كيف تحولت الشرطة السودانية لأداة في أيدي جنرالات الجيش؟

 7 نوفمبر 2022

توثق مقاطع الفيديو المبثوثة على شبكة الإنترنت خلال العام الماضي أثناء الاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب العسكري في السودان كيف أن قوات الشرطة تحولت إلى “خط الدفاع الأول” عن حكم الجنرالات وجرى الاعتماد عليها في قمع التظاهرات.

وعلى نحو مفاجئ طلبت الشرطة منحها “إجراءات استثنائية” بالتزامن مع مليونية 25 أكتوبر في الذكرى الأولى للانقلاب العسكري متهمة المتظاهرين بإيواء تشكيلات عسكرية تحمل الأعلام وترتكب أعمال العنف.

قادة الاحتجاجات في السودان اخذوا نية الشرطة بإضافة إجراءات بحقهم على محمل الجد. “بيان الشرطة أخذته تنسيقيات لجان المقاومة على محمل الجد لأن هناك خطة لتحطيم اللجان في الأحياء حسب معلومات وردت إلينا”. يقول أحد اعضاء لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم لـ(عاين).

ويضيف العضو الذي فضل عدم ذكر اسمه تحسباً لملاحقة أمنية: “هناك خطط أيضا بنشر العصابات في شوارع العاصمة لنهب الهواتف والأموال من المواطنين وتصويرهم على أنهم من عناصر المقاومة وجزء من هذه الخطط نفذتها الشرطة في مليونية 25 أكتوبر في شارع المطار شرق العاصمة السودانية”.

قمع قوات الأمن 30 أكتوبر 2022

ويتابع : “هناك قضية مقتل العميد بريمة ورقيب الاستخبارات.. لفقت الشرطة الاتهامات ضد المتظاهرين لغرض إضعاف الحراك السلمي في جميع أحياء العاصمة السودانية ولن تتوقف وزارة الداخلية عن تلفيق المزيد من الاتهامات بحق المحتجين السلميين”.

وكان المكتب الصحفي للشرطة أعلن الجمعة قبل الماضية في بيان العثور على جثة الجندي، الطيب آدم، من شرطة الاحتياطي المركزي في النيل بمنطقة الجيلي شمال العاصمة وفُقد القتيل حسب بيان الشرطة منذ مليونية 25 أكتوبر جوار كبري المنشية.

وتوعدت الشرطة بالقبض على الجناة مهما كلف الأمر طبقا للبيان ما أثار مخاوف من “تلفيق تهم للمتظاهرين” على غرار قضية توباك و”ثوار الديوم الشرقية” في مقتل العميد بريمة ورقيب الاستخبارات ميرغني الجيلي خلال هذا العام.

“اتوقع أن تداهم الشرطة منازل المتظاهرين بغرض الاعتقال والتفتيش وملاحقة المحتجين في الأحياء قبل كل تظاهرة ولذلك طلبت الشرطة إجراءات استثنائية”. يقول الأمين العام للجنة تفكيك وإزالة التمكين “المجمدة” منذ الانقلاب العسكري، الطيب عثمان لـ(عاين).

ويبدى الطيب استغرابه من مزاعم قوات الشرطة التي أوردها بيان الناطق الرسمي باسمها، ومزاعمها بوجود تشكيلات شبه عسكرية بين المتظاهرين. ويشير عثمان، إلى إن جميع من شاركوا في المواكب شاهدوا سلمية الاحتجاجات في شوارع العاصمة السودانية والمدن الأخرى.

الأمن السوداني يقمع تظاهرات حاشدة واعتقالات وسط المحتجين

فيما تقول  المحامية، رنا عبد الغفار، إن الشرطة أخذت الدور الذي كان يقوم به جهاز الأمن في عهد المخلوع. وأشارت رنا في مقابلة مع (عاين) إلى أن الشرطة تمارس انتهاكات واسعة وخطيرة ضد المتظاهرين في الاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب العسكري وتنفذ الإجراءات الأمنية بـ” صورة لا تمت للإنسانية بصلة”.

تنسيق إقليمي

ولمواجهة التظاهرات الشعبية ضد نظامه العسكري عين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في يناير الماضي الفريق شرطة، عنان محمد عمر وزيرا مكلفاً بوزارة الداخلية، وتقول مصادر في مجلس الوزراء السوداني لـ(عاين)، إن عنان مقرب من البرهان ووعده بتكليفه رسمياً في وزارة الداخلية في أي تغييرات قادمة أو تقريبه من القصر الرئاسي لذلك يحاول الرجل اثبات ولائه للبرهان عبر الإجراءات غير القانونية والانتهاكات التي تمارسها الشرطة بحق المتظاهرين.

وقبل أسبوعين من مليونية 25 أكتوبر الفائت التي تزامنت مع الذكرى الأولى للانقلاب العسكري عقد وزير الداخلية السوداني المكلف الفريق شرطة عنان محمد عمر اجتماعا مع السفير المصري في الخرطوم حسام عيسى ناقش التدريبات الأمنية بين البلدين في مجالات مكافحة “البؤر الأمنية”.

قوة من الشرطة تحاول تفريق متظاهرين- الخرطوم 5 مايو 2022

تزامن هذا اللقاء مع تقارير إعلامية عن وجود خبراء أمنيين مصريين في العاصمة السودانية لمعاونة نظام البرهان على الخطط الأمنية لقمع الاحتجاجات الشعبية وإنقاذ سلطته المُهددة.

وقال الناشط الحقوقي مسعود عبد الله، إن “بيان الشرطة يحمل رائحة المخابرات الإقليمية التي تدير المشهد الأمني في السودان”. وأضاف في مقابلة مع (عاين)، “إذا عدنا إلى لقاء وزير الداخلية مع السفير المصري مطلع هذا الشهر سنرى كيف تمت صياغة البيان الذي زعم وجود تشكيلات عسكرية بين المتظاهرين لمنح القوات الأمنية تبريرات القتل والملاحقة والمداهمة”.

