الجيش السوداني يتحدى.. ما هي التغييرات التي طرأت؟
عاين-25 فبراير 2024
وفق تصريحات أظهرت “نوعا من الزهو” تبارى جنرالات الجيش السوداني في إغلاق الباب أمام التفاوض مع قوات الدعم السريع مؤخراً، وتزامن ذلك مع إحراز القوات السودانية المسلحة تقدما في بعض المناطق بأم درمان أبرزها نقل الإمداد إلى سلاح المهندسين المهم غربي العاصمة الخرطوم.
من ولاية النيل الأبيض قال عضو مجلس السيادة الانتقالي ونائب القائد العام للجيش السوداني الفريق ركن شمس الدين في خطاب من قاعدة عسكرية في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض غربي البلاد الواقعة على بعد 400 كيلومتر عن العاصمة السودانية إن “الجيش لن يوافق على دمج قوات الدعم السريع ضمن شروط التفاوض مع حميدتي وهناك خطط لترتيبات أمنية قصيرة، وإذا لم يوافق عليها يجب أن يغادر“.
تصريحات كباشي عضدتها تصريحات لرئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان من مدينة شندي بولاية نهر النيل الجمعة، وطالب الدعم السريع بمغادرة الخرطوم و زالنجي ونيالا وودمدني وخلال هذه التصريحات أظهر البرهان موقفا متشددا في التعامل مع قوات الدعم السريع من الناحية التفاوضية.
ضوء أخضر
التهديدات التي أطلقها الجنرالان البارزان في الجيش السوداني “البرهان والكباشي” تزامنت مع معارك عنيفة خاضها الجيش ضد قوات الدعم السريع في أم درمان، وتمكن من إدخال الإمدادات إلى سلاح المهندسين بعد عشرة أشهر من الحصار.
يقرأ الدبلوماسي والخبير في العلاقات الدولية عمر عبد الرحمن، تصريحات الكباشي أيضا على أنها رسائل إلى الوساطة المرتقبة في منبر جدة بأن الشروط يجب أن يضعها الجيش إذا جرى استئناف التفاوض مع الدعم السريع“.
ويقول عمر عبد الرحمن، إن ما دفع الكباشي إلى هذه التصريحات تعرضه إلى ضغوط قوية من الإسلاميين الذين يؤيدون استمرار المعارك لإضعاف الدعم السريع عسكريا؛ وبالتالي التفاوض بشروطهم كما أن الإسلاميين أظهروا حنقا على الكباشي الذي وقع مسودة اتفاق في المنامة مع قائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو خلال شهر يناير الماضي لأن المسودة قد تكون مرجعية للوساطة في منبر جدة واعتبروا ما أقدم عليه الكباشي بمثابة تنازلات كبيرة يضيف عبد الرحمن.
مسودة المنامة
وكانت صحيفة الشرق الأوسط نشرت مسودة الاتفاق الموقعة بين الكباشي وعبد الرحيم دقلو وقالت الصحيفة إن الجنرالين أجريا في مدينة المحرق في البحرين بشكل سري أيام 6 و 18 يناير 2024 مسودة انتهت بتوقيع اتفاق من 22 بنداً.
وحسب مسودة الاتفاق المسربة اتفق الجنرالين وفقاً للمادة 7 من الاتفاق، على بناء وتأسيس جيش مهني وقومي بدون انتماء سياسي أو توجهات أيديولوجية، من القوات العسكرية كافة: “الدعم السريع” والقوات المسلحة، وحركات الكفاح المسلح، ويعبر هذا الجيش عن التنوع السوداني على كافة مستوياته، الإدارية والحزبية، إضافة إلى بناء وإعادة تأسيس القوى الأمنية النظامية بما في ذلك الشرطة وجهاز المخابرات
ونصت المادة 11 من الاتفاق الموقع بـ”الأحرف الأولى” من قبل الكباشي ودقلو، على “تفكيك نظام الثلاثين من يونيو” فيما أكدت المواد 17 و 18 على إعادة القبض على المتهمين الفارين من السجون بعد الحرب، ويقصد بهم أنصار نظام “الإنقاذ” وضمان وصول المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير ونائبه أحمد هارون وآخرون.
