الاقتتال الأهلي بجنوب كردفان.. هل يقود إلى حرب جديدة؟

8 فبراير 2022

“منذ ان خُلقنا بهذه المنطقة عرفنا النزاعات الأهلية وكيف يجلس الجميع في السابق لحل المشكلة، لكن حرق القرى والمنازل الذي تم في الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة بابو جبيهة بولاية جنوب كردفان لم نشهده من قبل”. يقول الناجي من الاحداث الاهلية في المنطقة المهنا جاد السيد.

ويضيف جاد السيد لـ(عاين)، “شاهدت عمليات استخدام لكافة انواع الاسلحة في القتال الأهلي الذي دار في نوفمبر الماضي بين المجموعتين الاهليتين الحوازمة والكنانة في منطقة الرحمانية التابعة لمحلية ابوجبيهة بولاية جنوب كردفان”. ويتابع المهنا” شاهدتهم يستخدمون اسلحة الكلاشنكوف، والمدافع الأربجي والرباعي، ومدافع مضادة للطيران (دوشكا)، كانت تحمل هذه الاسلحة على سيارات صغيرة (توك توك) ويتم استخدامها بمهارة”.

وتجددت نوفمبر الماضي أعمال عنف بين مكونين اهليين عربيين في منطقة ابوجبيهة بولاية جنوب كردفان،  أسفرت عن مقتل (7) أشخاص وجرح العشرات ونزوح حوالى 400 عائلة. 

وتقر مليشيات عسكرية مسلحة في تسجيل صوتي  حصلت عليه (عاين)  انها تستخدم مدفعية ثقيلة وتشير إلى أنها جزء لا يتجزأ من الحكومة، وكان مواطنين من ضحايا الصراع في المنطقة قد اشاروا  الى مشاركة قوات الدعم السريع في الصراع لمصلحة لمصلحة مليشيا محلية ذات أصول عربية .

 ورجال الميليشيات مسنودين من قبل قوات الدعم السريع- بحسب سكان محليين- ينتمون لمجموعة أهلية ذات أصول عربية تمتد من دولة تشاد المجاورة للسودان ودارفور وكردفان.

اتهامات متبادلة 

 قوات الدعم السريع تدخلت بعد الاشتباكات التي شهدتها محلية أبو جبيهة نوفمبر من العام الماضي، حيث وصلت الى المنطقة وكان قائد القوات قد تحدث في حديث غير رسمي مع عدد من أعيان مدينة ابوجبيهة  استمتعت إليه (عاين)، ان الصراع الدائر في  جنوب كردفان ضد الحوازمة هو صراع ايدولوجي تقف من ورائه الحركة الشعبية لتحقيق شعاراتها في جنوب كردفان، اخذاً في الاعتبار أن تهجير المجموعات العربية هو الطريق  الى ذلك متهماً الحركة الشعبية قيادة عبد العزيز الحلو بدعم أحد أطراف الصراع على حساب الطرف الآخر.  

“الشعبية” قيادة “الحلو”: الحركة لن تدعم طرف في صراع اثني ومشروعنا السياسي يعلو على الانتماءات القبلية. 

لكن  الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة عبد العزيز الحلو، نفت صلتها بالصراع الأهلي الذي يدور في محيط مناطق سيطرتها. وقال أمينها العام عمار امون لـ( عاين)، ان “ابواب الحركة الشعبية مفتوحة لكل السودانيين للانضمام إليها كأعضاء فاعلين  ولكن ان تتدخل الحركة الشعبية لدعم طرف في صراع اثني هو مالم يحدث في تاريخ الحركة الشعبية ولن يحدث لأن مشروع الحركة الشعبية السياسي فوق الانتماءات القبلية بل هو مشروع لإعادة هيكلة السودان لذلك لا يمكن تدخل في صراع اثني وهو ما يتناقض مع مشروعها السياسي الذي ظلت تدعو له منذ النشأة”.

تباطؤ الجيش

يرجع الناشط  في قضايا المجتمع بالمنطقة حسن النور  أسباب تطور الصراع   وانتقاله شمالاً  إلى سببين رئيسين:  الأول هو عدم تدخل السلطات في حكومة الولاية بشكل حاسم لإيقاف الاقتتال الأهلي الذي وقع بمنطقة “الشبكة” بمحلية قدير ومنها انتقل الى منطقة كالوقي عاصمة المحلية. والسبب الثاني هو استمرار التجييش والحشد القبلي على مراى ومسمع من السلطات. 

ويضيف النور في حديثه لـ(عاين)، “هناك فرقة كاملة من الجيش في مدينة أبوجبيهة ولواء بمدينة تلودي فضلاً عن كتيبة بمنطقة كالوقي ولكن كل هذه القوات لم تتدخل لوقف الاقتتال بل وقفت متفرجة على الموت المجاني”.

ويذهب في ذات الاتجاه الضابط الإداري بمحلية الرشاد آدم محمد،  موضحاً بان القوات الامنية بمختلف مسمياتها أصبحت ضيف شرف في هذا الصراع وحينما يُطلب منها التدخل يتحجج الجيش والشرطة بضرورة توفير الأموال ودائما يطلبون نثريات وحوافز شهرية وصلت إلى 5  مليار جنيه لتحريك دورية صغيرة لبسط الأمن، ” ما يطالبون به من أموال أكبر من موازنة المحلية نفسها”.

مسؤول حكومي: القوات الأمنية تطالب الحكومة المحلية بتمويل تحركاتها العسكرية للفصل في الصراع الأهلي.