تنقلات النيابة وأزمة الداخلية  

وإلى جانب عودة المنظومة الأمنية والمدنية للنظام السابق بعد الانقلاب العسكري، لم يكن القضاء والنيابة العامة في البلاد بمعزل عن ذلك.

وخلال شهر مارس الماضي أجرت النيابة العامة بتدخل مباشر من الشرطة- وفقا لمصادر (عاين)، تنقلات واسعة لوكلاء النيابة في القسم الشمالي وسط العاصمة السودانية بوضع وكلاء نيابة موالين للنظام البائد في نيابة القسم الشمالي وهو من أكبر مخافر الشرطة التي يُنقل إليها المتظاهرين من وسط العاصمة.

وإلى ذلك، تقول وزارة الداخلية حسب معلومات تحصلت عليها (عاين) أنها بحاجة إلى 30 ألف جندي لتغطية العاصمة السودانية، بينما يعمل حاليا في الخدمة 17 ألف عنصر بعجز 13 ألف جندي.

متظاهر في ام درمان في مواجهة الشرطة ويظهر جندي يصوب سلاحه- الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي 21 مايو 2022

العجز في عدد الأفراد يعد أحد الأسباب التي أدت إلى تنامي حالة التذمر بين قوات الشرطة خاصة بعد ثورة ديسمبر. يقول مصدر شرطي لـ(عاين)، ويضيف: “هناك خمسة آلاف فرد تركوا الخدمة في جهاز الشرطة مؤخراً”.

عنف رغم العقوبات

ومن بين التشكيلات الأمنية التي كانت تتصدى لقمع الاحتجاجات المناوئة للانقلاب العسكري، كانت قوات الاحتياطي المركزي التابعة للشرطة السودانية والمعروفة شعبياً بـ(ابوطيرة) الأعنف.

وفي يناير الماضي كانت الخزانة الأميركية أوقعت عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي. وقالت إن هذه القوات متورطة في “انتهاكات جسيمة” بحق السودانيين.

يرى مصدر عسكري، أن شرطة الاحتياطي المركزي تمثل الذراع العسكري للإسلاميين في الداخلية. ويقول المصدر لـ(عاين): ” معظم الضباط في هذه القوة التي تمارس الانتهاكات ضد المتظاهرين موالين للحركة الإسلامية جرى تجنيدهم إبان فترة الرئيس المخلوع عمر البشير الذي استخدم هذه القوات في الحرب ضد الحركات المسلحة في إقليم دارفور”.

لم تغيير العقوبات الامريكية في طبيعة تعامل قوات الشرطة مع المتظاهرين -حسب ما يقول الناشط الحقوقي مسعود عبد الله الذي يعتقد أن الشرطة لا تزال تعج بعناصر الحركة الإسلامية إلى جانب تحالفها مع “مصالح اقتصادية” في مجال السجل المدني ومعاملات الهجرة وتهريب البشر والمخدرات. ويقول عبدالله لـ(عاين)، “كل هذه الجرائم تجعل الشرطة تخشى التغييرات الراديكالية بوصول القوى المدنية إلى السلطة”.

تجنب الصدام مع الجنرالات

أبان تقاسم المدنيين والعسكريين السلطة وخلال العام 2021 تقدمت لجنة أمنية شكلتها قوى الحرية والتغيير بخطة استراتيجية سلمتها لمجلس الوزراء شملت بناء علاقة جيدة بين المجتمع والشرطة وإزالة العلاقة المتوترة كما شملت الخطة انصاف أفراد الشرطة ماديا بتحسين الوضع المالي إلى جانب بناء الشرطة بشكل جيد تدريبا وتخطيطا وانتشارا.

كما شملت الخطة إنشاء جهاز للأمن الداخلي في مسعى لمكافحة تغلغل عناصر التنظيم الإسلامي في الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطية.

تصاعد الحرب في إثيوبيا، لا نهاية تلوح في الأفق

قال أحد المُطلعين على بنود استراتيجية اللجنة التي شكلتها قوى الحرية والتغيير بشأن إصلاح الشرطة لـ(عاين)، إن مجلس الوزراء في العام 2021 قبل الانقلاب العسكري حينما تسلم الاستراتيجية واجه صعوبات في تطبيقها لأسباب تتعلق بالتمويل وفتور العسكريين في التعامل مع المدنيين خاصة مع الخلافات التي نشبت منذ تكوين حكومة حزبية إلى جانب الحركات الموقعة على السلام.

ويرى المصدر، أن أزمة الشرطة لا تتعلق بهيمنة الإسلاميين التي لا تزيد عن 10% في جميع ادارات وزارة الداخلية في الرتب العليا أو الوسطى لأن الجنود بطبيعتهم بعيدون عن الاستقطاب السياسي أو الايديلوجي.

وأضاف: “مشكلة إصلاح الشرطة في عهد حكومة حمدوك 2021 تلخصت في تجنب المدنيين في مجلس الوزراء الصدام مع الجنرالات إلى جانب أن العسكريين كانوا قد بدأوا خطط الانقلاب بالتالي كان من الصعب أن يطبقوا هذه الاستراتيجية”.

ولإستفساره حول العديد من النقاط التي حواها بيان الشرطة الأخير وماطلبته من صلاحيات وغيرها من الاتهامات التي تواجهها الشرطة بممارسة العنف ضد المحتجين السلميين تواصلت (عاين) مع الناطق الرسمي للشرطة لكنه لم يرد على الاتصالات.