ماذا يحدث في موانئ السودان؟
عاين- 4 مارس 2024
تواجه موانئ السودان الرئيسية على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد، تهديدات عمالية بالإغلاق على خلفية نزاع بين وزارتي النقل والمالية ونقابة العمال، في وقت يتحدث قادة عماليون عن انخفاض الإيرادات الشهرية إلى أقل من 1.5 مليون يورو متناقصا من 3 ملايين يورو يوميا في العام بسبب تدخلات العسكريين الأعوام الماضية.
الأسبوع الماضي انتشر مقطع فيديو على الشبكات الإجتماعية لمتحدث باسم عمال هيئة الموانئ التابعة إلى وزارة النقل أمهل وزير المالية جبريل إبراهيم لسحب طاقم وزارة المالية بهيئة الموانئ البحرية وهدد بالتصعيد الميداني حال إصرار الوزير على تنفيذ الإجراءات الجديدة.
خلفيات الأزمة
وحتى نعود بالأزمة الحالية إلى جذورها يجب الإشارة إلى أنه في فبراير 2023 أجاز اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء في العاصمة السودانية قبيل اندلاع الحرب قانون التعديلات المتنوعة ويسمح هذا القانون لوزير المالية بالولاية على المال العام والمؤسسات الحكومية الاقتصادية بما في ذلك هيئة الموانئ البحرية.
بينما بدأ وزير المالية جبريل إبراهيم، حملة الدفاع عن إجراءاته التي اتخذها في هيئة الموانئ البحرية بتبعية الإدارة القانونية وإدارة الحسابات والتنمية البشرية إلى وزارة المالية والتي تواجه بحملات المناهضة من نقابة العمال في الهيئة الحكومية والجدير بالذكر أن هيئة الموانئ البحرية تتبع إداريا وقانونيا لوزارة النقل الاتحادية.
دافع جبريل في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمدينة بورتسودان في 26 فبراير 2024 من مقر العاصمة الإدارية للحكومة القائمة في السودان عن هذه الإجراءات بالقول إن القانون يحق له التدخل في حماية المال العام ومجلس السيادة ومجلس الوزراء قادران على تفسير القوانين لا تعارض مهامه.
تصريحات جبريل إبراهيم، جاءت ردا على سؤال حول خلافات بين وزارتي النقل والمالية بشأن هيئة الموانئ البحرية وإن نفى وجود تباين بين الجانبين لكن مصادر من الهيئة النقابية لعمال الموانئ نقلت لـ(عاين)، أن تحركات العمال في هيئة الموانئ تجد قبولا من وزارة النقل التي تخشى من تغول وزارة المالية على صلاحياتها في إدارة هيئة الموانئ البحرية.
تفكيك الموانئ
وفي مؤتمر صحفي شاركت فيه تنظيمات عمالية ومنظمات مجتمع مدني بولاية البحر الأحمر في مدينة بورتسودان مناهضة لما وصفته بـ “تفكيك الموانئ” في الثاني من مارس الجاري، قال عضو لجنة المناهضة، إبراهيم أونور، إن “وزارة المالية الاتحادية تستهدف الموانئ البحرية لصالح إيرادات المركز بدلا من أن تكون هذه المرافق في خدمة سكان الولاية وخفض مستوى المعيشة حيث يعاني مئات الآلاف من المواطنين من فقر حاد”.
وقال أونور خلال المؤتمر الصحفي، إن وزارة المالية قامت برفع الدولار الجمركي وقللت من حركة الاستيراد بالتالي انخفاض حركة السفن وتراجع إيرادات الموانئ.
ويرى أونور، أن الموانئ في السودان هي الأعلى تكلفة نتيجة الرسوم الحكومية المفروضة على الصادرات والواردات بالتالي تجفيف هذين القطاعين الحيوين وتحويل موانئ القطاع العام في البحر الأحمر إلى “موانئ مهجورة”.
وتابع: “وزير المالية يهتم فقط بالخزانة الحكومية الفارغة ويريد جمع الإيرادات على حساب حركة الموانئ والسفن والتجارة الدولية ولا يكترث لتدمير مستقبل الموانئ السودانية”.
