ماذا وراء التوتر على الحدود السودانية التشادية؟

12 أغسطس 2022

يشهد إقليم دارفور غربي السودان صراعاً دامياً في مناطق مختلفة في كل مرة، بسبب عمليات السلب والنهب المتبادل بين القبائل، خاصة بعد أن ظهر جلياً أن الإقليم الثري بالموارد بات محوراَ لصراع دولي يهدف للسيطرة على كنوزه من الموارد.

وبينما تستمر التظاهرات والاحتجاجات السلمية الرامية لاسقاط إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الذي قاده العسكريون ضد حكومة الفترة الانتقالية، يستمر الموت في إقليم دارفور، ولقى 18 شخصا من الرعاة السودانيين مصرعهم وأصيب 17 آخرين من الجانب السوداني إثر هجوم شنته جماعات تشادية مسلحة في هجومين منفصلين يومي الأربعاء والخميس الاسبوع الماضي الأمر الذي يشكل منعطفا جديدا في ازمة الاقليم.

ووقع الهجوم المسلح على الرعاة في منطقة “بئر سليبة” و”عرديبة” التابعتين لمحلية سربا إحدى محليات ولاية غرب دارفور وهي منطقة تقع على حدود ولاية شمال دارفور شمالاً ومن الغرب دولة تشاد ومن الشرق ولاية جنوب دارفور.

وقالت هيئة محامي دارفور في بيان  لها:”نجم عن الهجوم تشريد قسري لقرى هبيلا، شمركا، لبونا، عرديبة، ارى وبئر سيلبة (ب) بمحلية سربا.

ولا تزال حالة التوتر مستمرة في المنطقة التي وقع فيها الاقتتال، رفضاً للتعديات المستمرة على الرحل في ولاية غرب دارفور.

“هناك إحتقان بين الجانبين السوداني والتشادي مع وجود تجمعات على الأرض السودانية والتشادية”. الباحث في دراسات السلام والتنمية، حاتم عبد الله الفاضل.

وقال الباحث في دراسات السلام والتنمية، حاتم عبد الله الفاضل لـ(عاين): “هناك إحتقان بين الجانبين السوداني والتشادي مع وجود تجمعات على الأرض السودانية والتشادية”.

ولفت الفاضل، إلى أن الاقتتال بين الطرفين السوداني والتشادي متكرر ومتجدد مع إختلاف المواقع في إقليم دارفور على طول الشريط الحدودي للبلدين. وأشار إلى أن الاقتتال جاء نتيجة للنهب المسلح من قبل الرعاة من الجانبين التشادي والسوداني بالتركيز على المنطقة الحدودية بين غرب دارفور وتشاد.

وتكونت القوات المشتركة بموجب البروتوكول الأمني والعسكري الموقع بين السودان وتشاد منتصف يناير 2010 وهي عبارة عن وحدات عسكرية سودانية تشادية.

وينص البروتوكول على إنشاء قوة عسكرية مشتركة قوامها 6000 من جنود بعد زيادة عددها، تكون مناصفة بين الجانبين مقسمة لسرايا ومهمتها حراسة الحدود وتكون قيادتها بالتناوب بين البلدين كل ستة أشهر.

ومنذ بداية الاسبوع الماضي بدأت قوات الدعم السريع نشر أعداد كبيرة من جنودها في عدد من المحليات الحدودية مع دولة تشاد رداً على الأحداث الأخيرة.

ويرى الباحث في دراسات السلام والتنمية، أن دور القوة المشتركة سلبي لأن هناك عبور للحدود من قبل مليشيات مسلحة في كل أحداث إقليم دارفور بما في ذلك أحداث جبل مون وكريندنق وغيرها.

ويؤكد الفاضل، على أن غياب الدولة وعدم قيامها بدورها في حماية وتأمين الحدود من تسلل المليشيات المسلحة هو الذي يؤدي لتفاقم الصراع في غرب دارفور. ولفت إلى أن  كل الأحداث السابقة في غرب دارفور كان هناك مجموعات مسلحة عابرة للحدود وتعتدي على المواطنين.

