«قيود الإغاثة».. جوعى السودان تحت رحمة طرفي النزاع
عاين- 20 يوليو 2023
بعد مفاوضات شاقة تمكنت قوافل إنسانية من الدخول للعاصمة السودانية وهي محملة بالغذاء إلى المدنيين العالقين بين معارك طرفي النزاع بمحلية أمبدة في أمدرمان وبعض أحياء الخرطوم بحري لإنقاذ مئات الآلاف من الجوع الذي يحدق جراء انعدام الممرات الآمنة وتعثر المجتمع الدولي في الحصول على موافقة الجانبين والسماح بدخول الإغاثة.
تمكنت الشاحنات التابعة لوكالات الأمم المتحدة من إقناع الجيش والدعم السريع بإدخالها إلى بعض مناطق العاصمة الخرطوم فيما تعذر دخول الإغاثة جنوب الولاية سيما مناطق الكلاكلات وجبرة والصحافة وجبل أولياء حسب مسؤول برنامج الغذاء العالمي مكتب ولاية الجزيرة -كارم عبد المنعم أبو زيد.
وضعت حرب السودان نحو ثلاثة ملايين شخص في أوضاع انسانية قاسية جراء النزوح من مدن العاصمة الخرطوم، والأبيض، وزالنجي، والجنينة، والفاشر، ونيالا ومدن وبلدات أخرى في اقليم دارفور حيث تستعر المعارك بين الجيش والدعم السريع.
انعدام الممرات
يقول “كارم أبو زيد” المسؤول ببرنامج الغذاء العالمي في المكتب الرئيسي الذي انتقل إلى ولاية الجزيرة -أواسط السودان- بعد اندلاع القتال في الخرطوم إن ولاية الجزيرة تستضيف أكثر من مليون نازح من العاصمة السودانية. وبعد ثلاثة أشهر تمكنت المنظمات ووكالات الأمم المتحدة من تغطية أربع محليات من ثماني محليات.
«البقاء هنا هو اصطفاف في طوابير بؤس الحياة»
نازحة بمركز إيواء وسط السودان
أما في العاصمة الخرطوم يقول أبو زيد، إن القوافل الانسانية وصلت إلى محلية أمبدة بمدينة أمدرمان عبر معبر نهر النيل مرورا بشندي لأنها جاءت من بورتسودان منطقة الموانئ الرئيسية شرق البلاد.
“لم تتمكن القوافل الانسانية التي تحمل الاغاثة من توزيعها في أحياء جنوب الخرطوم بسبب الوضع العسكري هناك في الأسبوعين الأخيرين”. يضيف أبوزيد لـ(عاين).
في منتصف يونيو أطلقت الأمم المتحدة تحذيراً من أن 25 مليون شخص في السودان قد يواجهون خطر المجاعة مع استمرار القتال في هذا البلد الذي كان يواجه مسبقا أزمة اقتصادية غير مسبوقة وخلال الشهر القادم سيرتفع عدد الأشخاص الذين بحاجة إلى مساعدات مباشرة إلى 19 مليون شخص أي نصف سكان البلاد .
شح التمويل الدولي
يرى العامل في مجال الاغاثة علي الحاج، والذي نُقل مع أطقم إنسانية من الجنينة الى الحدود التشادية، “عندما اشتدت موجات العنف في ولاية غرب دارفور منتصف يونيو الماضي، كانت الاستجابة الدولية لتمويل العمليات الإنسانية في السودان ضعيفة جدا، والمجتمع الدولي ربما لا يضع السودان ضمن المناطق الساخنة حول العالم”.
ويقول الحاج لـ(عاين):”رغم زيارة ثلاثة من المسؤولين رفيعي المستوى في وكالات الأمم المتحدة اللاجئين السودانيين في تشاد وهم من متخذي القرار لكن تصريحاتهم حول حث المانحين لتمويل العمليات الإنسانية في البلاد تدعو لخيبة الأمل”.
ويعرب الحاج، عن قلقه من “تشكل حالة نسيان” المجتمع الدولي لبؤرة السودان الساخنة. ويقول إن “وضع مؤتمر جنيف تقديرات بثلاثة مليار دولار لدعم الاحتياجات الإنسانية خلال هذه الحرب لا يتناسب مع حجم الكارثة”.
علاوة على نقص التمويل الدولي للعمليات الإنسانية فإن “علي الحاج”، يضع أسبابا أخرى لضعف جهود الاغاثة من بينها استغراق المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة وقتا طويلا في عمليات التقييم قبل الدخول في مناطق الكوارث الناتجة عن الصراع المسلح.
يصف علي الحاج، هذه الاجراءات بـ البطء وفي ذات الوقت تستهلك 50 في المائة من تكلفة الاحتياجات نفسها وهو اجراء غير مبرر أثناء الحرب من الأفضل الاعتماد على البيانات المتوفرة في آخر تقييم.
ويفتك الجوع بآلاف الفارين من مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور إلى الحدود التشادية حسب التقديرات الانسانية من جملة 150 ألف لاجئ سوداني حسب -عبد الرحمن إسماعيل العامل في مجال الاغاثة هناك.
ومع ذلك ووفقاً لـ اسماعيل الذي تحدث لـ(عاين)، لا يمكن الحصول على تمويل سريع لإنقاذ الجوعى واسكات الأطفال واصفا الأوضاع في الحدود التشادية بـ”المزرية “. وقال إن “منطقة إقامة اللاجئيين السودانيين مثل بلدة منسية سقطت من الكوكب”.
ويوضح بالقول: “نلاحظ على وجوه الأطفال والنساء حاجتهم لخدمات العلاج النفسي جراء مشاهد العنف ونجاتهم من مقابر جماعية تركوا بداخلها الأصدقاء والعائلة “.
