“عام دراسي على الأبواب”..هل يصبح التعليم ترف بعيد المنال؟
30 سبتمبر 2022
بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة، يترقب السودانيون بحذر يوم بعد غدٍ الأحد، وهو اليوم الذي أعلنت فيه وزارة التربية والتعليم السودانية، بدء العام الدراسي الجديد، فالمعلمون الذين سبق وأعدوا دراسة تتعلق بالحد الأدنى للأجور، يرون أن أوضاع المعلمين الاقتصادية المتدنية ستؤثر سلباً على العملية التعليمية، بينما يعاني أولياء الأمور من أعباء الرسوم الدراسية وتوفير الوجبة وتكاليف الترحيل غالية الثمن.
وبحسب أخر دراسة أعدها المكتب الاجتماعي للجنة المعلمين السودانيين فإن أجر المعلم بالدرجة الأولى يغطي 13% فقط من تكاليف المعيشة الشهرية بينما يحتاج في الحد الأدنى إلى أكثر من 570 ألف جنيه.
ويأمل راشد الحسن وهو معلم بالمرحلة الابتدائية بإحدى الولايات في تأجيل العام الدراسي مرة أخرى، مشيراً إلى أن التوقعات تذهب جهة أن المعلمين في الخرطوم العاصمة والولايات سيلجأون للدخول في إضرابات مطلبية إحتجاجاً على تدني أجورهم.
معلم: أتقاضى 70 ألف جنيه راتباً شهرياً لا يغطي الحد الأدنى من إحتياجات الأسرة المعيشية
يتقاضى الحسن، وهو في الدرجة الخامسة في السلم الوظيفي، ورب لأسرة مكونة من أربعة أطفال، بينهم 2 بالمرحلة الابتدائية، نحو 70 ألف جنيه (122) دولار، يقول لـ(عاين) أنها لا تكفي الحد الأدنى من احتياجات أسرته المعيشية، ناهيك عن تزايد تكاليف أبنائه التعليمية.
وعلى الرغم من أن الحسن، يأمل في تأجيل العام الدراسي وهو يدرك أهمية العملية التعليمية بالنسبة للطلاب بشكل عام ولابنيه بشكل خاص، يرى ان ما يجري مؤشر يضع الوضع التعليمي في خطر.
ويرى عضو المكتب التنفيذي للجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر، أن هناك فرق كبير بين ما يتقاضاه المعلم وبين ما يحتاجه معيل لأسرة.
ولفت الباقر في حديث لـ(عاين) إلى أن واقع المعلم الاقتصادي المزري يهدد إستقرار العملية التعليمية، مشيراً إلى أنه حالة إستمرار العام الدراسي دون وضع حلول لأجور المعلمين سيقودهم للدخول في إضراب للمطالبة بحقوقهم المتمثلة في تحسين الأجور.
ويقول الباقر ان “وزارة التربية والتعليم تعاني من نقص حاد في عدد المعلمين بالمقارنة بحاجة المدارس الفعلية، موضحاً أن الوزارة أوقفت تعيين معلمين جدد في الخرطوم العاصمة والأقاليم منذ وقت طويل”.
سامي الباقر: وزارة التربية والتعليم تعاني من نقص حاد في عدد المعلمين مقارنة بحاجة المدارس الفعلية.
ولفت إلى أن الوزارة أعلنت في وقت سابق عزمها تعيين 5000 ألف معلم وهو عدد قليل مقارنة بنقص المعلمين الحاد في كل ولايات السودان.
ويفتقر المعلمون السودانيون إلى للتدريب الذي يسهم في تطوير العملية التعليمية، بحسب الباقر- الذي يضيف إن عدد محدود من المعلمين يتلقون دورات تدريبية قصيرة تستمر ليوم أو يومين، وهو أقل من المطلوب.
ولفت الباقر لوجود تباين من حيث توفر الكتب المدرسية وفقاً للفصول الدراسية، فمن جهة فهناك عدم توفر الكتب في بعض الفصول مثل أولى وسادس في المرحلة الابتدائية والصف الأول في المرحلة المتوسطة ومن جهة أخرى فهناك انعدام للكتب المدرسية للصف الثاني متوسط.
من ناحية أخرى فإن وزارة التربية والتعليم تركت مهمة طباعة كتب المرحلة الثانوية للولايات وهو ما سيمثل ضغضاً كبيراً على الأسر بحسب الباقر.
رسوم عالية
وضمن أسباب أخرى فإن الرسوم المدرسية الكبيرة الملقاة على عاتق أولياء الأمور تعد أحد أسباب تسرب الأطفال من المدارس، في ظل تنامي معدلات الفقر وعدم قدرة الدولة على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
واعتبرت الوكيلة والوزيرة المكلفة السابقة بوزارة التربية التعليم، بحكومة الفترة الانتقالية، تماضر الطريفي أن الرسوم الدراسية الكبيرة، تعد ضمن أسباب أخرى أحد أسباب تسرب التلاميذ من المدارس.
