«عنف واعتقال».. أطراف حرب السودان تحاصر مبادرات وقف القتال
عاين – 12 أغسطس 2023
بجانب الحصار الذي فرضته الحرب على ملايين السودانيين في العاصمة الخرطوم والولايات، يدفع الناشطون في العمل السياسي الذي يدعو لوقف الحرب والفاعلين في العمل الطوعي الإنساني، ثمن باهظ بالتهديد والاعتقال بواسطة طرفي النزاع الدامي.
وبينما تدور المعارك العسكرية في ولاية الخرطوم وإقليم دارفور وأجزاء من شمال كردفان وبعض المناطق الأخرى وتعلو أصوات البنادق وتُقصف منازل المواطنين، وترتفع الأصوات بضرورة الحسم العسكري لقوات الدعم السريع شبه العسكرية، فإن أصوات أخرى تنادي بوقف الحرب، تُقمع بقوة.
وإزاء واقع الحرب المؤلم، أُنشئت لجان الطوارئ بواسطة لجان المقاومة والمواطنين في العاصمة الخرطوم والولايات، لمد يد العون لضحايا الحرب من العالقين في ولاية الخرطوم والنازحين للولايات مع استمرار صعوبة وصول المساعدات الإنسانية بسبب انعدام الأمن.
أرضا سلاح
وبينما تقترب الحرب من إكمال شهرها الرابع، فإن طرفي القتال يستمرون في عرقلة الجهود الرامية لوقف الحرب، عن طريق الاعتقال والتهديد والتضييق ضد الفاعلين في العمل السياسي المناهض للحرب والناشطين في العمل الطوعي والانساني.
الأربعاء الماضي، اعتزمت مبادرة لا لقهر النساء- مبادرة نسوية تأسست في العام 2009- تنظيم ندوة بعنوان “أرضاً سلاح نقولها نحن النساء” بدار حزب الأمة القومي بمدينة ود مدني. وبينما كانت تستعد المبادرة لتقديم ندوتها التي تأتي ضمن جهودها لرفض الحرب، تلقت اعتذاراً من حزب الأمة القومى بدعوى هشاشة الأوضاع الأمنية والتعبئة المضادة للمنشط في وسائل التواصل الاجتماعي.
وكانت واجهات لم تفصح عن هويتها بولاية الجزيرة، حذرت من قيام الندوة، ورأت أن الدعوة لوقف الحرب تنطوي على دعم قوات الدعم السريع.
وبرر حزب الأمة القومي، الثلاثاء، موقفه بإلغاء الندوة بالهشاشة الأمنية والتعبئة المضادة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من ما أسماهم بـ” قوى الظلام والردة”.
وقال الحزب، أن ولاية الجزيرة تشهد استقراراً نرجو أن يدوم، ولا نريد أن نكون نحن ولا أنتم في إشارة لمبادرة ــ لا لقهر النساءـــ سبباً في تعكير الأمن بالولاية.في وقت قالت مبادرة لا لقهر النساء، أن مبادرتها المعنونة بـ “أرضاً سلاح” تهدف إلى بداية حملة شعبية يقدنها النساء لوقف الحرب.
“إن أولئك الذين يروجون للحرب هم الأكثر تأثيراً على الأزمة في السودان”. تقول رئيسة مبادرة لا لقهر النساء، أميرة عثمان لـ(عاين). وتضيف: بأن “ضعف الحراك المدني غلّب كفة أولئك الذين يدعمون الحرب وجعل صوت المناهضين لها ضعيفاً”. ولفتت إلى أن طرفي النزاع يستهدفون الناشطين في العمل السياسي والتطوعي، واعتبرته “أمراً مؤسفاً”.
وتشير عثمان، إلى أن طرفي النزاع ظلا يخالفا قانون الحرب منذ اندلاع الصراع ولم يبديا احتراماً للمدنيين، كما تأسفت على أن الطرفين يواصلان منع دخول المساعدات الانسانية بعدم فتح الممرات الآمنة للعاملين في تأمين العلاج والغذاء، ولا يتبادلان الأسرى كما يمثل كل طرف منهما بجثة الآخر دون اعتبارات إنسانية.
وقالت أميرة، أن مبادرة لا لقهر النساء تعمل على تحريك وملء الفراغ السياسي المدني الذي خلفته الحرب عن طريق استنهاض القوى السياسية والمدنية الرافضة للحرب.
وأوضحت، أن المبادرة تواجه حملة ضد عضويتها، بواسطة حملات اسفيرية مُحملة بخطاب الكراهية والتحريض يقودها داعمو الحرب.
نبذ الكراهية
“توقفنا عن ممارسة عملنا في مبادرة (ضد الكراهية- ولاية النيل الأزرق) نسبة لسوء الأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد”. تقول عضوة المبادرة، رفيدة خلف الله، لـ(عاين)، وترى زميلتها في تأسيس المبادرة ترتيل عطا المنان، أن الحروب تبدأ في الإعلام ثم تنتقل إلى الواقع. وتسأل: كيف للجار يسعى لقتل جاره؟، وتقول: ليس هناك إجابة عدا أن خطاب الكراهية المتراكم هو الذي قاده لذلك.
