قتلة شهداء الثورة السودانية.. (متاريس) أمام العدالة

11 فبراير 2023

منذ حوالي أربع سنوات تتوق عائلة المعلم -أحمد الخير – أحد أبرز شهداء الثورة السودانية لرؤية 29 عنصراً من جهاز الأمن والمخابرات أدينوا قضائياً بقتل ابنهم أمام العدالة.

لكن حلم عائلة “الخير” وآخرين من شهداء الثورة في القصاص بحاجة لمزيد من الوقت حتى يتحقق، نظراً لغياب المحكمة الدستورية في السودان على مدار 4 سنوات ماضية، وهي تختص بالتصديق النهائي على الأحكام القضائية قبل تنفيذ حكم الإعدام على المدانين بجرائم القتل.

قانونيون: السلطة الانقلابية تتخذ غياب المحكمة الدستورية كحيلة لتجنب تنفيذ حكم الإعدام بحق منسوبي الأجهزة الأمنية والعسكرية المدانين بقتل شهداء الثورة

ويرى قانونيون، أن السلطة الانقلابية تتخذ غياب المحكمة الدستورية كحيلة لتجنب تنفيذ حكم الإعدام بحق منسوبي الأجهزة الأمنية والعسكرية المدانين بقتل شهداء الثورة وهم يعولون على عامل الوقت لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب المأمول من عائلات الضحايا والاستعاضة عنها بتعويضات مالية “الديات”.

ويشير القانونيون خلال افادات لـ(عاين)، إلى أن المحكمة الدستورية ليست مستوى تقاضي ولا تعدل في الأحكام النهائية، بل تنحصر مهمتها النظر في مدى تمتع المتهمين بحقوقهم الدستورية ولم يمنعوا من حق دستوري خلال مراحل التقاضي المختلفة، ويمكن تشكيل دائرة داخل المحكمة العليا لتقوم بهذا الاختصاص بدلاً من تعطيل سير العدالة.

وقُتل المعلم احمد الخير مطلع يناير 2019م إثر تعرضه لتعذيب وحشي داخل حراسات جهاز المخابرات السوداني في مدينة خشم القربة شرقي البلاد بعد اعتقاله بسبب مشاركته في الاحتجاجات الشعبية ضد نظام المخلوع عمر البشير، وأيدت المراحل القضائية بما في ذلك دائرة المراجعة في المحكمة العليا، حكم الإعدام قصاصاُ على 29 من منسوبي الأمن.

وأثارت الجريمة البشعة غضب السودانيين وشكلت دافع قوي لتكثيف موجة الاحتجاجات لتعم كافة أرجاء البلاد وقتها حتى سقط نظام الحركة الإسلامية بقيادة البشير.

وتكشف قضية الخير تحديات كبيرة تواجه تنفيذ أحكام القصاص لشهداء الثورة السودانية، فهناك عدد من القضايا المماثلة ربما تجد نفس المصير وهو ما أثار مخاوف عائلات الضحايا من أن تظل مجرد أحكام قضائية لا يصل معها العقاب المناسب للمدانين.

تمتد هذه المخاوف إلى اسرة الشهيد حسن محمد عمر الذي قضت محكمة في الخرطوم بالإعدام شنقاً حتى الموت على المدان بقتله، وهو عنصر المخابرات أشرف الطيب عبدالمطلب الشهير بـ”ابجيقة”، وتم تأييد الحكم من المحكمة العليا وينتظر التنفيذ. وتوفى حسن إثر اصابته برصاصة في العنق خلال مشاركته في مواكب احتجاجي  في العاصمة السودانية يوم 25 ديسمبر 2018م.

وهناك أحكام قضائية بالإعدام قصاصاً في حق قتلة شهداء الثورة السودانية، زروق صالح زروق الذي قتل في مدينة الحصاحيصا خلال احتجاجات غاضبة على جريمة فض الاعتصام السلمي أمام قيادة الجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019م، بجانب الشهيد عزمي فتحي هارون الذي قتل على يد ضابط شرطة في محيط الاعتصام في 30 مايو 2019م.

وأيضاً مجزرة مدينة الأبيض التي سقط خلالها 6 طلاب خلال احتجاجات 2019م، أدانت المحكمة ستة من أفراد قوات الدعم السريع بارتكاب الجريمة البشعة وقضت بإعدامهم شنقاً حتى الموت قصاصاً وينتظر التأييد في مراحل التقاضي الأخرى.