ويقول أونور، إن السكان في الولاية من حقهم الاطلاع على عقود لبناء موانئ “أبي عمامة” لتشييد موانئ بواسطة جهات أجنبية مستدركا : “هذا يعني نية وزير المالية تجفيف الموانئ الحكومية في بورتسودان وإفقار المواطنين”.
وتابع أونور: “ولاية البحر الأحمر منتجة للذهب لكن معظم الإنتاج يذهب لصالح ولاية أخرى وفي ذات الوقت هنا لا يوجد تعليم وصحة بالنسبة للسكان”.
طريق مسدود
ويقول الخبير في الحكم المحلي النذير إدريس لـ(عاين): إن “التوترات بين نقابة العمال في هيئة الموانئ ووزارة المالية برئاسة جبريل إبراهيم تحظى بدوافع إجتماعية تساند العمال لأن السكان المحليون في شرق السودان لديهم اعتقاد أن الموانئ موردهم الاقتصادي الأول في طريقه إلى التجفيف وإفقار المجتمعات”.
وأردف: “هذه المرة تقود حركة المناهضة في بورتسودان نقابات عمالية لديها صلة بالمجتمع المدني لقد تراجع الزعماء المقربون من الإسلاميين والعسكر أمثال محمد الأمين ترك إلى الصفوف الخلفية لم تعد المجموعات التي تقود حركة المناهضة تثق فيهم لذلك فإن هذه الحملة قد تمضي إلى حالة من الصدام والاضطرابات العمالية واستجابة الآلاف من عمال الشحن والتفريغ من الأرصفة قرب أحواض شبه فارغة من السفن للاحتجاجات”.
ويضيف خبير الحكم المحلي قائلا: “إذا استمرت الأزمة دون تدخل من مجلس السيادة الذي لديه توازنات ما بين الإبقاء على جبريل إبراهيم وكسب ود المجتمع المحلي في الشرق وبورتسودان بصفة خاصة فإن الجنرالات قد يطيحون بـ جبريل ابراهيم من وزارة المالية او على الأقل التراجع عن قرارات تبعية ثلاثة إدارات من هيئة الموانئ إلى المالية”.
موت الموانئ
انعكست الحرب في السودان على أعمال الموانئ في بورتسودان وخفضت حركة الشحن طبقا لتقرير حكومي من 40% بعد الحرب ثم إلى 20% عقب تمدد الحرب إلى ولاية الجزيرة منذ 19 ديسمبر 2023.
وقال مصدر عمالي:”انخفضت سلاسل الإمداد التي تعتمد على الاستيراد على الناقلات البحرية إلى موانئ بورتسودان بسبب مخاوف المستثمرين والعاملين في قطاع الصادر والوارد من توسع رقعة الحرب مطلع يناير الماضي”.
وأضاف المصدر العمالي: “موانئ بورتسودان كانت تستقبل في العام 2020 نحو 12 مليون حاوية ثم جاءت الاضطرابات التي شلت الموانئ قبل انقلاب البرهان وحميدتي في 25 أكتوبر 2021 وانخفضت الحاويات في العام 2022 إلى 7 مليون حاوية بمعدل إيرادات بلغت أقل من 350 مليون يورو من نصف مليون يورو في العام 2021”.
وانخفضت إيرادات الموانئ منذ سبتمبر 2021 من نصف مليون يورو سنويا إلى أقل من 350 مليون يورو ويقول قادة عمال الموانئ إن الجنرالين البرهان وحميدتي الخصمين اللدودين في حرب السودان اليوم شجعا زعيم جماعة البجا محمد الأمين ترك في شرق البلاد على إغلاق الموانئ لتضييق الخناق على حكومة عبد الله حمدوك في ذلك الوقت وبالفعل تم إغلاق الموانئ في عملية غير مسبوقة في غالبية دول العالم لفترة 45 يوما وانسحبت كبريات الشركات الموردة للحاويات ومعدات الشحن وأصبحت الموانئ السودانية وجهة غير مفضلة لشركات الشحن العملاقة.
ويقول الخبير الاقتصادي أحمد بن عمر لـ(عاين): إن “قانون التعديلات المتنوعة الذي جرى إجازته في فبراير 2023 يحق له لوزارة المالية الاتحادية الولاية على هيئة الموانئ البحرية”.
