إهدار موارد السودان.. أسباب النزاع والنزوح
عاين :16 يوليو 2020م
يسمع “إسماعيل حسن” الذي نزح مع عائلته من منطقته بدارفور غربي السودان إبان اشتداد الحرب في الاقليم، ومنذ سنوات بمشاريع الطاقة الشمسية وكيف أنها تقوم بتشغيل مضخات المياه وهذا ما يتناسب مع بلدته الريفية حتى يتمكن هو وغيره من العودة إلى زراعتهم، ويسمع كذلك بأن بعض المزارعين المقتدرين صاروا يستخدمونها بدلا عن المضخات التي تعمل بالجازولين، ويرى إسماعيل أن رجوعه وكل النازحين إلى مناطقهم مع وجود التنمية والموارد الكافية قد يؤسس لحلول جذرية ورخاء ينهي النزاع و يؤدي للنماء في الاقليم.
شمس ساطعة
والسودان بشمسه القوية الساطعة لعدد ساعات تصل لاثني عشرة ساعة كاملة على امتداد مساحته الشاسعة مؤهل لأن يكون قادرا على إنشاء مشاريع ضخمة وطموحة لاستغلال الطاقة الشمسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة التغير المناخي وتقليل النزاعات في بعض أقاليمه المنكوبة. فالسودان حسب التقارير والدراسات المتزايدة من أكثر مناطق العالم تأثرا في المستقبل بالتغير المناخي والتي كان آخرها دراسة نشرت في مايو الماضي أشارت إلى أن السودان من المناطق التي لن تكون صالحة للعيش بسبب ارتفاع درجة الحرارة بحلول العام 2070.
كما أكدت الأمم المتحدة في تقرير لها في العام 2007 أن أحد أسباب الصراع الأساسية في إقليم دارفور تعزى إلى التغير المناخي والتنافس على الموارد الناتج من الجفاف والتصحر. لهذه الأسباب فالسودان أحوج ما يكون للاهتمام بمشاريع الطاقة المتجددة عموما والطاقة الشمسية الملائمة لطبيعته خصوصا، وإدخالها بصورة أساسية في المناطق الريفية لدورها المهم في استدامة التنمية ومحاربة آثار التغير المناخي لا سيما والسودان يدخل عهدا جديدا بعد ثورة مدنية عظيمة لابد وأن يكون لها أثر إيجابي علي كافة الأصعدة، ومنها فرص السودان للانتقال لهذه النوع من الطاقات المتجددة و كذلك أثرها الإيجابي على تخطي التحديات الماثلة في هذا الصدد.
يقول “اسماعيل حسن”، لـ(عاين)، اانه اضطر للنزوح من منطقته وترك زراعته ومراعيه لأن الجفاف صار متزايدا وان مراعيهم صارت في تناقص مستمر مما قلل فرص عيشهم إضافة إلى تزايد النزاع المسلح في الإقليم. يرى إسماعيل أن ضعف التنمية في الإقليم المتمثل في عدم وصول شبكات الكهرباء إلى تلك المناطق النائية حد من فرص الزراعة والري لأن الوقود الأحفوري نادر وتكلفة نقله عالية وهو ليس في متناول الجميع هناك للاستفادة منه. ويشير إلى ان كثير من الأسر مثل اسرة إسماعيل نزحت إلى الخرطوم او إلى ولايات أخرى اكثر تنمية وقد يعملون في مهن هامشية في الوقت الذي كانوا يمثلون فيه احد موارد الإنتاج في إقليم دارفور.
عدم استغلال
المهندس المتخصص في الطاقة المتجددة والباحث، يرى د.محمد الحاج، يرى أن السودان يعتبر سوق كبير غير مستغل للطاقات المتجددة وخصوصا الطاقة الشمسية ويعتبر انها مثالية لمساعدة السودان للانتقال نحو التنمية المستدامة وتيسير وصول الطاقة إلى كل مناطقه. كما أن السودان في حوجة ماسة لزيادة معدلات الاستفادة من الطاقة الشمسية في الإمداد الكهربائي لدوره في التنمية والإنتاج وللنقص الحاد في هذا الإمداد وعدم وصول الشبكات الحكومية للكثير من المناطق الريفية. ويقول الحاج لـ(عاين)، ان نسبة وصول الامداد الكهربائي في السودان هي 56٪ فقط وهي أقل من المتوسط العالمي البالغ 89٪، كما أن استهلاك الفرد من الكهرباء سنويا في السودان يصل إلى 300 كيلو واط وهو أقل بمرتين من المتوسط الأفريقي.