ويشير المسؤول الحكومي في مقابلة مع (عاين)، إلى انه حال عدم الإيفاء بهذا الالتزام المالي لن تتحرك أي قوة لبسط هيبة الدولة. وتساءل قائلاً ” هذا من صميم عمل الأجهزة الأمنية ويجب أن توفر نثرياتها  وتحفظ الأمن.. من وين نجيب ليهم ميزانية قدر ده”؟. 

(عاين) استفسرت قائد في الجيش السوداني بالمنطقة حول ما ذهب إليه الضابط الإداري، وقال الضابط برتبة المقدم، عمار محمد  “هناك عجز في الرواتب لذلك واجب المحلية او الولاية توفير حافز ووجبات ووقود وغيره من احتياجات الدورية وهذا ليس موضوع في ميزانية القوات المسلحة مثلاً الوقود الموجود بالحامية هو وقود للطوارئ”.

 صراع من نوع جديد  

الصراعات  الأهلية في السودان عادة تكون بين مجموعات سكانية تتباعد مكوناتها الأهلية ولكن في حالة جنوب كردفان  فإن  المستجد في الصراع الدائر الآن  بين مكونين اهليين تعود اصولها الى المكون العربي،  فمجموعة “دار علي” هي إحدى فروع الحوازمة، و”العريفاب” هي فروع الكنانة،  وسرعان ما تطور الصراع لتدخل فيه بقية مكونات أهليتي الحوازمة والكنانة  وشمل ايضاً الصراع اهلية الكواهلة وهي ايضا تعود إلى أصول عربية.

 ويرجع الأكاديمي محمد علي الدنعو،  إلى طبيعة الصراع  قائمة على الموارد،  معززاً حديثة لـ(عاين) بحالة الحريق التي تتم للمنازل والازاحة الكاملة لمجموعة محددة من منطقة ما وسيطرة  مجموعة أخرى وهو ما حدث في منطقتي كالوقي وأبو جبيهة حيث تم حرق 120 منزلا في حي جبرونا  وقبلها احرقت كل منازل الكواهلة والكنانة بمنطقة الرحمانية غربي ابوجبيهة.

 ويمضي الدنعو ، في القول المتتبع لخريطة المنطقة يرى أن المنطقة  الواقعة غرب الطريق الرئيسي ” الردمية” من العباسية تقلي هي المناطق الأكثر خصوبة  في التربة  وبها  كثافة من الأودية موسمية الجريان،  بجانب مناطق رحلات الشتاء والصيف للمواشي. وهي ذات المناطق التي تنتشر فيها الزراعة التقليدية  فمع تمدد السكن وتطور الحَضر اصبح هذا الحزام يضيق تدريجياً خاصة وأن جزءا كبيرا منه يقع تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال- بقيادة عبد العزيز الحلو- ما يصعب استخدامه من قبل المواطنين، فضلاً عن اكتشاف كميات كبيرة من الذهب في ذات الحزام في الاتجاه الجنوبي من المنطقة.

وينوه الدنعو ، إلى أن  كل هذه العوامل كانت سبب في ان السكان القدامى وهم الكنانة يسعون إلى الحفاظ على اراضيهم. وفي ذات الوقت يبحث الرُحل عن الاستقرار والاستفادة من الموارد بالتمدد شرقاً وجنوباً في منطقة الموارد هذا هو السبب في أن يتخذ الصراع شكل مجتمعي جديد صراع عربي عربي.

ناشط سياسي: عملية الاحلال والابدال وتغيير التركيبة  الديمغرافية سبب رئيسي في الصراع. 

 يقدم الناشط السياسي منصور العجب، عدة اسباب أخرى للصراع ولايرى صراع الموارد جوهريا لجهة انها موجودة من قديم الزمان في المنطقة، ويعتقد العجب في مقابلة مع (عاين) أن السبب الرئيسي  يتمثل في عملية الاحلال والابدال  وتغيير التركيبة السكانية الذي بدأ في مناطق امبرمبيطة- الفيض- الرحمانية.  

وكانت حكومة ولاية جنوب كردفان المكلفة قد اصدرت قرار بمنع  التنقيب عن الذهب لأنه يعتبر العامل المحفز للاقتتال هذا فضلاً عن إهدار موارد الولاية.

 وقال والي الولاية المكلف موسى جبر ، في تصريحات صحفية رصدتها (عاين)، “لقد صرفنا على مبادرات  المصالحة بين المكونات المقتتلة مبلغ 500 مليار جنيه سوداني في الربع الأخير من العام الماضي، وحوالي 125 مليار اخرى لجبر الضرر دون جدوى. وأشار الوالي المكلف كان من الافضل الأموال توجيه هذه الأموال للتنمية واكمال رصف الطريق بين المنطقة الشرقية والشارع الرئيسي في ام روابة.

نذر حرب 

 “هناك مؤشرات واتجاه قوى لإعادة إنتاج الأزمة بجنوب كردفان وفقا لما يتم الآن من تغيير المكون الاجتماعي في المنطقة”، يقول الناشط المدني، محمد الحسن أباروا لـ(عاين).

 ويوضح أبارو، بأن أشكال الصراع التي بدأت تتخذ أنماطا مختلفة من  العباسية تقلي شمالاً الى تلودي جنوباً في منطقة تقدر بحوالي 1500 كليو متر في خط الطول الفاصل بين جنوب السودان والسودان من الاتجاه الجنوبي الشرقي وان منطقة الصراع هي منطقة وسطى يجرى فيها بالنظر لهذه الصراعات تغيير في التركيبة السكانية.