السودان: عام من التحدي

 منذ أكثر من عام، يعيش الشعب السوداني في ظل انقلاب عسكري جرد البلاد من انتقال محتمل إلى حكم ديمقراطي مدني. طوال هذه الفترة، نظمت لجان المقاومة والقوة المدنية الديموقراطية أكثر من 100 يوم من الاحتجاجات الوطنية للمطالبة بحكم مدني – وانتظمت البلاد احتجاجات كبيرة لمدة عام.

  في أكثر من (54) مدينة، شارك ملايين السودانيين في مظاهرات منذ وقوع الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، والتي تشكل واحدة من أطول وأكبر الحركات الاحتجاجية في العالم.

ويبدو أن هذه الحركة ستستمر على الرغم من الجهود التي تبذلها الاجهزة العسكرية والأمنية لقمع المظاهرات، وغالبا ما تستخدم القوة المفرطة ضد المتظاهرين. بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع في كل مظاهرة. وقد أصابت قوات الأمن المتظاهرين وقتلتهم في بعض الأحيان، بمتوسط 19 إصابة يوميا لمدة عام. وخلال الفترة نفسها، قتلت قوات الأمن، في المتوسط، متظاهرا كل ثلاثة أيام.

لرصد وإحياء ذكرى التضحيات التي قدمها المدنيون في حركة الاحتجاج السودانية، يسر موقع عاين تدشين نسخة مطورة من مرصد الاحتجاجات السودانية.

في 30 أكتوبر 2021، بعد خمسة أيام فقط من الانقلاب، تم تدشين مرصد الاحتجاجات السودانية باستخدام بيانات مفتوحة المصدر لتسجيل حركة الاحتجاجات السودانية ورسم خرائطها. يسلط مرصد الاحتجاجات السودانية الضوء على متى وأين جرت المظاهرات الأكثر نشاطا ومستويات العنف المستخدم لقمع هذه الاحتجاجات من خلال استخدام البيانات المرئية التي أنشأها المواطنون في جميع أنحاء البلاد.

في محاولة للنظر إلى الوراء وإحياء ذكرى هذا العام الطويل والمضطرب في كثير من الأحيان من الاحتجاجات الوطنية التي تسعى جاهدة من أجل حكم ديمقراطي، وهنا نرصد بعض الاحداث البارزة التي حققتها حركة الاحتجاج من 25 أكتوبر 2021 إلى 25 أكتوبر 2022:

أبرز الاحداث خلال العام

2021

30 أكتوبر: “العسكر للثكنات” بعد أيام فقط من الانقلاب، خرج السودانيون بشجاعة إلى الشوارع وسط وجود كثيف لقوات الأمن التي قتلت أربعة متظاهرين في أم درمان وأصابت 117 شخصا. تمكنت لجان المقاومة، وهي لجان يقودها المدنيون اللذين ينظمون الاحتجاجات، من تنسيق الاحتجاج الجماهيري في 20 مدينة، على الرغم من انقطاع الإنترنت لمدة شهر تقريبا بهدف الحد من التواصل والتنسيق بين مجموعات الاحتجاج. ووفقا لأحد قادة لجان المقاومة من الخرطوم، كان هذا أول احتجاج جماعي نظموه وشجعوا العديد من المنظمين على فكرة أن الانقلاب سيسقط في نهاية المطاف مع العمل المستمر. وجدت الدعوة اقبالا جماهيريا كبيرا وطالب المتظاهرين العسكر بإنهاء الانقلاب و”العودة إلى الثكنات”.

17 نوفمبر: “مذبحة بحري” يمثل هذا اليوم يوما مأساويا للحركة المؤيدة للديمقراطية، وعرف “بمذبحة بحري”، حيث اشتبه بان قوات الامن قامت بقتل 14 متظاهرا، 11 منهم في بحري، شمال الخرطوم. كما انضمت الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن وبناتهن في مظاهرات سابقة الى المواكب الكبيرة. وفي العاصمة المثلثة أصيب ما يقدر بنحو 107 من المتظاهرين، غالبيتهم، في بحري “77” حالة. “وتم الاشتباه في قوات الاحتياطي المركزي على وجه الخصوص لاستخدامها الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين”. وقال أحد أعضاء لجان المقاومة “كان يوما عصيبا ولا يزال في ذاكرتنا” . وقعت هذه الانتهاكات بينما ظل انقطاع الإنترنت قائما منذ بدء الانقلاب في 25 أكتوبر 2021.

