اختطاف واستعباد”.. الدعم السريع تُرغم مدنيين على العمل في المنازل والمزارع
عاين- 29 فبراير 2024
“استعباد وإجبار على العمل سخرة في المزارع والمنازل”، هذا ما يقوله لـ(عاين)، ضحايا ناجون اختطفتهم قوات الدعم السريع إبان اجتياحها لمنطقة اردمتا في ولاية غرب دارفور نوفمبر الماضي.
كانت صدمة محمد موسى، كبيرة، عندما اختطفته قوات الدعم السريع من منطقة “اردمتا” في ولاية غرب دارفور، وظن أنه سيقتل مثل رفاقه، لكن بينما هو قابع في مكان احتجازه سمع أفراد الدعم السريع يفاوضون شخصًا ما على دفع مبلغ مالي معين ليأخذ -محمد موسى.
صباح اليوم التالي، علم “موسى” أن أفراد قوات الدعم السريع الذين احتجزوه مع العشرات في المنطقة إبان اجتياح الدعم السريع لمنطقة اردمتا وسيطرته على حامية الجيش السوداني مطلع نوفمبر الماضي، قد باعوه بمقابل مالي.
وبحسب محمد، فإنه تم بيعه إلى شخص في منطقة “فور برنقا”. ويقول هناك “كانوا يشبهوننا بالبقر”. وفي هذه المنطقة كانوا يبيعون الأغراض التي نهبوها من أجهزة كهربائية وغيرها والأشخاص الآخرين المختطفين أيضا”.
قبل أن يتم بيعه كان أفراد قوات الدعم السريع، وعدوه بإعادته إلى أهله ومنزله. ويروي محمد موسى، في مقابلة مع (عاين) من مخيم للاجئين بادري التشادية بعد تمكنه من الهرب مؤخرا، تفاصيل مروعة عن تلك الليلة التي تم بيعه فيها إلى شخص لا يدري ما الذي سيفعله به.
بقي “موسى”، تحت وطأة التعذيب والضرب، بينما تمت تصفية آخرين من رفاقه لكونهم ينتمون إلى مكون “المساليت” الأهلي، وتم وضربهم بالفأس والسواطير والأسلحة النارية، ولكنه نجا من الموت.
رواية ثانية
في أثناء محاولته الفرار من منطقة اردمتا التي كانت تُمارس فيها قوات الدعم السريع أبشع الانتهاكات ضد السكان المدنيين، وقع “مسعود أحمد محمد” في قبضة هذه القوات، عند محاولته عبور الحدود السودانية مع دولة تشاد ومعه آخرون.
اقتادوا “مسعود” ومن معه إلى وحدة مكافحة التهريب بالمنطقة، وهناك وجد “مسعود” الكثير من الأشخاص الذين تم اعتقالهم عن طريق الدعم السريع وآخرين انضموا إليهم كأسرى من الجيش. وأضاف:” بقينا أربعين يوماً معتقلين، وكانت المعاملة سيئة، غير أننا تعرضنا للعنف الجسدي واللفظي والعنصري، وأجبرونا على العمل قسراً في منازل الضباط والبناء وجمع الحطب والزراعة دون مقابل”.
ويتابع محمد أحمد في مقابلة مع (عاين): “هناك أشخاص تم إطلاق سراحهم بعد أن دفع أقاربهم فدية مالية ما بين (700-1000) ألف جنيه سوداني فيما تمكن البعض الآخر من الهروب ليلاً وأنا من بينهم”.
ويشير مسعود، إلى أن رحلة الهرب إلى دولة تشاد المجاورة استغرقت عشرة أيام مشيا بالأقدام.
رواية ثالثة
أجبر “إبراهيم هارون” بعد اختطافه، على العمل في عدد من المناطق بعد الاعتداء والتعذيب الذي تعرض له هو ورفاقه من قبل قوات الدعم السريع عقب اعتقالهم من منطقة اردمتا مع آخرين.