وقالت في حديث لـ(عاين) أن الوزارة سعت أثناء الفترة الانتقالية لضمان مجانية التعليم للصف الأول أساس، الأمر الذي إنعكس بشكل إيجابي على عدد الطلاب المسجلين في مدارس في بعض الولايات.
وأشارت إلى أن عدم تهيئة المدارس الحكومية بالشكل الذي يتناسب مع إحتياجات الطلاب، يؤدي إلى تسربهم منها. وأوضحت الطريفي أن عدد كبير من المدارس الحكومية في كل ولايات السودان تعاني من قلة المعلمين، الأمر الذي يضعف هذه المدارس.
ولفتت إلى أن الوزارة عندما أقرت العودة للمرحلة المتوسطة، أوصت بعدم قيام إمتحانات بين المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة لمنع تسرب الطلاب في الانتقال بين المرحلتين.
وأكدت أن الدولة إذا كانت راغبة في منع تسرب الطلاب من المدارس فعليها زيادة الميزانية العامة المخصصة للتعليم، مع السعي لتطوير الأساليب التعليمية الجديدة.
مسؤول حكومي سابق: الأجهزة التنفيذية في الإدارات التعليمية أعادت الجبايات والرسوم الحكومية ليتحملها الطلاب وأولياء الأمور.
وفيما يختص بالرسوم الدراسية فإن المدير السابق لشؤون التعليم الخاص بمحلية بحري، انس بابكر، يقول أن العام الدراسي 2019-2020 كان يمثل بداية خطة طويلة الأمد لتنفيذ خطة مجانية التعليم.
وأشار في حديث مع (عاين) أإلى ن الأجهزة التنفيذية في الادارات التعليمية أعادت الجبايات والرسوم الحكومية ليتحملها الطلاب وأولياء الأمور.
وأوضح بابكر، أن وزارة التربية والتعليم قامت بفرض رسوم كبيرة للمدارس النموذجية الخاصة، بواقع 180 ألف جنيه للفصل النموذجي (أ) و160 ألف للفصل النموذجي (ب).
وبالنسبة للمدارس الجغرافية غير النموذجية، يقول بابكر: تم إقرار دفع مساهمة من كل أولياء الأمور تتراوح بين 50 ألف إلى 100 ألف جنيه بحسب المنطقة الجغرافية.
وتابع: أما فصول إتحاد المعلمين بالمدارس الحكومية، فقد تم فرض رسوم بواقع 75 ألف جنيه بينما كانت في العام السابق 20 ألف فقط، كما فُرضت رسوم تحويل من مدرسة حكومية الي مدرسة حكومية أخرى لا تقل عن 100 ألف جنيه، مع وجود رسوم لامتحانات الفترتين الأولى والثانية.
وبالنسبة لرسوم التعليم الخاص، يرى المدير السابق لشوؤن التعليم الخاص بمحلية بحري أن الرسوم إرتفعت بأرقام غير منطقية.
وأشار إلى أنها تتفاوت من مدرسة خاصة لأخرى، لكنها تتراوح إلى ما بين أكثر من المليار جنيه إلى 350 جنيه، كما أن هناك مدارس خاصة وأجنبية ألزمت أولياء الأمور بدفع الرسوم الدراسية بالعملات الأجنبية.
وعزا بابكر الانفلات في رسوم التعليم الخاص الى الوضع الاقتصادي المتردي والتصخم الاقتصادي، وعدم وجود قانون للتعليم بسبب غياب المجلس التشريعي المخول عبر لجنة التعليم بسن القوانين النافذة.
الانقلاب يفاقم الازمة
وفضلاً عن الواقع الاقتصادي المتردي في البلاد والذي ينعكس سلباً على العملية التعليمية فإن الاتهامات تطال منفذي إنقلاب الخامس والعشرين بمحاولة إعادة منسوبي النظام البائد للسلطات التنفيذية بالخدمة المدنية، بما في ذلك الإدارات التعليمية، وهو إتهام يمكن إثباته بسهولة بالنظر إلى أن سلطات الانقلاب قامت بإعفاء مديري التعليم الذين جاءت بهم ثورة ديسمبر المجيدة وأعادت كوادر المؤتمر الوطني للمكاتب التنفيذية لإدارات التعليم خصوصاً في الولايات بحسب مصادر تعليمية متطابقة.
وأدانت لجنة المعلمين بالولاية الشمالية، في بيان الثلاثاء النقل التعسفي لمعلمي المرحلة الثانوية ومديري التعليم بالوحدات الادارية بغرض التشفي نسبة لمواقفهم الوطنية المناهضة للانقلاب.ودعت إلى إقالة مدير عام وزارة التربية بالولاية، الذي قالت أنه “يعمل على إعادة منسوبي النظام البائد إلى إدارة التعليم بالولاية”.