إعانات طبية
“في الخرطوم تمكنت منظمة أطباء بلا حدود، من الوصول إلى مستشفى بشائر في حي مايو جنوب العاصمة لكنه لا يمكن نقل شحنات الاغاثة الطبية بسهولة”. يقول عامل متطوع في غرف الطوارئ جنوب الحزام، ويؤكد إن قوات الدعم السريع تستهدف قوافل الاغاثة الطبية والانسانية التي لا تقوم بتنسيق محكم وموثوق المستوى مع قيادتها العسكرية.
ويعتقد المتطوع “محمد” في مقابلة مع (عاين)، إن “أزمة الاغاثة تتمثل في انعدام الممرات الآمنة اضافة إلى تأخر وصول الشحنات من المنظمات ووكالات الأمم المتحدة بسبب البيروقراطية”.
وتابع: “بعض المصابين ينزفون حتى الموت نتيجة عدم وجود مواد أولية للجراحة مثل الخيوط والضمادات والمسكنات ومجلطات النزيف في المستشفيات العاملة بالخرطوم وأم درمان وبحري”.
قيود
كانت مديرة الوكالة الدولية للتنمية الأميركية سامانتا باور، نقلت في مؤتمر جنيف الشهر الماضي أثناء اجتماع دولي بخصوص جمع التمويل الإنساني للعمليات الإغاثية في السودان إن الشحنات تواجه الإجراءات المعقدة في موانئ بورتسودان الى جانب وضع قيود أمنية على حركة العاملين في المجال الإنساني.
يرى علي الحاج، أن الأجهزة العسكرية في السودان لديها شكوك تجاه العاملين في مجال الاغاثة خاصة مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وأضاف:”هذه العقلية موروثة منذ نظام الاسلاميين وانتقلت العدوى إلى الأجهزة الاستخباراتية لذلك من الصعب عقد صفقات لتمرير قوافل الإغاثة “.
من بين مئات الطلبات بخصوص نقل الاغاثة إلى العالقين في مناطق الصراع المسلح في الخرطوم وزالنجي والفاشر ونيالا وافق القادة العسكريين الكبار في الجيش والدعم السريع على بضع طلبات فقط لتمرير الاغاثة بعضها لم تنفذ لانتهاء الوقت وتطور الوضع الميداني في مناطق النزاع المسلح في سبع ولايات سودانية.
فيما يرهن المسؤول في مكتب برنامج الغذاء العالمي بالسودان، كارم عبد المنعم أبو زيد، تحسن العمليات الانسانية والوصول إلى المدنيين خاصة في مناطق النزاع المسلح بالاتفاق مع طرفي النزاع وإحكام التنسيق.
ويقول كارم: إن”عمليات التنسيق والحصول على الممرات الانسانية المؤقتة لقوافل المساعدات في العاصمة السودانية تستغرق فترات طويلة ومستحيلة في بعض الأحيان”.
تصريحات أبوزيد توافقت مع حديث أدلت به المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي بالأمم المتحدة سيندي مكين من الحدود السودانية التشادية حيث زارت مئات الآلاف من الفارين من دارفور، وقالت إن “الاغاثة لن تصل الى السودانيين لأن الجيش والدعم السريع لا يوفران ضمانات أمنية وممرات آمنة”.
فيما يعزو العامل في وكالات الاغاثة الدولية، علي الحاج، ذلك لانعدام الثقة بين الجيش والدعم السريع. وقال إن “هناك شكوك لدى الطرفين أن هذه القوافل تحمل مساعدات الى طرف من أطراف النزاع لذلك تتعرض الى المضايقات حتى وأن تم تخصص ممرات مؤقتة وفي بعض الأحيان الى النهب والتحقيق مع العاملين في المجال الإنساني”.
ويعتقد الحاج، أن اطعام ملايين الجوعى في السودان أثناء الحرب مهمة المجتمع الدولي لكنه لا يفعل أهم شيئين في مثل هذه الظروف الأول تخصيص تمويلات مقدرة للعمليات الانسانية والأمر الثاني عدم القدرة على إقناع الجيش والدعم السريع تخصيص ممرات آمنة ومستدامة أثناء النزاع المسلح.
ويشير الحاج، إلى إن الجيش والدعم السريع يتعاملان مع مطالب “الضمانات الأمنية ” لتوريد الغذاء الى السودانيين داخل البلاد وكأنها “ليست من الأمور الملحة”، وفي ذات الوقت المجتمع الدولي لا يعبر عن اهتمامه بالشكل المطلوب مع الأزمة السودانية.
طوابير البؤس
مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة، استقبلت نحو مليون شخص من العاصمة الخرطوم فروا من القتال يقيم الآلاف منهم في مراكز الإيواء، لم تتمكن المنظمات الدولية من توفير المرافق الصحية للنازحين في مراكز الإيواء ولا يمكنهم أيضا الحصول على إمداد دوائي لبعض المرضى وينامون في القاعات التي تفتقر الى التهوية مع درجات الحرارة المرتفعة- كما يقول لـ(عاين) المتطوع “أمجد” الذي يعمل مع آخرين على توفير بعض المساعدات في هذه المراكز.
تقول شاهيناز التي تقيم في مركز ايواء في المدينة لـ(عاين)، إن “البقاء هنا هو اصطفاف في طوابير بؤس الحياة.. لا يمكن طهي الوجبات بانتظام لأنها مراكز تفتقر للخدمات ولم تُحهز بالشكل الملائم وهي مدارس تحولت إلى مراكز إيواء بشكل عاجل”.