وأكد الاتفاق على إقامة حوار وطني شامل، يشارك فيه كل الفاعلين السياسيين، باستثناء المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية التابعة له وعزلهم عن المرحلة الانتقالية.
وحسب مسودة اتفاق المنامة الذي أٌطلق عليه “وثيقة مبادئ، وأسس الحل الشامل للأزمة السودانية” ضرورة رفع المعاناة عن كاهل الشعب، والوصول لحلول للأزمة تنهي الحرب عبر حوار سوداني – سوداني، ومحاربة خطاب الكراهية، واعتماد مبدأ العدالة الانتقالية والمحاسبة وجبر الضرر والتعويض عن الخسائر، وإعادة بناء ما دمرته الحرب، والحفاظ على وحدة البلاد والحكم الاتحادي.
الكباشي يتجنب الإسلاميين
ويقول المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الانتقالية – فائز الشيخ السليك إن تصريحات الكباشي في ولاية النيل الأبيض جاءت لتأمين نفسه من انتقادات الإسلاميين على خلفية المفاوضات التي قادها في المنامة مع قائد ثاني الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو.
“المفاوضات التي قادها (كباشي) في المنامة تأكيد على تعدد مراكز القرار داخل الجيش ومحاصرته عن طريق الإسلاميين من خارج القوات المسلحة”.
مستشار إعلامي سابق لرئيس وزراء الحكومة الانتقالية
ويرى السليك، أن المفاوضات التي قادها كباشي في المنامة تأكيداً على تعدد مراكز القرار داخل الجيش ومحاصرته عن طريق الإسلاميين من خارج القوات المسلحة إلى جانب بعض الجنرالات من يملكون التأثير الواضح.
ويضيف السليك في مقابلة مع (عاين): “الكباشي يريد أن يقول إن التسريبات التي خرجت بشأن مفاوضات المنامة غير صحيحة، ويريد قطع الطريق أمام أي تفاوض“.
“الأوضاع لا تدعو للتفاؤل؛ لأن الإسلاميين ربطوا وجودهم سياسيا بالانتصارات العسكرية في الحرب ضد قوات الدعم السريع وتأثيرهم في الجيش أو عبر المليشيات المعروفة لديهم والوضع إجمالا يؤشر إلى استمرار القتال”. يقول السليك.
ويتابع: “منذ فترة قريبة حقق الجيش انتصارا رفع من معنويات مناصريه في أم درمان، وهذا يدفعهم إلى مزيد من القتال، مع حصول الجيش على دعم إيراني وهي مسيرات مهاجر 6“.
إنهاك الدعم السريع
وارتفعت لغة الوعيد الصادرة من جنرالات الجيش بحق الدعم السريع بالتزامن مع عمليات عسكرية قد تكون هي الأعنف منذ بداية الحرب تشمل ولاية الجزيرة حيث صرح البرهان من مدينة كسلا الأربعاء الماضي، أن معركة الكرامة ستنطلق من شرق السودان في إشارة إلى عمليات عسكرية مرتقبة من الشرق إلى ولاية الجزيرة التي تقع أجزاء منها تحت سيطرة قوات حميدتي.
ويعزو المتحدث باسم تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم حسام علي، ارتفاع “لغة الثقة” لدى جنرالات الجيش إلى ترقب معركة كبيرة في مدينة أم درمان وضع الجيش نفسه قبلها في موقف ميداني من خلال جسر الإمداد بين كرري العسكرية وسلاح المهندسين.
ويرجح حسام، علي اقتراب الطرفين من خوض معركة كبيرة في مدينة أم درمان خلال الشهر القادم، وقد تكون وتيرتها بدأت حاليا طبقا لحسام الذي يُجمل عوامل الضعف وسط قوات الدعم السريع إلى ظهور حالة من الإنهاك لديها؛ بسبب توسعها في القتال نحو مناطق الجزيرة وسط البلاد وغرب كردفان في مدينة بابنوسة.
ويضيف في مقابلة مع (عاين): “الدعم السريع تعتمد على كثافة النيران للسيطرة على الحاميات العسكرية التابعة للجيش بعد توسع الحرب في الشهرين الأخيرين قلت كفاءة الدعم السريع في هذا الجانب لأن كثافة النيران تعتمد على الكتلة البشرية التي تحمل السلاح“.