غياب الإرادة

شقيق الشهيد أحمد الخير: هناك عدم إرادة وجدية في تنفيذ حكم الإعدام على قتلة شقيقي، القانونيين يرون إمكانية تشكيل دائرة مؤقتة للمصادقة على الإعدامات التي لا ينبغي أن ترجى حتى قيام المحكمة الدستورية

يقول سعد، شقيق الشهيد “أحمد الخير” في مقابلة مع (عاين)، إنهم مُحبطين للغاية جراء تأخر تنفيذ حكم الإعدام على المدانين بقتل أخيه وهي لحظة انتظروها طويلاً، ليس عائلته وحدها بل كافة جموع الشعب السوداني.

وأضاف: “هناك عدم إرادة وجدية في تنفيذ حكم الإعدام على قتلة شقيقي، فالقانونين يروا إمكانية تشكيل دائرة مؤقتة للمصادقة على الإعدامات التي لا ينبغي أن ترجى حتى قيام المحكمة الدستورية، فحسب ما علمنا وأبلغنا فإن حوالي 3 آلاف مدان في السودان لم يتم تنفيذ حكم الإعدام عليهم بسبب غياب المحكمة الدستورية وهم في قائمة الانتظار”.

وشدد سعد الخير: “قضية الشهيد أحمد لم تخص اسرتنا فحسب، وإنما كل الشعب السوداني فهي محروسة بكافة السودانيين ولا سبيل غير تنفيذ حكم الإعدام على المدانين طال الزمن أم قصر، وسنظل في حالة ترقب لهذه اللحظة الفارقة في أي وقت، فطريق القصاص الذي سلكناه لا رجعة منه”.

وتابع: “تأخير تنفيذ حكم الإعدام تسبب في آثار نفسية بالغة على الأسرة وكل السودانيين، فما زال الجميع يتذكر الطريقة البشعة التي تم بها اغتيال الشهيد احمد، ونحن نأمل ان نرى القصاص قريباً، لكننا لم نلتمس أي جدية في هذا الشيء”.

وفي نفس السياق، يقول المهندس عبدالله العمدة أحمد عثمان، متحدث عائلة الشهيد حسن محمد عمر، إن جهات تعمدت إبطاء وتعطيل تنفيذ حكم الإعدام والدخول في مفاوضات مع أسر الضحايا من أجل العفو، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل ولا سبيل سوى تنفيذ أحكام القصاص على المدانين.

وأضاف عبدالله في مقابلة مع (عاين): “ارسلوا الينا عشرات الوفود احداها من الطيب الجد، وقيادات بارزة في نظام الرئيس المخلوع طالبين العفو، وقد رفضنا كل هذه الوساطات و أكدنا لهم تمسكنا بالقصاص هذه رغبة العائلة وأصدقاء وزملاء الشهيد حسن، وكل الشعب السوداني الذي نعتبره ولي دم في هذه القضية”.

وتابع عبد الله: “تم تأييد حكم الإعدام في كل مراحل التقاضي وهي المحكمة العليا وما تبقى هو شيء إجرائي شكلي لا يغير في مسار القضية، وهو مصادقة المحكمة الدستورية وتوقيع رأس الدولة، فالقضاء قد قال كلمته ولا مجال لعدم تنفيذ حكم الإعدام على الأشخاص المدانين”.

متظاهرون في العاصمة الخرطوم يحملون لافتة تطالب بعدم عسكرة القضاء 13 أكتوبر 2022

وأردف: “أي محاولة لتعطيل هذه الأحكام ستشكل ضربة للقضاء في البلاد، بل نهايته تماماً وسوف ندخل في مربع اللا دولة والفوضى العارمة التي لا تبقي ولا تذر، فمن الأفضل  تنفيذ حكم الإعدام على المدانين ونحن من جانبنا لن نقبل بغير القصاص الذي أقرته كافة مستويات ومراحل التقاضي”.

حيل تعطيل العدالة

يرى القاضي السوداني السابق والمحامي محمد الحافظ، أن السلطات الانقلابية تتخذ من غياب المحكمة الدستورية حيلة لتفادي تنفيذ أحكام الإعدام على منسوبي المؤسسة العسكرية على الرغم من أنها ليست مستوى تقاضي وإنما يتم النظر خلالها الى مدى تمتع المدان بحقوقه الدستورية في كافة مراحل التقاضي من السماح له بإحضار محامي وتقديم طعن وكل ذلك أمور لا يمكن أن تغفلها المحاكم.

