السودان مهدد بمستويات من الجوع مع استمرار الحرب
عاين- 26 ديسمبر 2023
في خيمة ضيِّقة بأحد مراكز الإيواء بمدينة بورتسودان، تتجمع أسرة فاطمة الحاج عند الظهيرة لتناول وجبة الإفطار التي تتكون من طبق عدس وقطعة خبز واحدة لكل فرد من أفراد الأسرة.
تُبدي (فاطمة) استياءها الشديد من النقصان المتزايد للغذاء، حيث كانوا عند مجيئهم إلى مركز الإيواء يأكلون في اليوم وجبتين، وأصبحت مؤخراً وجبة واحدة.ويواجه السودان – الذي كان يوصف سابقا بأنه سلة غذاء العالم أزمة جوع متفاقمة مع اقتراب الصراع المحتدم في جميع أنحاء البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من شهره التاسع.
جوع كارثي
في بيانٍ صادر له منتصف ديسمبر الجاري، حذَّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من انزلاق أجزاء من هذا البلد الذي يشهد صراعًا إلى مستويات كارثية من الجوع بحلول موسم الجفاف في مايو المقبل؛ في حال لم يتمكن البرنامج من توسيع نطاق وصول المساعدات الغذائية وتقديمها بانتظام للأشخاص المحاصرين في مناطق الصراع مثل الخرطوم ودارفور وكردفان.
ويتوقع البرنامج ظهور ما أسماه بالجوع الكارثي، المعروف أيضاً باسم المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي. وذكر التقرير بأن ما يقارب من 18 مليون شخص في جميع أنحاء السودان يواجهون الجوع الحاد، وهو أكثر من ضعف العدد في نفس التوقيت من العام الماضي. هذا الرقم يعتبر أيضاً أعلى من التوقعات الأولية التي بلغت 15 مليوناً، وكانت قد وردت في التقييم السابق في شهر أغسطس الماضي، مما يدل على مدى سرعة تدهور وضع الأمن الغذائي.
وأوضح برنامج الأغذية العالمي أن ما يقارب 5 ملايين شخص يُصنفون في مستويات الطوارئ من انعدام الأمن الغذائي، مع وجود أكثر من ثلاثة أرباع من هؤلاء الأشخاص محاصرين في مناطق يمكن إيصال المساعدات الإنسانية إليها بشكل متقطع فقط، وآخرون في مناطق يستحيل الوصول إليها بسبب القتال المستمر.
شُح مصادر
مسؤول الإعلام الوطني ببرنامج الأغذية العالمي في السودان، محمد جمال الدين يقول في مقابلة مع (عاين): إن “البرنامج قبل عمليات توزيع المعونات على المحتاجين يعتمد بشكل رئيسي على المعلومات التي يمتلكها عن الوضع الغذائي لمناطق السودان المختلفة”. ويضيف:” نسبةً لشُح المصادر، فإن البرنامج يعمل وفقاً للأولوية عبر تصنيف الولايات الأكثر تضرراً، وبالتالي يتم الانتقال إلى الولايات الأقل تضرراً “.
وفيما يتعلق بالاستراتيجية التي يتبعها البرنامج في إيصال المساعدات، يقول جمال الدين: إن “برنامج الأغذية العالمي يحرك فُرُقاً لتوزيع الإعانات، وتنطلق هذه الفرق من المخازن المنتشرة في عدة نقاط في مدن سودانية مختلفة”.ومنذ بداية الصراع، قدم برنامج الأغذية العالمي المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من خمسة ملايين شخص، مما حال دون حدوث تدهور أسوأ في الأمن الغذائي.
فقدان الإعانات
وفيما يتعلق بالتنسيق لتوزيع المساعدات الإنسانية، فإن محمد جمال يقول إن “التنسيق لا يتم فقط من الجهات الحكومية، وإنما يشمل الشركاء المحليين أيضاً لضمان وصول المساعدات إلى المستحقين”.
برنامج الأغذية العالمي في السودان: لدينا علم أن هنالك جزءاً من الإعانات التي نقدمها تظهر في مناطق متفرقة مثل الأسواق،
وصرَّح جمال بأن البرنامج لديه علم أن هنالك جزءاً من الإعانات التي يقدمها تظهر في مناطق متفرقة مثل الأسواق، ونفى أن هذا الفقد يحدث خلال عمليات التوزيع، وأسماه بـ (تغيير الاستخدام للإعانات)، مؤكداً على أن البرنامج يوصل المساعدات للمستفيد، والمستفيد لديه كامل الحق في التصرف في الإعانات.
وأرجع سبب انتشار المعونات في الأسواق إلى أن بعض المستفيدين يقومون ببيع حصصهم من الإعانات لتغطية حوائج أخرى.ويؤكد جمال الدين، أن البرنامج يعمل بحذر لإيصال المساعدات من المانحين حتى المستفيدين.
مبادرات شعبية
مع استمرار احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتمدد رقعة الحرب، في ظل النهب المستمر للأسواق الذي أدى إلى نقصان حاد في المواد التموينية، وجد بعض المدنيين أنفسهم مضطرين للتعامل مع هذا الوضع بتدبير معاشهم اليومي.
عبد الإله الصادق، وهو أحد العالقين بحي الفتيحاب غربي أم درمان بالعاصمة السودانية، يقول إن “المتبقين من سكان الحي يجمعون ما تحصلوا عليه من دقيق وزيت وعدس لعمل وجبات جماعية يجتمع فيها كل سكان الحي، كما أنهم وعبر الجهد الذاتي يقومون يومياً بإعداد وجبة فول يتم توزيعها على كل المتواجدين بالحي”.
ومؤخراً شهدت المناطق الواقعة في نطاق الصراعات قيام عدة مبادرات شعبية لتوفير الغذاء والوجبات اليومية، وانحصر معظمها في إعداد وتوزيع الفول والعدس اللذين يعدان أرخص ثمناً وأسهل الوجبات من حيث الإعداد.ويهدد عدم الاستمرارية هذه المبادرات؛ بسبب التضييق والحصار على المناطق الواقعة في نطاق الصراع، بجانب تضاؤل وفرة السلع الغذائية في الأسواق والمتاجر.
تقول فاطمة الحاج، وهي مقيمة بمركز إيواء في بورتسودان إن “هنالك بعض التجار من سوق بورتسودان قاموا بإمداد مركز الإيواء بالمواد التموينية لسد الفجوة الغذائية التي يعانيها المركز، كذلك هناك عدد من أهالي المدينة يحضرون الوجبات يومياً”، وتتابع الحاج:” رغم كل هذه المبادرات الشعبية، فإن هنالك نقصاناً حاداً في توفير احتياجاتنا اليومية من الغذاء “.وتنتقد فاطمة المنظمات الأممية في أنها تركز مساعداتها على الصابون والمنظفات والفوط الصحية فقط، وتهمل الحوجات الأخرى مثل الحوجة الغذائية وإصلاح بيئة مراكز الإيواء.