سند دولي
يقول الدبلوماسي والخبير في العلاقات الدولية عمر عبد الرحمن لـ(عاين): إن “موقف المجتمع الدولي من حرب السودان دفع الجنرالات في الجيش إلى الحصول على ما يشبه “الضوء الأخضر” للمضي إلى معركة حاسمة وتحطيم “قوات دقلو” وإيصال قوته العسكرية إلى نسبة 10% لجره إلى التفاوض من موقف ضعف.
“ما دفع قادة الجيش إلى إعلان التحدي له علاقة بمشروع أمريكي يمرر عبر الكونغرس لتوصيف الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بـ”الإبادة الجماعية”.
دبلوماسي وخبير في العلاقات الدولية
ويعتقد عبد الرحمن، أن ما دفع قادة الجيش إلى إعلان التحدي في حرب السودان له علاقة بمشروع أمريكي يمرر عبر الكونغرس في الوقت الحاضر لتوصيف الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بـ”الإبادة الجماعية”. وقال: إن “هذا التوصيف يقلل من نفوذ الدعم السريع سياسيا ودبلوماسيا خاصة مع تحركات قائدها في أفريقيا لحشد الدعم الدبلوماسي لموقفه السياسي خلال الحرب“.
إلى جانب ذلك يعتقد حسام علي، أن المجتمع الدولي بات يضيق الخناق على الدعم السريع، وهذه التطورات الدولية تضع الجيش في موقف أفضل سياسيا.
ظهور الجيش بشكل مغاير عما كان عليه قبل شهرين يعود إلى عوامل متعددة منها ما هو متعلق بوضع قوات الدعم السريع ميدانيا إلى جانب وضع القوات المسلحة السودانية استراتيجية التعامل مع الحرب تقوم على سياسة النفس الطويل وهو تصريح أدلى به البرهان قبيل اندلاع الحرب مطلقا عبارته الشهيرة “سنحفر بالإبرة” في إشارة إلى أن الجيش يتعامل مع الحروب وفق استراتيجية طويلة المدى.
ويقول الباحث في الشؤون الأفريقية عادل إبراهيم، إن هناك عوامل متعددة جعلت قادة الجيش يطلقون تهديدات مباشرة ضد قوات الدعم السريع تتمثل في ضغوط الإسلاميين الذين نسبوا إلى أنفسهم معركة فتح الإمداد بين كرري العسكرية وسلاح المهندسين في أم درمان لدرجة أن عناصر من كتيبة البراء بن مالك شاركت في الاحتفال الذي أقيم داخل سلاح المهندسين وأم درمان.
ويرى إبراهيم في حديث لـ(عاين) أن ظهور عناصر من كتيبة البراء بن مالك رسالة مفادها أن المعركة ستحسم عسكريا.
“تصريحات قادة الجيش التي جاءت بعد تسريبات اتفاق المنامة تشبه حالة انقلابية داخل الجيش عن طريق الإسلاميين الذين انتصروا من جديد على تيار وقف الحرب”.
باحث في الشئون الافريقية
ويقول إبراهيم، إن “الإسلاميين أبلغوا قادة الجيش أنه بالإمكان حسم معركتين رئيسيتين في الجزيرة وأم درمان وإضعاف الدعم السريع؛ وبالتالي الانتقال إلى مرحلة جديدة في الحرب“.
وأضاف: “تصريحات الجنرالات تتسق مع توجهات داخل المؤسسة العسكرية بإمكانية التعامل مع الحرب بسياسة النفس الطويل وعدم التعجل في النتائج النهائية والاعتماد على عوامل إضعاف الدعم السريع سياسيا وعسكريا وهي خطط باتت تظهر ملامحها، ونلاحظ إغلاق الجيش للعديد من الثغرات التي أدت إلى هزيمته في بعض المواقع“.
وتابع قائلا: “وضع الجيش استراتيجية جديدة كما أبلغ نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الرئيس الأوغندي في كمبالا يوري موسفيني الأربعاء الماضي في لقاء جرى بين الاثنين“.
ويقول عادل إبراهيم، إن تصريحات قادة الجيش التي جاءت بعد تسريبات اتفاق المنامة تشبه حالة انقلابية داخل الجيش عن طريق الإسلاميين الذين انتصروا من جديد على تيار وقف الحرب داخل المؤسسة العسكرية ما يعني أن الحرب لن تتوقف قريبا.