في يوليو 2022 انطلقت المبادرة بالتزامن مع الاقتتال القبلي هناك، لوقف الاقتتال القبلي واحداث التغيير الاجتماعي اللازم، عبر بث فيديوهات محملة بالرسائل الداعية للسلام والرامية لتحقيق السلام بين المكونات المختلفة عبر تأسيس مبادرة “كلنا أهل ميديا”
وقالت عضوة المبادرة، رفيدة خلف الله، لـ(عاين): “عبرنا عن رفضنا للعنف في النيل الأزرق عبر تنظيم مسيرة ووقفة احتجاجية تدعو لوقف الاقتتال والتعايش السلمي. كما دعونا شباب وشابات الولاية لضرورة الحراك السلمي منعاً لتفاقم الأوضاع.”
وفيما قالت ترتيل عطا المنان وهي عضوة المبادرة، لـ(عاين): “كنا نرغب أنا وصديقتي رفيدة في خدمة مجتمعاتنا بصورة بسيطة، لذلك سعينا إلى تأسيس هذه المبادرة، خاصة عندما رأينا الجميع يقوم بمجهودات كبيرة في مطبخ الطوارئ وفي المستشفيات، ورأينا كيف أن الجميع يرغب في المساعدة”.
تقول ترتيل: “كنا نرغب في تقديم عمل مؤثر عبر استخدام الفيديو، خاصة أن لدينا خبرة في إنتاج الفيديو عبر الموبايل، خاصة مع سيطرة خطاب الكراهية وقتها على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وتابعت:”كنا نعرف أن خطاب الكراهية المنتشر ذلك الوقت هو الذي أفضى للاقتتال”. وتضيف:”مع احتدام القتال وقتها، بتنا على يقين أن هذا العنف الشديد لم يكن نتاج لحظته بل هو نتاج لتراكمات طويلة بسبب خطاب الكراهية”.
وتتابع: “بدأنا حمل هواتفنا وإجراء مقابلات مع الناس في الشارع عن الأدوار التي يمكن القيام بها لوقف الحرب. لقد قمنا ببث هذه الرسائل الرافضة للحرب على وسائل التواصل الاجتماعي”.
كما أن المبادرة حرصت على إبتكار آخر وهو التوقيع على بوسترات تحتوي على التعهد لرفض خطاب الكراهية. تقول رفيدة: كانت الجهات الأمنية تسخر من هذه الجهود المجتمعية، ففي أحد المرات طلبوا منا التوقيعات المدونة على الأوراق لاستخدامها في إشعال النيران في محاولة تبخيس عملنا.
تقول رفيدة، عقب اندلاع حرب الخرطوم، قامت المبادرة بإنتاج عدد من الفيديوهات لحث الأطراف المتصارعة في السودان للسلام ووقف الحرب ، كما قمنا بالمشاركة في وقفة احتجاجية في ميدان المولد بمدينة الدمازين، نظمنها “أمهات السودان” لوقف الحرب، ويدل الاسم على أن السودانيات هم أمهات لهؤلاء الأبناء المتقاتلين. لكن رفيدة تعود وتقول:” توقفنا عن ممارسة عملنا في المبادرة نسبة لسوء الأوضاع الأمنية التي تمر بالبلاد.
تعرض للخطر
وفي ولاية النيل الأبيض، جنوبي البلاد، يرى عدد من الشباب السودانيين الرافضين للحرب، أن ممارسة أي نشاط ربما يعرضهم للتوقيف والاعتقال. ويقول “مهند” الذي يقطن مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، لـ(عاين):” أن الشباب والشابات بالولاية مدركون لمخاطر التهديد والاعتقال التي يمكنهم التعرض لها، لذلك لا يوجد أي نشاط مباشر يدعو لوقف الحرب تجنباً للمخاطر المتوقعة.
وأوضح، أن الجيش بولاية النيل الأبيض يكثف من دعوات الاستنفار العسكري عبر مخاطبة الإدارات الأهلية والعمد. وأشار إلى أن الجيش بهذه الطريقة استطاع حشد أعداد كبيرة من المواطنين، كما أن أعداد كبيرة من معسكرات التدريب باتت مفتوحة للتدريب العسكري.
أما أحمد وهو أحد أعضاء لجان المقاومة بمدينة الخرطوم فيقول لـ(عاين): أن الجيش والإسلاميين الموجودين داخل المؤسسة العسكرية ينظرون للجان المقاومة على أنها تعمل مع قوات الدعم السريع ولهذا السبب يتم استهداف أعضاء لجان المقاومة.
ولفت إلى أن المؤتمر الوطني وفلول النظام البائد يرغبون في استمرار الحرب، على أمل السيطرة على الحكم في السودان من جديد، و يهدفون إلى إنتاج نظام شمولي جديد أكثر قسوة من ذي قبل.