وأشار إلى أن بعض ممتلكات المواطنين السودانيين تم العثور عليها داخل الحدود التشادية، كما تم العثور على بطاقات هوية لأفراد تشاديين  وأزياء عسكرية تشادية في بعض المرات.

وفور وقوع الأحداث سارع مجلس الأمن والدفاع السوداني بعقد اجتماع ترأسه قائد القوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان بمشاركة لجنة أمن ولاية غرب دارفور، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الذي أعلن بدوره اتخاذ تدابير أمنية من بينها نشر تعزيزات عسكرية مكثفة على الحدود.

تشييع جثامين قتلى الاحداث السودانية التشادية بمدينة الجنينة

ونقل شهود لـ(عاين) وصول قوات عسكرية وعتاد عسكري في المنطقة الحدودية في الأيام الماضية، مع وجود تجمعات في الجانبين الحدوديين السوداني والتشادي، على الرغم من الدعوات التي أرسلها قائد الدعم السريع بعدم التجمهر في مواقع الأحداث لأن حماية الحدود السودانية التشادية مسئولية القوات المشتركة.

والسبت الماضي أتهم الجيش التشادي سودانيين بإختراق حدوده ونهب رؤوس من الابل بينما أقر بمقتل 18 من الرعاة بولاية غرب دارفور أثناء ملاحقتهم من ملاك الماشية المنهوبة.

وقال متحدث عن القوات المشتركة من الجانب التشادي، يُدعى الباقر أحمد ادريس في تسجيل مصور السبت: “أنه تمت سرقة 5 رؤوس من الإبل بواسطة أشخاص قدموا من الأراضي السودانية ووقعت اشتباكات أثناء المطاردة ما أدى لمقتل 18 من الجانب السوداني و17 جريح، إضافة إلى 9 من التشاديين ونحو 22 جريح”.

وأكد المتحدث أن الأحداث المؤسفة التي تشهدها الحدود لن تساعد في الأمن والاستقرار والعيش المشترك بين شعبي البلدين.

مسؤول حكومي بولاية “وادي فيرا” التشادية يكشف عن انقسام القوات المشتركة المرابطة على الحدود وانحياز كل منهم الى عشيرته.

فيما كشف مسؤول حكومي بولاية “وادي فيرا” التشادية الواقعة على الحدود مع السودان لـ(عاين)، عن انقسام القوات المشتركة المرابطة على الحدود وانحياز كل منهم الى عشيرته.

ويقول ناشط سياسي ومراقب مدني فضل حجب اسمه لـ(عاين)، ان المجموعات التشادية التي هاجمت السودان تم نقل المصابين منهم الى منطقة “ابشة” لتلقي العلاج واضاف انهم ينحدرون من اسرة الرئيس التشادي ” دبي ” وعدد منهم يحملون بطاقات تتبع للشرطة التشادية لذلك يصعب تقديمهم للعدالة.  ويتساءل اذا كانت السلطات التشادية جادة في تقديم الجناة للعدالة هم الآن داخل مستشفى ” ابشة” لماذا لم تتخذ ضدهم اي اجراءات حتى الآن؟.

زيارات متبادلة

وجاءت أحداث القتل التي شهدتها الحدود السودانية التشادية، عقب زيارة “حميدتي” للعاصمة أنجمينا التي وصلها الخميس الماضي قادماً من غرب دارفور على رأس وفد أمني بعد يوم من مشاورات جرت في العاصمة الخرطوم بين قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان ووزير الدفاع التشادي سبقه إجتماع ضم حاكم إقليم دارفور وقائد المجلس العسكري التشادي، محمد إدريس دبي في أنجمينا.

وقال قائد الدعم السريع في تصريحات صحفية أن المباحثات مع “ديبي” تناولت الملفات الأمنية وقضايا الحدود والتعاون الاقتصادي بين البلدين وإمكانية إستفادة تشاد من ميناء بورتسودان. وأشار إلى أن اللقاء بين الجانبين وضع حلولاً عملية لبعض مشاكل الحدود.

والأربعاء الذي سبق زيارة حميدتي لأنجمينا قال مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، أن اللقاء الذي جمعه مع رئيس المجلس العسكري التشادي ناقش قضايا تأمين الحدود بواسطة القوات المشتركة وأمر اللاجئين ودور “أنجمينا” في إتفاق السلام.