ويرى أن لذلك أثر كبير في تقليل الاستفادة من الكهرباء لأهداف الإنتاج والتنمية المستدامة في المناطق الريفية. كما يرى محمد أن استغلال الطاقة الشمسية في إمداد الريف بالكهرباء ذو جدوى وتنافسية اقتصادية أكبر من تمديد انظمة الشبكات الكهربائية لتلك المناطق نسبة لقلة تكلفة اجهزة الطاقة الشمسية مثل الخلايا والبطاريات. ويذكر محمد أن هذه النقطة قد ذكرت في تقارير كثيرة لمؤسسات طاقة رائدة كالوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وكذلك يرى، طارق تاج الأصفياء، وهو مدير سابق لقسم الطاقة الشمسية بوزارة الكهرباء السودانية وخبير طاقة حالي بالبنك الدولي، أن السودان نسبة لموقعه الجغرافي المميز فهو يتمتع باشعاع شمسي يومي يتراوح ما بين 5.8 – 7.2 كيلوواط ساعة/متر2/ يوم وهو بين المعدلات الأعلى في العالم مما يعني أن للسودان فرص عظيمة للاستفادة من مشاريع الطاقة الشمسية في الإمداد الكهربائي للمناطق الريفية والحضرية على حد سواء لجدواها الاقتصادية وسهولة تركيبها وصيانتها مقارنة بمحطات التوليد الحرارية المعتمدة على الوقود الأحفوري وهو ما من شأنه أن يساهم في تقليل تأثير التغير المناخي على البلاد. واضاف الاصفياء لـ(عاين)، “هناك دور كبير في التنمية المستدامة في المناطق الريفية برفع مستواها التنموي وتحسين الوضع الإنساني في تلك المناطق لارتباط الطاقة بمشاريع التعليم والصحة والزراعة والإنتاج مما سيؤدي بدوره إلى تقليل النزوح و النزاعات الناتجة عن شح الطاقة والموارد.”
تحديات
وفيما يخص التحديات يرى محمد الحاج، أن عدم إنجاز خطة استراتيجية وطنية للطاقات المتجددة إضافة إلى ضعف السياسات الحكومية المشجعة على الاستثمار في هذا المجال المتمثلة في بعض القيود والتكاليف الضريبية والجمركية على المستثمرين إضافة إلى أنه في النظام السابق كانت تتوزع المهام المختصة بالطاقات المتجددة بين عدد كبير من المؤسسات الحكومية (وزارة الطاقة، وزارة الري والموارد المائية، وزارة الكهرباء) مما أضعف عمليات التخطيط والتنسيق والمتابعة وقلل فعالية مخرجات هذه المؤسسات ويظن محمد إن إعادة هيكلة هذه المؤسسات بعد الثورة عبر تشكيل الحكومة الانتقالية يبشر بزيادة الفعالية في هذا الملف.
أما طارق، فيرى أن عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي للسودان كان يعتبر أحد معوقات الانتقال إلى الطاقة المتجددة، إضافة إلى عدم قدرة السودان للاستفادة المثلى من برامج التمويل الدولية لبعض المشاكل السياسية المتعلقة بالنظام السابق. ويرى طارق أن الوضع مرشح للتحسن في هذه النقطة بعد الثورة الشعبية التي أتت بحكومة انتقالية تلقى القبول الدولي مما سيساعد السودان للاستفادة من برامج التمويل في هذه المشاريع. كما يرى طارق أن ضعف البحث العلمي في مجالات الطاقة الشمسية في السودان وربطها مباشرة بالسوق إضافة إلى شح المعلومات هو أحد المعوقات كذلك.
ويتفق محمد وطارق، بأن الإسراع في إنجاز استراتيجية وطنية للطاقات المتجددة مع تشجيع استثمار القطاع الخاص والأجنبي في الطاقة الشمسية إضافة لتأهيل الكوادر السودانية المتخصصة من شأنها أن يتغلب على التحديات ويترجم هذه الفرص الكبيرة إلى واقع مثمر للاستفادة من الطاقة الشمسية في مجالات التنمية المستدامة في السودان.