كتائب إسلاميي السودان.. تهديد ووعيد مستمر للقوى المدنية

عاين- 9 سبتمبر 2025

بعد 27 شهرًا من القتال بين الجيش والدعم السريع في السودان، يطالب الإسلاميون من أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير بما أسموه “تطهير البلاد من العملاء” في إشارة إلى عدم السماح بعودة القوى المدنية إلى الحياة السياسية والإنسانية.

خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع تصدرت الحركة الإسلامية المشهد السياسي والعسكري في السودان بدفع عناصرها القتالية إلى التحالف مع الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان.

نشر المقاتلون التابعون لكتيبة البراء بن مالك مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية عندما سيطر الجيش على العاصمة السودانية بين مارس ومايو 2025 وهم على مقربة من الرسومات التي تحمل صور ضحايا الاحتجاجات الشعبية قرب القيادة العامة، ويرددون عبارة “نحن رجعنا” في إشارة إلى عودة الإسلاميين.

تنتشر في العاصمة السودانية المجموعات المسلحة، والتي تشمل “المستنفرين” وهم المتطوعون في القتال تحت سيطرة عناصر إسلامية واستخباراتية تابعة للجيش السوداني وفق الباحث في الشؤون الجماعات الدينية أحمد خليفة.

البراء بن مالك، والبنيان المرصوص، والأمن الشعبي، أبرز الكتائب الإسلامية المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني

 من العاصمة السودانية، تقول الناشطة في غرفة طوارئ شرق الخرطوم في مقابلة مع (عاين): “هناك تحولات طرأت على المشهد وبعض الذين ظلوا على قيد الحياة في المدينة يظهرون الامتنان دائما للجيش والكتائب المقاتلة بما في ذلك المجموعات الإسلامية”. وتتابع”إذا لم يحدث تحول سياسي كبير يجبر الجيش على حسم الجماعات الإسلامية المسلحة، اعتقد أن القوى المدنية ستواجه صعوبات في العودة إلى الحياة السياسية بالسودان“.

في الوقت ذاته تبدي هذه الناشطة الإنسانية والتي -تحفظت على ذكر اسمها- ملاحظة حول وجود توتر بين الجيش والإسلاميين حتى على مستوى الكتائب المسلحة المنتشرة في العاصمة السودانية، وهذه قد تكون مؤشرات على أن الجنرال عبد الفتاح البرهان قد يطيح بها عن المشهد.

تشمل المجموعات المقاتلة في صفوف الجيش “البراء بن مالك” و”البنيان المرصوص” و”الأمن الشعبي” وهي أبرز ثلاث كتائب مسلحة متحالفة مع الجيش السوداني خلال الحرب ضد قوات حميدتي كما تشمل هيمنة الإسلاميين على المقاومة الشعبية في الشمالية ونهر النيل والقضارف والجزيرة.

يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد خليفة، إن طبيعة العلاقة بين القوى المدينة والكتائب الإسلامية تبدو متطرفة وعدائية لذلك المشهد بعد الحرب إذا لم يكن مسنودا بالاتفاق السياسي الذي يفتح الفضاء العام قد يكون مليئا بالقمع والاعتقالات وحتى التصفيات السياسية.

أخطر الكوادر السرية في الأمن الشعبي حملوا السلاح خلال الحرب وهم مصممون على عدم إتاحة أي فرصة للقوى المدنية بالتواجد في المشهد السياسي

باحث في شؤون الجماعات الإسلامية

يضيف خليفة: “بينما يمكن احتواء كتيبة البراء بن مالك سياسيا هناك أخطر الكوادر السرية في الأمن الشعبي حملوا السلاح خلال الحرب وهم مصممون على عدم إتاحة أي فرصة للقوى المدنية بالوُجود في المشهد السياسي ولديهم كوادر استخباراتية وأمنية على صلة بأحمد هارون وعلي كرتي القياديين في الحركة الإسلامية“.

إذا حدث اتفاق سياسي بوقف الحرب بين الجيش والدعم السريع بأي صيغة لن يكون الإسلاميون داخل المشهد سيتم عزلهم بشكل كامل، وربما يضطر الجيش السوداني إلى تنفيذ اعتقالات إذا شعر بالخطر“. يقول خليفة.

بين الحين والآخر، ينشر رئيس مجموعة الإسناد المدني التابعة لكتيبة البراء بن مالك محمد عباس مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية سيما “فيسبوك” يسخر فيها من القوى المدنية التي قادت الحراك السلمي خلال ثورة ديسمبر.

يعتبر عباس هو المسؤول الثاني في كتيبة البراء بن مالك خلف المصباح أبوزيد، وفي يونيو 2025 قررت الكتيبة تعيينه رئيسا لإدارة الإسناد المدني، واتجهت إلى تنفيذ حملة مكافحة الوبائيات في العاصمة السودانية.

التحول من جبهات القتال إلى العمل ضمن القطاع المدني يثير قلق القوى المدنية التي عبرت عن شعورها بالاستياء من محاولة الكتائب الإسلامية التغلغل إلى المؤسسات العامة المدنية على سبيل المثال قال تجمع أبناء أم درمان في بيان خلال يونيو 2025 إن كتيبة البراء بن مالك التي أعلنت انتقال عناصرها إلى “الإسناد المدني” بينما لا تزال تحتفظ بمقراتها العسكرية والأسلحة.