حميدتي في زيارة للعاصمة التشادية انجمينا الاسبوع الماضي

ويرى الخبير المتخصص في إدارة الأزمات، أمين إسماعيل مجذوب، أن الزيارات الأخيرة المتبادلة بين الجانبين السوداني والتشادي ذات طابع أمني وسياسي. ولفت في حديثه لـ(عاين) إلى أن الزيارات المتبادلة تتزامن مع تغيير قيادة القوات المشتركة التي سُلمت للجانب السوداني.

وأشار إلى هناك مهددات أمنية وسياسية  تهم البلدين، فالأمنية تتمثل في خروج مجموعات من المسلحين الذين عملوا مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي ثم مع الجنرال خليفة حفتر. وأوضح مجذوب أن هذه المجموعات المسلحة أُخرجت من الأراضي الليبية عبر الأمم المتحدة.

وبيّن مجذوب أن جزء من هؤلاء المقاتلين سيذهبون إلى تشاد والجزء الآخر سيذهب إلى دارفور. ومن الناحية السياسية يرى مجذوب أن البلدين يُحكمان عسكرياً ويتأثر كلاهما بالآخر خاصة تشاد.

ولفت مجذوب لوجود التجاور جغرافي بين عدة قبائل مع دولة تشاد الأمر الذي أسفر عن حدوث إضطرابات في غرب دارفور في كل من الجنينة وجبل مون ومعسكر كريندق، مما استدعى جلوس الطرفين السوداني والتشادي لبحث هذا الملف الهام والعمل على وإيقاف الأضطرابات والقتل من الجانبين. وأشار  إلى أنه لا يخفى على أحد وجود  صراع نفوذ في  المنطقة ما بين فرنسا وروسيا مع إستمرار التسابق على إستخراج النفط والذهب واليورانيوم.

تواجد روسي

من جانبه يرى المحامي والقانوني والمهتم ملف إقليم دارفور، عبد الباسط الحاج، في حديث لـ(عاين):أن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” صنع علاقات لقواته مع دولة روسيا خلال زيارته لها، الأمر الذي يعني زيادة التعزيزات العسكرية لقواته. ولفت إلى إن روسيا تتواجد علناً داخل دولة “أفريقيا الوسطى” وعلى الحدود السودانية والحدود المتاخمة لأفريقيا الوسطي مع تشاد ما يعني تهديد تشاد التي لها علاقة جيدة مع فرنسا حتى الان.

التحركات الداخلية والخارجية للقادة العسكريين من الجانبين السوداني والتشادي لا تنفصل عن التحولات “الجيوسياسية” المجاورة في الصراع الاقليمي والدولي حول المنطقة  خاصة روسيا و فرنسا في غرب دارفور و الحدود المجاورة للسودان مع أفريقيا الوسطي. الناشط الحقوقي، عبد الباسط الحاج

وأوضح الحاج، أن اقليم دارفور به تداخلات إجتماعية و إقتصادية مع دول الجوار ويعتبر عمقاً إستراتيجياً و منفذاً لأي حركة سياسية مسلحة في ليبيا و تشاد و افريقيا الوسطي. ولفت إلى أن هذه الوضعية تسهل عمليات تدفق السلاح و تهريب الذهب وإستخراجه بطريقة أشبه بالسرقة ما يسمي بــ “ذهب الصراع”

وأشار إلى أن هناك إعتقاد بأن “حميدتي” يسعى إلى  فتح مناجم لتعدين الذهب بغرب دارفور و غيرها من المناطق عن طريق شركة “الجنيد” التابعة له والتي تحظى بحماية  قوات الدعم السريع، كما تحظي بإستثناءات واسعة من الشركة السوادنية للموارد المعدنية.

أسئلة

ويُلاحظ أن أحداث القتل التي شهدتها الحدود السودانية التشادية، تزامنت مع تواجد قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو بإقليم دارفور منذ يونيو الماضي.

ويزعم قائد الدعم السريع أنه سيبقى في إقليم دارفور للقيام بمصالحات بين المجموعات الأهلية والقبلية هناك.