الحملة المنظمة ضد التعليم والمعلمين، ظهرت منذ أيام الانقلاب الأولى عندما واجهت الأجهزة الأمنية وقفات المعلمين الاحتجاجية في كل من الخرطوم العاصمة والقضارف وبعض ولايات إقليم دارفور بالعنف المفرط والاعتقالات الانتقامية، التي عبرت عن توجهات “أيدولوجية”، خاصة إذا ما تم استدعاء الحملات الممنهجة ضد وزير التعليم السابق محمد الأمين التوم والمدير السابق للمركز القومي للمناهج والبحث العلمي، عمر القراي، اللذين حاولا إدخال إصلاحات جذرية في العملية التعليمية في السودان، قوبلت بحملات مناوئة شرسة من قبل الأخوان المسلمين والفلول أثناء حكومة الفترة الانتقالية التي تم الانقضاض عليها بواسطة العسكريين.
حقيبة مدرسية
وبالعودة إلى معلم المرحلة الابتدائية، فإنه يبدي أستياءً واضحاً تجاه البيئة المدرسية السيئة بمدرسته، مشيراً إلى أن المياه الراكدة لا تزال تملأ أرضية المدرسة، لافتاً إلى أن جدران الفصول الدراسية مشبعة بالمياه و متآكلة وآيلة للسقوط مع عدم وجود صيانة لترميم التصدعات التي سببتها الأمطار الشديدة.
من جهة أخرى كشفت جولة لـ(عاين) في بعض المكتبات بمدينة الخرطوم، عن إرتفاع ملحوظ في أسعار الأدوات المدرسية المتمثلة في الكراسات والأقلام والحقائب المدرسية بالمقارنة مع العام السابق.
صاحب مكتبة: سعر الحقيبة المدرسية في العام الماضي 1500 بينما تضاعف هذا العام ليصل إلى 7500 جنيهاً، وبلغ سعر “دستة الكراسات” 3000 جنيه، بينما كان سعرها العام الماضي 1000 جنيه، كما زاد سعر قلم الحبر بالمقارنة بالعام الماضي من 50 إلى 200 جنيهاً.
وقال صاحب أحد المكتبات أن هناك ركود في شراء المعدات المدرسية، بسبب عزوف أولياء الأمور عن شراء المعدات المدرسية، مشيراً إلى إرتفاع أسعارها إلى أربعة أضعاف مقارنة بالعام الماضي.
الدمازين.. مدارس ونزوح
أمس الخميس وبطلب من وزارة التربية والتعليم بالنيل الأزرق، أصدر المدير التنفيذي لمكتب حاكم النيل الأزرق، أحمد يعقوب أبكر، قراراً قضى بتأجيل الدراسة بمدينة الدمازين لمدة إسبوعين باستثناء الصف الثالث الثانوي.
وقال نائب رئيس لجنة المعلمين السودانيين بولاية النيل الأزرق، محجوب مضوي لـ(عاين): “تم فتح المدارس لكل الإقليم ما عدا مدينة الدمازين التي أجلت فيها الدراسة لمدة اسبوعين”.
وعانى إقليم النيل الأزرق من أحداث إقتتال قبلي، أسفر عن عشرات القتلى والجرحى وآلاف النازحين، بينهم نازحون تم إسكانهم في مدارس مدينة الدمازين.
وأشار مضوي إلى أن مدارس مدينة الدمازين كانت مفتوحة لاستقبال النازحين في أعقاب الأحداث التي شهدها الاقليم خلال الفترات الماضية، كما أن بعض المدارس ما زالت تستضيف عدداً من النازحين. ولفت إلى أن بيئة المدارس بها مشكلات كبيرة، بسبب الأعداد الكبيرة للنازحين، بالإضافة للمشكلات الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي شهدتها الدمازين.
وإعتبر مضوي أن فترة الأسبوعين قد لا تكون كافية لفتح المدارس بمدينة الدمازين، إلا حالة تضافر الجهود لإعادة تأهيل هذه المدارس من جديد.
كارثة جيل
من جهتها أطلقت الأمم المتحدة تحذيراً جديداً بشأن وضع تعليم الأطفال في السودان في ظل الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسبب فيها إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.
التقرير المشترك الصادر عن الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة (أنقذوا الأطفال) أشار إلى أن 7 ملايين طفل في السودان أو ما يعادل ثلث الأطفال السودانيين لا يتلقون تعليماً الأمر يعد “كارثة جيل”.
ولفت البيان المشترك، إلى أن واحد من كل ثلاثة أطفال لا يذهبون للمدرسة في السودان. كما أن البيان أوضح أن 12 مليون طفل آخرين ستتعرقل دراستهم بشكل كبير بسبب نقص المعلمين ووضع البنية التحتية.
البيان طالب بإعادة فتح المدارس وتوفير فرص التعليم البديل للأطفال الذين فاتتهم سنوات عديدة من الدراسة.
وتشير الأمم المتحدة إلى تفاقم الأوضاع بالنسبة إلى 3.6 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، خاصة أولئك الذين يعيشون في ظل النزاعات والأزمات.
المنظمة الدولية قالت أن معدل الالتحاق بالمدرسة في المناطق المتضررة من النزاعات في إقليم دارفور وجنوب وغرب كردفان يبلغ 47% وهي نسبة متدنية جداً بالمقارنة مع متوسط معدل الالتحاق بالمدرسة في بقية المناطق في البلاد، حيث يشكل عدد أطفال السودان نصف عدد إجمالي السكان.