19 ديسمبر: “بوابات القصر” لأول مرة، تمكن المتظاهرون من الوصول إلى القصر الجمهوري بنية الاعتصام امامه. الشي الذي ذكر قوات الأمن باعتصام القيادة بداية ثورة 2019، فكان تصميم قوات الامن تفريق المتظاهرين بأي ثمن. قالت أحد قادة لجان مقاومة جبرة شاهيناز جمال إن قوات الأمن بدأت في إطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي، مما أجبر المتظاهرين على الفرار في تدافع. وتزعم عدة مصادر أيضا أن قوات الأمن اعتدت جنسيا على بعض المتظاهرين. وأسفرت التكتيكات القمعية التي استخدمتها قوات الأمن عن مقتل ثلاثة متظاهرين في العاصمة المثلثة وأدت إلى إصابة 331 آخرين. انتظمت احتجاجات 19 كانون الأول/ديسمبر جميع انحاء البلاد، حيث نظمت احتجاجات في 32 مدينة مختلفة، ولا سيما في منطقة دارفور.

25 ديسمبر: “اختراق” للمرة الثانية تمكن المتظاهرون من الوصول إلى القصر الجمهوري، وكسروا الطوق الأمني الذي أحاط بالجسور المتصلة بالقصر. وتمكن العسكر وشرطة الاحتياطي المركزي من تفريق المحاولة الثانية للاعتصام أمام القصر. ومع ذلك، يعتبر المتظاهرون الوصول إلى القصر إنجازا كبيرا لأن السلطات أصدرت تعميما آخر بقطع الإنترنت للحد من التواصل والتنسيق بين لجان المقاومة. ربما خوفا من قدرة حركة الاحتجاج على الوصول إلى القصر مرة اخرى. أعلن رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، مما خول لقوات الأمن سلطات وحصانات واسعة للحد من الاحتجاجات. وفقا لأعضاء لجان المقاومة، اعتقلت السلطات 50 متظاهرا في هذا اليوم.

30 كانون الأول/ديسمبر: “دماء على الجسر” خرجت مواكب كبيرة خلال اليوم الأخير من عام 2021 للاحتجاج على الانقلاب، رغم أن السلطات أبقت الإنترنت مغلقا لقطع التواصل والتنسيق بين لجان المقاومة. وخوفا من وصول المتظاهرين إلى القصر مرة اخرى، ووضعت قوات الأمن حاويات على الجسور لمنع المتظاهرين من بحري وأم درمان من الوصول إلى الخرطوم.

أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي على متظاهرين حاولوا عبور جسر الفتيحاب من امدرمان الى الخرطوم، كما ذكرت أحد قادة لجان مقاومة جبرة شاهيناز جمال. “لم نتمكن من الاحتفال بالعام الجديد لأننا كنا حزينين للغاية. في ذلك اليوم أدركنا أننا نواجه قوى وحشية وعنيفة للغاية”. كما أفادت لقطات وروايات شهود عيان بمشاهد لقوات الأمن وهي تنهب المركبات والفنادق في وسط العاصمة.

2022

8 مارس: “صمود المرأة” ركز هذا الاحتجاج على الدعوات إلى مزيد من الحقوق والحريات للمرأة السودانية. وكان الاحتجاج الرئيسي في الخرطوم، ولكن جرت مظاهرات مماثلة في مدن رئيسة أخرى مثل كسلا وبورتسودان وسنار. وفي الخرطوم، تم إنشاء منصة في محطة باشادار للخطابات، في حين حمل المتظاهرون لافتات داعمة لحقوق المرأة في السودان تحمل شعارات مثل: “بناتنا قائدات”. بناتنا ثورة ونار”. وزار الموكب جمعية بائعات الشاي والطعام لأن السلطات تستهدف النساء السودانيات العاملات في القطاع غير الرسمي بشكل روتيني، وتعرض العديد من الضحايا للابتزاز والاعتقال من قبل قوات الأمن في إطار “شرطة النظام العام” النشطة رسميا. وذكرت المتظاهرة والناشطة النسوية ويني عمر: “هدف موكب النساء هذا العام الى تقديم رسائل واضحة – أولها أن نساء السودان في قلب المقاومة السياسية للإطاحة بالانقلاب العسكري وبناء الديمقراطية القادمة”.