الرهان على التصنيف

في يونيو 2025 أعلن التحالف المدني لقوى الثورة “صمود” بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك عن إطلاق حملة لتصنيف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني اللذين هيمنا على الحكم طوال فترة الرئيس المعزول عمر البشير منظمات إرهابية، وقال التحالف الذي يقوده حمدوك إن “الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني لن يسمحا باستقرار السودان؛ ولذلك من الواجب على المجتمع الدولي تصنيفهما كمنظمات إرهابية“.

ويقول مصدر من المكتب التنفيذي للتحالف المدني لقوى الثورة “صمود” لـ(عاين): إن” التحالف بقيادة عبد الله حمدوك عرض مشروع تصنيف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني كمنظمات إرهابية على أعضاء محدودين داخل الكونغرس الأميركي“.

مظاهرات في الخرطوم ضد الانقلاب العسكري 14 فبراير 2022

وأضاف: “يعتمد نشاط القوى المدنية في السودان خلال فترة ما بعد الحرب على شكل الاتفاق السياسي الذي ينتجه المجتمع الإقليمي خاصة ومصر والإمارات والسعودية هذه الأطراف لا تريد أي نشاط مدني يعيد الانتقال والديمقراطية إلى السودان“.

بينما يعتقد المتحدث باسم الحزب الشيوعي فتحي فضل، إن مواجهة القوى المدنية للإسلاميين جُربت من قبل، ويمكن أن تتكرر حال توقف الحرب في شوارع العاصمة السودانية فلا شيء يمنع المواطنين من التعبير عن رفضهم للنظام الشمولي أو “دولة الحزب الواحد” أو عودة نظام “الإخوان المسلمين” على حد تعبيره. ويقول فضل في مقابلة مع (عاين): “الحركة الاحتجاجية للسودانيين قاومت نظام البشير وترسانته الأمنية خلال ثورة ديسمبر وهي قادرة على تكرار هذا السيناريو مرة أخرى لاستعادة الانتقال المدني والديمقراطي“.

تضخيم وجود الإسلاميين

لا يتوقع الإسلاميون خاصة التيار النافذ، توقف الحرب في السودان قريبا، ففي مقابلة مع وكالة رويترز نهاية يوليو 2025 قال رئيس حزب المؤتمر الوطني “المحلول” أحمد هارون الذي يحظى بحماية من الجيش شمال السودان إن الحرب الحالية لن تكون الأخيرة. مشيرا إلى أن الجيش سيتولى السلطة لسنوات في السودان؛ نظرا للتحديات الأمنية والعسكرية التي خلفتها الحرب.

ويتوقع أستاذ التنمية الاجتماعية في جامعة زالنجي سليمان مسار لـ(عاين) بأن الإسلاميين لن يسمحوا بعودة القوى المدنية والنشاط السياسي حتى بالطريقة التي كانت تسود في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. ويعتقد مسار أن الإسلاميين بمختلف التيارات يخوضون الحرب مسخرين كافة الأدوات والعناصر والتمويل المالي؛ لأنها الفرصة الوحيدة لإعادتهم إلى السلطة. أما أي اتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع يمهد لإعادة القوى المدنية إلى المشهد السياسي في السودان بالنسبة للإسلاميين ومجموعاتهم المسلحة “ضربة موجعة” قد تجعلهم يخططون لجر البلاد إلى فوضى شاملة.

قادة أهليون واعضاء في حزب المؤتمر الوطني يستقبلون رئيس الحزب المكلف إبراهيم محمود في مطار بورتسودان أكتوبر 2024

يرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية محمد عباس، إن الإسلاميين في الوقت الحالي يقاومون أي اتفاق بين الجيش والدعم السريع؛ لأنه قد يمهد لعودة القوى المدنية إلى المشهد في السودان. وتابع في مقابلة مع (عاين): “قرر الإسلاميون الاستمرار في الحرب ونقلها إلى إقليم دارفور مع استمرار حكومة كامل إدريس بين بورتسودان والخرطوم والسيطرة على الوضع بالقبضة الأمنية.

ويتوقع محمد عباس، أن الخطة الثانية تعتمد على نقل العناصر الإسلامية إلى المؤسسات المدنية للبقاء هناك في المكاتب والخدمات الحيوية وتعطيل أي حكومة تنتج عن الاتفاق السياسي بين القوى المدنيين والجيش. وأردف: “مجموعة البراء بن مالك أكثر قوة صلبة في معسكر الإسلاميين المؤيد للحرب نقلت مئات الكوادر النشطة من جبهات القتال إلى القطاع المدني، وبدأت في حملات رش الأحياء وتهيئة المؤسسات الحكومية“.

بينما يقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي علاء الدين بشير لـ(عاين): إن “هناك تضخيماً للكتائب الإسلامية المتحالفة مع الجيش؛ لأنها ليست بالخطورة والهالة التي يضعها الناس”. وأضاف: “الجيش والإسلاميون يعلمون جيدا أن الحرب ستتوقف في مرحلة ما وعودة الفضاء المدني وفتح المجال أمام القوى المدنية والسياسية مهما حاولا رفض الأمر، وذلك بالدفع الطبيعي والتطورات والمتغيرات التي ستأتي بعد مرحلة الحرب“.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *