“إختراق نقابي ثوري”..إضرابات العاملين بدارفور وشمال كردفان  

4 أغسطس 2022

في خضم الصراع النقابي الحالي الذي تشهده البلاد، قاد عاملون وموظفون في عدد من المؤسسات الحكومية في الولايات لاسيما إقليم دارفور وشمال كردفان اضرابات شهيرة خلال الفترة الماضية للمطالبة بتحسين الأجور.

وخلال شهور  مايو ويونيو ويوليو الماضية أضرب العاملون في المؤسسات الحكومية في ولايات بدارفور مطالبين بتحسين أجورهم أسوة بمعلمي المدارس الحكومية والعسكريين. ومنذ 14 أغسطس الفائت يقود تجمعا نقابيا بولاية شمال كردفان اضراباَـ وحقق التجمع تقدم فيما يخص قضايا قرارات الهيكل الراتبي وبدلات غلاء المعيشة وغيرها من الحقوق المهضومة، فيما تتم مواجهته والتضييق عليه من قبل حكومة الولاية بكل الطرق.

وجرى تأسيس التجمع النقابي في 7 مايو الماضي  بمبادرة من مجموعة من أصحاب المصالح المتحركين من مواقع العاملين بالخدمة المدنية، متضررين من النظام وطبيعة علاقات العمل التي تعمل على هضم حقوق العاملين، وتعمل وفق رؤية نقابية مطلبية تحفظ حقوق المستخدمين المنتخبين ضد المخدمين ناقشوا امكانية تكوين جسم موحد يعالج قضايا العاملين ويحقق الوحدة النقابية بعد الفراغ النقابي ما بعد انقلاب 25 أكتوبر، ويضم حوالي 17 جسما نقابيا من مختلف مؤسسات الدولة بالولاية.

ونشط التجمع منذ تأسيسه في مواجهات مباشرة مع السلطة تمثلت في إعلان الإضراب بكل مؤسسات الدولة بالولاية، وبدأ تصعيده بإعلان الإضراب لأيام قليلة، ثم وصل لتحقيقه نجاحا وصل لإضراب مستمر لأكثر من 50 يوما تم رفعه بعد الحل الجزئي للمستحقات المالية للعاملين.

"إختراق نقابي ثوري"..إضرابات العاملين بدارفور وشمال كردفان

انتصار جزئي

وتمثلت مطالب الإضراب المفتوح الأول في الاحتجاج على عدم تنفيذ الولاية الهيكل الراتبي للعاملين في الخدمة المدنية وفق المنشور الصادر من مجلس الوزراء 2022 و رفضا للتمييز في تطبيق الهيكل على بعض الفئات المهنية دون الأخرى، وحقق الإضراب نجاحا وصل ل 94% في الولاية بينما وصلت نسبة نجاحه في المحليات 96% بحسب إفادة رئيس التجمع عبد الوهاب أحمد هاشم.

وخاض التجمع معركة تنفيذ الهيكل الراتبي قانونيا وانتصر في تنفيذها جزئيا، غير أن انتصاره ارتبط بتوفيق أوضاع المعلمين وأساتذة الجامعات الذين تبلغ نسبتهم 75% من مجمل العاملين الذين يبلغ عددهم 28413 عاملا، ومازال بقيتهم المتمثلة في نسبة 25% يصارعون من أجل صرف مستحقاتهم، بحسب تصريحات التجمع.

وتم تعديل الحد الأدنى للأجور منذ الأول من يناير الماضي، وإلغاء الهيكل الموحد للأجور للعام 2020 على أن يظل جدول الأجور الموحدة بدرجاته الحالية من الدرجة الـ 17 إلى القطاع الأول الخاص، دون تعديل، على أن يستوعب المجموعات التي اشتمل عليها دون استثناء وفق منشور أصدره وزير شؤون مجلس الوزراء الانقلابي المكلف، فيما ظل تنفيذ الهيكل الراتبي الموحد للأجور معلقا منذ فبراير الماضي رغم صدور قرار تطبيقه.

إضراب ناجح

وأثر الإضراب بشكل كبير على جهاز الدولة بولاية شمال كردفان نسبة لتغطيته أغلب المرافق الحكومية المهمة، ولجأت السلطات التي تجاهلت مذكرات التجمع، لمحاولة درء آثار الإضراب، حيث جلبت موظفين وكوادر طبية من مستشفيات الجيش لتغطية العجز بمستشفى الأبيض الذي وصلت نسبة الإضراب فيه نسبة 100%، وأحدث الإضراب خسائرا على مستوى تحصيل الإيرادات بالولاية وتدنيه بسبب توقف مرافق الولاية رغم كسر عمال التحصيل للإضرار، وفقا لتصريحات التجمع.

"إختراق نقابي ثوري"..إضرابات العاملين بدارفور وشمال كردفان

عسف السلطة

وفي 14 أغسطس الجاري، أعلن التجمع استئناف الإضراب بشكل مفتوح مجددا، خلال مؤتمر صحفي أطلع فيه جمهور العاملين بمخرجات زيارة وفده للسلطة الاتحادية بشأن استحقاقات العاملين بخصوص الهيكل الراتبي، وكشف أن مسؤولية الهيكل الراتبي واستحقاقات العاملين شأن ولائي بحسب ما أفادت السلطة الاتحادية، وأن حكومة الولاية استلمت حصة مستحقات العاملين منذ أشهر، وتعرض قادة التجمع لاعتقال من قبل السلطات للناطق الرسمي والضباط الثلاثة، وفتحت أمانة حكومة الولاية بلاغات ضدهم بخصوص تصريحات المؤتمر الصحفي تحت مواد التحريض واشانة السمعة، بعد اتهامهم لحكومة الولاية بالإستيلاء على نصيب العمال من موارد الولاية.

وفي تصريحات لـ(عاين)، كشف رئيس التجمع النقابي للعاملين بولاية شمال كردفان، عبد الوهاب أحمد هاشم، أن تنفيذ الإضراب الحالي يعتبر أضعف من الإضراب السابق، وأرجع ذلك للتهديدات التي حاصرت بها السلطة جموع العاملين، وأوضح أن نسبة تنفيذ الإضراب الحالي تتراوح ما بين 58% إلى 66% نسبة رصدهم وطوافهم على الوزارات والمؤسسات وما زال الإضراب مفتوحا.

وأكد رئيس التجمع النقابي، أن جميع الأجسام واللجان التسييرية للعاملين بالولاية، منتخبة من قواعدها ولديها نظمها الأساسية ولوائحها الخاصة، مما يؤكد خطوة البناء النقابي الصحيح بوجود نظام أساسي للتجمع نفسه بكل أجسامه التي تضم المهنيين والموظفين والعمال.

الولاية تتداعى

وعن صراعهم مع الولاية، قال رئيس التجمع إن لم يتجهوا للتصعيد القانوني تجاه الولاية نظرا للبلاغات المفتوحة ضدهم من الولاية، ولفت إلى أن المكتسبات حتى الآن تتمثل في بدلات الفئة الإبتدائية وغلاء المعيشة، وما زال صراعهم مستمرا للوصول لتعديل طبيعة العمل، وأكد أن رد الفعل من السلطات المركزية يؤكد أن المرتبات شأن ولائي وأن نصيب الولاية من مواردها بنسبة 30% يجب أن يغطي المرتبات، وكشف أن حكومة الولاية ادعت للسلطة المركزية أن نصيب الولاية من مواردها لا يغطي رواتب العاملين بالولاية، وفي الوقت ذاته أكدت احصائيات مرتبات العاملين أنها لا تتعدى ال20%.

وأشار عبد الوهاب إلى أن أصداء الإضراب في الولاية واسعة جدا، وأثرت بشكل كبير على الرأي العام وخلقت وحدة عالية بين كل العاملين في الولاية، ما يرى أنه انتصار جماهيري أكبر، وتابع كاشفا أن للتجمع تنسيقات مع أجسام مثيلة في 8 ولايات بغرض نقل التجربة وتشكيل التجمع النقابي للعاملين بولايات السودان وصولا لتنفيذ الإضراب السياسي العام.

 ويرى الخبير النقابي والقيادي بتجمع تصحيح واستعادة النقابات العمالية، محجوب كناري في مقابلة مع (عاين)، ان تجربة التجمع النقابي للعاملين بولاية شمال كردفان، بأنها اتحاد نقابي حسب الأعراف المتبعة.

نقابات ثورية

واعتبر كناري أن تجربة التجمع النقابي لعمال كردفان، تجسيد لبناء النقابات بالطريقة الثورية والسليمة والمحتكمة للمعايير النقابية المحلية والدولية، وشبه التجربة الولائية بتجربة التجمع النقابي في العام 1985 الذي ساهم في إسقاط حكم الديكتاتور جعفر نميري، وتابع: ” هذه النقابات لديها قضاياها المتعلقة بالمعيشة وتحسين بيئة العمل للعاملين وترقيات وشؤون الخدمة وغيرها وهم في ظل غياب الدولة يتبنون قضايا جماهيرهم لتحقيقها”.

 وقطع كناري، أن تجربة التجمع، ستساهم بشكل كبير في سد الفراغ النقابي الماثل الآن بالبلاد، قائلا إن النقابات جزء مهم من المشهد السياسي بجانب الأحزاب ولجان المقاومة، ورأى أن الحكومة تسعى لتعطيل قيام النقابات كي يظل الوضع السياسي كما هو عليه دون إزاحة سيطرة العسكر وفلول النظام البائد على مقاليد السلطة والثروة.

"إختراق نقابي ثوري"..إضرابات العاملين بدارفور وشمال كردفان

الطريق للإضراب العام

وكشف كناري أنهم في تجمع تصحيح واستعادة النقابات العمالية، يعملون على عدة أصعدة لتحقيق الإضراب السياسي العام في كل البلاد باعتبار أن الإضراب أداة نضالية وسلاح أساسي لانتزاع الحقوق، وأكد أن الإضراب السياسي لا يمكن تحقيقه بدون نقابات، مشيرًا إلى تجربة تجمع المهنيين السياسيين ومبادرته لتحقيق العصيان المدني بالبلاد وفشلها في تنفيذ الإضراب السياسي، وذكر تجربة التجمع النقابي للعاملين بولاية شمال كردفان بالإضافة لتجربة اتحاد النقابات المستقلة بالخرطوم كتجارب جادة في طريق تنفيذ الإضراب السياسي العام.

وأكد محجوب كناري، أن العمل الذي يقوم به التجمع النقابي للعاملين بولاية شمال كردفان، هو من صميم عمل النقابات من انتزاع حقوق العاملين والضغط على السلطة والقدرة على تنفيذ إضراب سياسي ناجح، مدللا بذلك على قدرة التجمع على العمل وسط قواعده وحصوله على الإجماع من جموع العاملين، وتابع :” يجب الاستفادة من هذا الإجماع لتصبح النقابات فاعلة وبيدها أداة الإضراب متاحة في كل الأوقات لأنها ستعبر عن كل القواعد في جسم نقابي منتخب، لأنه الطريق السليم للوصول للمكتسبات”.