“استخدموني لنقل أغراضهم، ومن ثم الزراعة في ضواحي مدينة الجنينة، بعدها أعادوني إلى اردمتا، وأخذوني إلى المعسكر، وتعرضت للعنف العنصري واللفظي، بعد ذلك أخذني أحدهم للعمل كخادم عند زوجاته وزراعة الفول والذرة في مساحات كبيرة”. يقول إبراهيم في مقابلة مع (عاين).
رواية رابعة
لا يختلف وضع محمد النور إسماعيل، عن رفاقه إذ هاجمتهم قوات الدعم السريع في اردمتا، واتهموهم بحيازة السلاح وطروحهم أرضا وهددوهم بالقتل إذا حاولوا الاعتداء عليهم بالأسلحة البيضاء.
“بعد هذا التعذيب، أخذوني مع آخرين للعمل في الزراعة صباحا ومساء، حتى تعرضت إلى جروح ونزيف في يدي.. بعدها منحوني 5 آلاف جنيه، وطلبوا مني المغادرة، ومنها اتجهت فورا إلى مخيمات اللاجئين السودانيين بتشاد”.
جرائم في نطاق أوسع
ما يحدث من انتهاكات هو تكرار لسجل متراكم مرتبط بالمليشيات، لم يكن هناك عدالة انتقالية وإنصاف الضحايا- بحسب المحامي ومدير برنامج الرصد والتوثيق بالمركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، محمد بدوي محمد- الذي يرى أنه في المرحلة الحالية أصبح ارتكاب هذه الانتهاكات يتم على نطاق أوسع.
ويشير بدوي، إلى أنها كانت تقع في مناطق نائية ويصعب توثيقها، وأحيانا يتم التوثيق على نحو فردي مثلما حدث في مجزرة الضعين التي لم يتم فيها تحقيق من السلطات، ولم ينصف أحد، بالإضافة إلى طمس الأدلة بشكل ممنهج في مثل هذه الانتهاكات.
ويؤكد بدوي لـ(عاين): إن “هذه الانتهاكات تقع بشكل ممنهج في إطار الحروب السياسية، ولا يتعلق الأمر بتشديد العقوبة وطولها، وهذه الجرائم منصوص عليها في القانون السوداني كالخطف والسخرة والاستعباد الحديث، ولكنها تعالج الأحداث الفردية بعيدا عن نطاق الحرب التي تكون بشكل أوسع وممنهج مثلما حدث بعد حرب دارفور 2003 كانت هناك ممارسات أشبه بالسخرة”.
وأضاف: “حرب 15 أبريل لم يكن فيها نمط جديد من الانتهاكات هي موجودة في الأصل، وإذا نظرنا إلى الاختطاف وأشكال الرق الحديثة والسخرة، فإنها بدأت في العام 1984 مع بداية تشكيل مليشيات المراحيل التي كانت تحرس القطار من المناطق ما بين جنوب السودان وشماله، واستمرت إلى فترة حكم الديمقراطية الثالثة.
محض دعاية
قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب منسوبيها هذه الانتهاكات تنفي هذه الوقائع بشدة. ويقول مستشار في هذه القوات فضل حجب اسمه لـ(عاين): “مثل هذه الوقائع لا يمكن أن تحدث هذه الوقائع في السودان وهي محض دعاية”.
ويشير إلى أن المجموعات الأهلية التي تشكو وقوع انتهاكات كبيرة عليها تتعايش مع الدعم السريع. ويتابع:” دارفور أكثر أمنا الآن.. وعلى العكس توجد عودة طوعية لكل المكونات الأهلية بمدينة الجنينة واردمتا.
الطريق إلى العدالة
يصنف المحامي عبد الخالق النويري ما حدث من انتهاكات بحق المدنيين في منطقة اردمتا بأنه استرقاق وسخرة وفقاً للعهديين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والسودان من الدول الموقعة على العهدين بجانب أن القانون الجنائي السوداني يجرم الاسترقاق والسخرة. ويقول لـ(عاين): “الملاحظ أن الانتهاكات تستهدف مجموعات معينة وهذا محرم دولياً”.