لكن هناك مزاعم أخرى ذهبت جهة أن “حميدتي” غادر الخرطوم بسبب الخلافات المكتومة بينه وبين الجيش السوداني.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد بدوي أن القوات المشتركة السودانية التشادية تتواجد هناك منذ العام 2010 ، ويتساءل حول ما الذى جعل الاحداث تتفاقم في هذه المناطق في هذا التوقيت بالتحديد.

ولفت في حديث لـ(عاين) إلى أن  ولاية غرب دارفور لم تشهد حوادث مماثلة إلا فى الفترة الاخيرة مع تواجد “حميدتى” بدارفور الذي أعلن أنه يسعى لإجراء مصالحات قبلية عن طريق إستخدام نفوذه لفرض الاستقرار بغرب دارفور في سياق تنفيذ إتفاق جوبا لسلام السودان.

وأوضح بدوي، أن كل ذلك لا يُقرأ بمعزل عن الصراع غير المعلن بين المكون  العسكري الممتد طوال الفترة الانتقالية، معتبراً أن ولاية غرب دارفور تعد مسرحاً لهذا الصراع.

ولفت إلى أن القوات المشتركة تدخلت في حالات سابقة وعملت على معالجتها، الأمر الذي يجعل المراقب يتساءل حول حقيقة ما حدث.

وأشار بدوي إلى أن التصريحات الحكومية السودانية سَمَت المعتدين على الرعاة بـ “مجموعة مسلحة” موضحاً أن هذا التوصيف يبيَن عدم دفع الحكومة بكل الحقائق حول حادثة القتل الأخيرة. معتبراً أن الموقف الرسمي السودانى لم ينحو جهة التصعيد كما حدث فى منطقة الفشقة الحدودية مع الجارة أثيوبيا.

وبالحديث عن الزيارات الاخيرة المتبادلة بين الجانبين السوداني والتشادي، يرى بدوي أن الزيارات الرسمية لوزراء الدفاع هي ذات طابع مرتبط باجندة عسكرية وفيما يخص العلاقات السودانية التشادية فهو أمر ستكشف عنه الأيام القادمة إذا استمر التصعيد في الحدود بين الجانبين.

” قد لا ترغب تشاد فى خوض صراع مسلح لتفادى التصعيد السالب الذى قد ينتج بجعل الحدود مسرح لمجموعات مختلفة قد تنزل من ليبيا فى سياق صراع المناصرة”. محمد بدوي، كاتب ومحلل سياسي

وبالعودة لتواجد “حميدتي” بإقليم دارفور، يتساءل الكاتب والمحلل السياسي حول “هل هنالك تخوف من الجانب التشادى من إنتقال “حميدتى” من الخرطوم إلى الجنينة الفترة الماضية؟” وتابع بقوله: “الأمر الذي يُعزز هذه الفرضية هو وجود مجموعات مشتركة بين الجانبين السوداني والتشادي. ولفت إلى أن صحة هذه الفرضية ستقود لقراءة أخرى وهي “أن حادثة مقتل الرعاة “مدبرة” من قبل الجانب التشادى بهدف التصعيد”. مشيراً  إلى أن مدينة الجنينة بغرب دارفور تعتبر تاريخياً مركزاً للمعارضة التشادية.

من جانبه يرى المحامي والقانوني عبد الباسط الحاج، أن تواجد حميدتي في دارفور الفترة الماضية  يقرأ في سياق الوضع السياسي الداخلى المعقد الذي تمر به البلاد.

وأشار إلى وجود إجماع من قوى الثورة الحية والمجتمع الدولى على إنهاء الوضع الانقلابي في السودان وتشكيل حكومة مدنية كاملة وجيش وطني موحد الأمر الذي يتضمن دمج قوات الدعم السريع في الجيش و هو ما يثير حفيظة “حميدتي” الذي يريد المحافظة على وضعيته المستقلة.

ويختم الحاج بقوله:” عملياً لايمكن تحقيق الإستقرار في إقليم دارفور مالم تتم عملية نزع السلاح من المليشيات ومواجهة حقيقة خطورة وضعية قوات الدعم السريع على الأمن و الاستقرار”.