(قادة الإنقلاب).. مواجهة مكشوفة تسبق دمج الجيوش

19 فبراير 2023

تدخل العملية السياسية في السودان في تعقيدات على إثر تصاعد وتيرة الخلاف داخل المؤسسة العسكرية، بعد أن رهن جنرالات الجيش الاستمرار في الاتفاق الإطاري لنهايته بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، وهو موقف جديد من شأنه أن يقود إلى تعطيل التوصل لاتفاق نهائي.

مؤخراً، وبعد أشهر من توقيع الاتفاق الإطاري الذي يجب أن تتشكل بموجبه حكومة مدنية،  أظهر قادة الجيش السوداني عدم رضا عن مسارات العملية السياسية والتي تحظى بتأييد ومساندة من قوات الدعم السريع.

وطرح قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، دمج قوات الدعم السريع كشرط للمضي في الاتفاق الاطاري بعد أيام قليلة من إعلان الوساطة الدولية قرب الأطراف المدنية التوصل إلى “إعلان سياسي” ينهي الخلافات الناشئة بينها.

وكان الاتفاق الإطاري الموقع بين قوى مدنية وعسكريين في ديسمبر الماضي، نص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش وفق جداول زمنية محددة، وعرفها بأنها قوات نظامية تتبع للقوات المسلحة. لكن الاتفاق نص على أن يكون رأس الدولة قائداً أعلى للجيش وقوات الدعم السريع بصيغة شابها كثير من اللبس وتوحي باستقلالية قوات الدعم السريع.

وجاءت تصريحات قادة الجيش الأخيرة في أعقاب فشل محاولات قادة الجيش لإغراق العملية بأطراف سياسية لم تكن جزءاً من قوى الثورة، بينما تأتي مطالبة الجيش بدمج قوات الدعم السريع بمثابة رهان أخير لجنرالات الجيش السوداني لتقويض المساعي الجارية لحل الأزمة السياسية في البلاد- وفقا لما يقول محللون سياسيون.

هزيمة الإتفاق

“البرهان وبقية جنرالات الجيش هم ضد أي اتفاق جديد مع القوى السياسية المدنية وفي كل مرة يرسموا خطط لتعطيل أي حلول سياسية للأزمة، وهم يراهنون على عامل الوقت لإحكام السيطرة على الأوضاع في البلاد، هذا نتاج غياب التفكير الاستراتيجي لديهم وسوء قراءة المشهد”. يقول المحلل السياسي، حاج حمد محمد خير لـ(عاين).

سباق المال والنفوذ .. لماذا استولى الجيش السوداني على السلطة؟
أظهر قادة الجيش السوداني عدم رضا عن مسارات العملية السياسية والتي تحظى بتأييد ومساندة من قوات الدعم السريع

ويشير خير، إلى أن مسألة دمج الدعم السريع منصوص عليها في الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه البرهان مع آخرين فلا يوجد مبرر كاف لطرحها في هذه المرحلة وليس لديها أي تفسير بخلاف سعي جنرالات الجيش لتقويض العملية السياسية.

ويضيف: “البرهان يدرك تماماً أن الرؤية الأمريكية الأوروبية الخليجية لحل الازمة السودانية هي الغالبة، وقد رضخ الحلف المصري الإسرائيلي المساند له لرغبة الغرب، وقد تجلى ذلك في فشل ورشة القاهرة التي استضافت قوى حليفة للجيش السوداني والنظام السابق”.

“لم ينجح الحلف الأمريكي في إجهاض مساعي تقويض الاتفاق الإطاري فحسب بل عمل على قطع الطريق أمام روسيا وتجميد مشروع القاعدة العسكرية في البحر الأحمر فكانت زيارة وزير الخارجية الروسي للخرطوم بروتوكولية ولم تسفر عن أي نتائج،  أيضا ضرب خطة مصر وإسرائيل الرامية لإيجاد طوق نجاة للعسكريين من أي اتفاق مع المدنيين يبعدهم من المشهد السياسي في البلاد”. يقول المحلل السياسي حاج حمد.