ويعتبر المحامي المهتم بالعدالة الدولية، عبد الباسط الحاج، الانتهاكات التي وقعت في إقليم دارفور من أسوأ الانتهاكات وأخطرها حيث وقعت جرائم دولية عديدة منها جريمة الإبادة الجماعية التي تعتبر شكلاً من أشكال الجرائم التي تقوم على الكراهية والعنصرية المعلنة بالنية الواضحة في إنهاء جماعة عرقية وإثنية محددة، من ضمن جرائم العنصرية التي حرمها القانون الدولي والقانون الجنائي الدولي تحديدا في المادة السادسة والمادة الثامنة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي نصت على نحو صريح على منع الرق والسخرة والتعامل معه. والسودان طرف في هذه المعاهدة.
المادة (163) من القانون الجنائي السوداني التي تتحدث عن السخرة على أن من يسخر شخصاً بأن يجبره إجباراً غير مشروع على العمل، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بالغرامة أو العقوبتين معاً، فيما تنص المادة (164) الخاصة بالحجز غير المشروع، على أن من يحجز شخصاً بأن يعترضه قصداً بحيث يمنعه الحركة، أو يغير من اتجاه حركته بوجه غير مشروع، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر أو بالغرامة أو العقوبتين معاً.
ووفقاً للأمم المتحدة، إنه على الرغم من اعتماد إطار قانوني دولي صارم، يستمرّ الاتجار بالملايين من الفتيات والفتيان والنساء والرجال سنويًا، والعديد من الممارسات المرتبطة بالاتجار محظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقانون حقوق الإنسان يمنع مثلاً عبودية الدَين والرق والاسترقاق واستغلال الأطفال جنسيًا والزواج القسري والدعارة القسرية، وهي من الممارسات التي تشكّل انتهاكات لحقوق الإنسان.
ويقول المحامي والناشط الحقوقي، سمير مكين، في مقابلة مع (عاين): أن “عدم الإفلات من العقاب في هذا النوع من الجرائم يتطلب رغبة وإرادة على المستويين الدولي والوطني”.
وفيما يتعلق بدارفور بدأت المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في أحداث دارفور، وشكل مجلس حقوق الإنسان بعثة تقصي حقائق قبل شهرين تقريبا، وهذه خطوات – بحسب مكين- مهمة على المستوى الدولي لتحقيق العدالة، أما على المستوى الوطني يقول مكين: “نحن في حاجة إلى إرادة من الأطراف المتصارعة لتحقيق العدالة”. وزاد” نحن أمام خيارين الأول أن ينص أي اتفاق لاحق بين الطرفين على محكمة مختصة بالانتهاكات التي وقعت خارج دارفور والخيار الثاني أن يتفق الطرفان بالإضافة للشق المدني على تشكيل محكمة هجين مثلما حدث في رواندا.
ويرى سمير كذلك، بأن الجرائم كبيرة، وعلى نطاق واسع ما يتطلب تكوين آلية وطنية مع إصلاحات قانونية ودستورية، كذلك لا يمكن تحقيق العدالة دون اتحاد الضحايا.
ويوضح مكين، فيما يتعلق برغبة المجتمع الدولي ولجنة تقصي الحقائق التي ستصدر تقريرها بعد انتهاء التحقيق ويعرض على مجلس الامن الدولي حينها تظهر ارادتهم في تحويل الملف الى المحكمة الجنائية الدولية او تشكيل محكمة هجين ، ومن المهم مشاركة الضحايا مشاركة حقيقية في اي اتفاق يتحدث عن عدم الافلات من العقاب يجب ان يكون لديهم اعتبار جيد وفرصة كافية في تناول قضايا المحاسبة وجبر الضرر ويعبروا عن خيارتهم .
فيما يقول عبد الباسط الحاج: إن “المحكمة الجنائية الدولية ما زالت تمارس اختصاصها القضائي في الجرائم الخطيرة، ولكن هذا وحده لا يكفي حيث يجب أن يلعب القضاء الوطني دورا في المستقبل عبر محاسبة الجناة وقياداتهم ومعالجة آثار الجرائم من خلال برامج العدالة الانتقالية لتضميد الجراح، وعلى منظمات المجتمع المدني والصحافة، أن تؤدي دورا مهما عبر الكشف عن مثل هذه الجرائم الخطيرة”.