الشرطة السودانية بين «كماشة» صراع نفوذ جنرالات الجيش والدعم السريع
16 يناير 2022
بين مخاوف الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من انحياز قوات الشرطة للاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في البلاد والمناوئة للانقلاب العسكري، يدور صراعا خفيا بين قادة الجيش والدعم السريع للسيطرة على قوات الشرطة.
وكان لافتا، ولأول مرة تدخل الجيش السوداني المباشر في قمع الاحتجاجات التي اقتربت من القصر الرئاسي في 13 يناير الجاري وارتكابه أعمال عنف وحشية بحق المتظاهرين.
وبعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل 2019، أبدى قادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اهتماما بالشرطة لجهة انها احد المؤسسات السودانية الراسخة الواجب استمالتها للشق العسكري، في وقت عجزت الحكومة الانتقالية المدنية بقيادة عبد الله حمدوك في انتزاع صلاحيتها واستمالة قوات الشرطة كجهاز يديره المكون المدني عبر وزارة الداخلية الخاضعة لرئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وتقول مصادر متطابقة في الشرطة السودانية، لـ(عاين)، انه وخلال تولي رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك لرئاسة الحكومة كان يصدر بعض القرارات المتعلقة بجهاز الشرطة، ولكن في الحقيقة هي سيطرة شكلية يحاول ان يقنع بها الشارع السوداني بأن لديه السلطة على المؤسسات المدنية سيما الشرطة، فقد كانت معظم القرارات المتعلقة بالإقالة أو التعيين تصدر من رئيس مجلس السيادة .
فيما يقول مصدر عسكري لـ (عاين)، أن الشرطة تحت قبضة الجيش بشكل كامل ويضيف “انا لا اتحدث عن خضوعها للسلطة العسكرية التى تخضع لها كل البلاد، ولكن اعني ان قيادات الجيش العليا تضع يدها على جهاز الشرطة وسلبته طابعه المدني المنضبط تجاه تنفيذ القانون”.
صراع نفوذ
ويؤكد المصدر العسكري، أن الشرطة هي الحلقة الأضعف في صراع النفوذ الدائر بين الجيش والدعم السريع اذ ان الاخيرة تعتمد على شراء الضباط في المؤسستين بأموالها ولكن الجيش يعمل على التدخل في كل ما يتعلق بعمل الشرطة وقد ينوب عنها كما يحدث في بعض الأحيان في تأمين المؤسسات والنزول إلى الشارع .
فيما يرجع الناشط والمهتم بالملف الأمني، منتصر ابراهيم، محاولات خلق ولاءات وحيازات داخل مؤسسة الشرطة من قبل القوات الاخرى الى الرغبة في النفوذ سيما الدعم السريع لانها اقرب الى انها شركة ذات طابع امني تحاول ان تخلق اصحاب مصلحة بمنح بعض الضباط بعثات خارجية باعتبار أن واحد من مصادر ثراء هذه القوة هو المشاركة في الحروب مع تحالفات خارجية مثلما يحدث في اليمن وهذا يقرأ بأن هناك محاولات شراء زمم أصحاب الطموحات الخاصة.
ناشط مدني مهتم بالملف الأمني: الشرطة فقدت السمة الرئيسية وأصبحت فيها نوع من السيولة وانسحبت عليها تقاليد الدعم السريع بدل ان تذهب الاخيرة في طريق مؤسسات الشرطة والجيش التي تستند على الانضباط.
وبحسب ابراهيم، فان الدعم السريع لديها امكانية التأثير على رتب عليا في الشرطة والتدخل في التعيين والاقالة لمدير عام الشرطة وحدث ذلك عقب أول انقلاب بعد سقوط البشير، والواقع أن الشرطة الآن فقدت السمة الرئيسية وأصبحت فيها نوع من السيولة وانسحبت عليها تقاليد الدعم السريع بدل ان تذهب الاخيرة في طريق مؤسسات الشرطة والجيش التي تستند على الانضباط. وبدلا من أن الشرطة هي المؤسسة التي تطبق القانون تحولت الى شكل مؤسسات الفوضى ولم تعد مؤسسة لإنفاذ القانون وترتكب انتهاكات نتيجة حالة التحلل التي سيطرت عليها.
عسكريون يشرفون على ملف الشرطة
خلال شركة الحكومة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري قبيل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، يشرف نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو حميدتي، وعضو المجلس السيادي، شمس الدين الكباشي على ملف الشرطة في الحكومة الانتقالية- بحسب عضو سابق في المجلس السيادي من المكون المدني فضل حجب اسمه.
ويضيف المسؤول السيادي المدني السابق، “الجيش يسيطر سيطرة تامة على قوات الشرطة وحتى تسمية المدنيين لقادة هذه المؤسسة هي شكلية ولا تتم الا عبر موافقة امنية ولم يكن المكون المدني لديه ادنى سيطرة على جهاز الشرطة”. مشيرا الى مشاركة مدير الشرطة في انقلاب 25 اكتوبر.
ويأتي سباق العسكريين على الشرطة -بحسب عضو المجلس السيادي السابق- لجهة أن الجيش السوداني والدعم السريع بحاجة الى خبرة الشرطة بعد حل هيئة العمليات في جهاز الأمن والمخابرات- قوات قتالية- وأن إي عمل عسكري لابد من وجود الشرطة فيه سيما أن لديها قوات امنية قتالية الاحتياطي المركزي المعروفة بـ”ابو طيرة”.
اختراق الدعم السريع للشرطة
يفيد المسؤول السيادي السابق، أن قوات الدعم السريع عملت على تعزيز وجودها في مؤسسة الشرطة واتجهت إلى تجنيد مكونات بعينها لاسيما في ولايات إقليم دارفور.
ويشير المصدر السيادي، الى حرص قائد قوات الدعم السريع على كسب ثقة الشرطة وولائها من خلال التحفيز المالي والحديث عن قضاياهم ومشاكلهم والوعد بمعالجتها والثناء على الدور الذي تقوم به الشرطة حدث ذلك قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر وصرح بضرورة هيكلة الشرطة السودانية والنأي بها بعيداً عن الجهوية والحزبية والقبلية وهو من يؤسس الى هذا المسلك.
ويشير المسؤول السيادي السابق أن قائد الدعم السريع دائما ما يحذر قوات الشرطة من خلال خطاباته بعدم الالتفات لمن يسميهم -أصحاب الأجندة- وهنا يقدر المصدر أن الجيش والدعم السريع يتخوفون من انحياز الشرطة الى الشارع، لكنه يستبعد ذلك لأن الشرطة الموجودة حالياً ظلت اسيرة نظام شمولي اسلامي قضى على مؤسستها وتقاليدها الراسخة.