وكان 6 مبعوثين دوليين زاروا الخرطوم مطلع فبراير الجاري لدفع العملية السياسية التي تسيرها الية رباعية تضم بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم يونيتامس والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات بعد أن شابه جمود طويل بسبب خلافات بين قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة وأحزاب حول نصوص الاتفاق الإطاري.

وأسفرت جهود المجتمع الدولي في تحقيق تقارب بين القوى المدنية والتوصل لإعلان سياسي مشترك ينهي الخلافات ويمضي بالعملية السياسية الى نهايتها وصولا الى تشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية، لكن قبل تتويج تلك المساعي خرج القادة العسكريين بورقة دمج الدعم السريع بعد أن كان شرطهم الوحيد للعودة إلى الثكنات هو “توافق القوى السياسية المدنية”.

مواجهة مكشوفة 

محاولات قائد الجيش للتراجع عن الاتفاق السياسي المبرم، تصدى لها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي علانية وصرح بالتزام المؤسسة العسكرية بالاتفاق الاطاري وستمضي فيه إلى نهاياته، وهو يذلك انتقل الى معسكر القوى الديمقراطية في مفارقة كبيرة، يفسرها المحلل السياسي الدكتور عبد اللطيف محمد سعيد بأنها موقف تكتيكي مرحلي قصد من خلاله الاحتماء مؤقتاً بقوى الثورة مثلما فعل إبان اعتصام القيادة العامة قبل سنوات.

ويقول سعيد في مقابلة مع (عاين) إن “حميدتي بدوره يعيش ضغوط دولية نتيجة تحالفه مع روسيا وشراكته مع مجموعتها الأمنية فاغنر في السودان وافريقيا الوسطى والنيجر وغيرها، بجانب رفضه الشديد من قبل مصر، فهو يريد بدعم الاتفاق الإطاري نيل رضاء الدول الغربية والاحتماء بقوى الثورة في سياق صراعه مع الجيش”.

وشدد عبد اللطيف، على أنه بموجب الاتفاق الإطاري سوف يكون هناك شخص واحد على رأس المؤسسة العسكرية وهو القائد العام، على أن يكون رئيس الدولة قائد اعلى، وهذا الشيء زاد من حدة الصراع بين البرهان وحميدتي اللذين يحمل كلاهما أطماع شخصية في الجلوس على كابينة القيادة، فيخطط كل واحد منهم لضرب نفوذ الآخر قبل الدخول في المرحلة الانتقالية الجديدة.

وأضاف سعيد: “اذا لم تحدث تدخلات حكيمة ربما يتطور هذا الصراع الى حرب بين الجيش والدعم السريع والتي ستكون مدمرة وستدخل البلاد في نفق من الصراع الطويل الذي يحتاج الى سنين لحسمه والتعافي منه، ومن الضروري قيام وساطة فعلية تسعى لإيجاد صيغة توافقية بين العسكريين للخروج من هذا النفق المظلم، ويكون ذلك قبل التفكير في أي نقاشات بشأن الاتفاق السياسي النهائي”.

وفي خطاب مسجل بثته وسائل إعلام محلية اليوم الأحد، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حول العلاقة بين القوات المسلحة السودانية وقواته، ان قوات الدعم السريع نشأت كمساند ومساعد للقوات المسلحة، وينص قانونه على أنه جزء منها.

دقلو: “لن نسمح لعناصر النظام البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع

وتابع دقلو: “لن نسمح لعناصر النظام البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، واقول لهم أنهم لن يستطيعوا بلوغ ذلك ابداً. إننا في قوات الدعم السريع ملتزمين بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص مبدأ الجيش الواحد وفق جداول زمنية يتفق عليها، كما أننا ملتزمين بصدق بالانخراط في عمليات الاصلاح الامني والعسكري، بصورة تطور المؤسسة العسكرية وتحدثها وتزيد من كفاءتها وتخرجها من السياسة والاقتصاد كلياً، وتمكنها من التصدي الفعال لكل ما يهدد أمن البلاد وسلامتها”.

نقض العهود

“موقف قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان تجاه العملية السياسية لن يكن ذو قيمة لأنه جاء بعد توقيع الاتفاق الإطاري والذي حظي بدعم المجتمع الدولي وتم إيداعه في مجلس الأمن بواسطة رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس واعتمد كأساس لحل المشكلة السودانية”. يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية صلاح الدومة.  