محمد الحافظ:  هناك تعمد لتعطيل سير العدالة، فرأس السلطة الانقلابية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لم يوقع على أي من أحكام الإعدام حتى الآن

وقال الحافظ في مقابلة مع (عاين)، إن “المحكمة الدستورية انتهت ولايتها ولم يجدد لها، وكان من الممكن التمديد لأعضائها السابقين عندما تعذر تشكيل مجلس القضاء العالي الذي أعطته الوثيقة الدستورية سلطة تكوين المحكمة الدستورية”، لافتا الى انه دفع بمذكرة الى السلطة الانتقالية قبل الانقلاب لحل هذه المعضلة ولكن لم تحظ بأي اهتمام”.

وأضاف: “هناك تعمد لتعطيل سير العدالة، فرأس السلطة الانقلابية الفريق اول ركن عبدالفتاح البرهان لم يوقع على أي من أحكام الإعدام حتى الآن وهذا يعكس عدم رغبته في تنفيذها خاصة على منسوبي المؤسسة العسكرية المدانين بقتل شهداء الثورة”.

وتابع الحافظ:”أنا غير متفاءل مطلقاً ولا أرى ضوء في آخر النفق بشأن تنفيذ حكم الإعدام على المدانين بقتل شهداء الثورة، فنحن نعيش حالة اللا دولة، كل شيء فيها معطل بأمر الانقلاب العسكري وليس العدالة وحدها. في تقديري ستنفذ هذه الأحكام إذا حدث توافق سياسي وجاءت سلطة مدنية حقيقية قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة وتكوين كل المؤسسات العدلية”.

المحامي معتز المدني: غياب المحكمة الدستورية كان متعمداً وبمباركة القوى السياسية التي شاركت في فترة الحكم الانتقالي لخشيتها الطعون الدستورية في كثير من القرارات والمؤسسات التي تم تكوينها والعسكريون استغلوا هذه الفرصة لتعطيل سير العدالة.

وعلى ذات المنحى، يرى المحامي المهتم بقضايا الشهداء، معتز المدني، أن غياب المحكمة الدستورية كان متعمدا وبمباركة القوى السياسية التي شاركت في فترة الحكم الانتقالي، فهي كانت تخشى من الطعون الدستورية في كثير من القرارات والمؤسسات التي تم تكوينها في ذلك الحين وقد استغل العسكريين هذه الفرصة لتعطيل سير العدالة.

وقال المدني في مقابلة مع (عاين): “سعدت عائلات الشهداء بأحكام الإعدام الصادرة بحق قتلة أبنائها، لكن تأخير تنفيذه هذه الأحكام ادخلها في يأس جديد وسبب لهم أذى نفسي كبير، فالغبن الذي بداخل هذه الأسر كبير لا يخففه سوى رؤية المدانين بجرائم قتل ابناءها على مقصلة الإعدام”.

ويشير المحامي المدني، إلى أن المشكلة الحقيقة هي أن القانون السوداني ربط تنفيذ الأحكام القضائية بالتصديق النهائي في المحكمة الدستورية، الأمر الذي يصعب مسألة الحصول على دوائر بديلة أو مؤقتة للطعون الدستورية في الأحكام القضائية، خاصة في ظل وجود سلطة انقلابية تتعمد تعطيل مسيرة العدالة”.

تغيير سياسي

يخلص المحلل السياسي، صلاح الدومة، إلى أن تحقيق العدالة لشهداء الثورة كافة بحاجة لأن يستمر السودانيين في ثورتهم بذات الزخم حتى يتم تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تجري إصلاحات شاملة على الأجهزة النظامية والعدلية، لكن في ظل الأوضاع القائمة لن تنفذ أي أحكام على المتورطين في جرائم القتل بما في ذلك القضايا التي صدرت فيها أحكام قضائية.

ويقول الدومة في مقابلة مع (عاين):”لا يمكن محاسبة المجرمين في ظل أوضاع فوضوية تعيشها البلاد”. ويرى أن تمضي قوى الثورة في تصعيد الاحتجاجات بالتوازي مع العملية السياسية بغرض الضغط لإنفاذ الاتفاق الاطاري والوصول الى نهايته لمنع “فلول النظام السابق” من الالتفاف عليه وتقويضه، فهو المدخل لإعادة الحكم المدني وتأسيس دولة قوية قادرة على محاسبة الذين ارتكبوا جرائم القتل وغيرها.