6أبريل: “الزلزال” – نظمت لجان المقاومة احتجاج 6 أبريل 2019الذي أسمته “الزلزال”، بسبب المشاركة الجماهيرية الفاعلة. وهو يوم تاريخي يمثل بداية الاعتصام الذي ساعد في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير. قوبلت الأعداد الكبيرة من المتظاهرين بوابل من التدابير القمعية التي استخدمتها قوات الأمن – من الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية إلى تكتيك جديد وهو استخدام بنادق الخرطوش التي تطلق رذاذ من الكريات المصممة خصيصا للتسبب في إصابات جماعية لقمع المسيرات. وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية مقتل متظاهر واحد وإصابة 78 آخرين على الأقل. وذكر أعضاء من لجان المقاومة أن الاحتجاج وقع خلال شهر رمضان المبارك، حيث اختتم المشاركون الاحتجاج بإفطار جماعي في المساء.

30 يونيو: “مسيرة الشهداء” أحيت هذه المظاهرة ذكرى الشهداء الذين لقوا حتفهم في الاحتجاجات السابقة. وامتلأت شوارع الخرطوم بالمتظاهرين الذين يحملون الأعلام واللافتات التي تحمل صورا للشهداء اللذين لقوا حتفهم أثناء مشاركتهم في الحركة المؤيدة للديمقراطية. باعتبارها واحدة من أكبر التظاهرات التي شهدت اقبالا كبير من الثوار، استخدمت لجان المقاومة أيضا طرقا وتكتيكات احتجاجية جديدة لتفادي قوات الأمن. وقال المتحدث باسم لجان المقاومة في الخرطوم، حسام علي، إن “30 يونيو رسالة ذات صدى عميق تفيد بأن الجماهير الثورية جزء أساسي من المعادلة السياسية ومستقبل البلاد”. لم يعد من الممكن تجاهل القوى الثورية”. ومن المؤسف أن تسعة متظاهرين آخرين لقوا حتفهم وأصيب 629 بجروح خلال هذه المظاهرة، ووقعت 6 من الوفيات في أم درمان.

13أكتوبر / تشرين الأول: “سلطة الشعب” تمكن المتظاهرون من الوصول إلى قلب السوق العربي في وسط الخرطوم، بعد ان استخدمت لجان المقاومة تكتيكات جديدة. وحمل المتظاهرون لافتات تدعو إلى “عدم تسييس القضاء” على خلفية عودة القضاة ووكلاء النيابة الموالين للنظام السابق إلى الجهاز القضائي في الأشهر الماضية. كما تزامن الاحتجاج مع محادثات غير معلنة بين الأحزاب السياسية والقيادات العسكرية. طوال الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، رفض المتظاهرون رفضا قاطعا أي مفاوضات ومشاركة سياسية مستقبلية للجيش. دعا هذا الاحتجاج إلى دعم “الميثاق الثوري لسلطة الشعب”، وهو خلاصة وافية للمواثيق التي صاغتها في وقت سابق من الشهر عدة لجان مقاومة. وتهدف الوثيقة إلى بدء عملية سياسية جديدة داخل البلاد.

25 تشرين الأول/أكتوبر: “ذكرى الانقلاب” بمناسبة مرور عام على نضال الحركة المؤيدة للديمقراطية لإنهاء الانقلاب وإسقاط العسكر، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في العاصمة، إلى جانب المدن الكبرى بما في ذلك عطبرة والفاشر وكوستي ونيالا وود مدني. وفيما اعتبره المراقبون أكبر احتجاج منذ بداية عام 2022، وقال العديد من أعضاء لجان المقاومة إن الاحتجاجات وجدت اهتمام كبير وأنعشت طاقات الثوار المؤيدين للحركة للديمقراطية. استبقت السلطات الموكب بإغلاق جميع الجسور في الخرطوم لمنع المتظاهرين من منطقتي بحري وأم درمان المجاورتين من الالتحام مع مواكب الخرطوم. كما أغلقت جميع الطرق المؤدية إلى القيادة العامة للجيش بحواجز خرسانية. لجأت قوات الأمن إلى تكتيكاتها الوحشية المعتادة لقمع المتظاهرين. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن أحد المتظاهرين قتل في أم درمان بعد أن دهسته إحدى مركبات قوات الامن، ليصبح الشهيد رقم 119 الذي يقتل في الاحتجاجات المناهضة للانقلاب. وتقدر مصادر طبية أن نحو 200 متظاهر أصيبوا في الاحتجاجات. لتضاف إلى ما لا يقل عن 7000 حالة إصابة من قبل المتظاهرين المناهضين للانقلاب على مدى الأشهر ال 10 الماضية. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الاحتجاجات في عدة أحياء بعد 25 أكتوبر 2022، مما يشير إلى أن جذوة النضال الشعبي من أجل الحكم الديمقراطي في السودان لن تنطفئ والثورة مستمرة.

قم بزيارة مرصد احتجاجات السودان هنا: https://spm.3ayin.com