ويشدد الدومة في مقابلة مع (عاين)، على أن البرهان يقرأ من نفس كتاب نظام المؤتمر الوطني البائد ويتبع خطاه في الكيد ونقض العهود، والا لما استمر في خططه الفاشلة، فقد سعى عقب انقلابه في 25 أكتوبر 2021 لخلق فوضى في البلاد من خلال عصابات تسعة طويلة وإشعال الأطراف بالصراعات القبلية وبعدها محاولاته لشق القوى المدنية وكل ذلك لم يمكنه من السيطرة على الأوضاع في البلاد”.

ويضيف الدومة: “شرط دمج الدعم السريع في الجيش يمثل آخر ورقة للبرهان في سعيه لإجهاض الاتفاق الإطاري، لأنه يدرك أن هذه العملية لن تكتمل بين يوم وليلة وبحاجة الى زمن طويل، فهو يحاول بذلك جر السودان الى صراع مسلح وفوضى يتمكن خلالها الفلول ومليشياتهم من السيطرة على مقاليد الحكم والانقضاض على مكاسب الثورة”.

وتابع “لن تجدي محاولات البرهان لشراء الوقت لصالح اعاقة مسار العملية السياسية، فحديثه عن دمج الدعم السريع كلمة حق اريد بها باطل فهي تمثل رغبة الجميع بما في ذلك قوى الثورة ولكن ليس بالطرق والوسائل التي يريدها قائد الانقلاب، فالهدف الاستراتيجي هو هيكلة المؤسسة العسكرية برمتها والوصول الى جيش مهني واحدة تحت إمرة القيادة المدنية”.

مخاوف الهيكلة

هيكلة الجيش السوداني كلمة مرعبة وغير محببة لقادته الحاليين، فمع بروز أصوات القوى المدنية المطالبة بهيكلة وإصلاح القوات المسلحة يسارع الفريق عبد الفتاح البرهان وبقية جنرالاته بالتأكيد على أن هذه العملية شأن يخص المؤسسة العسكرية دون غيرها، وهي من نقاط الخلاف الرئيسية التي لم يتم حسمها في الاتفاق الإطاري وتم تأجيلها لمشاورات المرحلة النهائية.

ملف الهيكلة آلياته المطروحة ساعد على تصاعد وتيرة الخلاف بين العسكريين، وقد أثارت تصريحات حديثة لقائد الدعم السريع ذكر خلالها أن القوات المسلحة بحاجة الى إصلاحات عميقة، حفيظة قادة الجيش وتذمرهم، وبعد أيام قليلة خرج البرهان ولأول مرة مطالباً بدمج الدعم السريع كأولوية قبل المضي في الاتفاق النهائي”.

ويرى الضابط المتقاعد في الجيش السوداني، الفريق خليل محمد الصادق، أن توقف القوات المسلحة في دمج الدعم السريع جاء بعد بروز أصوات تنادي بهيكلة الجيش وبين تلك الأصوات قائد الدعم السريع نفسه والذي تسانده قوى مدنية في هذا الاتجاه، وليس من الحصافة والحنكة العسكرية تجاهل هذه النقطة المهمة.

وقال الصادق في مقابلة مع (عاين)، إن قيادة القوات المسلحة ليست متنصلة عن الاتفاق الإطاري بل تريد تأكيد المؤكد وحسم نقاط جوهرية مثل دمج الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى للوصول الى جيش موحد بعقيدة قتالية دفاعية تحرس أرض الوطن وتحميه من أي عدوان، وهذه رغبة قوى الثورة نفسها.

وأضاف الضابط المتقاعد: “الدمج عملية طويلة ومعقدة بحاجة الى وقت واتفاق على ترتيبات محددة بشأن التسليح والعتاد وإعادة التدريب والرتب العسكرية وغيرها، وفي تقديري أن قيادة القوات المسلحة تريد حسم الملف في هذه المرحلة بالتحديد لان تأجيل القضية ربما يقود المؤسسة العسكرية الوطنية الى فخ كبير قد يهدد هذا الكيان الوطني الكبير، فلا بد من إنهاء الوضعية شبه المستقلة لقوات الدعم السريع”.