ويرى بن عمر، أن ولاية وزارة المالية على هيئة الموانئ البحرية إجراء طبيعي لكن التوترات ربما تؤدي إلى خفض إيرادات الموانئ البحرية المتأثرة أيضا بالعمليات الأمنية لجماعة الحوثي في البحر الأحمر لأن الناقلات البحرية قللت حركتها في المياه.
ويضيف بن عمر : “الحرب في السودان قللت من سلاسل الإمداد التي تعتمد بصورة كبيرة على الاستيراد عبر الموانئ في بورتسودان قبل عامين كان 11 مليار دولار اليوم لا يمكن توقع نصف المبلغ”.
تبدو أزمة الموانئ مركبة حسب المساجلات التي دارت بين نقابة العمال ووزارة المالية حول “المهملات” وهي بضائع لم تغادر الأرصفة في الموانئ بسبب طول البقاء دون تخليص جمركي وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات بينما يطالب قادة العمال بنقلها لصالح هيئة الموانئ بالمقابل تتمسك “إدارة جبريل إبراهيم” بالاستفادة منها وضخها كموارد مالية لتسيير الميزانية العامة للدولة والمصابة بعجز يصل إلى 60% حسب اعتراف الوزير نفسه في المؤتمر الصحفي نهاية فبراير الماضي.
تأتي التوترات بين وزارة المالية ونقابة عمال هيئة الموانئ البحرية في ظل وجود الحكومة المدعومة من الجيش في مدينة بورتسودان مقر الموانئ الرئيسية والعاصمة الإدارية التي اتخذها الجيش بديلا للخرطوم.
اضطرابات متوقعة
توترات عمال الموانئ مع “المالية” من شأنها أن تؤدي إلى اضطرابات شعبية كون النقابة العمالية تعتقد أن الموانئ من المواقع الاستراتيجية التاريخية بالنسبة لآلاف العمال الذين ينحدرون من شرق البلاد.
لا يحظى وزير المالية جبريل إبراهيم، بقبول داخل الأوساط العاملة في الموانئ البحرية في مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر وبدأت التوترات في أعقاب توقيع جبريل إبراهيم اتفاق إنشاء موانئ أبي عمامة ممثلا لحكومة السودان في ديسمبر 2022 باستثمارات إماراتية قدرت في ذلك الوقت بستة مليار دولار لم يحرز المشروع تقدما لاندلاع الحرب وخلافات العسكريين.
ويقول محمد كادم الخبير في اقتصاديات النقل لـ(عاين): إن “الأزمة التي نشبت بين جبريل إبراهيم ونقابة العمال في هيئة الموانئ البحرية في بورتسودان قد تؤدي إلى التأثير سلبا على حركة الموانئ في البحر الأحمر لأنها قد تقود إلى الاضطرابات الشعبية ربما ينخرط آلاف العمال في إضرابات خلال الفترة القادمة إذا وصلوا إلى طريق مسدود خاصة مع إصرار جبريل على “الإجراءات الأحادية”. يضيف كادم.
ويرى كادم، أن نقابة العمال مدعومة من هيئة الموانئ في هذه الأزمة خاصة وأن الإجراءات قضت بتبعية ثلاثة من أهم الإدارات من هيئة الموانئ إلى وزارة المالية ويراها مسؤولو الموانئ بأنها عملية تغول من “المالية” على الموانئ التي أٌديرت بنوع من الاستقلالية خلال السنوات الماضية.
وردا على الحملات المناهضة التي تقودها نقابة عمال هيئة الموانئ البحرية قال وزير المالية جبريل إبراهيم في المؤتمر الصحفي بتاريخ 26 فبراير 2024 في بورتسودان إن “وزارتي المالية والنقل لا توجد بينهما خلافات ومجلس الوزراء والسيادة قادران على تفسير القوانين وفك التقاطعات بين المؤسسات الحكومية”.
وقال إبراهيم: إن “وزارة المالية لديها الحق في الولاية على المال العام ومن هذا المنطلق تم وضع هذه الإجراءات إلى جانب العمل على تسريع عمليات تخليص الحاويات في الموانئ وعدم اتخاذ الأرصفة كمستودعات”.