السودان: حكم باعدام محامي.. ما التُهمة؟

عاين- 17 مايو2024

في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، قد تقود رسائل أو صور أو مقاطع فيديو على الهاتف الشخصي إلى المحكمة، وقد تصل إلى مرحلة الإدانة والحكم بالإعدام- وفق إفادات ناشطين حقوقيين.

الأسبوع الماضي قضت محكمة جنايات القضارف شرق البلاد على أحد المواطنين الذين يعملون في مهنة المحاماة بالإعدام إثر اتهامه بالتعاون مع الدعم السريع وبموجب هذا الاتهام قضت المحكمة عليه بالإعدام تحت المادة 51 إثارة الحرب ضد الدولة طبقا لوسائل الإعلام.

ومنذ اندلاع الحرب كثفت الأجهزة الأمنية والعسكرية في مناطق سيطرة الجيش إجراءات تفتيش المدنيين في الطرق البرية والأسواق في بعض الأحيان وإجبار رجال الأمن بعض المواطنين تصفح وتفتيش الهاتف النقال.

محكمة خاصة

ومنذ إنشاء محكمة خاصة بانتهاكات الدعم السريع قبل شهرين تطورت الملاحقة القانونية والقضائية بحق المدنيين في مناطق الجيش حسب تقديرات هيئة الاستخبارات العسكرية، إذ يؤكد الناشط الحقوقي أحمد عثمان أن الاستخبارات هي الطرف الشاكي في قضية المحامي الذي حكمت عليه المحكمة في القضارف بالإعدام، وجرى ضبط المدان بناءً على الهوية الاجتماعية التي يقاتل بعض شبانها في صفوف الدعم السريع.

القاضي الذي يشرف على المحكمة الخاصة بانتهاكات الدعم السريع كان قد فصلته لجنة تفكيك التمكين من الهيئة القضائية قبل عامين أُعيد مجددا إلى الخدمة عقب انقلاب الجيش والدعم السريع على حكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021 طبقا لعثمان.

يضيف الناشط الحقوقي أحمد عثمان عمر: “يقبع عشرات المواطنين في سجون تقع في الولايات الشرقية والشمالية في مدن مثلا عطبرة وكسلا وخشم القربة وبورتسودان بتهمة التعاون مع الدعم السريع“.

محاميات في محكمة (توباك) 12 يونيو 2022 الصورة- احمد عمر- موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك

وقضت المحكمة على المدان بالسجن عشرة اعوام أيضا مع حكم الإعدام وبموجب هذا الحكم من حق المدان الاستئناف لدى المحكمة العليا في ثلاث مراحل للطعون قبل الوصول إلى مرحلة المحكمة الدستورية التي جمدت منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019، ولم تتمكن السلطة المدنية التي تولت الحكومة مناصفة مع الجنرالات من قيام المحكمة الدستورية نتيجة خلافات بين الجانبين؛ إذ إن الجيش والدعم السريع حاولا التأثير في تكوين هذه المحكمة.

أبعاد سياسية

ويقول عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري خلال الحرب المحامي عثمان البصري لـ(عاين) إن الحكم بالإعدام في محكمة جنايات القضارف جاء تحت المادة 51 والمتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة أو إتلاف أدوات التواصل مثل السفن والاتصالات أو التعاون مع دولة خارجية تغزو البلاد، وكل هذه العناصر لم تتوفر في حيثيات الاتهام التي وجهت إلى المحامي الذي حكم عليه بالإعدام في مدينة القضارف.

وأضاف: “الكتابة على الوسائط الاجتماعية أو الهاتف لديها قوانين خاصة بالنشر لا علاقة لها بالمادة 51؛ لأن المدان لم يقم بتأسيس كتيبة عسكرية لمحاربة الدولة“.

وزاد البصري قائلا: “الحكم ذات أبعاد سياسية أكثر من كونه قانونياً“.

وكانت الأجهزة الأمنية المشتركة التي تسمى بـ”الخلية الأمنية” نفذت حملات في سوق القضارف الخميس الماضي، وشوهد بعض المدنيين قد أجبروا على ركوب الشاحنة الأمنية والجلوس بطريقة مهينة وفق شهود عيان تحدثوا لـ(عاين).

التخويف والإرهاب

فيما يؤكد الناشط الحقوقي أحمد عثمان عمر، إن مجرد عثور رجال الأمن التابعين لهيئة الاستخبارات أو جهاز المخابرات أو المباحث أو الشرطة على صور قائد الدعم السريع أو شقيقه القائد الثاني عبد الرحيم دقلو أو صور الجنود من هذه القوات في أثناء الحملات في نقاط العبور إلى المركز الأمني قد تقود الشخص المعني إلى المركز الأمني، وفي بعض الأحيان يتعرض للتعذيب لانتزاع اعتراف.

غياب المحكمة الدستورية في السودان.. من يريد إجهاض العدالة؟
المحكمة الدستورية- الخرطوم- ارشيفية

ويرى عثمان أن الغرض من حكم الإعدام هو نشر الرعب بين المواطنين في مناطق سيطرة الجيش وإجبارهم على الصمت وعدم مناهضة الحرب؛ لأن هذه التضييق الأمني على المدنيين لن يرجح كفة الجيش في المعارك العسكرية التي لديها مطلوبات أخرى.

وتابع عثمان: “حكم الإعدام الصادر من القاضي الخاص بمتابعة قضايا انتهاكات الدعم السريع هو الثاني من نوعه خلال الأشهر الماضية، ولن يتوقف عند هذا الحد … المتوقع إصدار أحكام قضائية بالإعدام والسجن بحق العشرات خلال الفترة القادمة إذا استمرت الأمور بهذه الوتيرة“.

وختم عثمان تعليقه على الحكم بالقول: “المعلومات التي نقلتها وسائل الإعلام حول حكم الإعدام الأخير من محكمة جنايات القضارف جاءت من منصة تتبع للحكومة، وتعمدت نشر المعلومات بهذه الطريقة الأحادية دون إبراز رأي هيئة الدفاع عن المدان والغرض من النشر بث رسائل التخويف وسط المواطنين”.