تمتع المسيحيين بحقوقهم. مشيرا إلى أن الفرق الوحيد، هو أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، اتخذت خطوات جريئة لتقنين ما كان يمارس في الخفاء بشكل علني.
وليس بعيدا عما سبق يقول القانوني والناشط الحقوقي في مجال الحريات الدينية محمد يوسف لم تُعط رخص لبناء الكنائس، وينوه إلى أن عملية الحصول على تصديق لبناء كنيسة يتضمن سلسلة من الإجراءات المعقدة.
يقول الوزير مفرح أن الشروط التي تنص على منح التصديق لبناء الكنيسة هي ذات الشروط التي تنص على منح التصديق للمسجد مضيفا:”تصديق الكنائس يتم عبر ثلاث خطوات، خطاب من رئيس الطائفة يمر عبر لجنة الخدمات والتغيير -الجهة المنظمة والرقابية على الحي بموجب لوائح الحكم الاتحادي- ثم مدير الشؤون الدينية الذي يوصي مدير عام الأراضي بالمحلية لمنحهم دار للتعبد”.
ويشير مفرح في مقابلة مع (عاين)، إلى أنهم وخلال العامين الماضيين في الوزارة قام بالمصادقة على بناء 14 كنيسة وفق الشروط السابقة في عدد من الولايات أبرزها الخرطوم ونهر النيل والشمالية والجزيرة.
وفيما يلي الحديث عن تعقيدات في إجراءات الترخيص، يقول مفرح ان الامر يرجع الى كثرة الانقسامات داخل الكنيسة الفرعية وتعدد مكاتبها التنفيذية خاصة فيما يلي ولاية الخرطوم. ويضيف:”نحن نتعامل مع جهة رسمية واحدة إلا أنه وفي الكنيسة الواحدة تكون هنالك اكثر من لجنة كما اطر لذاك النظام البائد”.
الأمر الثاني بحسب مفرح، يرجع لتعقيدات بيروقراطية تتصل بتأخر موافقة سلطات التخطيط العمراني في منح الكنيسة بعد تصديقها من الشؤون الدينية بالمحلية وذلك لقرارات الوالي وعدم توجيهه لهم.
إرث حكم الإسلاميين
على الرغم من التقدم الملحوظ الذي حققته الحكومة الانتقالية، لا يزال هناك الكثير من العمل لضمان الحرية الدينية لجميع السودانيين. إن الإرث الذي دام قرابة 30 عامًا من القمع الممنهج والانتهاكات الفظيعة لحقوق الأقليات الدينية والفئات السكانية الضعيفة الأخرى للنظام السابق سيستغرق وقتًا للتعامل معه بشكل فاعل.
القانوني والناشط الحقوقي في مجال الحريات الدينية، محمد يوسف، يقول لأ(عاين)، انه لم يحدث تقدم كبير في أوضاع المسيحيين في السودان بعد الثورة خاصة فيما يلي مسالة منح تصاريح بناء الكنائس باستثناء كبح جماح الاجهزة الامنية وتجميد قرار هدم 300 كنيسة صدر من وزارة التخطيط في عهد النظام المخلوع.
ولفت يوسف، إلى أنهم في المبادرة السودانية لحقوق الإنسان سعوا لاجراء اصلاحات تشريعية ومؤسسية من خلال تقديم مقترحات تتعلق بقانون للحريات الدينية وإنشاء مفوضية للحريات الدينية ولكن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر الماضي قطع الطريق امام اي تقدم.
وفي مقدّمة المسائل التي تحتاج لمتابعة معالجة دعاوى الكنائس التي دمّر النظام السابق ممتلكاتها أو صادرها، وتقول وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في هذا الصدد أنها تعمل مع وزارة العدل لجمع وثائق للكنائس لإستعادة أراضيها وممتلكاتها التي تم الاستيلاء عليها أو تدميرها على مدى الأعوام الماضية.
رئيس الطائفة الإنجيلية المشيخية في السودان، رأفت سمير، كان قد دخل في نزاع قضائي إبان حقبة حكم الرئيس المعزول، بعدما رفض تسليم أملاك الكنيسة الإنجيلية لأعضاء من حزب المؤتمر الوطني الحاكم في ذلك الوقت.
“بعد اندلاع الثورة في السودان في شهر ديسمبر عام 2018 والإطاحة بنظام الرئيس البشير لم تسترد الكنيسة الإنجيلية أياً من ممتلكاتها المصادرة” يقول سمير لـ(عاين).
يشير الناشط الحقوقي في مجال الحريات الدينية محمد يوسف، أن الثورة لم تغير طبيعة النظام السابق فالتشريعات والمؤسسات القانونية والتنفيذية والامنية للنظام السابق ما تزال باقية. مضيفا:”ليس هناك اوضح من قرار المحكمة باعادة ممتلكات الكنيسة الانجيلية الذي لم ينفذ”.
في المقابل يقر وزير الشئون الدينية، بأن ملف الحريات الدينية وتعزيز أوضاع المسيحين بشكل خاص لم يكتمل خلال العامين الماضيين من عمر الانتقال في السودان ولكنهم وضعوا الأسس التي يمكن أن تجعله يمضي في الطريق الصحيح.
غير أن الناشط الحقوقي يوسف يتوقع ان يؤدي الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر لتردي اوضاع المسيحيين عما كانت عليه خلال العامين السابقين.
- تم إنتاج هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ و Code of Africa