تضييق الخناق
ومنذ بدء الحرب نظم ناشطون وفاعلون سياسيون بمدينة القضارف شرقي السودان، أنشطة ثقافية سياسية متعددة شملت وقفات احتجاجية.
وأمام المضايقات التي يتعرض لها الناشطون والمتطوعين في مجال العمل الإنساني بمدينة القضارف، يقول الناشط السياسي جعفر خضر لـ(عاين): أن “والي ولاية القضارف يأتمر بأمر الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش ويقوم بتضييق الخناق على النشطاء والمتطوعين في مجال إيواء النازحين“.
وأوضح أن بلدية القضارف ومفوضية العون الإنساني قامتا بمنع غرفة الطوارئ النشطة في إيواء النازحين من العمل عن طريق طردهم من بيت الشباب ثم من مدرسة ديم بكُر.
وأضاف: أن لجان المقاومة قامت بتنظيم وقفات احتجاجية مؤخراً في إطار الدعوة لمحاسبة المتسترين على قيادات المؤتمر الوطني بمدينة القضارف وهو الأمر الذي نتج عنه إعتداء منسوبي المؤتمر الوطني على أعضاء لجان المقاومة.
ولفت خضر، إلى أن البعض ُيعتقلون بتهمة تأييد قوات الدعم السريع. ويشير إلى أن الاستخبارات العسكرية وعضوية المؤتمر الوطني يروجون إلى أن كل من يدعو لوقف الحرب يعتبر تابعاً للدعم السريع، وهذا غير صحيح، لأن الكثيرين يدعون لوقف الحرب لكنهم لايؤيدون الدعم السريع.
لماذا قمع دعوات لا الحرب؟
“السبب الرئيسي في استهدف لجان المقاومة والفاعلين الحقوقيين والعاملين في حقوق الإنسان هو أن كل الأطراف المتحاربة وداعميها من بعض القوى المدنية الراغبة في الوصول إلى السلطة عن طريق الحرب، تدرك أن وجود هذه القوى التي تسعى لتغيير حقيقي، لن يتيح لها تحقيق ذلك”.
هذا ما يذهب إليه المحلل السياسي وعضو تجمع الاجسام المطلبية في السودان خالد طه، الذي يُذكر كذلك بأن المدنيين العزل يواجهون قوات عسكرية ترى فيهم عدواً حالياً وخصماً محتملاً، ويعود ذلك لموقف لجان المقاومة المبدئي الذي ينادي بضرورة استكمال أهداف الثورة وتحقيق تطلعات الشعب.
وينوه طه في مقابلة مع (عاين)، إلى أن طرفي النزاع رغم الحرب يتفقان على أن الانتقال الديمقراطي السلس لا يصب في مصلحتهما، كما أن السودانيين موقنون بأن الديمقراطية لن تأتي بواسطة العسكريين أو المليشيات المسلحة.
ويقول: “القوى المدنية الثورية وعلى رأسها لجان المقاومة تطالب بعودة العسكر إلى ثكناتهم، وحل المليشيات المسلحة وتحديد المهام الوظيفية للجيش، وإتاحة المجال لمكونات المجتمع المدني ومؤسسات السلطة المدنية، ورفض عسكرة الأجواء العامة”.
ويتابع: أن “التشكيلات العسكرية وبعض القوى المدنية كانت ولا تزال تقف ضد اكتمال التحول الديمقراطي الضروري في تاريخ السودان، كما أنها لم تكتف بذلك بل عملت على قتل الداعمين له من القوى المدنية”.
وترى هذه القوة وفقا لطه، دعوات الوصول لسلطة مدنية تمثل خطراً يجب التخلص منه مبكراً، عن طريق استغلال حالة الحرب وغياب الرقابة. وأكد أن شعار (لا للحرب) انطلق من واقع إعتماد المدنية الديمقراطية التي تعبر عن تطلعات السودانيين في الحرية والسلام والحياة الآمنة. ويقول:”الفاعلين في المجالات الحقوقية والإنسانية، يمثلون الضمير الرافض والراصد للفظاعات التي تُرتكب بواسطة أطراف النزاع”.
دعوات لا للحرب ستستمر
“الأصوات المنادية بوقف الحرب، ستستمر في رفع شعار (لا للحرب) بالرغم من القمع الذي تتعرض له سواء في الواقع أو وسائل التواصل الاجتماعي”. يقول النشاط السياسي بمدينة القضارف شرقي السودان جعفر خضر لـ(عاين). ويضيف:” يجب تأطير شعار – لا للحرب – بمفاهيم نظرية واضحة متوافق عليها من قبل القوى المدنية والسياسية لتصبح طريقاً لوقف الحرب”.
وينوه خضر، إلى أنه وعلى الرغم من وجود مبادرات إقليمية ودولية لوقف الحرب في السودان إلا أن الصوت السوداني الوطني السوداني لا زال خافتا.